الممثل المصري توفيق الدقن الذي دُفن في مساحة أضيق من جسد موهبته، ولا يليق ترابها بلون روحه المشبعة بالطيران
في قصته التي عنونها باسم “الشهيد” في مجموعته “أرني الله” المنشورة عام 1953، صوّر الكاتب المصري توفيق الحكيم، شخصية إبليس/ الشيطان، على أنه يريد التوبة والتراجع عن دور المحرّض على كل ما هو قبيح وشر، ذلك الدور المفروض عليه في لعبة الحياة، لكن أحداً لا يريد أن يساعده - ولا حتى نفسه - على تحقيق حلم التوبة، لتستمر المسرحية التي أُجبر فيها على أداء ما لا يريد... تماماً كما أتصوّر الممثل المصري توفيق الدقن الذي دُفن في مساحة أضيق من جسد موهبته، ولا يليق ترابها بلون روحه المشبعة بالطيران.
هو توفيق أمين محمد أحمد الشيخ الدقن، المولود في قرية هورين بمركز بركة السبع، في محافظة المنوفية بدلتا النيل، في 3 أيار/ مايو 1923. مات شقيقه الأكبر فلم يستخرج له أبوه شهادة ميلاد خاصة به، فعاش بشهادة ميلاد أخيه الذي توفي. المصادفة وحدها قادته إلى عالم التمثيل، إذ تغيب أحد الممثلين في مسرح جمعية الشباب المسلم في المنيا فأسند إليه الدور ونجح فيه، حصل على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1950. بدأ حياته العملية كممثل وهو طالب بالمعهد. أول عمل له كان دور فلاح، اشترك بعدها في فيلم (ظهور الإسلام) عام 1951. التحق بالمعهد الحر بعد تخرجه لمدة سبع سنوات. عمل في فرقة إسماعيل يس المسرحية ككوميديان والتحق بالمسرح القومي الذي ظل عضواً به حتى إحالته إلى المعاش. قدم للمسرح منذ عام 1958، أعمالاً مهمّة مثل، “عيلة الدوغري”، “بداية ونهاية”، “الفرافير”... وقبل ذلك، كان يعمل موظفاً باليومية في هيئة السكة الحديد وكاتب مخالفات بالنيابة الجزائية بالمنيا في صعيد مصر، ليصرف على إخوته المعتمدين على دخله.
هذا الكوكتيل في المسار المهني لـ"الدقن" لا ينم إلّا عن شخصية متأرجحة بين ما يريده وما يعيشه. يمشي بهوس المسرح لكنه مفعم بمسؤولية الواقعي المُطالَب بالكثير من أفعال المادية وانشغالات المال. أتصوره ذلك “الشرير بالإكراه”. خانه تصنيف الآخرين له. كان مكانه البطولة في الصف الأول لا مجرد “سنّيد” أو “مضحّكاتي الشر”. لم ترض نفسه، بحسب اعترافه، عن غالبية ما قدّم في السينما، لأنه “كان مقهوراً عليها من باب أكل العيش”، فيما حُرم من غرامه الأول، فن المسرح، وغرق في انتقاده لحال هذا الفن السامي وما يعانيه أهله في مطحنة الدخل والمُنصرِف، فصار كمن يحاكم ذاته على ما آلت إليه دون ذنب بحثا عن نجاةٍ ما.
رابط : المقال على موقع رصيف 22