جريدة المدن الألكترونيّة
الأربعاء 03-10-2018
المدن - ثقافة
حسن الساحلي
معارض في ثلاثة أبنية وعنها..العمارة اللبنانية كرأس مال رمزي
ما زالت المباني القديمة المتداعية منذ الحرب الأهلية اللبنانية، موضوعاً ثقافياً وفنياً، ومكاناً لتقديم فعاليات فنية ومعارض تستفيد من رأس مالها الرمزي، وتعزز قيمة أسهمها في السوق اللبناني. ثلاثة معارض، تؤدي دور الموضوع والسياق، في الوقت ذاته، وتجري هذا الشهر في ثلاثة أمكنة من لبنان، وتتناول مباني شديدة التباين من ناحية الوظيفة والشكل والقيمة المعمارية والثقافية.
البداية من فندق صوفر الكبير، الذي كان يوماً أكبر فنادق البلاد ومكاناً للقاء الأعيان ونجوم الغناء، منذ إنشائه في العام 1892 حتى أوائل الثمانينات، ثم أصبح مركزاً للجيش السوري ثم الإسرائيلي، قبل تهميشه وإهماله. يعود المبنى إلى الواجهة اليوم بعد طلب ورثته من الفنان البريطاني توم يونغ، المتخصص في رسم المباني والقصور المهملة، تنظيم معرض فيه كما فعل مع مبانٍ أخرى، مثل البيت الزهري (المنارة)، فيلا باراديسو (الجميزة)، هوليداي إن (كليمنصو)، ومبنى دار الأيتام الإسلامية (زقاق البلاط)، محاكياً من خلال لوحاته الإنطباعية بعضاً من تاريخ هذه المباني ومزاياها الجمالية. يترافق المعرض (تنسيق نور حيدر وطارق مراد) مع فعاليات أخرى (مسرح، موسيقى، وقراءات قصصية) وقد قدمت فنانة الرقص المعاصر نادين سوري، التي عملت مع يونغ في مبانٍ أخرى، عرضاً حركياً داخله.
يحاول ورثة المبنى اليوم (أحفاد ألفرد وميشال سرسق) إعادة إحيائه، والبحث عن طرق جديدة لاستثماره، وقد تداولت بعض المواقع، العام الماضي، كلاماً عن رغبتهم في ترميم الطابق الأرضي وتنظيم حفلات وأعراس فيه، لعدم قدرتهم على ترميمه بالكامل لأسباب مادية. ويبدو أن تواصلهم مع يونغ، منذ شهور، لتنظيم معرض فيه، ساهم فعلاً في جذب الأضواء إليه ورفع أسهمه، خصوصاً أن الصحافة الأميركية كتبت عنه، مثلما حصل مع معارض يونغ السابقة.
المبنى الآخر الذي ينظم فيه معرض، في وقت قريب، هو مبنى أيقوني بامتياز، كان خلال السنوات الماضية موضوعاً لعشرات الأعمال الفنية، ومرشحاً دائماً للتحول إلى متحف آخر عن الحرب، مثلما حصل مع “بيت بيروت” (مبنى بركات) الذي صممه يوسف أفتيموس بأسلوب عثماني – إيطالي.
سينما “الدوم” أو “البيضة” التي صممها المهندس جوزيف كرم، مستوحياً إياها غالباً من كنيسة ساينت بيرناديت للمهندس الفرنسي كلود بارنت (1963)، ستكون مكاناً لمعرض تحت عنوان Monumental لفنان البوب آرت Sainthoax (سوري الجنسية لكن هويته الكاملة ما زالت مجهولة) المعروف في الولايات المتحدة بشكل خاص بسبب أعماله المرتبطة بنجوم أميركيين، وهو الذي انتقل إليها من الشرق الأوسط منذ سنوات قليلة.
مهّد ساينتوكس للمعرض بتجهيز فني؛ دبابة منتفخة تمتلك رأساً يشبه رأس الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقد جالت منذ أيام في بيروت. وتهدف، وفق حديث معه، إلى إيصال رسالة حول شخصية ترامب “المتضخمة”، التي تمزج التسلية، الشر، والخطورة، كما ساهم التجهيز بشكل أو بآخر، في التمهيد للمعرض الفني في 11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
واستخدام سينما “الدوم” هنا، مختلف عن فندق صوفر. فلا يهدف المعرض إلى رفع أسهم المبنى القديم أو جذب الأنظار إليه، بقدر ما يستخدم تصميمه الوحشي والمخيف في سياق أميركي، يعزز الرسالة التي يريد إيصالها حول الحرب، والخطر الذي يشكله الرئيس الأميركي في ما يخص ملف اللاجئين ومجتمعات المهاجرين.
المعرض الثالث هو “أطوار العمران”. بدأ في 24 من الشهر الجاري وينتهي في 23 تشرين الثاني/نوفمبر، وينظم في معرض رشيد كرامي الدولي الذي يعتبر من أبرز أيقونات العمارة الحديثة (أوسكار نيمار) في لبنان. يضم المعرض قاعة معارض، مسرحاً، فندقاً، مسرحاً تجريبياً، مركز أعمال، وقوساً ضخماً أصبح رمزاً ثقافياً للمكان، إضافة إلى قلعة طرابلس الأثرية التي بنيت بين الحقبتين الصليبية والمملوكية.
هو معرض داخل معرض، يشارك فيه 18 فناناً معاصراً من لبنان والمكسيك (من بين اللبنانيين: لميا جريج، مروان رشماوي، علي شري، سينثيا زافين)، ويناقش فكرة موحدة هي دورة الدمار والبناء، مستعيداً أفكار إبن خلدون عن “الدورات التاريخية التي تعمل في حلقة مغلقة، بدءاً من العمران البدوي (حضارة البدو) إلى العمران الحضري (الحضارة المدنية) وأخيراً الانهيار”. ويقارب موضوع البناء بطريقة مختلفة عن المعرضين الأخيرين، بحيث يصبح جزءاً من سياق زمني أكبر، ونتيجة حضارات مختلفة ودورات حياتية متعاقبة، من دون أن يكون محصوراً في فكرة استعادة الماضي وتفعيل الحاضر.
تلعب المباني هنا أيضاً دور الموضوع والسياق، وتتناغم مع فكرة المعرض، خصوصاً أنها مبانٍ حجرية وباطونية، بلا قشرة تراثية واضحة. فمعرض رشيد كرامي مات قبل أن يولد، ولم يفعّل يوماً ولم يستقبل أشكالاً من الحياة تعطيه طابعاً إنسانياً، كما هو الحال مع فندق صوفر المسكون بمئات القصص والأغراض التي وجدها يونغ في القبو والغرف، وعرضها كما هي بلا تدخل. ويختلف الإثنان عن سينما “الدوم” التي تعتبر نتيجة صراعٍ إنساني، ما زال قائماً، وتشظٍّ للهويات والثقافات اللبنانية.
أما مباني نيمار وقلعة طرابلس، فتفتقدان إلى أي سياق، وهما دليلان واضحان على التداعي والموت (مع انتهاء الحضارات المملوكية والصليبية التي سكنت القلعة لقرون، والحداثة الحالية التي ينتمي إليها مبنى نيمار، التي تنتهي تدريجياً بسبب الإستثمار الجنوني للأرض). خصوصاً أنهما يتعرضان لانهيارات متكررة، بسبب تآكل الباطون والحجارة بفعل الرطوبة والعوامل الطبيعية. لذلك كان من السهل على منسقة المعرض كارينا الحلو (سبق وعملت سابقاً على معرض للفن المعاصر في قلعة بعلبك) و"متحف الفن الحديث في بيروت" (يقدم منذ أشهر مشروعاً بالتعاون مع الفنان علي شري و Temporary Art Platform يغير سياقات الآثار الموجودة في المتحف الوطني) أن تتعاون مع فنانين من المكسيك، أنتجوا بعد إقامة فنية طويلة، أعمالاً متكاملة مع أعمال الفنانين اللبنانيين، رغم أنهم طارئون على المكان.
عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة
حقوق النشر
محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.