معرض - معهد العالم العربي - باريس

ألف ليلة وليلة في معهد العالم العربي Exposition - Institut du Monde arabe - Paris

, بقلم محمد بكري

الثلاثاء ١٥ يناير/كانون الثاني ٢٠١٣
جريدة الحياة
باريس (فرنسا) - أسعد عرابي


جريدة الحياة


أقام معهد العالم العربي في ذكرى تأسيسه الخامسة والعشرين ثلاثة معارض بانورامية موسوعية بالغة التوثيق والعناية الكرافيكية والإخراجية (السينوغرافية)، هي أقرب إلى مشاريع تظاهرات كبرى. هذه احتفالية سخية بأوقات تحضيرها عبر سنوات، وسخية بتكاليفها الاستثنائية، بخاصة الطباعية منها (وذلك على رغم ما اعتور بعضها من غياب أسماء فنية بارزة). ابتدأت بمعرض فني بالغ الشجاعة بعنوان: «اكتشاف الجسد»، وتطابق محور المعرض الثاني مع المناسبة: «خمسة وعشرون عاماً من حداثة الفن العربي المعاصر» وضمن حشد توثيقي خصب يتجاوز الأول.

يتحفنا اليوم بثالث هذه التظاهرات وأشدها حميمية ومنهجية محترفة، تتصدّى لموضوع «ألف ليلة وليلة» بشقيه الإبداعيين المشرقي والمغربي والإبداع الأوروبي، معتمداً في توثيقه على الجانب البصري والجانب الروحي، كاشفاً ـ بواسطة استعاراته المعقدة من أشهر المتاحف والمجموعات ـ ما خفي من تراث رسوم المخطوطات العربية الإسلامية المعروفة باسم «المنمنمات»، وما خفي من روائع التصوير والأدب الغربي (بخاصة الفرنسي منه).

استهلك التحضير والدراسة والاتصال من أجل الاستعارة والضمان وسواها (من العمليات التقنية المعقدة) سنوات عدة، منذ انطلاقة المشروع مع بداية عام 2008. وتم التعاون خلالها مع باحثين جديين ومختصين معروفين بمستوى أندريه ميكيل المدرس العريق في «الكوليج دوفرانس» وأبرز كبار المختصّين اليوم بهذا الموضوع. والإحالة في هذا المقام إلى كوكبة مؤلفاته الخصبة ذات المنهج المحايد مقارنة بباحثي الاستشراق الذين سبقوه. وقد ترجم مع ناصر خمير (المفكر التونسي) خمس عشرة ليلة من جديد إلى الفرنسية، يرويها بشكل مستديم صوت نسائي متقمّص لشخصية شهرزاد. يستقبل المعرض زواره ويودعهم بهذا التسجيل البليغ. وتعتبر ترجمة أندريه ميكيل (بالتعاون مع جمال بن الشيخ) لألف ليلة وليلة من أحدث الترجمات وأشدها ضبطاً وحساسية للنص الأصلي، بلهجته المتوسطة بين الفصحى والعامية، وبخاصة بأبيات الشعر الموزون والنخبوي الذي يرصّع سير هذه الليالي. هي التي تعتبر ألف كتاب وكتاب في مؤلف سردي واحد، نُسج خياله الشمولي عبر عشرة قرون وظل يتعدّل شعبياً (من الرواة والحكواتية) منذ بداية القرن الثامن للميلاد وحتى نهاية القرن التاسع عشر.

تؤكد شواهد المعرض من منمنمات ورسوم ولوحات على «شمولية» وعالمية ثقافة هذه التحفة. هي التي تعتبر مثل «الإلياذة والأوديسة» في الشرق العربي ـ الإسلامي، وصاغتها ثقافة الشعوب عبر قرون، ولا يمكن إرجاعها كما هي الدعوى الاستشراقية إلى مصدرين أحاديين: الهند وفارس.

لأن عوالمها ارتبطت وانتشرت في الحواضر والمونوبولات الثلاثة: بغداد والقاهرة ودمشق أكثر من هيرات وبخارى أوسمرقند واكرا. وقد ترك عصر الخليفة هارون الرشيد وعالم بغداد العباسي (أي عصر الموسيقي إبراهيم الموصلي) بصماته الاجتماعية والبلاطية (مع عدم إنكار تأثير الثقافة الفارسية في تلك الفترة). تتحدث ليلة من الليالي عن زائر عراقي للقاهرة شك بسلوكه العسس والأمن فاعتقلوه وساقوه إلى ضابطهم، وعند استجوابه اعترف بأنه كان يبحث عن كنز راوده في منامه وهو في بغداد وأنه استهدى في الحلم على موقعه في القاهرة، انفجر الضابط بالضحك ساخراً منه وهو يقول لو كان الإنسان يصدق كل ما يأتي به الحلم لقضى عمره مسافراً، وذكر له بدوره أن حلماً يراوده دوماً عن وجود هذا الكنز في بغداد، في موقع كذا وكذا، أي عنوان هذا العراقي، فقفل راجعاً إلى بغداد ليعثر على الكنز الذي يبحث عنه في الموقع نفسه (وهي حكاية أعاد بورخيس اكتشافها وشكلت نقطة انطلاق رواية «الخيميائي» لكويلهو). إذا تجاوزنا المعنى الرمزي العميق لهذه القصة لاحظنا أن أحداثها تجري بين بغداد والقاهرة.

تكشف شواهد المعرض سعة شمولية خريطة ألف ليلة وليلة خاصة في اختيار الإعلان العملاق للمعرض هو البالغ الأصالة والمنتشر في شتى حنايا وجدران العاصمة بما فيها أروقة المترو. يمثّل الرسم والصورة المعروفة في مقدمة ألف ليلة وليلة حول خيانة زوجة السلطان «شهريار» له مع أحد الأقيان (عبد أسود وسيم). رسم المشهد بالألوان المائية مصمم رقصات الباليه الأشهر في العالم وهو فاسلاف نيجنيسكي، وقد فات كتاب المعرض (البالغ العناية في الطباعة واختيار النصوص) شرح سيرة هذا المصمم الموهوب الذي لعب دوراً كبيراً في نقل تقاليد رقص الباليه إلي باريس منذ بداية القرن التاسع عشر عندما قدّم مع فرقة «دياغيليف» الأولى من موسكو، فصمم الرقصات التي كتب نوتة موسيقاها سترافنسكي في أول أعماله: «عصفور النّار» 1913 وتوالت بعد ذلك أعماله التالية وكبر اسم مصمّم «الكوليغرافي» معه، ويبدو أن الرسم (بأسلوبه المعروف) يمثل باليه عن «شهرزاد» (قد تكون مستلهمة من موسيقى قطعة موسورسكي؟). المهم أن هذا الرسم لا يقدر بثمن، وكان اختياره جزئياً خلف نجاح المعرض وانتشاره.

وفي رواية هذا السلطان المخدوع أنه انتقاماً من زوجته التي قطع رأسها مع عشيقها أخذ يتزوج كل يوم ليقطع رأس العروس في اليوم التالي حتى تبرعت ابنة وزيره بأنها ستنقذ بنات جنسها بموهبتها في التخييل والسرد الأدبي. وكانت ألف ليلة وليلة التي قادت إلى مسامحته النساء.

تقع شواهد المعرض التصويرية من المخطوطات أو الطباعات في التباس يخلط بين صعوبة العثور على ما هو مرتبط مباشرة بمضمون هذه الليالي، وما ينتمي مناخها العام مثل بعض المنمنمات الصفوية المعروفة كالتي أنجزها أكمل الدين بهزاد في العصر الصفوي في تبريز القرن السادس عشر مرافقة «لكتاب الملوك» للشاعر الفردوسي.

هناك إذاً تناقض واضح في المعنى، يرجع إلى اندثار أغلب المخطوطات مع رسومها في الثقافة العربية الإسلامية ما بين القرنين الثامن والثاني عشر. أما أقدم شظايا مخطوطة عنه فترجع إلى بداية القرن التاسع.

يذكر المعرض مع ذلك أن هناك 120 مخطوطاً يتعلق بألف ليلة وليلة.

ولا شك في أن الترجمة الفرنسية الأولى (غالان) لعبت دوراً في انتشار أدب هذه الليالي في 1703 واشتهار بعض من قصصها في التصّاوير الاستشراقية والأفلام وسواها.

كان أنطوان غالان يعمل في السفارة التركية، ويدرس اللغة العربية في الكوليج الملكية ثم تتالت بعد ذلك الترجمات والطباعات الزاهية أولها رواها أحد الأدباء من حلب في 12 مصنفاً ما بين 1704 و 1717 حتى وصلنا إلى بعض أجمل ما كتب ورسم عنها عن طريق الرسام الفرنسي ليون كاري وهو أنجز رسوم ألف ليلة وليلة ما بين 1926 و 1932 وحقّق الزخارف رسام المنمنمات الجزائري المعروف محمد راسم. يستمر المعرض حتى نهاية آذار (مارس).

عن موقع جريدة الحياة

 يمكنكم أيضاً قراءة مقال موقعنا عن هذا المعرض باللغة الفرنسية


صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة"الحياة" جريدة عربية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988 .

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)