جريدة المدن الألكترونيّة
الأربعاء 07-02-2018
المدن - ثقافة
وجدي الكومي
أم كلثوم صحافية: تكتب عن عبد الناصر وتحاور هيكل
نحار كيف نكتب عن أم كلثوم؟ نحن إزاء إبداع فريد لا يمكن أن تحتويه معان، أو كلمات، وربما صمودها الفريد، وتجربتها الشاهقة، تكفيان للكتابة عنها، وكذلك مراحل تطورها ودأبها على منجزها الفني والموسيقى، نحن بإزاء حياة عريضة لم تتكرر لمطربة من قبل، غنت، وأطربت جماهيرها، بل أطربت عدة شعوب، وليس شعباً واحداً، ما هي نوع الحياة التي يمكن أن يعيشها فنان نجح هذا النجاح المبهر؟ أهي حياة منظمة، تسير بالساعة؟ محسوبة؟ وخطواتها دقيقة؟ أم أنها حياة لاهية؟ فوضوية؟ تزخر ضمن ما تزخر جنباتها بالعديد من القصص والتحديات، التي تكشف لنا كيف خرج هذا المنجز الفني؟ وكيف لم يزل صامدا عتيدا أمام الزمن؟ متحديا كل التراكمات الموسيقية والفنية التي تتلوه، فتظل أم كلثوم في الأذهان على الرغم من مرور 43 على رحيلها، ويظل صوتها في الأرجاء في المقاهي، سواء هنا في القاهرة، أو في العواصم العربية، أو في مواضع التقاء الجاليات العربية بالعواصم الأوروبية، وتظل نوادرها، والأساطير المحاكة حولها تتردد، وتروح وتجيء، ولا تنتقص أبدا من فنها الكبير، ولا من منجزها السامق.
في القاهرة صدر مؤخراً للصحافي محمد شعير، كتاب بعنوان “مذكرات الآنسة أم كلثوم”، يسلط الضوء على مواضع ذكية من حياتها، نقول ذكية لأن شعير ينقب في أرشيف أم كلثوم الصحفي، نعم، كان للست أرشيفاً صحفياً، يقول شعير في مستهل كتابه: أم كلثوم تغني، كلنا يعرف تلك الحقيقة، لكن المدهش أن الست كما يسميها المصريون، كانت تكتب أيضا للصحافة مقالات رأي بين الحين والآخر، تلك المقالات هي الوثيقة الثانية التي يتضمنها الكتاب.
يبني شعير كتابه على أربع وثائق مهمة دالة عن الجانب الآخر لأم كلثوم، الجانب الذي لا نعرفه منها، المتعلق بدعمها للصحافة الوطنية على سبيل المثال، يورد شعير في مستهل الكتاب، أن أم كثلوم كانت غاضبة في بدايات شهرتها الفنية، أن الجرائد المصرية يتحكم فيها غير المصريين، وكانت تضطر للإعلان عن حفلاتها في جرائد يدير إعلاناتها أجانب، لذا كانت تفرح إذا كُتب عنها في مجلة أو جريدة يملكها مصري مغمور، على أن تمتدحها جريدة المقطم، يشير شعير في الكتاب إلى أن أم كثلوم شجعت الصحافي محمد التابعي على إصدار مجلة “آخر ساعة”، وفي ليلة صدورها في يوليو 1934 اتصلت تطلب العدد قبل طرحه للبيع بأربع وعشرين ساعة، إذ كانت مسافرة إلى باريس.
محمد شعير، ابن مؤسسة الأخبار المصرية، يستعين في كتابه بحكايات لمصطفى أمين عن أم كلثوم، تكشف كيف كانت سيدة الغناء العربي مساهمة في جريدته، يحكي مصطفى أمين أن صاحبة الأطلال أحد مؤسسي دار أخبار اليوم، إذ تبرعت لمصطفى أمين بـ18 ألف جنيه، تعادل الملايين بأسعار هذه الأيام، لتأسيس الدار والجريدة، وطلبت منه أن يظل الأمر سرا، لكن أمين باح بالسر ما أغضب أم كلثوم التي خشيت أن يطالبها أصدقاؤها بتمويل جرائدهم أيضا.
يستدرك شعير بحكايات مثيرة لمصطفى أمين عن أم كلثوم، فلا تشعر إلا والكتاب يأخذك من مقدمته، ولكن مؤلفه لا يعتمد وحده على الوثيقة، ولا على الحكاية، بل يعتمد أيضا على الطرائف والنوادر المشهورة بها أم كلثوم، لكن هنا في الكتاب نقرأ عن ذلك المقلب الذي رتبته أم كلثوم لمصطفى أمين حينما تعشيا سويا في أحد المطاعم في الولايات المتحدة الأميركية، هناك اختارت أم كلثوم الأصناف الغالية، وحينما جاء وقت الحساب لم يجد أمين محفظته، فرجاها أن تبقى في المطعم ريثما يذهب للفندق ويعود بالنقود، لكنها رفضت خشية ألا يعود، فطلب منها أن تقرضه ثمن العشاء، ففتحت حقيبتها وأغلقتها وادعت أنها نسيت نقودها، وأخذت تصيغ عناوين صحفية عن واقعة القبض على أم كلثوم ومصطفى أمين لأنهما حاولا أن ينصبا على مطعم كبير في أميركا.
في أولى فصول الكتاب، الذي حمل عنوان “المذكرات” يشير شعير إلى أن هذه المذكرات بدأت مجلة “آخر ساعة” بنشرها على مدى ثماني حلقات، في الفترة من نوفمبر 1937، وحتى يناير 1938، تحت عنوان “مذكرات الآنسة أم كلثوم” وبعد نشر 3 حلقات بدون اسم محرر، تغير عنوانها من “ذكريات لا مذكرات” وفي الحلقة الأخيرة حسبما يشير مؤلف الكتاب، ظهر اسم محمد على حماد، كاتب المذكرات، وكان حماد من مشاهير الصحافة الفنية في ذلك الوقت.
ينشر شعير المذكرات في أولى فصول الكتاب، التي تمرق على نشأتها الأولى في قرية طماي، إحدى قرى مركز السنبلاوين، في مديرية الدقهلية، والتي تعيد التأكيد على المعلومات المعروفة عن هذه الطفولة التي انحصرت بين كتاب القرية، وعبء العمل والكفاح مع أسرتها الصغيرة، وعمادها الشيخ خالد شقيقها الذي حمل مطرب العائلة، تعرض المذكرات في هذا الفصل للظروف القاسية التي تحملتها أم كلثوم والتضحيات التي ضحتها من أجل أن يتعلم شقيقها خالد في الكتاب، ثم بداية اكتشاف والدها لصوتها، واصطحابه لها في رحلات القطار الطويلة الشاقة لتغني في المناسبات والأفراح في القرى البعيدة، أسفل ظروف قاسية من البرد نظير 150 قرشا.
وفي الفصل الثاني من الكتاب، يضمن محمد شعير المقالات التي كتبتها أم كلثوم، يستهلها بمقالها “حينما أغني” المنشور في العدد الثالث من “أخبار اليوم” في 25 نوفمبر 1944، حسبما يشير المؤلف في هامش المقال، ويتبعه بمقالين، أحدهما عنوانه “كيف علموني ألا أكذب” والثاني “قصتي الحقيقية”، المقالات الثلاثة معا، ربما تشكل ثلاثية كاشفة عن طفولة أم كلثوم، وطموحها، وصعودها نحو قمة منجزها الغنائي، إذ إن المقالات الثلاث، تنويعة واحدة على نشأتها، وبداياتها الفنية، وأول أجر تقاضته، وكذلك علاقتها بأسرتها، ففي المقال الذي يحمل عنوان “كيف علموني ألا أكذب” تختمه أم كلثوم بقولها: ألغيت فضيلة الصدق، وحلت محلها فضيلة الكذب، فالسياسي الناجح هو الذي يكذب، والسياسي الحمار هو الذي يقول الصدق.
ويحمل المقال تاريخ الأول من أكتوبر 1947، ويكشف نقد أم كلثوم للحياة السياسية آنذاك، على الرغم أنها في مقالها الأول تكيل المديح للملك، وتشير لسعادتها البالغة حينما غنت أمامه في ليلة العيد.
وفي مقالها المنشور في الهلال يناير 1948، تكتب أم كلثوم مقالا عن أحمد رامي، وتصفه بأنه مجموعة روحانية من الإحساس الملهم، والثورة العميقة المكبوتة، والهدوء الرزين، وتحكي في المقال إعجابها بقصيدته: الصب تفضحه عيونه، وتنم من وجد شجونه، ثم تحكي عن لقائها به في حفلة الأزبكية.
تكتب أم كلثوم عن جمهورها، وعن أحمد حسنين باشا، وعن جمال عبد الناصر، كما تكتب عن فن الباليه، وتدافع عن نفسها من تهمة اختفاء الغناء المسرحية، نرى وجوها عديدة لأم كلثوم من خلال كتاب شعير، وجوه الفنانة الكبيرة التي تدافع عن قضية، وتعبّر عن رأيها، وترسل رسائل مبطنة، بدون تورية، بل تجهر بذلك بنفسها، بقلمها، لعل هذه المقالات كاشفة عن وجه آخر للحياة الفنية المصرية، التي كانت فيها أم كلثوم متربعة على عرش الغناء وعلى قلوب المصريين، وفي نفس الوقت تنفذ كلماتها المكتوبة في الصحف إلى رؤوسهم، ليتعرفوا من خلالها عن رؤيتها للحياة السياسية والفنية.
وقبل أن ينتهي هذا الفصل، يضمنه شعير الحوار الذي أجرته أم كلثوم مع هيكل، عن المشهد العربي، قبل ذهابه إلى مؤتمر القمة العربية في الرباط، وعلى الرغم أن الحوار يبدو كدردشة بين صديقين عن الأحوال السياسية العامة، إلا أنه كاشف على إطلاعها الكبير بأحوال وطنها، خاصة حينما تقول لهيكل: حينما أرسلت مصر آثارها إلى باريس، كان ذلك عملا فنيا، وسياسيا أيضا.
وفي الفصل الثالث من الكتاب ينشر شعير وثائق المعركة القضائية التي دارت رحاها بين أم كلثوم والشيخ زكريا أحمد، لخلاف بينهما على ألحانه التي تؤديها أم كلثوم دون تصريحه، مطالبا بتعويضه عن حق الأداء العلني لألحانه، بمبلغ 37 ألف جنيه، وهو ما ردت عليه الأخيرة بقولها أن لها رسالة فنية خالدة، وأن عملها يعتبر وحدة تحمل طابعا فنياً منسجماً، وأنها فنانة الشرق الأولى، دفعت لزكريا أحمد أجره على تلحين كل أغنية له، فصارت ألحانه ملكية خاصة لها، وعلى الرغم أن شعير في الكتاب لا يشير إلى تفاصيل انتهاء المعركة بين الجانبين، إلا أنه على صفحته بموقع “فيسبوك” يكشف في منشور له، أن المحاكم ظلت تتداول القضية، حتى وصلت إلى قاضي مستنير، قضى بأن يلحن الشيخ 3 أغنيات لأم كلثوم، مقابل 700 جنيه للشيخ عن كل أغنية، فكانت رائعتهما “هو صحيح الهوى غلاب”.
(*) عن سلسلة “كتاب اليوم”.
عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة
حقوق النشر
محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.