المرأة في مشروع يوسف زيدان الروائي

, بقلم محمد بكري


 الجزء الأول


جريدة رأي اليوم الإلكترونية


الأربعاء 17 سبتمبر/أيلول 2014
جريدة رأي اليوم الإلكترونية
ذ.الكبير الداديسي


لقد شكل موضوع المرأة تيمة أساسية في الرواية عبر تاريخها فجعل البعض منها سببا للحروب، وجعلها آخرون سبيلا للسعادة ومنبع الوحي والإلهام، وحطها كتاب محط القداسة والأولهية، وأنزلها آخرون منزلة الانحطاط والدناسة ومصدر كل رذيلة…

والرواية العربية المعاصرة لا تكاد تشذ عن هذه القاعدة، هكذا تنوعت مقاربة قضية المرأة بين من اعتبرها مغلوبة على أمرها مفعول بها مهما بلغت درجة علمها كما في رواية ( حرمة) للمقري ومن جعلها غير معترف بها وبما تنجبه وإن كانت زوجة مخلصة يحبها زوجها وتحبه (ساق البامبو) ومن قدمها مستغلة من طرف الدولة والأجهزة الأمنية توظف في المخابرات واستدراج معارضي الأنظمة (لا سكاكين في مطابخ المدينة) ومن رأى فيها مكافحة صبورة (طائر أزرق نادر يحلق معي) … لكن يبقى يوسف زيدان من تناول قضايا المرأة في الرواية العربية المعاصرة حتى ليكاد يعد روائي المرأة المعاصر على غرار شاعر المرأة ( نزار قباني)…

لا يمكن دراسة الرواية المعاصرة في الوطن العربي دون الوقوف عند واحد من الروائيين الذين تميزوا بعمق الرؤية والمعالجة الروائية، مفكر نهل من مختلف ضروب المعرفة الطب ، الفلسفة، التصوف،التحقيق، الإبداع ، فجمع بين الفكر المعاصر والقديم وأنتج عالمه الروائي الخاص ماتحا من كل تلك الضروب إنه يوسف زيدان الذي أثرى الرواية العربية لحد الساعة بخمس روايات هي (ظل الأفعى) (عزازيل)، (النبطي ) (محال ( (جُونتنامو (وهو ريبرتوار روائي – وإن بدا قليلا ضمن مؤلفات المفكر الكثيرة- فإنه حافل بالقضايا الفكرية، الدينية، السياسية، الاجتماعية والإنسانية التراثية والمعاصرة، ولسنا في حاجة لاجترار ما كتب حول رواياته وما أثارته من نقاشات أدلى رجال الدين والفكر بدلائهم فيها… لكننا في هذا المحور سنقتصر من خلال بعض الفلاشات على مقاربة زيدان لموضوع المرأة في بعض رواياته التي يبدو فيها موضوع المرأة حاضرا بقوة وخاصة في رواياته الثلاثة الأولى التي تطالعنا فيها المرأة منذ الصفحات الأولى ونخص بالذكر (ظل الأفعى) و(عزازيل) المهداتان لنساء فالأولى مهداة (لمي ابنتي.. وجدتي) وعزازيل مهداة ( إلى آية) فيما جاءت رواية (النبطي) جاء بلسان امرأة …

على الرغم من اختلاف الأزمة التي تدور فيها أحداث الروايات الثلاث : عزايزيل في القرن الخامس الميلادي ، النبطي خلال القرن السادس الميلادي ، وظل الأفعى في المستقبل القريب (30 يونيو 2020م)، فإن نظرة زيدان للمرأة تكاد تكون واحدة، هو في كل رواية منتصر لقضية المرأة متعاطف معها، حتى ليستحيل أن ينافسه في تبني قضايا النساء روائي معاصر فكيف حضرت المرأة في روايات (عزازيل) ، (ظل الأفعى) و( النبطي)؟

المرأة في رواية (عزازيل) :

تكاد تشكل المرأة قضية ثانوية مقارنة مع القضايا الكبرى التي تعالجها الرواية، لكن ذلك لا يمنع النبش في هذه القضية، من خلال ثلاث بطلات كان لهن دور في تطور أحداث الرواية هن أوكتافيا، هيباتيا ومرتا إضافة للسيدة العذراء التي كانت تحضر من حين لآخر في بعض الأدعية وكانت أول امرأة ذكرت، وآخر امرأة ورد اسمها في الرواية.. إذ جاء في (الرق الثلاثون = آخر صفحة في الرواية):

دعاء وتعظيم للسيدة العذراء: (نعظمك يا أم النور، الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة..)[1]

هذا وقد ورد في الرواية أسماء لنساء أخريات لكن دورهن ظل ثانويا، وكلهن تشتركن في أن زيدان يقدمهن في صور إيجابية منذ الإشارة إلى أول امرأة في الصفحات الأولى التي تحضر رسامة ( انتظار لرسامة كاهن آخر من الرهبان الرسامة تكون في كنيسة أنطاكيا التي يتبعها هذا الدير)[2] مرورا بوالدة البطل والاختتام بالدعاء للسيدة القديسة… ناهيك عن الحديث عن المرأة بصفة عامة كأيقونة، مع الإشارة إلى وظيفتها في الحياة فيختار لها أحسن الأوصاف، ويشبه ألأشياء الجميلة بالمرأة لنستمع لهيبا كيف يصور البحر في قوله : ( أنا الذي لم أعرف امرأة في حياتي، ولم أكن أنوي أن أعرف.. جال ببالي البحر امرأة لعوب تمتع الرجال العائمين دون خطيئة تحسب عليهم أو يحاسبون عليها)[3] وكلما حاول أحد الشخصيات الحط من قدر المرأة انبرى له هيبا ( الذي يكاد يشكل صوت الكاتب) مدافعا عن المرأة كقوله لأحد الرهبان الذي يعتبر الأنوثة والنساء سبب كل بلاء والنساء كلهن خائنات فرد عليه (مهلا يا فريسي الأرض أنثى والرب جاء من العذراء)…

وحتى لا يبقى كلامنا عاما لنعد إلى موضوع حديثنا ونقف عند نماذج المرأة في عزازيل :

1 – هيباتيا : الصورة التي قدم بها يوسف زيدان هذه الشخصية تعكس عن موقف راق ومتحضر من المرأة فهي في نظر البطل ( أستاذة كل الأزمان)[4] و (شقيقة يسوع) المرأة التي (وقف لها الجميع بمن فيهم الرجال)[5] وإلى جانب مكانتها الدينية والعلمية رسم السارد ملامحها في غاية الجمال فهي (امرأة وقور وجميلة أجمل امرأة في الكون، وقار يماثل ما يحف بالآلهة من بهاء) لذلك كان من الطبيعي أن يتعاطف معها السارد ويرى في نكبتها شهادة يقول (هيباتبا أستاذة الزمان.. النقية.. القديسة… الربة التي عانت بعذابها آلام الشهيد )[6] لائما في شهادتها كل من شهد موتها ولم يحرك ساكنا بمن فيه الله والشيطان (بلغ نحيبها من فرط الألم عنان السماء حيث كان الله والملائكة والشيطان يشاهدون ما يجري ولا يفعلان شيئا)[7] وذلك ما جعله يتنكر لديانته ولإخوانه في الدين (المرأة المغيثة لم تستغث يسوع لكنه أغاثها، من راجميها قساة القلوب ، وأنا لم أغث شقيقة يسوع من أيدي إخوتي في الديانة.. لكنهم ليسوا إخوتي أنا لست منهم )[8]

وليبرز موقفه أكثر من قضية المرأة اختار مشهدا بطوليا ، أمام عجز الرجال عن إنقاذ هيباتيا، وإعلان موقفهم نكبتها، رمى السارد بامرأة بدل كل الرجال من خلال استنكارها دون الرجال لمحنة هيباتيا وارتمائها عليها لتخليصها من بين أيدي الطغاة مقدمة روحها فداء لها( أقبلت المرأة تجري نحو الجميع حتى ارتمت فوق هيباتيا ظانة أن بذلك سوف تحميها (كانت أوكتافيا)[9]

أوكتافيا: مثل كل النساء في روايات يوسف زيدان، أخاذات راقيات حتى وإن كن خامات ، فأوكتفيا خادمة السيد الصقلي تاجر الحرير لم يقدمها كخادمة وإنما كما لو كانت خيوطا من نور أشبعت كل غرائزه بعد جوع… فبعد ألأكل الذي قدمت له يقول (شبعت حتى ظننت أن لن أجوع أبدا)[10] كانت لها قوة أشعرته ( كأن الكون الأعلى توقف عن دورناه والنيل البعيد سكن جريانه،ولم يعد على وجه الأرض بشر واختفت الملائكة من السماء[11]… لم تكن أوكتافيا خادمة كباقي الخادمات وإنما متعلمة منذ صغرها تقول أن سيدها الصقلي ( هو الذي علمني القراءة حين كنت في العاشرة من عمري) تفهم في المنطق ومطلعة على فلسلفة أرسطو وأشعار هرقليطس تجيد الطبخ.. غوته وغواها رغم علمه بمصيره لو افتضح أمره كراهب… جعلته (آدم الذي يوشك أن يخرج من الجنة لأنه يوشك أن يدخل الجنة فيأكل من الشجرة ثانية)، في أوكتافيا يقول هيبا (لم أر المحبة الحقة إلا في امرأة وثنية لقيتني صدفة في الشاطئ أدخلتني جنتها ثلاث ليال سويا)[12]

مرتا: لا تختلف صورة مارتا عن صوتي كل من هيباتيا وأوكتافيا من حيث قيمة الجمال الروحي والجسدي وإن اختلفت عنهما في الوظيفة ، فإن كانت هيباتيا أستاذة فيلسوفة، وإذا كانت أوكتافيا خادمة مخلصة عالمة فإن السارد قدم مارتا بصورة المغنية التي يرتجف جسد، وتدمع عين كل من يسمع أغانيها وصوتها الملائكي بل إن ( مرتا أجمل امرأة خلقها الرب )[13] وكلما غنت ازدادت بهاء، إنها ملاك نزل من السماء ( وهل كانت مرتا إلا حمامة بيضاء هبطت إلى هذا العالم من فوق السحاب)[14]، مرتا لم تكن مثل كل النساء كانت أقرب إلى الطفولة والملائكية ، ومن أجل هذا الملاك الطفولي، كان على استعداد لركوب كل المخاطر، وهدم كل ما بنته النفس ، بعزمه على الزواج من مارتا وهو العالم أن ديانته تمنع زواج الرهبان، وتنظر إلى الزواج بالمطلقة على أنه زنى ففي (إنجيل متى الرسول مكتوب: من تزوج مطلقة فهو يزني) ، ومع ذلك فقد اعتبر مرتا حياته كلها وبغيابها يقول (انتهت حياتي كلها فليس أمامي إلا الموت)

ما يبدو إذن من خلال رواية عزازيل أن السارد ومن خلاله يوسف زيدان مؤلف الرواية يرقى يخرج بالمرأة عن تلك الصورة النمطية التي تقدمها مجالا للشهوة الساقطة المبتذلة، ويرتقي بها إلى عوالم الملائكة والمخلوقات النورانية القادرة على غمر ما حولها بالحب والعطاء ..

عن موقع جريدة رأي اليوم الإلكترونية



 الجزء الثاني


جريدة رأي اليوم الإلكترونية


الأحد 21 سبتمبر/أيلول 2014
جريدة رأي اليوم الإلكترونية
ذ.الكبير الداديسي


نواصل سلسلتنا حول المرأة في مشروع يوسف زيدان الروائي، وبعد مقاربة لصورتها في رواية عزازيل نحاول في هذا الجزء الثاني عن كيفية مقاربة زيدان لموضوع المرأة في رواية النبطي ، على أن نعود في الجزء القادم لباكورة أعماله رواية (ظل الأفعى)

تحكي رواية النبطي حياة ما قبل دخول الإسلام إلى مصر على يد عمر بن العاص ووقوع مصر بين تجاذبات الفرس والروم من خلال قصة فتاة بلغت من العمر الثامنة عشر عاما تعيش في حياة بسيطة مع أسرتها المكونة من الأم وأخيها بنيامين ،في كفر يدين أهله المسيحية.. والرواية تنقسم إلى ثلاث أقسام كل قسم يشكل مرحلة خاصة من حياة البطلة:

 وتبدأ الحياة الأولى بتقدم أحد العرب الأنباط مصطحباً معه أقاربه وأخويه الهودى والنبطى لخطبة ماريه والتي ستوافق على الزواج به رغم كبر سنه وهي ابنة الثامنة عشر ، واضطرارها إلى الرحيل معه إلى أرض قبيلته بعيداً عن أهلها، وفي هذه القسم نتعرف إلى حياة المصريين قبل دخول الإسلام ووضعية المرأة آنئذ…

 وتمتد تفاصيل الحياة الثانية عند تحرك القافلة نحو ديار النبطي مصطحبه معها ماريه في طريقها إلى أرض زوجها مروراً بصحراء سيناء، ليضعنا هذا القسم في تفاصيل حياة القوافل العابرة للصحراء،

وكيف عاشت مارية (المرأة الغريبة ) هذه التجربة، وكيف كان ينظر العرب الرحل للمرأة

 تبتدئ الحياة الثالثة بوصول مارية إلى ارض قبيلة زوجها سلومة حيث قابلت أم زوجها (أم البنين ) وهناك تعيش حياة مغذبة وسط أسرة كثيرة العدد منهم زوجها الذي اكتشفت أنه لا ينجب منشغل عنها بالتجارة ، فتعلقت عاطفيا بأخيه النبطي، حتى إذا عزمت الأسرة على الرحيل نحو مصر لنشر الإسلام خامرتها فكرة مغافلة الأسرة و البقاء مع النبطي وحيدين…

يبدو من خلال مضامين هذه الرواية إذن أنها جعلت من المرأة تيميتها الأساسية من خلال إسناد السرد والبطولة ل ( الخالة العابرة مارية وقيل صواب اسمها ماوية)[1] ومن خلالها تسعى الساردة لتقديم واقع المرأة في مصر وشبه الجزيرة العربية قبيل دخول الإسلام، حيت تعتبر المرأة عانسا وهي لما تبلغ الثامنة عشر من عمرها تقول (فقد تجاوزت الثامنة عشر من عمري بعدة أشهر ويكاد يأسي من الزواج يبلغ منتهاه… والنسوة الكادحات ينظرن نحوي بإشفاق يليق بعانس)[2] ، لذلك كانت تغبط دميانة صديقتها التي تزوجت في سن الخامسة عشر، مقتنعة أن (الفتاة إذا تخطت الخامسة عشر بلا زواج، يدب الصدأ إلى بطنها فيخرب معدنها)[3]، لذلك كان الزواج حلم كل فتاة في بلدة يسمون الزواج فيها (السعد)[4] ، وأن الفتاة لا تصير امرأة إلا به، تقول لدميانة ( ساعة انتهى الراهب من الصلوات وصيرك امرأة)[5] …

حاول زيدان أبراز معاناة المرأة في مجتمع رجولي دون أن يحط من قيمتها أو يستصغر شأنها فبين كيف كانت مهمشة، لاحق لها في اختيار شريك حياتها، و أن الرجال هم من يختارون العروس (العرب جاؤا يخطبون ولا امرأة معهم… لا امرأة في الغرفة لأجلس بجوارها)[6] … وعلى المرأة أن تظهر صغيرة ،حتى لو اضطرت إلى الكذب في تحديد سنها فأم نونة كانت (تردد دوما أنها في عمر أمي،وسمعتها الشهر الماضي تقول إنها في العشرين مع أنها بلغت الأربعين)[7].. لذلك يتم الإصرار المجتمع على تزويج طفلات لازلن في سن اللعب خوفا عليهن من العنوسة المبكرة: (كانت نونا في أول زواجها تهرب نهارا من بيتهم لتلعب مع الأطفال في الدرب والساحة، فيخرج زوجها العامل بالمعصرة، ويحملها على كثفه كلعبة ويعود بها إلى البيت وهي تبكي، وترفسه بساقيها القصيرتين… كنا نسمع صراخها آناء الليل، وكانت أمها حين تسألها النسوة، تهز كتفها اليمنى كعادتها، وتقول غير عابئة: البت صغيرة، وكل ما فيها صغير.. نونا لازالت تنادي زوجها إلى اليوم ياعمي..بلغ عمرها قرابة العشرين عاما ولها من الأطفال خمسة )[8] هكذا تستمر الرواية في كشف عورة مجتمع مختل ( الرجال (فيه) لا يكبرون مهما امتد بهم العمر، النساء يكبرن لأنهن يلدن ويرضعن فينهد الحول وتسقط العافية)[9]

مجتمع يقوم على الرياء يحتار العقل في تمييز أفعال أناس (يزينون العروس ليشجعوا الزواج، ينشرون على الملأ خرقة دم العذرية ويتركون الزوجين منفردين ليفعلا كل ما يشتهيان، وبعد ذلك يقولون إذا ما ذكرت أمامهم الأفعال إنها عيب)[10].. الكل يلهث وراء المرأة ولا أحد يفكر في عواطفها في مجتمع يعمل حلى تختين النساء حتى يكبح شهواتهن، لذلك ارتبط كل شيء قبح لدى مارية بذلك الشخص الذي ختنها وحرمها متعة اللذة الجنسية ( ذكر البط أسود وقبيح منظره يذكرني بالرجل الضخم الذي ختنني أناو دميانة)[11]، ينتقد زيدان إذن هذا الواقع الذي يحرم المرأة حتى من إظهار حزنها تقول مارية (صرت أبكي مثل أمي خفية بلا صوت البنت تصير كأمها لا محالة)[12] ، والمفروض على البنت فيه أن تكون شفافة في كل شيء حتى في لباسها ( جلباب الولد جيبه إلى الداخل وجيب جلابيب البنات يخاط من الخارج كي لا يحجبن عن الناس ما يخفين في جيوبهن)[13] ، وحتى إذا ما إذا بدأت علامات النضج ترسم ملامحها على أجساد الفتات تسجن وتمنعن من الخروج : (حين حبستني أمي بقيت أياما أبكي بحجرة الحبوب.. وكلما هددتني بالضرب أو ضربتني ينقلب بكائي نشيجا لا أملك له دفعا.. أبونا باخوم زارنا أيامها وتوسط عند أمي لتطلقني في اليوم ساعة واحدة ، لكنها اعتذرت منه لأنها تريد تزويجي، والبنات الطليقات لا يتزوجن..)[14].. في مقابل ذلك لا تفرض قيود على الرجال والذكور من الأولاد، فمظهر الرجل ليس مهما ولا هيئته،والمهم في الرجل أن يكون غنيا وطيبا ولا يضرب زوجته)[15] ، للرجال حق التحرش بالفتيات مهما كن صغيرات ، تحكي مارية كيف كان بستني الرجل السمين المترهل يطمع في اغتصابها وهي بعد غرة صغيرة ، في هذا الوقع المأساوي للمرأة الذي يرفضه زيدان، كانت المرأة مجبرة على طاعة الرجل ، والكاهن يقرأ في كل ليلة زواج ضرورة خضوع المرأة للزوج مثل خضوعها للرب (ليخضعن لرجالهم كما للرب،لأن الرجل هو رأس المرأة، كما هو المسيح رأس الكنيسة)[16]…

أما كثرة القيود التي تكبل المرأة، وجدنا بطلة الرواية كثيرا ما تمنت الموت على العيش في الذل والهوان، وتكررت هذه الأمنية في مقاطع متعددة من الرواية تقول البطلة :(تمنيت لو مت أيام طفولتي أو يوم زواج دميانة) وفي مقطع آخر تناجي البطلة نفسها وتقول:

(ناديت هامسة أيها الموت اقترب

خذني إليك وطوح بروحي بنقطة ماء تنسرب

بين الشقوق فتشربها الرمال بلا تعب

لعلني ارتاح إذ أأوب في التراب وأغترب) [17]

لقد تمنت الموت بكل الطرق ، بحثا عن الأمان، وعما يشعرها بإنسانيتها بعدما ضاعت بها الحياة درعا، تقول : ((إنني أريد الأمان أو مجيئ ثعبان يندس في فرشي فينهشني ويشرب من دمي متمهلا، فأنزلق من نومي إلى موتي، من دون أن أنتبه، أو ألقي بنفسي من شاهق جبل فأرتاح مما لم أحتمل )[18]

وتمنت في مقطع آخر (لو كنت معزاة لانفردت عن القطيع وناديت باكية على ذئب، ليفترسني فأستريح)[19]

لقد كانت البطلة ، ومن خلالها المرأة في نظر زيدان تعيش في مجتمع النسوة لا ينادون الرجال بأسمائهم ، مجتمع يكبلها، يقيد حريتها، يزوجها صغيرة فخلال رحلتها رصدت رجلا له جاريتان صغراهما في العاشرة، إن المجتمع يمنعها حتى من إظهار وجهها تقول مارية : اقترب مني وهو يهمس: يحسن أن تسدلي ستر رأسك على وجهك، ابتداء من غد فلا يصح لغير إخوتي أن يروكِ[20] ، ويفرض على المرأة أن تكون لزوجها وفية كالكلب مع صاحبه، على الزوجة رعاية زوجها، والسهر على خدمته ففي ديانة النبطي :( كل امرأة أم وكل رجل ابن)[21]، ورغم تضحية المرأة وسهرها على تنظيم حياة الرجال فإن المجتمع لا يعترف للمرأة بشيء تقوم به ، ولا يُنسب إليها ، فأم زوجها وإن كانت لها بنات، فإنها تعرف بأم البنين : (لزوجي ثلاث أخوات وستة إخوة، ولأن أمه أنجبت من الذكور سبعة ،صاروا ينادونها أم البنين،هم لا يعدون البنات ، ولا يعتدون بهن عند العد، أو لعلهم يتحرجون)[22] وذلك لقناعة المجتمع بأن المرأة مهما فعلت تظل خائنة متحالفة مع الشيطان ، النبطي يقول: (المرأة، حواء، عصت الرب وخانت زوجها آدم بأن تحالفت مع الشيطان، ومن يومها والنساء تخون)[23]

وعلى الرغم من كون زوجها عقيما ، فإن المجتمع مقتنع أن (الرجال كلهم ينجبون، وأن النساء هن اللواتي قد يعقمن) وحتى إذا علمت المرأة بعقم زوجها عليها كثمان الأمر والتظاهر بأنها العقيم، فعندما علمت ماوية بعقم سلومة، طلب منها عميرو ( لا تقولي لأحد أن زوجك لا ينجب فهذا عندنا من المعايب الداعية لاحتقاره)[24] وهو ما عبرت عنه الطفلة ببراءتها لما حدثها أمها عن المسيحية فاستغربت الفتاة قائلة ( لهم رئيس للدين اسمه البابا ولنا بابا غيره.. البابا هنا والبابا هنا اين هم الأمهات؟؟)

من خلال رواية النبطي يبدو أن يوسف زيدان وإن تحدث عن مرحلة قديمة، فإنه يتغيى تعرية واقع المرأة في العالم العربي حديثا، إذ لا زلات إلى اليوم حقوقها مهظومة، وأن المجتمع لا يعترف بقيمة المرأة إلا إذا تزوجت وأنجبت ذكورا وهذا ما يتضح من نصيحة الأم لابنتها العروس: ( سوف يجبك زوجك إذا أعطيته أولاد ، الولد سر عزتك وسبب بقائك… قد تكركه حماتك .. فاحرصي على التقرب إليها وإرضائها اتقاء لشرها.. سوف تغيظك أخت زوجك .. فابتعدي عنها إلى حين .. حين تتمكني خبئي للزمان أموالا لأن ابنك سيحبك غنية … ولا تتأخري عن دعوة زوجك للفراش فهو يحبك شهية .. لا تتكلمي هناك إلا قليلا)[25]

وبذلك تكون رواية النبطي قد سارت في نفس فلك رواية عزازيل، من حيث جعل المرأة بؤرة اساسية في الروايتين، و من حيث تقاربهما في المرحلة الزمنية (عزايزيل في القرن الخامس الميلادي، النبطي خلال القرن السادس الميلادي) لكن بين الروايتين بون شاسعة في نظر المسيحي (هيبا) لنساء عصره، وبين نظر العرب قبيل ظهور الإسلام لها … ورغم تناوله لموضوع المرأة في الروايتين فأن أرقى ما قدمه زيدان عن المرأة يتجلى في روايته الأولى (ظل الأفعى) وهو ما سنتناوله في الجزء القادم.

عن موقع جريدة رأي اليوم الإلكترونية



 الجزء الثالث


جريدة رأي اليوم الإلكترونية


الجمعة 10 أكتوبر/تشرين الأول 2014
جريدة رأي اليوم الإلكترونية
ذ.الكبير الداديسي


بعد جزأين في موضوع ( المرأة في مشروع يوسف زيدان الروائي) قدمنا فيهما نظرة الروائي والمفكر يوسف زيدان للمرأة من خلال روايتيه (النبطي) و(عزازيل) نواصل هذه السلسة في هذا الجزء الثالث بإطلالة على رواية (ظل الأفعى) وهي أولى الروايات التي أطل من خلالها يوسف زيدان كروائي على القارئ العربي وفيها أعلن بصراحة عن الخطوط العريضة لمشروعه الروائي و موقفه من المرأة…

صدرت رواية (ظل الأفعى) عن دار الشروق سنة 2006 في 135 صفحة من الحجم المتوسط ، تحكي قصة رجل يسعى لاسترضاء زوجته التي هجرته دون أن يعرف السبب. فحاول الاستعانة بجدّها الباشا لإعادتها إلى صوابها. ليكتشف يوم واحد وهو الثلاثين من شهر يونيو من عام 2020 ميلاديّة. الموافق للتاسع من ذي القعدة سنة 1441 هجرية أنها كانت تتوصل برسائل من أمّها التي عاشت بعيدة عنها . حاول يوسف زيدان من خلال تلك الرسائل إبراز قيمة و أهميّة الأنثى والمرأة خاصة ، وكيف تحولت مكانتها من التقديس في الحضارات القديمة ، الى التدنيس في الحضارات الحديثة التي هيمنت فيها الثقافة الذكورية التي تنظر للمرأة نظرة دونية . فكيف قدم زيدان المرأة من خلال تلك الرسائل ..؟؟

لقد شكلت رواية ظل الأفعى صرخة في وجه البنية والعقلية الذكورية الاحتقارية للمرأة، وفي وجه النظرة التي جعلت المرأة تتوارى بعد إزاحتها من عرش الأولهية والتقديس وتقنع بأن تمدح (بأنها ربة خدر)..

وعلى الرغم من بداية الرواية التي تبدو نسبيا ثقيلة ، تجعل القارئ ينتظر أن تكون رواية جنسية، فسرعان ما يخيب أفق انتظار قارئ (ظل الأفعى) لما يكتشف أنها رواية دسمة، تطلبت من صاحبة عناء بحث في اللاهوت والناسوت، ليظهر موقف زيدان من المرأة أوضح منه في باقي رواياته الأخرى… مما جعلها – وهي أولى روايته- تشكل تدشينا لبرنامجه السردي، وإعلانا عن موقف في مشروعه الروائي من قضية المرأة، ومساندته اللامشروطة لقضايا الـأنثى، حتى ليشك القارئ أن الرواية صادرة عن رجل ، إذ قد يتبادر إن ذهن القارئ – لما في الرواية من تنوير حول تاريخ المرأة و وانتقاد للفكر الذكوري- أن كاتبها قد يكون امرأة متعصبة لمقاربة النوع ، من خلال تقديسه للأنثى بفطرتها وأمومتها بشكل مختلف عما هو معتاد عند من يتناول القضية من جانب حقوقي أو إنساني ، لذلك كان في الرواية رفض لطرح أولئك النساء اللواتي يدافعن عن قضية المرأة بمنظور ذكوري ، فعبرت الأم في إحدى رسائلها عن موقفها ذاك فيما كتبته لابنتها عن إحدى محاضراتها : ( قلت إن المتنوِّرات اللواتي يطالبن بما يعتقدن إنه حقوق المرأة، هُنَّ نسوةٌ أفرغن أنفسهن من الأنوثة الحقّة، وحشونها بالذكورة! فصرن كائنات ممسوخة تطالب الرجال، بمنطق الرجال، أن يجعلن من النساء رجالاً فهاجت علي أقلام النسويات الرخوة . وأقلام الجماعات الدينية الصلبة التي كانت هائجة أصلا ضدي) [1] ، ولتأكيد موقفه الداعم للأنثى عامة والمرأة خاصة استشهد بعدد من النصوص القديمة منها ما يرجع للحضارة السومرية، وما يرجع للحضارة المصرية القديمة فخصص السارد عدة صفحات (من ص53 – إلى ص60 ) كلها نصوص تشيد بالمرأة نكتفي بالإشارة إلى واحدة منها أحال إليها ب(ترنيمة مصرية ، الدولة القديمة ) جاء فيها :

(أنا أم الأشياء جميعا

سيدة العناصر

بادئة العوالم

حاكمة ما في السماوات من فوق

وما في الجحيم من تحت

أنا مركز القوة الربانية …) ترنيمة مصرية الدولة القديمة [2]

(أنا الطبيعة أنا الأم الكونية

سيدة كل العناصر … عبدت بطرق شتى وأطلقت علي أسماء كثيرة ) [3]

ليؤكد أن المرأة في الحضارات القديمة كانت تحظى بمكانة مقدسة، اعتبرت فيها المرأة أما وسيدة كل الأشياء، المعبودة والحاكمة في السماوات والأراضي، مركز القوة الربانية والأم الكونية… قبل أن يتم أنزالها من على عرش ملكوتها، محملا الديانات مسؤولية تدني وضعية المرأة وتدنيس سمعتها: (كن حاكمات وقاضيات في معظم الحضارات القديمة … ثم تغير الحال فجاءت اليهودية لتحرم على المرأة أن تكون حاكمة وقاضية بعدما دنس كتبة التوراة بضربة واحدة المرأة .. فأفرغ شعار الربات والأرباب والملكات العظيمات من مضمونه القديم ) [4]

وعندما وصف الباشا أم الساردة بالأفعى لم تثر في وجهه، بل على العكس اطمأنت وأعجبها الوصف( قال لي بل أنت الأفعى .. سعدت بالوصف) وكأنها وجدت فيه مناسبة لإظهار قوة المرأة وخصوصيتها ومقارنتها بالأفعى التي اقتبس منها الفكر الذكور معنى الزحف لإطلاقه على جيوشه المخربة ، مبرزة أن (الأفعى رمز لكل الإلهات على اختلاف أسمائهن ) ومنتقدة تحول الأفعى بعد ذلك (شعارا لآلهة ذكورية مصطنعة :لإله الحكمة المزعوم هرمس.. ولأله الطب عند اليونانيين إسكليبيوس ولآلهة كثيرة غيرها ) [5]

إن يوسف زيدا في رواية ظل الأفعى، منتصر للمرأة مدافع عنها، باعتماد حجج تاريخية دامغة ، محاولا إتباث أن (الإنسانية كانت لا ترى بأسا في أن تحكم النساء، بل ترى أنه من الطبيعي أن تحكم النساء ) [6] ليقدم عشرات من الأمثلة لآلهات نساء، ولنساء حكمن وكن حاكمات قاضيات فكن رمزا للسلم والاستقرار فقد (عاشت تلك الحضارات زمنا طويلا في سلام وأعطت للإنسانية في الزمن الأنثوي الأول كل بذور الحضارة الزراعة الثقافة الاستقرار الحنين إلى الوطن الضمير الديانة… السلام ) [7] في مقابل ذلك ربط الحروب ، والدمار والتخريب بزمن الذكورية ( لم يجد الآثاريون أثرا لصناعة حربية بين حفرياتهم مثلما وجدوا في المجتمعات الذكورية اللاحقة) [8]، وفي إطار دفاعه عن المرأة والأنثى عامة، استشهد بآراء بعض المدافعين على المرأة كما ورد في رسالة ابن عربي فيما لا يعول عليه حين قال ( المكان الذي يؤنث لا يعول عليه ) [9]، رافضا فكرة وأد البنات التي روجت عن العصر الجاهلي مبرزا أن الفكرة تدولت بعد الإسلام وفي عصر التدوين ويستشهد على ذلك بوجود شخصيات نسوية كان لهن نفوذهن في الجاهلية ، و كون الجاهليين عبدوا وأخلصوا لآلهة مؤنثة أهمها (اللات ، العزى، مناة ، نائلة ..) وأسموا قبائلهم بأسماء نساء أو نسبت لأسماء مؤنثة( كندة، ثغلبة ، أمية ، ربيعة ،ساعدة..) [10] وحتى اللغة العربية منتصرة في الأصل للمرأة بدليل وجود (اسم مفرد لا يمكن جمعه ، واسم جمع لا يمكن إفراده المفردة التي لا تجمع هي كلمة (المرأة) والجمع الذي لا يفرد هو كلمة (نساء) فالمرأة ،أبدا واحدة ، والنساء صورتها المتكررة ، المرأة ربة فرد، والنساء مقدسات.. ثم صرن (أو صار أغلبهن )اليوم مثلما أريد لهن مدنسات ) [11]، ومن مظاهر تكريم اللغة العربية للمرأة والأنثى كون (المصادر الصناعية كلها مؤنثة(الإنسانية، الوطنية، الاجتماعية، الإلهية ، الواقعية) بل إن الرجل عندما يصل مرتبة من العلو والكمال تضاف لصفته تاء التأنيث (إلحاق التأنيث بالرجل إذا بلغ مرتبة عالية فيقال علامة، فهامة ، نابغة ، رجالات ( لا يقال رجالات إلا للرجال ذوي المكانة العالية في الجماعة ) [12]

لتنتهي الرواية إلى أن الوضعية المتدنية التي تعيشها النساء اليوم، واعتبارها من أكثر الفئات هشاشة في المجتمع المعاصر ، أنما يرجع لهيمنة الفكر الذكوري، مستغربا من تمثيلٍ في اللغة ضربه ابن منذور في لسان العرب تقول أم الساردة (قرأت في لسان العرب : الأنثى خلاف الذكر في كل شيء والجمع إناث وأُنُث كحمار وحمُر ) [13] إذ انتفت كل الأمثلة أمام ابن منذور فلم يجد إلا الحمار ليقيس عليه جمع إناث، مستغربة كيف تم تطويع اللغة للفكر الذكوري وإزاحة المرأة من علوها المقدس، إلى موضعها المدنس، مستشهدة بوصف الزوج بالبعل ووصف المرأة بالحرمة موضحة لابنتها كيف ( استعيرت لفظة بعل للدلالة على الزوج وجعلوا للزوجة لفظ حَرَم انظري كيف جلبوا لوصف الزوج اسم الإله الذكر القديم الذي أزاح عشتار عن عرش الأولهية ولم يصفوا المرأة يوما بأنها بعلة وفي المقابل جعلوا الزوجة، فقط، هي حرم الرجل ولم يصفوا الزوج بأنه حرم لزوجه .. للرجل الحرمة ،والحريم، والحل والتحريم صورة الله الذي ورد في الخبر أنه خلق آدم على صورته، للرجل فضل التفضيل الإلهي ، وحظ أنثيين والحور العين في وعد الجنة … ولا شيء للمرأة حاملة الأجنة، إلا الدعوة إلى الرفق بها، ومن تم الوصاية عليها، والزعم بأنها في الأصل معوجة ) [14]، إن الفكر الذكوري من وجهة نظر الرواية فكر عنصري متعصب يحمي فيه الأب ابنه إن اعتدى أو اغتصب فتاة، وله في أسطورة اغتصاب إنانا السند والمرجع التاريخي إذ استنتجت كاتبة الرسائل النسبة الأبوية الحامية للرجل حتى ولو كان مخطأ ، وأن الرجل بين إخوته الرجال آمن حتى لو عم الخراب العالم من حوله فمن خلال اغتصاب شو كاليتودا ( الرجل الأرضي) للربة إنانا ووقوف أبيه إلى جانبه إفلاته من العقاب فلا بأس إن اغتصب أي رجل امرأة شريطة تدبر أمر إفلاته ومن تم فكل النساء فرائس يمكن لأي صياد ماهر قادر على تدبر الأمر أن يظفر بهن [15]

لقد كرس الفكر الذكوري سلطة الرجل وقوته رغم دوره الثانوي في دورة الحياة، وأن أهم ما يستطيع فيعله في هذه الدورة (لا يتم إلا في لحظة إطفائه الشبق ، في لحظات قصار يفرغ فيها قطرات بيضاء دون أن يدري كنهها لانشغاله ساعتها بالرعدة السحرية الناجمة عن ولوجه في باطن المرأة ) [16]، لذلك فالرجل في نظر الرواية لا يستحق لقب الوالد قالت :(إنما أنا الوالدة ، الرجل لا يلد ولا يصح وصفه بالوالد ) [17]

حاولت الرواية إذن إبراز أن هناك قصدا في تدنيس المرأة ما دامت كل دواعي تقديس الأنثى لازالت على حالها (فلا تزال المرأة تحيض، وتستدير أعضاؤها، وتلد وتتعهد غير أن الوعي الإنساني المتأخر .. بلغ فيه العهر الذكوري من العتي والمخاتلة بحيث صار ينظر لدواعي القداسة في المرأة على أنها علامات الدنس ) [18]، ذلك أن تقديس وتأليه المرأة حسب الرواية يرجع إلى عاملين أساسيين: الأول منهما مرتبط بطبيعة الأنوثة وجوهرها ( الحيض،الولادة، الاستدارة ..) و الآخر يرتبط بالوعي الفطري للإنسان ( ربط الدم بالحياة والتضحية والقرابين) الدم سر الحياة والدم يفيض في المرأة كل شهر وهو إعلان دوري لامتلاكها سر الحياة [19]… وقد تدرج هذه التدنيس المقصود، والتقليل من شأن المرأة المدبر عبر مراحل فقد (كان الرجال يقدمون جزءا من جسمهم ثم صاروا يقدمون جزءا من المال ويسمونه مهرا، والمهر في اللغة التوقيع !ثم غلبهم الشح فجعلوا مهر النساء جزءا مقدما وآخر مؤخرا ثم نسوا أنفسهم واستباحوا الطلاق ثم تجرأوا على الجمع بين الزوجات ثم تبجحوا بالادعاء أن المرأة خلقت من ضلع الرجل الأعوج. قلبوا الأمور فانقلبوا قوامين على من أقاموا من رحمها المقدس فتقلبت أحوال البشر… سرنا على غير هدى فصرنا إلى ما نحن فيه.)

وبذلك خلق التفاوت في المجتمع الذي أصبح باستبداد الفكر الذكوري نصفان: رجال ونساء (الرجال بحكم الواقع المفروض والتاريخ المصنوع هم الأعلى ، وعلى الأدنى (النساء) أن يقمن بالدور المقدر عليهن بحكم انتماء المجتمع للبنية الاحتقارية [20] لتتكرس فكرة الأبوة وهي غير الأمومة( الأمومة .. طبيعة، والأبوة ثقافة. الأمومة يقين، والأبوة غلبة ظن. الأمومة أصل في الأنثى، والأبوة فرع مكتسب) [21] لأن الأمومة مرتبطة بمعاناة الولادة ومنوطة بالشفقة والألم لدرجة أن الولد و البنت كلاهما عند الأم (ضنى ) وليس من عاده الرجل ان يصف ذريته بهذه اللفظة المليئة بدلالات المعاناة والآلام والشفقة فإلام هي التي( تضنى) وهى وحدها التي تعرف بطبيعتها الأصلية معنى الأمومة…

وكأننا بالرواية تتغيى إعادة اكتشاف الذات وتصحيح مفهوم الإنسانية وصورة المرأة، وتغيير مسار التاريخ ، وتجنب الهاوية التي تقود الثقافةُ الذكورية ُالعالــمَ نحوها ما دام الرجال يخربون العالم الذي بنته الأنثى بالحب.

عن موقع جريدة رأي اليوم الإلكترونية


من تقديم مؤسس ورئيس تحرير جريدة رأي اليوم الإلكترونية :

سياستنا في هذه الصحيفة“رأي اليوم”، ان نكون مستقلين في زمن الاستقطابات الصحافية والاعلامية الصاخب، واول عناوين هذا الاستقلال هو تقليص المصاريف والنفقات، والتمسك بالمهنية العالية، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع بقدر الامكان، والانحياز الى القارئ فقط واملاءاته، فنحن في منطقة ملتهبة، تخرج من حرب لتقع في اخرى، في ظل خطف لثورات الامل في التغيير الديمقراطي من قبل ثورات مضادة اعادت عقارب الساعة الى الوراء للأسف.

اخترنا اسم الصحيفة الذي يركز على “الرأي” ليس “تقليلا” من اهمية الخبر، وانما تعزيز له، ففي ظل الاحداث المتسارعة، وتصاعد عمليات التضليل والخداع من قبل مؤسسات عربية وعالمية جبارة تجسد قوى وامبراطوريات اعلامية كبرى، تبرخ على ميزانيات بمليارات الدولارات، رأينا ان هذه المرحلة تتطلب تركيزا اكبر على الرأي المستقل والتحليل المتعمق، وتسمية الامور باسمائها دون خوف.

لقراءة المزيد


حواشي

[1ظل الأفعى ص 90

[2ظل الأفعى ص 54

[3ظل الأفعى ص 55

[4ظل الأفعى ص 73

[5ظل الأفعى ص 56

[6ظل الأفعى ص 72

[7ظل الأفعى ص 74

[8ظل الأفعى ص 75

[9ظل الأفعى ص 90

[10ظل الأفعى ص 92

[11ظل الأفعى ص 101

[12ظل الأفعى ص 102

[13ظل الأفعى ص 79

[14ظل الأفعى ص 101- 102

[15ظل الأفعى ص 117

[16ظل الأفعى ص 121

[17ظل الأفعى ص 76

[18ظل الأفعى ص 123

[19ظل الأفعى ص 120

[20ظل الأفعى ص 134

[21ظل الأفعى ص 106

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)