جريدة السفير
نشر هذا المقال في جريدة السفير بتاريخ 2015-05-27 على الصفحة رقم 16 – ثقافة
سامر محمد اسماعيل
«الموسيقار» فيلم في احتفال لمناسبة مئوية فريد الأطرش
بيته في السويداء وقبره في القاهرة
بعد أربعين سنة ونيّف على غيابه عاد الفنان فريد الأطرش (1915 1974) إلى دار الأوبرا السورية التي احتفت به، تزامناً مع إعلان «اليونيسكو» الاحتفال بمئوية ميلاد الموسيقار السوري الراحل كشخصية العام 2015. المناسبة التي شهدت العديد من الفعاليات الموسيقية والسينمائية التي تجدد ذكرى صاحب «لحن الخلود» كان أبرزها افتتاح عروض فيلم «الموسيقار ـ 30 دقيقة ـ المؤسسة العامة للسينما» لمخرج ه عوض القدرو.
الشريط الوثائقي الذي افتتح هذه التظاهرة خلال أيار الحالي قدم وثائقية لافتة؛ سارداً حكاية هربه ووالدته الأميرة «علياء المنذر» وشقيقه «فؤاد» وشقيقته «آمال» المعروفة بـ «أسمهان» وذلك بعد التهديد الذي تلقته العائلة بالاعتقال من قبل سلطات الانتداب الفرنسي؛ انتقاماً من وطنية والده الأمير «فهد فرحان الأطرش» الذي قاتل ضد الاستعمار الأجنبي.
مخرج «الموسيقار» عوض القدرو قال «للسفير» عن هذه التجربة: «شكّلت لي حالة العشق والحب لخلود فريد الأطرش عبئاً ثقيلاً جميلاً؛ مُحملاً بقداسة سحر الروح الباقية لفريد في وجدانيات كل من أحبه وعشقه؛ فرأيت فيه طائراً يحمل في جناحه الأول أصالته الشرقية؛ وفي جناحه الثاني رسالته الفنية الممزوجة بحزن الغربة عن وطنه سوريا التي غادرها مرغماً تحت بطش الاستعمار الفرنسي؛ ليحلق هذا الطائر الساحر الغريب بعد ذلك ما بين النيل والفرات؛ فبوجدان الطائر رآه الناس في سماء طربه وريشة عوده المجنون الجريح».
عندما ينزوي لعشّه ـ يتابع القدرو: «تراه متخبطاً حائراً بين ذلك المنزل الموجود في السويداء مهجوراً بائساً وبين ولعه بالفن؛ لكنني شعرتُ من الوهلة الأولى أن في هذا المنزل كان يتردد صراخ الطفل فريد؛ فبيته في السويداء وقبره في القاهرة؛ ربما هذا القدر الاستثنائي في كل شيء.. القدر الذي جعل من هذا الرجل واقعاً استثنائياً ورقماً صعباً في تاريخ الموسيقى والفن العربيين... فكل هذا حب.. وغزارة الحب لهذا العملاق كانت لي الحافز والاستفزاز الوجداني لاستحضار روحه الباقية بقاء رسالة فنه الأصيل الذي لن يموت».
حكاية مؤثرة يتلوها فيلم «الموسيقار» عن قصة الهروب إلى بيروت ومنها إلى القدس؛ وصولاً إلى القاهرة بتسهيل من الزعيم سعد زغلول الذي أدخل عائلة «الأطرش» برغم عدم حيازتهم جوازات سفر؛ وذلك للدور الوطني المشهود للعائلة في مقارعتها الاستعمار، لتبدأ بعدها حياة «فريد» الطفل الذي تعرف باكراً على نوادي الغناء المصرية بسبب عمل والدته «علياء» كمغنية في «روض الفرج». المكان الذي سيتعرف فيه الفتى اليافع على أبرز المشتغلين في الوسط الفني المصري؛ ملتحقاً بالمعهد الموسيقي؛ حيث كان يكسب رزقه من بيع القماش وتوزيع الإعلانات.
«الموسيقار» يطوح بمشاهديه على مراحل عدة من حياة «الأطرش» لا سيما عمله مع فرقة «بديعة مصابني» التي ألحقته بمجموعة من المغنين؛ إلى أن نجح في إقناعها بالغناء بمفرده؛ وبعدها ليسجل صاحب «عش أنت» ألحانه الأولى لمصلحة إذاعة القاهرة، والتي كان يغني عبر أثيرها مرتين أسبوعياً برفقة أشهر موسيقيي مصر من أمثال.. أحمد الحفناوي ويعقوب طاطيوس.
الوثائقي استعان عبر سرد حياة «الموسيقار» بتعليق صوتي لأقارب الأطرش، وللموسيقار الفرنسي «فرانك بورسيل» واكبته مشاهد من أبرز أفلامه؛ إذ كان لتوظيف مشاهد بعينها من فيلم «قصة حبي 1955» لمخرجه هنري بركات اقتباس موفق لإعادة ما يشبه محاكاة لحياة عاصفة عاشها «الأطرش» في حنين لوطنه الأم، خصوصاً بعد موت رفيقة دربه «أسمهان» في ظروف غامضة بعد غرق سيارتها في الترعة عام 1944.
العودة
العام الذي سيشهد بعده عودة قوية لهذا الفنان، لا سيما بسطوع نجمه في السينما الغنائية العربية، وقدرته على تقديم أكثر من ثلاثمئة لحن وأغنية رفد بها «الموسيقار» المكتبة الموسيقية العربية لتنتهي حياته في بيروت؛ بعد تعرضه لذبحة قلبية أنهت رحلة طويلة مع المرض؛ حيث سجل الفيلم هذه الحادثة بذكاء عبر مشاهد من أفلام «الأطرش»، إضافةً لقبره في القاهرة وبيته المهجور في مدينة السويداء.
المؤسسة العامة للسينما احتفت على طريقتها بمناسبة مئوية ميلاد الموسيقار الراحل؛ وذلك عبر تظاهرة سينمائية عرضت فيها أهم أفلام الأطرش؛ إذ قدمت بين 15، و19 أيار الجاري، وبمعدل حفلتين يومياً أسبوعاً خاصاً لسينما «الموسيقار»؛ مفتتحةً ذلك بفيلم «عفريتة هانم ـ 1949»؛ معيدةً إلى الذاكرة مجد الزمن الجميل عبر روائع السينما العربية: «زمان يا حب؛ الحب الكبير؛ ما تقولش لحد؛ أنت حبيبي؛ أحبك أنت؛ ودعت حبك؛ نغم في حياتي؛ حكاية العمر كله؛ لحن حبي». الأشرطة التي تعاون عبرها «الأطرش» مع كبار مخرجي مصر من مثل.. هنري بركات، يوسف شاهين، أحمد بدرخان، يوسف معلوف، حلمي حليم.
احتفالية الأوبرا السورية لم تقتصر على فيلم «الموسيقار» بل قدمت «الفرقة الوطنية للموسيقى العربية» أمسية خاصة بهذه المناسبة بقيادة الفنان عدنان فتح الله. مقطوعات وأغنيات «الأطرش» أدتها الفرقة الوطنية على «مسرح الدراما» بأداء لافت لكل من الفنانين محمد الحجار ومحمد قباني وهمسة منيف وبلال الجندي؛ حيث أدى هؤلاء على التوالي جنباً إلى جنب مع المايسترو «فتح الله» باقة من أغنيات الفنان السوري الراحل كان أبرزها أغنياته: «أجل بهواك؛ توتة؛ علشان ما ليش غيرك، أحبابنا يا عيني، ختم الصبر، حبيب العمر» وبتوزيع لافت للفنان كمال سكيكر.
هذه التظاهرة اللافتة شهدت أيضاً معرضاً في بهو دار الأوبرا؛ ضمت بدورها خمسة وعشرين صورة نادرة للفنان الراحل؛ أعدها الفنان والكاتب أديب مخزوم الذي اختارها من بين مئة صورة مكبّرة ومؤطرة، كان قد عرضها نهاية العام الماضي في «ثقافي أبي رمانة بدمشق»، لتشكل نواة معرضه الدائم الذي يقول عنه مخزوم: «هذا المعرض جاء كثمرة تعاون بيني وبين الموسيقي جوان قره جولي مدير دار الأوبرا السورية، وبالنسبة إلي (فريد) هو شخصية كل عام، وكل وقت، ولا يمكن التعبير عن سحر وعظمة وروعة إبداعه بكلمات أو سطور أو حتى بكتب ومجلدات؛ فهنيئاً لعشاق قيثارة السماء فريد الأطرش، الغائب عن العيون، والباقي في القلوب».
نحن كــسوريين ـ وبعيداً عن نزعات التعــــصب الإقليمي ـ يتابع المخزوم: «لنا الحق أن نفتخر ونعتز بهذا الفنان الفذ (إبن سوريا البار بحكم الولادة) الذي مثّل الوطن في أبهى صورة، بعد أن أوصــــل اللحن إلى منتهاه، والسيمفونية الخالدة إلى قمتها، فكان العربي الوحيد الــــذي دخل الموســـوعة الفرنسية للفنانين الخــــالدين عام 1975 إلى جانب كــــبار الموسيقيين العـــالميين الأفــــذاذ، من أمـــثال باخ وموزارت وبيتــهوفن وشـــوبان وشوبرت وسواهم».
فريد الأطرش في سطور
ملحن ومطرب سوري، ولد في جبل العرب بمدينة السويداء جنب سوريا في 12 نيسان 1915؛ وهو أكبر أبناء المناضل «فهد فرحان إسماعيل الأطرش» الذي وقف في وجه المستعمر الفرنسي، ويعد «فريد» واحداً من أعلام الفن العربي؛ لما كان له من أثر في إغناء المكتبة العربية بما يزيد على ثلاثمئة لحن وأغنية؛ إلى جانب الموسيقى التصويرية والمقطوعات الموسيقية التي وضعها لآلة العود والأفلام الغنائية التي لعب دور البطولة فيها وبلغت واحداً وثلاثين فيلماً اشتهر عبرها بشخصية «وحيد» عبر تعاونه مع أبرز مخرجي السينما العربية مثل «هنري بركات، ويوسف معلوف».
تكرّست ظاهرة «الأطرش» في الطرب العربي مع شقيقته المطربة الراحلة «أسمهان» منذ ظهورهما سوية في فيلم «انتصار الشباب» عام 1941؛ الشريط الذي وضع «الأطرش» ألحان الأوبريت الشهير له، متابعاً مسيرته الحافلة في عالم الغناء والتلحين حتى رحيله في بيروت في الثاني عشر من أيلول عام 1975 بعد تعرضه لذبحة قلبية.
عن موقع جريدة السفير اللبنانية
صدر العدد الأول من جريدة السفير في 26 آذار 1974، وكانت ولا تزال تحمل شعاري “صوت الذين لا صوت لهم” و “جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان”.
اليوم، وبفضل تقنيات الاتصال الحديثة والإنترنت، تخطت السفير مصاعب الرقابة والتكاليف الباهظة للطباعة في الخارج وتمكنت من الوصول إلى قرائها في القارات الخمس.
تتضمن صفحات السفير الأخبار والتغطية الميدانية للأحداث في السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع والرياضة والترفيه، بالإضافة إلى التحقيقات الميدانية والعلمية والبيئية.
وتتولى تغطية الأحداث اليومية مجموعة صحفيو السفير ومراسلوها في واشنطن وباريس ولندن والقاهرة وفلسطين ودمشق وعمان وموسكو وروما وبون، مستعينون كذلك بالخدمات الإخبارية التي توفرها وكالات الأنباء العالمية.
لقراءة المزيد