فيلم الاختيار
تدور أحداث الفيلم عن (سيد)، وهو كاتب مشهور تسلّق قمة الهرم الاجتماعي والسياسي باحثًا عن المزيد، متزوج من شريفة، ويستعدان للسفر إلى الخارج للعمل في هيئة الأمم المتحدة، لكنه يقرأ في إحدى الجرائد خبر مقتل توأمه (محمود)، فيؤجل سفره ويتصل بالشرطة للبحث عن قاتل أخيه، وتبدأ رحلة البحث لتغمر ظابط الشرطة شكوك حول (سيد)، فيبدأ بالسعي للإيقاع به.
البلد : مصر
المدة : 103 دقيقة
تاريخ العرض : 15 مارس 1971
تصنيف العمل : ﺗﺸﻮﻳﻖ ﻭ ﺇﺛﺎﺭﺓ
ﺇخراﺝ : يوسف شاهين
تأليف : أحمد رشدي صالح (قصة) محمد مصطفى سامي (سيناريو)
بطولة : سعاد حسني - عزت العلايلي - يوسف وهبي - سعد أردش - عبد القادر حسين - علي الشريف
لقراءة المزيد على موقع السينما.كوم
مشاهدة فيلم فيلم الاختيار
الجمعة، ٢٢ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٧
جريدة الحياة
ابراهيم العريس
«الاختيار» ليوسف شاهين: ازدواجية المثقف العربي وخيانته
حتى اليوم لا يبدو واضحاً تماماً ما الذي يعنيه أن يكون فيلم «الاختيار» حاملاً، في خانة كتابة السيناريو اسمين هما من أبرز الأسماء في عالم الإبداع العربي المصري: نجيب محفوظ ويوسف شاهين. ويزداد الغموض حين نتذكر أن الفيلم ليس مبنياً على قصة أو رواية لمحفوظ، بل هو– كما يبدو واضحاً– سيناريو أصيل كتب ليصور فيلماً، وتشارك في كتابته محفوظ وشاهين خلال الحقبة التالية لهزيمة حزيران (يونيو)1967، حين كان المثقفون يبحثون في ثنايا الواقع، أو في ثنايا أفكارهم على الأقل، عن «مشجب» ما يعلقون عليه أسباب الهزيمة. ونحن، إذا صدقنا «الخطاب» الذي يحمله «الاختيار» سنجد أن المثقف المصري، وانفصاميته، هما السبب الأساس – وربما الخفي – لتلك الهزيمة.
«الاختيار» هو في هذا المنظور فاتحة النصف التالي من إبداع يوسف شاهين السينمائي، على مستوى الشكل على الأقل. لكن الشكل هنا أتى حتمياً، مرتبطاً بجوهر الفيلم وموضوعه غير مقحم عليه من خارجه. في كلمات أخرى: ما كان تجريبياً في بعض لحظات «الأرض» الأكثر كلاسيكية، صار هنا، في «الاختيار» جوهر الفيلم وموضوعه. وكيف لا يكون كذلك في فيلم جعل من الانفصام موضوعاً له، ومن أزمة هذا المثقف جوهراً، ومن العلاقة بين المثقف والسلطة، والمثقف ونفسه، سؤاله الكبير؟ سينمائياً، اتبع شاهين موضوعه في شكل كامل، مجازفاً بألا ينتهي به الأمر الى تحقيق فيلم ناجح جماهيرياً، اللهم إلا إذ تم التركيز في الكلام الخارجي عنه على أنه «فيلم ضد المثقفين» وتمّ حتى الحدود القصوى استغلال غضب يوسف السباعي على الفيلم لاعتباره إياه يطاوله في شكل أو آخر.
طبعاً، لم يكن لا في نية نجيب محفوظ ولا في نية يوسف شاهين، عمل فيلم يندد بيوسف السباعي، حتى وإن كانت ثمة إشارات مرمية في أوله، تضع السباعي في البال، لكن انفصامية المثقف/ الكاتب في الفيلم، أتت من الصدق– بل لنقل: من التجاوب مع ما هو معهود من صورة المثقفين العرب– الى درجة أن مثقفين كثراً كان يمكنهم أن يروا ذواتهم معكوسة على شاشة هذا الفيلم. المثقف هو، هنا، «بطل» الحكاية، من دون أن يكون للحكاية بطل بالمعنى المعهود للكلمة. لنقل إذاً إنه البطل المضاد. إنه كاتب ناجح، له علاقات مثمرة وقوية بأركان الدولة، أعماله– بصرف النظر عن قيمتها الفنية أو الفكرية الحقيقية– تقدّم على أرفع مسارح الدولة. اسمه سيد، وهو يسافر كما يحلو له في مهمات حكومية. زوجته حسناء، تنتمي الى نوع يبدو لنا بائداً من الارستقراطية، لكنها عرفت– ظاهرياً على الأقل– كيف تتكيف، مع المجتمع الذي تعيش فيه: مجتمع النخبة السياسية والفكرية الذي يصول فيه زوجها ويجول على سجيته. ونحن، في أول الفيلم، أمام سيد وقد جاء يستئذن وزير الثقافة في السفر لحضور مؤتمر أدبي في أوروبا، لنكتشف أيضاً أن سيد يستعد لقفزة جديدة في حياته، إذ ها هو على وشك أن يعيَّن ملحقاً ثقافياً في بلد أوروبي. كل شيء إذاً ناجح ومريح في حياته: السلطة، المكانة، المال، الزوجة والغد المشرق. ولكن وسط هذا كله، ها هي الشرطة تعثر على المدعو محمود قتيلاً. ومحمود ليس في حقيقة أمره سوى الشقيق التوأم لسيد، شبيهه كلياً، في الشكل على الأقل. أما في نمط الحياة، فإنه يبدو لنا نقيضاً خالصاً له: إنه بحار ومشاكس اختار لنفسه أن يعيش كما يهوى من دون أن يتطلع الى مكسب، أو أن يقدم أي تنازل.
حتى الآن يبدو كل شيء منطقياً... وها هما ضابطا الشرطة يحققان في جريمة القتل. ونحن من خلال هذا التحقيق، سوف نشاهد، خلال النصف الثاني من الفيلم: الوجه الآخر لحياة سيد، وليس فقط لأنه توأم محمود ما يعني، أن هذا «التكامل» بينهما منطقي، بل لأن الأمور أعمق من ذلك بكثير، ظاهرياً ثم باطنياً: ظاهرياً، لأن نمط حياة محمود، إذ نبدأ باكتشافه من حول لعبة الرحلة المكوكية بين الحاضر والماضي، مروية لنا بلسان الراوي، يكشف العفن الذي يأكل حياة سيد. ثم لأننا سنكتشف أيضاً أن زوجة سيد، جواباً عن الفراغ العاطفي الذي تعيشه وسماجة حياتها الاجتماعية التي يرميها فيها زوجها، انتهى بها الأمر ذات يوم الى الارتماء في أحضان محمود. كل هذا يشكل بالطبع سياق الجانب الحدثي البوليسي في الفيلم الذي يتخذ هنا شكل الفيلم البوليسي. غير أن ثمة في الأمر باطناً لا علاقة لهذا الجانب الذي تتحدث عنه، به، في سطح الأمور على الأقل. وهذا الباطن يكاد يعكس كون محمود وسيد في نهاية الأمر شخصاً واحداً. الانفصام هو هنا، وليس في داخل شخصية سيد، بمعزل عن محمود. ولكأن نجيب محفوظ– وليس يوسف شاهين– طور في هذه الفكرة، ما كان تقاعس عن تصويره في روايته «الشحاذ»، حيث لدينا التوأمة، ولكن بين البطل ورفيقه المناضل السابق، الذي يغدر به البطل تاركاً إياه في السجن فيما يخرج هو ليعيش حياة مرفهة، يظل يغوص فيها حتى اليوم الذي تندلع فيه أزمته الخاصة، من خلال علاقته بابنته، التي يكشف له جمالها، سقوطه وسقوط زوجته، وتكشف له طهارتها، أزمة حياته كلها، فيزوجها من صديقه الذي كان أبقاه في السجن– ربما كناية عن رغبة مزدوجة لديه ليس هنا مجال التعمق فيها: من ناحية في أن يعود الى طهارته الثورية والأخلاقية السابقة، ومن جهة ثانية في أن يعوّض بها، وهي شبيهة أمها حين كانت في عمرها، عما انحذر اليه وضع هذه الأم. هذه الازدواجية بين البطل ورفيقه السابق، مجسدة، كحل، في «تقاسم» ابنة البطل، هي نفسها في نهاية الأمر، الازدواجية بين محمود وسيد، مجسدة في «تقاسمهما» زوجة سيد. لكن ما كان فعلاً طوعياً «تطهيرياً» في «الشحاذ» يصبح هنا صراعاً أخلاقياً بين التوأمين، يدفع واحد منهما حياته ثمناً له.
واضح أن ازدواجية سيد/ محمود، في «الاختيار»، بقدر ما عمقت رؤية نجيب محفوظ لازدواجية المثقف، في علاقته بالمجتمع وبذاته، كما تجلت في أعمال كثيرة له سابقة، أتت لدى شاهين كنوع من الإجابة عن أسئلة كانت قد بدأت تشغل ذهنه من حول المثقف ودوره، منذ زمن بعيد... ولكن بعفوية الفنان. وهو بالتالي وضعها كتقابلات لم يكن، بعد، في استطاعته تجاوز دلالتها الأخلاقية: بين قناوي ورجل النقابات، ابن البلد المكتسب وعياً (في «باب الحديد»)، طالب العلم الناوي السفر الى ألمانيا، وسيدة المجتمع التي تكتسب بدورها وعياً ثورياً (في «فجر يوم جديد»)، ثم بخاصة بين محمد أبو سويلم، و «المثقف» الشيخ حسونة (في «الأرض»).
في كل هذه التقابلات، كانت الإدانة أخلاقية الى حد كبير. ولكن في «الاختيار» تبدل الأمر تماماً، صرنا أمام ازدواجية سيكولوجية (جوانيّة) تفسّر في نهاية الأمر سياسياً، وتفسِّر في طريقها ما يسميه الفيلسوف الفرنسي جوليان بندا «خيانة المثقفين». وآية ذلك في «الاختيار» أننا، منذ النصف الثاني للفيلم، لا نعود مهتمين كثيراً بالتحقيق البوليسي، بقدر ما نهتم بما يعتمل داخل الشخصية التي نراها أمامنا، والتي يحدث لنا حقاً، بين الحين والآخر، أن نصل الى حد العجز عن معرفة ما إذا كان هذا الذي نراه على الشاشة هو سيد أو محمود.
> وليس هذا، فقط، لأن سيد يتقمص شخصية محمود. بل لأنهما، في جوهر هذا العمل، شخص واحد، كما أشرنا. ولئن كان هذا كله قد يبدو مقحماً بعض الشيء هنا... وفإننا سقناه لوضع «الاختيار» في إطاره، وتوضيح تلك الرغبة الحاسمة التي استشعرها يوسف شاهين، تحت رعاية نجيب محفوظ، لتعرية المثقف، من الداخل ومن الخارج.
غير أن هذا الوعي كان لا بد له أن يتأخر بعض الشيء. إذ في ذلك الحين (سنوات ما بعد هزيمة 1967) كانت المسألة لا تزال مسألة تخبّط في تحديد المسؤوليات، كي لا نقول ما هو أكثر من هذا. ومهما يكن من أمر، سيقول شاهين لاحقاً، انه إذا كان في «الأرض» قد نظر الى الصراع الطبقي على أنه مسؤول عن الهزيمة لأن الغلبة فيه كانت للطبقات الإقطاعية المسيطرة، التي يسكت عنها المثقفون و «رجال الدين» أيضاً، فإنه في «الاختيار» دان انتهازية المثقفين وانفصاميتهم، وبقي عليه أن يدين السلطة نفسها، بيروقراطيتها وفسادها.
ابراهيم العريس
"الحياة" صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.
منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.
اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.
تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.
باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.