مقالات صحفية

لمحات من تاريخ البريد في لبنان بمناسبة اليوم العالي للبريد يُحتفل باليوم العالمي للبريد سنوياً في 9 تشرين الأول/أكتوبر

, بقلم محمد بكري


 ليبان بوست.. وكيل تحوّل إلى أصيل ؟


جريدة السفير اللبنانية


جريدة السفير
الأربعاء 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

اكرم شاعر


بعد 15 عاماً من الخدمة، باتت «شركة ليبان بوست» محطّ أنظار المؤسسات الخاصة والإدارات العامة التي تتعامل معها، لا سيما بعدما أصدر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تعميماً حمل الرقم 21/2005 أجاز بموجبه لكل الإدارات العامة التعاقد مع الشركة لتوزيع البريد العائد لها.

لم تصل «ليبان بوست» إلى واقعها الحالي، بفعل خدماتها فحسب، ولكن بسبب عدم وجود بديل منها، وعلى قاعدة أن ثمة خيارين أحلاهما مر، بعدما تعطّل البريد بعد الحرب، بالرغم من أن مديرية البرق والبريد كانت الجهة الرسمية المناط بها مسؤولية هذا القطاع، لكن نشاطها اقتصر على بعض الشركات الخاصة مثل «Dhl» و«Aramex».

البريق والبريد... كان زمان

نشأت «ليبان بوست» في العام 1998 بعدما فازت المجموعة الكندية المؤلفة من «شركة البريد الكندي» وسواها من الشركات، بالمناقصة العمومية التي أجرتها الدولة، فباتت بموجب عقدها مع وزارة الاتصالات المشغل البريدي الحصري في لبنان، مقابل نسبة من الأرباح ولفترة محدودة. وتشير معلومات إلى أن بين المساهمين في الشركة شركتي «مساهمات» و«فاكتور هولندنغ»، ورئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي.

وإذا كانت مديرية البرق والبريد تمارس دورها الرقابي على «ليبان بوست» لناحية التزامها بمندرجات عقدها مع وزارة الاتصالات من تعرفات ونوعية خدمات، فإنّ دورها التنفيذي الذي بات مناطاً بالشركة ألغي. وبالرغم من ذلك، فإن قسماً من موظفي المديرية، الذين لم يوظفوا من جانب الشركة ولم يدمجوا في إدارات أخرى، ما زالوا يتقاضون رواتبهم من دون تأدية أي وظيفة فعلية.

وتقدم «ليبان بوست» «خدمات» كثيرة، منها مئة تتعلق بالبريد العادي والسريع، وتتولى 20 مليون شحنة سنوياً، وسبق أن أنجزت 8 ملايين معاملة حكومية حتى نهاية العام 2011.

«عندما انطلقت ليبان بوست كان هناك 204 مراكز بريد تملكها الدولة، 80 في المئة منها كان خارج الخدمة»، وفق المدير العام للشركة خليل داوود. يضيف خليل: «أما اليوم فلدينا 86 مركزاً عدا الوكلاء في المناطق الريفية. و75 في المئة من هذه المراكز هي ملك الدولة. ونستأجر هذه المراكز من الدولة أو من الغير لقاء بدل».

يعمل في «ليبان بوست» ألف موظف بموجب عقود قانونية. يعمل 250 منهم في الشركة نفسها، والآخرون موزعون مناصفة بين المكاتب و«على الأرض».

ويعزو داوود الزحمة في مكاتب الشركة إلى «ضيق مساحة المكتب، وعقلية اللبناني الذي لا يدفع مستحقاته إلا في اليوم الأخير من المهلة، ما يولد ضغطاً غير متوقع على الموظفين». ويشير إلى أنّ «الشركة أنشأت مراكز في المجمعات التجارية تعمل حتى العاشرة مساء. كذلك فعّلنا نظام الخدمة المنزلية مقابل كلفة إضافية».

«كل شي بسعرو»

«في ليبان بوست، كل شي بسعرو». وإذ يشكو المواطنون من خدمة البريد العادي، مهمة الشركة الأساسية، لعدم تزويدهم بإيصال، وكون الشركة لا تتحمل أي مسؤولية مادية أو أدبية عن ضياع البريد المرسل، يقترح داوود على المواطنين «اللجوء إلى خدمة البريد المضمون»، علماً أن تكلفتها مضاعفة. والبريد المضمون يزود الرسالة بـ«باركود» يسمح للمرسل بتتبع المعاملة أثناء مسارها والمراجعة في شأنها.

ويضاف إلى حصر البريد بـ«ليبان بوست»، حصر إجراء بعض الخدمات عبرها فحسب، وهي تحولت تبعاً لذلك، «شركة خدمات» ذات وضع خاص ومهيمن. فمثلاً تلزم جميع المؤسسات الخاصة بتقديم تصاريح دورية عن رواتب وأجور موظفيها عبر الشركة حصراً، وبواقع أربعة تصاريح فصلية مشفوعة بتصريح سنوي. فحتى الفصل الثالث من العام 2007 كان إجمالي أجور «ليبان بوست» خمسة آلاف ليرة عن كل تصريح، وقفز ابتداء من الفصل الثاني من العام 2012 إلى عشرة آلاف ليرة. وقد امتدت هذه «الإلزامية» إلى المؤسسات التعليمية التي تدعي الدولة دعمها، فالتسجيل في «الكونسرفتوار الوطني» بات إلزامياً عبر «ليبان بوست»، مقابل نحو 13 ألف ليرة، بعدما كان يتم عبر المالية وحدها ومن دون كلفة إضافية.
وينفي داوود أن تكون الشركة قد أحكمت قبضتها على «عنق المواطن». «فـ95 في المئة من خدمات الشركة اختيارية تستثنى منها إجازات العمل بناء على رغبة وزارة العمل نفسها، التي أرادت حصرها بالشركة».

أما في شأن «الجامعة اللبنانية» التي يردد الطلاب والأهالي أنها أصبحت «الدجاجة التي تبيض ذهباً» بالنسبة إلى «ليبان بوست»، بعدما بدأ تنفيذ العقد بينها وبين الجامعة في العام 2006، وقد ألزم نحو 70 ألف طالب، ما عدا أولئك المسجلين في اختصاصات عدة، بإجراء معاملاتهم الجامعية حصراً عبر الشركة، إذ يدفع القسط الجامعي لقاء رسم إضافي يبلغ ستة آلاف، وسيقفز هذا العام إلى عشرة آلاف. وكذلك حصرت بالشركة معاملة دفع بدل السكن الجامعي في «مدينة رفيق الحريري الجامعية» مقابل ألف ليرة، ومعاملة دفع تأمين السكن كذلك مقابل 3300 ليرة. وتجرى المعاملتان الأخيرتان حصراً في مكتب الشركة في المدينة الجامعية الذي يعمل حتى الثالثة عصراً يومي الخميس والجمعة.

ويشير داوود إلى أنّ «كل التعرفات منصوص عليها في العقود بين الشركة والجهات المعنية، وهي تخضع للتغيير وفقاً لكمية المعاملات المطلوب إنجازها. واذا كانت الجهة رسمية فالتعرفات تصدر بمراسيم، وتخضع لرقابة مديرية البريد.»
ويناشد داوود الدولة المباشرة بمشروع «عنونة» الطرق، حتى لا يظل سعاة البريد يستهدون إلى العناوين «عل بقبيشة». يضيف: «نعاني كثيراً لإبلاغ محاضر ضبط المخالفات المرورية، لأن العناوين المسجلة في النافعة غير دقيقة. فضلاً عن مشكلة بيع السيارات عبر الكاتب بالعدل من دون تغيير اسم المالك وتالياً عنوانه لدى هيئة إدارة السير».

محطات

ــ يحتفل العالم في التاسع من شهر تشرين الأول باليوم العالمي للبريد، وهو الذكرى السنوية لتأسيس «الاتحاد البريدي العالمي» في العاصمة السويسرية برن في العام 1874. وتم الإعلان عن اليوم العالمي للبريد في مؤتمر الاتحاد في طوكيو في العام 1969. ويهدف اليوم العالمي للبريد إلى رفع الوعي في شأن أهمية البريد في حياة الأشخاص وفي الحركة الاقتصادية والاجتماعية للبلدان. وتحتفل بلدان عدة في هذا اليوم، من خلال تنظيم معارض الطوابع، وتشجيع زيارات مراكز البريد والمتاحف، وترقية موظفي البريد، وإقامة الندوات والمؤتمرات في شأن أهمية البريد ودوره في حياة الأفراد.

ــ صدر أول طابع من «بريد لبنان الكبير» في العام 1925، بعد 5 سنوات من إعلان لبنان الكبير.
ــ عُقد في آب 1946 المؤتمر البريدي العربي في صوفر.
ــ شارك لبنان في العام 1947 في المؤتمر الثاني عشر لاتحاد البريد العالمي الذي عُقد في باريس.
ــ في 1 تموز 1954 تأسس «الاتحاد البريدي العربي»، وأصدر لبنان ثلاثة طوابع في المناسبة.

عن موقع جريدة السفير اللبنانية



 كبار وشبان يبحثون عن طابع


جريدة السفير اللبنانية


جريدة السفير
الأربعاء 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

ملاك مكي


الطابع هو ورقة صغيرة، ملوّنة، ربما يشتريها المرء على عجل، أو يمزّقها من دون أن ينتبه، خصوصاً عندما تصله رسالة من حبيب مهاجر. الطابع هو ورقة لا تعرفها، ربما، الأجيال الجديدة التي تعوّدت على الرسائل الهاتفية والإلكترونية القصيرة، فنادراً ما تكتب رسالة ورقية أو تشتري طابعاً بريدياً. غير أن الطابع يبقى رمزاً لرحلة طويلة، يسافر عبر البلدان، ينتقل من شخص إلى آخر حاملاً أسماء وتواريخ ومعلومات. يحفظ الطابع أسماء الأدباء من موليير وطاغور وتولستوي، ودورات الألعاب الأولمبية منذ نشوئها في اليونان، وصور الملوك وهم صغار، وإنجازات العلماء وروّاد الفضاء، وأسماء الآلات الموسيقية القديمة. ويؤرّخ الطابع لحياة اللاجئين ولضحايا المذابح ولأسرى الحروب، ولمنظمات دولية ولمؤسسات عربية وأجنبية، ولحياة مضت وستمضي ويكون لها «طابع».

في العام 1840، قامت بريطانيا، وفق الموقع الإلكتروني لـ«النادي اللبناني لهواة الطوابع والعملات»، بإصدار أول طابع بريدي يحمل صورة الملكة فيكتوريا. وتشكلت الطوابعية (Philatelie) فن جمع الطوابع ودراستها. وبدأت هواية جمع الطوابع حين كشفت شابة في العام 1841 في جريدة «the times» عن رغبتها في أن تكسو جدران غرفتها بطوابع بريدية مختومة، فاهتم كثيرون بهذه الفكرة وبدأوا جمع الطوابع وظهرت الهواية واتسمت بأنها هواية الملوك والأمراء.
في لبنان، يسمع البعض عن هواية جمع الطوابع ويصادف البعض الآخر هاوياً يبحث عن طابع مفقود من دون أن يدرك المرء أسرار تلك الهواية، وتفاصيلها وما تخبئه من قصص وروايات.

بدأ شفيق طالب (مواليد صيدا 1934) جمع الطوابع البريدية (تقتصر الهواية هذه على جمع الطوابع البريدية من دون الطوابع المالية التي تستخدم في المعاملات الإدارية) من عمر الخمسة عشر عاما، من دون أن يمتلك الإمكانية المادية لشراء الطوابع. فكان ورفاقه يجمعون الطوابع الملصقة على الرسائل التي تصل إلى الأقارب والأصدقاء. في العام 1953، سافر طالب إلى الكويت وثابر على هوايته من خلال شراء الطوابع من تجار متخصصين في مجموعات طوابع عربية وأجنبية، مرتكزاً على كتب الدليل العالمية مثل «Stanley Gibbons». بحث طالب عن الطوابع في بلدان عدة (الكويت، الأردن، سوريا، ايطاليا وألمانيا..). وهو يملك اليوم أكثر من مليون طابع بريدي، «عندما أجد الطابع الذي أريد، لا يمكن لي إلا أن أمتلكه».

توجب تلك الهواية، وفق طالب، الرغبة، والإمكانات المادية، والوقت. وتعلّم النظام والدقة والصبر. يقول: «أصبحت صبوراً أكثر مع عائلتي وأولادي وفي عملي». يحبّ طالب التاريخ، وهو مولع بقصص الطوابع وما تخبئه، «لا أحتفظ بالطابع فحسب، بل أبحث عن سيرة الشخصية أو الحدث الذي يذكره الطابع».

وفي ظل تراجع التمسك في تلك الهوية، يشجع طالب الهواة الشباب الذين يقصدونه لطرح الأسئلة أو للبحث عن طابع معين. ويعتبر أن الهواية هذه تبعد الشباب عن سلوكيات خطرة.

انتخب طالب في العام 2006 عضواً في «الأكاديمية الأوروبية للطوابع»، وأصبح في العام 2007 نائب رئيس «الأكاديمية العالمية للطوابع»، «حين بدأت جمع الطوابع الأولى، لم أكن أتوقّع أن أصبح ذا شهرة لبنانية وعالمية، وأقيم معارض دولية لنشر مفهوم الطابع كوثيقة تاريخية وثقافية». ويحضّر طالب اليوم لافتتاح معرض في لندن في كانون الأول المقبل عن الطوابع اللبنانية، التي تبقى الأحب إلى قلبه، لما تظهره من وجه لبنان الحضاري.

هواية لا نساء فيها

بدأ طوني حلبي (45 عاماً) هواية جمع الطوابع في عمر العاشرة، مقلداً خاله من خلال البحث عنها في الرسائل والبطاقات البريدية. توقف حلبي لفترة من الزمن ثم عاد، منذ عشرة أعوام ، إلى جمع الطوابع عبر شرائها من تجار أو عبر الشبكة العنكبوتية.إذ يتوافر اليوم الكثير من المواقع الإلكترونية والمدوّنات التي تتيح التعرف على تجار وهواة في جميع أنحاء العالم. لا يعتبر حلبي نفسه مهووساً في جمع الطوابع لكنه «ما بقدر يمر أسبوع من دون أن اشتري طوابع»، يعتني بها، يبحث عنها ويمتلكها ومن الصعب أن يضيع طابع بين يديه.

يجمع حلبي وأصحابه معجم خاص بالهواية «طابع مسنن، مختوم، «bien centre»، خصوصاً أن معظم أصدقاء حلبي هم من جامعي الطوابع أو العملات. في المقابل، يلاحظ حلبي قلة عدد الإناث اللواتي يهوين جمع الطوابع، إذ يغلب الطابع الذكوري على تلك الهواية من دون تحديد عوامل واضحة. يأسف حلبي لعدم وجود متحف خاص في لبنان للطوابع، وعدم تشجيع اقامة المعارض المتخصصة على غرار ما يحصل في البلدان العربية والأجنبية.

أمتلك التاريخ

بالرغم من تراجع اهتمام الشباب في جمع الطوابع، وبروز هوايات أخرى أكثر ارتباطاً بالتطور التكنولوجي، يصرّ وسام اللحام (26 عاماً) على هوايته في جمع العملات القديمة والطوابع. بدأ اللحام في جمع العملات القديمة في عمر الثالثة عشرة حين اقتنى قرشاً مقدوحاً. وبما أن الأماكن التي تتوافر فيها العملات القديمة تضم الطوابع أيضاً، اهتم اللحام بالطوابع. لا يشتري اللحام الطوابع عشوائياً، بل يركز على ثلاث فئات: اللبنانية، العثمانية، الفاتيكانية. ويلفت إلى أنه «يجمع فكرة، ولا تكمن الهواية في شراء مجموعة كاملة من الطوابع بل في البحث عن طابع مفقود ضمن مجموعة».

يعيد اللحام هوايته إلى اهتمامه الثقافي ورغبته في «امتلاك التاريخ وتوثيقه». وهو يلجأ اليوم إلى الشبكة العنكبوتية للبحث عن الطوابع التي يريدها.

يجول اللحام بنظره في الطوابع التي يجمعها، يلاحظ الفرق بين الطوابع القديمة والجديدة: «كانت الطوابع أجمل، لها قيمة فنية وجمالية أكبر، ونوعية الورق كانت الأفضل». وتحدد أسعار الطوابع معايير عدة: ندرتها، تاريخها، حالتها، وإن كانت مختومة أو لا. الطوابع التي يوجد فيها خطأ في الطباعة..

يستغرب بعض الرفاق هواية اللحام، خصوصاً في تدني ثقافة البريد في المجتمع اللبناني، غير أن الهواية تريحه نفسياً، وتبعده عن المشاغل اليومية: «عندما اشتري طوابع بفش خلقي». ولا يشعر أنه سيتوقف يوماً عن ممارسة هوايته.

مسؤولية في التصميم

«لا يوجد اختصاص في تصميم الطوابع، بل يقوم مصممو الغرافيك (graphic designer) عادة بتصميم الطوابع اليوم»، تقول مصممة الغرافيك هبة مكداشي التي عملت على تصميم 55 طابعاً حتى اليوم. تختار وزارة الاتصالات موضوع الطابع، مثل مرور خمسين عاماً على تأسيس «المجلس الوطني للبحوث العلمية»، أو الألعاب الفرنكفونية، أو تحرير الجنوب. ترتكز صعوبة تصميم الطابع، وفق مكداشي، على المسؤولية في إظهار وجه لبنان، وتضمين الطابع معلومات عدة (السعر، الإسم في اللغتين العربية والفرنسية، والصورة) ضمن مساحة ورقية صغيرة وبطريقة واضحة وبمتناول الجميع.

عن موقع جريدة السفير اللبنانية



 بهجت حيدر ساعي بريد على «المسطرة»


جريدة السفير اللبنانية


جريدة السفير
الأربعاء 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

انور عقل ضو


ضنين بالكلام، هادئ، دقيق في رسم التفاصيل الصغيرة، كأنها بعض سمات اكتسبها في مسيرة حياته المهنية الطويلة، ساعي بريد متنقلا بين مواجع الناس وأفراحهم، أعادنا إلى نوستالجيا الماضي، متأبطاً حقيبة الأسرار الرادمة لهوة المسافة بين الوطن والمغترب، بين مكانين وزمانين فضاؤهما بين يديه وفي مسار دراجته النارية.

بهجت سليم حيدر، ابن بلدة صليما في المتن الأعلى، ساعي بريد متقاعد، يتحدّث على «المسطرة»، يدقق في كل كلمة كأنها «أمانة» يوصلها إلى الناس. لم تستفزه موجات الحداثة وجديدها، في ما عدا هاتف خلوي، لولاه لما عرفنا أنه ينتمي إلى زمن نعيش بين ظهرانيه.

بدأ مسيرته العملية شاباً يافعاً، في العام 1967، واستمر حتى العام 1976 يوم أقفلت عليه الحرب الدروب التي حفظها عن ظهر قلب. ويشير إلى أنه كان ثمة «مكتب للوزارة آنذاك (وزارة البريد والبرق والهاتف) في صليما. كان يضم رئيساً وثلاثة موظفين، اثنان مهمتهما ايصال البريد داخل صليما، أحدهما مسؤول عن الحي الغربي والآخر عن الحي الشرقي. وأنا الموظف الثالث، وكانت مهمتي خارج نطاق البلدة، أي ضمن النطاق الجغرافي التابع للمكتب».

وكان حيدر يتنقل بين قرى العرباية، (محطة الأقمار الاصطناعية) حمادة والدليبة. ويقول: «كان هناك نهر يعتبر الحد الفاصل بين المتنين (أي بين قضاءي بعبدا والمتن)، وهو نهر الجعماني المعروف، ويفصل بين ما يعرف بالمتن العالي والمتن الأعلى، وكانت بعض قرى المتن الشمالي تابعة لمركز صليما، وهي: القنابة، بصفرين والزاهرية، بالاضافة إلى بلدة حاصبيا (قضاء بعبدا) القريبة من صليما».

كان عمله يقتصر على ايصال الرسائل والبرقيات، ويقول: «الجيل الجديد لا يعرف ما هي البرقيات وكيف كانت تصل إلينا، وكيف نوصلها». يضيف: «كانت البرقيات تصل إلينا من المركز الرئيسي في بيروت، ونكتبها بخط اليد. والبرقية يجب توصيلها في اللحظة من دون أي تأخير».

وكانت وسيلته في التنقل دراجة نارية، «أما الموظفان في البلدة (صليما) فكانا يستخدمان دراجتين هوائيتين. فمن يتحمل مسؤولية خارج نطاق جغرافي ضيق كان يستخدم دراجة نارية ويتقاضى عليها مخصصاً شهرياً قدره 40 ليرة لبنانية».

ويتذكر أنه «في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، كان البريد يصل إلينا من بلدة قرنايل بواسطة الموظف معوض طنوس. وكانت الخيل وسيلة التنقل الوحيدة. وكان يتقاضى عليها 40 ليرة في الشهر»، ويلفت إلى أنه «مع تطور شبكة الطرق كانت الوزارة تؤمن الدراجات».

ويؤكد أن «العمل في القرى مختلف عن العمل في المدن، لأن ساعي البريد شخص مقرّب من جميع الناس، يعيش همومهم، ويتقاسم معهم أفراحهم وأتراحهم». ويشير إلى أن «العمل لم يكن مقتصراً على توصيل الرسائل فحسب، ففي تلك الفترة كان معظم المواطنين يشترون حاجاتهم بالتقسيط، وكانت تصل إلينا إنذارات لدفع السندات المستحقة ونوصلها إلى اصحابها».

ويقول حيدر: «كان العمل صعباً وشاقاً، خصوصاً في الشتاء. ولكم أن تتصوروا طبيعة هذا العمل على درّاجة نارية وسط العواصف والامطار والثلوج». ويستدرك: «أعرف هذه القرى كما أعرف صليما وكانت تجمعني بأبنائها علاقات مودة واحترام».

ما يسترعي الانتباه، وفق حيدر، هو أنه «كان ممنوعاً علينا معرفة خصوصيات الناس وأسرارهم. وبفعل التقارب والعلاقات الاجتماعية كنا نلبي دعوة المواطنين إلى شرب فنجان قهوة. وهنا، كنا نطلب من أصحاب الدار عدم فتح الرسائل في حضورنا. وهذه تقاليد كانت تعتبر من شروط المهنة، وكنا نشدد على عدم فض الرسالة إلا بعد مغادرتنا. وهذا ما أبقى علاقات ساعي البريد مع المواطنين بهالة من الاحترام».

يضيف: «كنا نعرف بعض ما حملته الرسائل في زيارتنا الثانية. وكنا نشارك الناس أفراحهم والأنباء السارة التي حملتها الرسالة الأولى. ونعيش في الوقت عينه ما يواجهونه من مشكلات وما يعانونه من مآسٍ».

وعن أصعب اللحظات التي كان يواجهها، يقول حيدر: «في ظروف الثلج وانقطاع الطرق، الرسائل يمكن تأجيلها إلى حين فتح الطرق، أما البرقية فيجب توصيلها تحت الثلوج سيراً على الاقدام، لأن الرسالة تنتظر يوماً أو اثنين أو ثلاثة أيام، أما البرقية فلا يمكن أن تنتظر ولا بد من توصيلها فوراً مهما كانت الظروف صعبة وقاسية».

عن موقع جريدة السفير اللبنانية



 الكتب المدرسية : شخصيات لا واقعية


جريدة السفير اللبنانية


جريدة السفير
الأربعاء 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

عاصم بدر الدين


تصوغ كتب القراءة العربية المدرسية شخوص المجتمع، كأنها تصنع عالماً آخر. وهم، مثل غيرهم، من لحم ودم، لكن رسوماتهم وألوانهم وحيواتهم ليست واقعية. ليس أغرب من تحول التعب إلى عكسه. هكذا، تصير نقاط العرق المتساقطة من جبين الفلاح، الذي يسوْس ثوره مع بزوغ الفجر إلى حقله، كأنها جواهر بعد أن ينعكس فيها شعاع الشمس، وفق تلك النصوص. هذه أحوال لا تنسى. إذ ترتب لنا، ولقرائها، خيالاً يُعتقد أن له جماليته. والقراء من الحلقات الدراسية الأولية، لا يأخذون العالم بغير هذه النصوص. هكذا، يتفنن الكتّابُ بمعاكسة معاني الكلمات. ويصير أدباً واستشعاراً كثير الغلبة والضيق، فيغدو منشار النجار يصنع الموسيقى، ويصير الحداد عازف إيقاع، والديك زعيماً لا ينقصه غير القن. لكن ماذا عن ساعي البريد؟

يبقى ساعي البريد حاضراً في المنهاج التعليمي. وهذه مفارقة. إذ إن الشخصية، في أحوالها التقليدية، خرجت من المجتمع. وصارت، تقريباً، شبه منقرضة. وموظفو البريد، الرسمي، لا يوجدون في مكاتبهم. ويمكن أن يُقال، في تبرير حضوره، إنها وظيفة الأدب. وهذا ما يقوله العميد السابق لكلية التربية في «الجامعة اللبنانية» الدكتور أنطوان طعمة. «إذ إن الأدب مؤتمن على ذاكرة الشعوب. ليس مهماً أن يكون ساعي البريد موجوداً. لكنه كان موجوداً. ولن يلغى من التراث وحكاياته». لكنه أيضاً، في حضوره، يساير التحولات. إنه شخصية تطورية ومرنة. هكذا، «تحولت آلية نقله من البغل، أو الحيوانات، إلى الدراجة، وأخيراً السيارة».

لا تغيب هذه التحولات عن الكتب، مثل ثيابه، أو كيف يحمل الرسائل. في زمن ركوبه الدواب كان يضعها في خرج. وحين غيّر وسيلة نقله استحدث سلة صغيرة في دراجته، أو حقيبة في يده. لكن ما هو ثابت، في وصفه في الكتب، «أنه يتواصل بكثرة مع الغير والترحاب الذي يُستقبل به. شخصية محبوبة ومُنتظرة دائماً. يحمل، أحياناً، رسائل من الأحباب أو حوالات مالية من المهاجرين. وهو، أيضاً، كاتم أسرار الناس، أو فاضحها، في أحيان أخرى». إذ إن أبرز ما في خصائص ساعي البريد هو أن يكون متعلماً. «يجب أن يعرف القراءة والكتابة. وأحياناً، يقرأ الرسائل ويكتب رداً عليها بعد أن يطلب أصحابها منه ذلك. وهو مؤتمن أيضاً على التعبير عن العواطف التي ينقلها». وهذا، وحده، يموضع ساعي البريد في زمن آخر. لكن هذه الوظيفة المضافة يقابلها مكافأة، أو «حلوينة»، كما يسميها طعمة.

ولا تخرج سمات ساعي البريد، في وصفه، عن سمات غيره كما تُمثل في الكتب. «إنه إنسان مجتهد. يذهب إلى شغله باكراً. ولا يرتاح إلا حين ينتهي من واجباته». مميزاته لا تخلص. يجب أيضاً أن يكون «ماهراً في إدارة الوقت، وعارفاً بطرق التوجه عبر المكان. يعني، أن يحفظ الطرق وعناوين البيوت».

لكن شغل ساعي البريد لا معنى له من غير رسائله. وهذه تُعلم في المدارس لكونها شكلاً من أشكال التعبير. «أدب الرسائل». خفت كتابة الرسائل بورقة وقلم. «صحيح. لكن لا تزال معظم الرسائل الإدارية والعملية تستعمل الكتابة التقليدية»، وفق طعمة. هكذا، لا تزال تقنيات هذا النوع من الكتابة تشغل «مكانة مهمة في موضوعات التعبير». تتميز الرسالة عن غيرها «بأن التواصل فيها مباشر، لكن مع وقف التنفيذ. يُعلق التواصل حتى وصول الرسالة إلى المرسل إليه». وهذا، تحديداً، ما يعطل دورها هذه الأيام. لا وقف للتنفيذ في وسائل اتصال أخرى. لكن الرسالة «مرنة وأكثر تكيفاً مع الظروف. هي تساعد على قول ما لا يمكننا التعبير عنه مباشرة. وهي حصيلة تعقلنا والكتابة الباردة المتفكرة».

تعرض كتب القراءة لنماذج من هذه الكتابة. عدا الرسائل المتبادلة بين جبران خليل جبران ومي زيادة «هناك نصوص لفؤاد كنعان واميلي نصرالله وفارس الشامي، وغيرهم». ويطلب، دائماً، من الطلاب أن يكتبوا رسائل. «وكنا نسعى دائماً كي يتجاوزوا الصيغ الجاهزة والمحفوظة. معايدة، أو رسالة إلى الأم، المعلم أو صديق». هذه في السنوات التعليمية الأولى. يستعرض التلاميذ، في سنوات لاحقة، أنواعاً أخرى غير الرسائل الشخصية، منها الرسالة الرسمية، «والكتاب المفتوح. وهو نوع مستحدث في المناهج. وهي رسالة توجه عبر وسائل الإعلام إلى شخصية أو جهة من أجل الدفاع عن قضية معينة».

لا تتجاهل المناهج، وفق طعمة، تطور وسائل الاتصال. وهي تذكر البريد الالكتروني ورسائله. لكن تبقى الرسائل المكتوبة «تراثاً لا يمكن أن نتجاهله. كان عندنا، في تاريخنا، ديوان الرسائل. وهي وزارة تضم كتبة مهرة للرسائل وناقليها».

عن موقع جريدة السفير اللبنانية



 على عتبة القرن الماضي


جريدة السفير اللبنانية


جريدة السفير
الخميس 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

عماد الدين رائف


«في بيروت لا توزع الرسائل البريدية على المنازل، والذي ينتظر رسالة يأتي بنفسه إلى مبنى البريد قرب المرفأ». هكذا يصف أغاتانغيل كريمسكي معاناته مع البريد، في رسالة إلى أبيه، حملت تاريخ الأول من تشرين الثاني 1896. «ينقسم المبنى إلى مراكز يختص كل منها بالبريد الوارد من بلد أجنبي معين. هناك مركز للبريد الوارد من النمسا وآخر من فرنسا أو روسيا أو انكلترة، ولا بد من السؤال في كل مركز منها». أما عن عنوان المرسل إليه، فيحذر أباه من الخطأ في إرسال المبالغ النقدية، ويقول: «في رسائلكم العادية استعملوا العنوان التالي: فيينا ــ وعبر فيينا إلى سوريا، ثم بيروت القنصلية الروسية...».

ويفصل كريمسكي في رسائله لأجور البريد، التي ما لبثت أن تغيرت في تشرين الأول 1907، وذلك بعد التزام السلطنة العثمانية بقرارات مؤتمر البريد الدولي. وفق كاتب «يوميات لبناني في أيام المتصرفية»، الذي عني به سليم هشي. فقد غدت تعرفة الرسالة زنة 10 غرامات قرشاً واحداً، بعدما كان القرش يكفي لإرسال رسالة تزن 15 غراماً. أما تعرفة البطاقة البريدية فبقيت على حالها «عشرون بارة، فإن أراد صاحبها أن تكون أجرة الجواب مدفوعة فقرش واحد». (القرش الواحد كان يعادل 40 بارة أو مصرية، وفق السيد محسن الأمين في «خططه»).
ثم يضل كريمسكي، الذي كان يقطن في الرميل، طريقه إلى البريد، بعد نحو عشرين يوماً على وصوله، يضيف: «ذهبت إلى البريد التركي، فلم أهتد إلى المدخل الواجب علي سلوكه. سألت أحد الأشخاص فدلني عليه وتبعني يصعد السلالم خلفي. كررت الكلام أمامه أني لست بحاجة لمن يرافقني لكنه ظل سائراً ورائي بعناد، ثم وقف ينتظر حتى سلمت موظف البريد الرسالة المضمونة، وعندما خرجت بدأ يطالبني بالبقشيش». ويضل كذلك طريقه منه، يقول في 28 تشرين الثاني: أثناء عودتي من البريد سلكت طريقاً أخرى. فوجئت بأن وجدت نفسي على تلة خارج المدينة».

وإن كانت تلك حال كريمسكي في بيروت، فقد كانت أكثر سوءاً في الشوير، يقول في 22 تشرين الأول 1897: «لا أثق بالبريد الشرقي أبداً. يستغرق نقل البريد بين الشوير وبيروت ثلاثة أيام بكاملها. ويمضي ساعي البريد ليلة في بيته، وأخرى عند أقاربه، وأحياناً يرسل البريد مع أحد المكارية، لذلك فضياع الرسائل أمر مألوف للغاية». وفي أواخر أيام إقامته في بيروت، يتخوف على مصير كتبه لأن «القانون العثماني يلزم بفتح طرود الكتب الصادرة والواردة لقبض الرسوم الجمركية عنها. وإذا تبين أنها مخطوطات شرقية قديمة تصادر فوراً».

وتعتبر رسائل كريمسكي إلى ذويه، أواخر القرن التاسع عشر، وثائق اجتماعية فريدة في تناول تفاصيل الحياة اليومية لأهالي بيروت وبعض نواحي متصرفية جبل لبنان، وإن كانت لا تمثل قيمة أدبية. وقد جمعت الرسائل في كتاب عنوانه «رسائل من لبنان»، قدمت له الباحثة السوفياتية إيرينا سميليانسكايا في العام 1975. ويبدو أنها ارتأت أن يبدأ الكتاب من الرسالة الحادية عشرة. وقد نقله إلى العربية يوسف عطا الله، وراجع النص وضبط حواشيه مسعود ضاهر. وحمل الكتاب اسم «بيروت وجبل لبنان على مشارف القرن العشرين»، ولم تدرج في الكتاب الرسالة الحادية عشرة، بالإضافة إلى أن ضاهر تصرف في النصوص. أما الرسائل بصيغتها الأصلية فلم تصل إلى العربية، على الرغم من أنها طبعت في كييف بالروسية مع حواش بالأوكرانية، في العام 1973، تحت عنوانها الأصلي «رسائل من سوريا».

عن موقع جريدة السفير اللبنانية



 رسائل المعتقل


جريدة السفير اللبنانية


جريدة السفير
الخميس 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

كارول كرباج


سمعنا كثيراً عن روايات السجون في بقعة في حال نزاع شبه مستمر «مع نفسها»، ومع حدودها الجنوبية والشمالية. قصص مؤثرة نقلها أسرى من السجون الإسرائيلية والسورية ومن معتقلي الخيام وأنصار، ومن سجون الميليشيات اللبنانية أيضاً. قصص تروي الظلم داخل الجدران الداكنة، تصف السجّان واتقانه فنون التعذيب، وتحكي عن انتفاضات الأسرى ومقاومتهم، محاولات هروبهم والاخفاقات. تؤرخ حقبات مفصلية من تاريخنا.

وراء تلك القصص بريدٌ ظلّ منسياً في كواليس الزنازين: رسائل «الصليب الأحمر». بقيت تلك الرسائل أداة السجين الوحيدة للتواصل مع «الخارج»، وهي برمزيتها تتعدى كونها مجرد أداة تواصل، لتصبح الموضوع نفسه. تلقّى «الصليب الأحمر» ملايين الرسائل من السجون الإسرائيلية ومعتقلي أنصار والخيام، لكنه غاب عن السجون السورية بسبب نفيّ السلطتين اللبنانية والسورية وجود صراع بين البلدين.

شطب وعقوبة

رسائل «الصليب الأحمر» مفتوحة، او بعبارة أدق، خاضعة لرقابة مزدوجة: رقابة سلطات السجون ورقابة «الصليب الأحمر» نفسه. مرحلة الرقابة تحمل قصصاً بحدّ ذاتها. تُشطب بعض الجمل من النص بمادة بيضاء، وقد تتحوّل الرسالة إلى ورقة عذراء في حال تخطى السجين الخطوط الحمراء المسموح بها. تُلغى الرسالة بأكملها بختم «cancelled»، وتعود إلى السجين.

يضحك الأسير المحرّر من معتقل الخيام سليمان رمضان لدى سؤاله عن الشطب والإلغاء: «قليلة رسائلي التي لم تشوهها سلطات الاحتلال». أسر سليمان في جبل الشيخ خلال عملية لـ«جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» (الحزب الشيوعي اللبناني) في أيلول العام 1985. أمضى «عميد معتقل الخيام»، كما يلقبه رفاقه، خمسة عشر عاماً. ولم يتواصل «مع الخارج» إلا بعد عشر سنوات من الأسر في العام 1995، حين سمحت سلطات الاحتلال لـ«لجنة الصليب الأحمر الدولي» بدخول المعتقل.

كانت تصل كلمات سليمان مشتتة الأوصال إلى ذويه. يستعيد بصعوبة ذكريات المعتقل وبرقياته، ثم يضيق خلقه قائلاً: «فقدت ذاكرتي في المعتقل والله، لازم ارجع للرسائل، محتفظ بها كلها. أذكر فقط أن كل العبارات التي تدعو إلى الصمود ومقاومة الاحتلال كانت تُلغى. حتى النبرة الثورية يمكن أن تهدّد بإلغاء الرسالة». يصدر أصواتاً تشي بابتسامة: «اكتبها، وأنا أعرف أنها ستُشطب». فرسائل الأهل كانت تخفي رسائل للسجّان أيضا.
يغرق في صمت محاولاً استحضار رسائله المُلغاة، ثم يقول بحماسة من يتذكّر تفصيلاً مهماً: «ختمت مرة رسالة بقول للمناضل الافريقي ضد الاستعمار كوامي نكروم: من يحدّ من حرية الآخرين لا يستطيع أن يكون حراً». كانت تلك العبارة كفيلة بإلغاء الرسالة، ومعاقبته لأشهر بمنعه من مراسلة ذويه.

«كانت قصة كبيرة الرسالة، نقف ننتظرها على أبواب الزنزانة. نبقى نحفظها ونرددها بين بعضنا»، لعّل هذا ما كان يحوّلها إلى أداة عقاب تُستخدم ضد الأسرى «المشاغبين».

خمس عشرة سنة في معتقل الخيام تحتاج إلى كتب لنقلها، يختصرها بثلاث مراحل: «الجحيم، الجفاف والنعيم»، تفصل بينها محطتان مفصليتان: انتفاضة الأسرى في العام 1989 ودخول الصليب الأحمر المعتقل في العام 1995. «ما رأيتموه أنتم في المعتقل بعد التحرير، على فظاعته، كان نعيماً بالنسبة إلى ما سبق. عشنا كل ما لا يتصوره العقل والخيال أيضاً».

العبارات المبهمة كانت تُحذف أيضاً، كذلك تفاصيل التعذيب والتمرد. «أسألهم من تزوج، من ولّد، ومن دخل مدرسة. أخبار شخصية وعائلية فقط». وهذا لا ينفي محاولات التحايل على «الشخصي» و«العائلي»، من دون أن يثير الشكوك باحتمال «التشفير». يعاود محاولات نبش الماضي: «مثلاً، عندما كنت أريد أن أسلّم على رفيقي في الحزب، عفيف، كنت اسألهم عن ابنة عمي عفيفة، كي لا أعرضه لأي خطر».

صفحة واحدة

اعتقل محمد (اسم مستعار)، اللاجئ الفلسطيني من لبنان، في كشمير في العام 1993. «احتجزت خلال حملة اعتقالات عشوائية. اتهموني بأنني فدائي فلسطيني جئت إلى كشمير للقيام بأعمال ارهابية». أسئلة تفصيلية أخرى توضح المشهد أكثر. «لم يكن ممكناً عدم الانخراط في النزاع الكشميري»، يقول محمد الذي عاش سنتي العنف معتمداً على «مساعدات» أهل كشمير للفدائيين.

قبع محمد في مركز تحقيق سريناجار لسنتين من دون محاكمة. «الطير الأزرق لا يعرف من في مركز التحقيق. يموت معتقلون من التعذيب ولا أحد يعرف بهم». انتقل بعدها إلى عشرات السجون في ولايات هندية مختلفة. هنا بدأت محاكمته... وهنا بدأ تواصله مع العالم الخارجي.

زاره مندوب «الصليب الأحمر» للمرة الأولى بعد سنتين في المعتقل، وسلمه قلماً واستمارة برقية. حينها كان لديه الكثير ليقوله لأهله. لكن الرسالة لا تتسع لكثير من كلمات المعتقل وتفاصيله. كان عليه أن يختصر يومياته، الجميل منها والمؤلم، في صفحة واحدة فقط، وبعبارات عامة للسلام والاشتياق. مساحة الرسالة ومضمونها (المُراقب) أصبحت مادة تمرد. «كنت دائماً أحاول تهريب رسائل»، يعبّر بابتسامة رضا. «اسلمها لمعتقل محرّر أو لجندي مأجور».

يحمل محمد رسائله الصفراء المحشوة في حقيبة رثة كسنوات سجنه، يضع نظارته. ويخرج الأوراق واحدة تلو الأخرى، ويتصفحها باهتمام. بين عشرات الرسائل، يجد دفتراً صغيراً لـ«الصليب الأحمر» كتب عليه باللغة الأردية، وبين صفحاته أرقام هواتف لرفاق في المعتقل من باكستان وأفغانستان وطاجكستان. تعلّم محمد الأردية في المعتقل وعلّم اللغة العربية والقرآن لآخرين. تلك الحقيبة، وما تحمله من برقيات وذكريات، كل ما تبقى لمن عُلّقت سنوات عمره بين قضبان زنزانة.

«عشت معهم»

«كانت الحاجة الله يرحمها تستقبل رياض (مندوب «اللجنة» في صور) استقبالاً خاصاً. كأنه ابنها. ما تقبل إلا تحملّه مونة وزيتون وليمون من أرضنا»، يحكي شقيق محمد. كان محمد يكتب رسائله باللغة الانكليزية لتمرّ على رقابة سلطات السجن في الهند. «ورياض يترجم لها الرسالة ويكتب لها الرد بالإنكليزية»، يضيف. «طمني عنك يا امي، خليك عم تراسلني. والله يلم الشمل قريباً. وانشالله بشوفك قبل ما موت»، كانت تُملي على رياض تلك الكلمات المحملة بالدموع بعد كل زيارة، ليقوم بترجمتها وإعادتها إلى السجن. توفيت والدته قبل ستة أشهر من الإفراج عنه، وبقيت رسائله الكثيرة وزيارات رياض الصلة الوحيدة مع ابنها المعتقل.

يتحدث سليمان مطولاَ عن مندوب «الصليب الأحمر» في معتقل الخيام. «كان يحبني كثيراً. يتعاطف مع الأسرى ويحاول أن يحسّن ظروفنا». استدركت سلطات المعتقل ذلك، فاتهمته بـ«الشيوعية» وهدّدته بعدم دخول المعتقل. «كان فرداً من العائلة. يعني الحاجة ملتزمة دينياً، لكن لما تشوفو تعبطو. صار من أولادها».

لا تربط الرسالة (المفتوحة) بين السجين وأسرته فحسب، بل تُقحم «الوسيط» في علاقة تبدو ثلاثية. عاصرت كريستين رشدان، وهي مسؤولة مكتب البحث وإعادة الروابط العائلية في «الصليب الأحمر»، جميع المعتقلين في السجون الإسرائيلية ومعتقلي أنصار والخيام. «كنت أضطر، بحكم وظيفتي، إلى قراءة جميع الرسائل. عشت مع الأسرى والمعتقلين في تفاصيلهم كلها على مدى عشرات السنين. أعرف قصة كل شخص وأسرته، من تزوج ومن أنجب ولداً، ومن نال شهادة بروفيه». هكذا يصبح «الوسيط» شريكاً، يتخبط مع معاناتهم وتفرحه تفاصيلهم.

عن موقع جريدة السفير اللبنانية



 كاتم أسرار طرابلس


جريدة السفير اللبنانية


جريدة السفير
الخميس 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

عمر ابراهيم


لم يبقَ من مراكز البريد والبرق في طرابلس سوى مبان مهجورة وأخرى خارجة عن الخدمة، وذكريات محفورة في أذهان جيل عاصر هذا القطاع الحيوي قبل أفوله، وتحول وظائفه إلى جهات ووسائل أخرى.

ربما لم يسمع كثيرون من شباب طرابلس عن البريد، أو حتى أنهم قد يتفاجأون عندما تقع عيونهم على اللافتة المرفوعة على مبنى المؤسسة خلف شارع عزمي وسط المدينة، أو على المركز الرئيسي للبريد قرب سرايا طرابلس وقد تحول اليوم إلى مجرد مبنى مهجور.

ويسأل البعض عن عمل هذا القطاع ودوره وسر إبقاء الدولة عليه بالرغم من اعترافها الضمني بانتهاء دوره؟ وطرابلس التي عايشت العصر الذهبي للبريد، ما زالت تحتفظ بمركز له عبارة عن شقة سكنية تضم عدداً من الموظفين، الذين يتناوبون بشكل غير منتظم وبأوقات مختلفة، على الحضور.

وما زال الموظفون يحضرون، ومنهم من أمضى نحو 40 عاماً في الوظيفة، يستلم الرسائل ويحولها إلى الخارج أو يوصلها إلى أصحابها في شوارع المدينة وأحيائها السكنية.

ويحضر الموظفون، بدافع عاطفي، والتزاماً بالدوام الوظيفي ولو بالحد الأدنى. ويرتبط الموظفون بروابط اجتماعية، وهم موزعون على أقضية الشمال، ويستغلون فرصة التوجه إلى «العمل» للقاء بعضهم.

ويروي أحد المعمرين في المدينة علاقته مع البريد بوصفه «كاتم أسرار المدينة والمحافظ على التواصل الاجتماعي بينه وبين معظم أفراد عائلته الذين هاجروا منذ عقود إلى دول الاغتراب، وبقي على تواصل معهم من خلال البريد الذي لا يزال يمتلك بعضاً من طوابعه المعتمدة في الستينيات».

إلا ان المفارقة، تبقى في أن عدم إغلاق مكتب البريد في طرابلس بشكل نهائي مرده ليس إلى رغبة في الحفاظ على القطاع بغية إعادة تشغيله، إنما السبب عدم القدرة على دفع تعويضات الموظفين.

عن موقع جريدة السفير اللبنانية



 خزنة «مكاتيب» اللبنانيين : قبلات وأشواق


جريدة السفير اللبنانية


جريدة السفير
الخميس 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

عاصم بدر الدين


مَن كان يكتب رسالة، في زمن آخر، كان يعتقد أنها إنجازه الشخصي، لا يمكنه أن يتخلى عنه. يوثقه، أو يحتفظ بما أرسل إليه. ليس بالضرورة أن يبقى ما يملكه بين يديه. تُترك الرسائل في صناديق بعيدة، أو تُؤلّف منها الكتب، لكنها تبقى. وهي، كما يمكن أن يُتخيَّل، رأسمال رمزي. يقدّر صاحبه عنه، بعد غيابه. تجربة الكتابة في ندرتها، وقتها، كانت صناعة. بما هي توليف للمعنى وأحواله. ونحن، أشخاص العقود الثلاثة الأخيرة، وقد صارت الكتابة عندنا تحصيل حاصل، والتواصل بداهة، نعرف أن الكتابة للآخر، مباشرة، ذكرى محمّلة أكثر من لزوم الكتابة التواصلية. هكذا، نجرب، في حال اختبارنا التواصل البريدي اليدوي، أن لا نرمي ما يصل إلينا. في الغالب طبعاً. لا يعرف الناس أين وضعوا رسائلهم. لكنهم، في أقل تقدير، لم يرموها إرادياً. ضاعت وحدها.

هذا السلوك غير المُدرك، أنتج مكتبة هائلة من الرسائل الفردية. ورثت، في آخر عمرها، إلى غير أصحابها. يجمع المهتمون هذه المسائل، وتؤرشف عندهم. أستاذ العلوم السياسية في «الجامعة اللبنانية» جهاد بنوت واحد منهم. وهو، بالإضافة إلى كتب قديمة وجرائد وصور عائلية، يملك مجموعة ضخمة من الرسائل الشخصية والأدبية والتجارية والسياسية الديبلوماسية. حصّل بنوت مجموعته هذه من أغراض ناس باعوا منازلهم بما فيها. وهو يعمل، عند وصولها إليه، على مراجعتها وتصفيتها.

يبدو كأن الناس لا يهتمون برسائلهم. إذ يتركونها خلفهم حين يغادرون. وهم، وفق بنوت، نوعان. جماعة منهم تحتفظ «برسائلها لأنها تقدر محتواها. لكن كتابها يرحلون، فلا يهتم أولادهم بها. والجماعة الأخرى لا تهتم نهائياً بما لديها».

احترام وتقدير

كانت كتابة الرسائل، في ذلك الزمن، كثيرة. ويمكن لبنوت أن يصنف، انتشارها، جغرافياً. مثل أن رسائل أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين كانت تصل من الأميركيتين. بعدها بسنوات، قريباً من الحرب العالمية الأولى، بدأت الرسائل تبرز من أوروبا. ولاحقاً من أفريقيا. وبدأت، على مشارف الخمسينيات، تصل من دول الخليج العربي. «وهذه تؤرخ لحضور اللبنانيين ووجهة هجرتهم في كل عقد». لكن هذه المجموعة تشتمل أيضاً على رسائل متبادلة داخل لبنان. مثل رسائل بين سجناء سياسيين وأهلهم.

ويمكن لبنوت، في ملاحظة أخرى، أن يقسم هذه الرسائل أسلوبياً عبر الزمن. وهو يقول إن رسائل أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين كانت أكثر بلاغة وإبداعاً. كانت الناس تتعب في الكتابة. «ويمكن وضع رسائل النخب، في حينها، في خانة النصوص الأدبية. وهم كانوا يكثرون، في رسائلهم، من استعمال تعابير الاحترام والتقدير». وكان كتاب الرسائل هذه يعرفون قيمة ما يكتبونه. إذ، كما هو واضح في نسخ بنوت، يلصقون رسائلهم بالرسائل التي ترد عليها. «كانوا ينسخون رسائلهم قبل إرسالها. وينتظرون الرد». أما الرسائل العائلية، في تلك الفترة وهي قريبة من الحرب العامية الأولى، فكانت تكثر فيها أحاديث الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. وهذه، في الغالب، كانت موجهة من ابن مهاجر إلى أهله. «ويذكر الابن، في أغلبها، ما سيرسله لهم عبر باخرة من ثياب أو أحذية أو تحويلات مالية. وأحياناً تذكر صعوبات وصول الرسائل والأغراض».

عصر ذهبي

تراجعت هذه الصياغة المتكلفة، وفق ملاحظة بنوت، بعد الحرب العالمية الثانية. صارت الرسائل أكثر عملية. لكن أيضاً، في هذه المرحلة، «شهدت الرسائل عصرها الذهبي. إذ تكثر الرسائل التي أملكها في هذه السنوات، حتى حدود الثمانينيات تقريباً». مفهوم. زادت الهجرة في هذه السنوات. وصارت الكتابة معممة، وطرق وصولها أسهل. تتنوع رسائل هذه المرحلة. وهي، في الغالب أيضاً، بين ابن وأهله، أو زوج وزوجته «حيث تكثر النميمة المتبادلة على تصرفات الأهل»، أو بين حبيبين أو خطيبين «وهما يتبادلان عبارات الحب». لكن كيف يتخلى الناس عن رسائل حميمة كهذه؟ «في الغالب تضيع من بين أيديهم. وتُهرب تهريباً من ضمن أغراض منزلية أخرى»، وفق بنوت.

تكتب هذه الرسائل باليد. قليل منها مطبوع، وتحديداً الرسائل التجارية. الورق صار أصفرَ. وفي الغالب، الخط يصعِّب قراءتها. وهو مائل. لكن هذه العادة تراجعت في السنوات الماضية. تطورت وسائل الاتصال. واستغني عن الكتابة. لكن البطاقات البريدية لا تزال متداولة. «وهي مرتبطة بسفرات معينة أو مناسبات، مع جمل قصيرة».

أمومة وحب

يجمّع بنوت، وهو الذي يحضر لمعرض جديد عن وثائق سياسية، رسائل الأشخاص. أدبياً يملك مجموعة لمخائيل نعيمة وأمين الريحاني وغيرهما. لكن، مؤخراً، وصلته مجموعة رسائل شخص، يعيش في جيبوتي في منتصف الأربعينيات، إلى أمه. يصف بنوت هذه الرسالة «بأنها أدبية ومميزة بلغتها. حتى خط الرجل جميل. وأشك، في ما أقرأه أحياناً، إذا كان يراسل أمه أو حبيبته. غريب». يقول أنطوان، في رسالة في 21 آذار 1944: «أيتها الوالدة الغالية. اليوم بدأ الربيع. كل شيء يتجدد. لماذا يا امرأة لا نجدد الأحاديث عما بيننا من الحب القديم؟ أود لو أن كل زهرة ينفتح عنها الكمّ في لبنان تكشف لك عن عظيم عاطفتي من نحوك! عسى أن يكون بدء اعتدال الهواء سبباً في تحسن صحتك العزيزة. أنا والحمد لله بخير وعافية. قبلي عني جميع أفراد العائلة الأحباء واقبلي قبلاتي وأشواقي والسلام عليك. أنطوان».

عن موقع جريدة السفير اللبنانية



 جار بحر صور


جريدة السفير اللبنانية


جريدة السفير
الخميس 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2013

حسين سعد


في شهر حزيران من العام 1968 بني مركز «البريد والبرق» في مدينة صور. وأصبح المبنى المطل على البحر من الناحية الشمالية لوحة معمارية أضيفت إلى مبان تاريخية أخرى في المنطقة.

وبعد مرور 45 عاماً على إنشائه ووضعه في الخدمة، يحافظ المبنى المؤلف من طبقتين وتمتد واجهته على أكثر من أربعين متراً، على رونقه، بالرغم من حاجته إلى التأهيل.

وفي وقت يحافظ المبنى من الخارج على هويته المعمارية ومتانته، فإن داخله وأقسامه شهدا تغييراً جذرياً، بعدما شغلته شركتا «ليبان بوست» و«أوجيرو». وقد غادره موظفو البريد القدامى وقد أحيلوا على التقاعد واحداً تلو الآخر، ولم يبق في المركز من هؤلاء الموظفين سوى سيسيليا براضعي، وهي قريبا سوف تتقاعد.

يجاور مبنى البريد والبرق، من الناحية الشرقية، مبنى مصرف لبنان، الذي يشكل لوحة معمارية وهندسية، ومبنى «سينما دنيا» من الغرب الذي أقيم مبنى شاهق على أنقاضه في الثمانينيات.

في كل زاوية من زوايا المبنى قصص وحكايات وخفايا يحفظها الموظفون، ولا سيما موظفو الهاتف الذين كانوا يعرفون «الشاردة والواردة»، من القضايا الأمنية والاجتماعية إلى قصص الغرام.

كانت أمواج بحر صور تلاطم واجهة المبنى، الذي تفصله عن الشاطئ طريق لا يتعدى عرضها عشرة أمتار، قبل أن يتم ردم مساحة من الشاطئ لتوسيع الطريق.

محت نوائب الدهر والأحداث جزءاً غير قليل من ذاكرة أنطوان بيروتي (72 عاماً)، لكن شيئاً جميلاً ما زال في ذاكرة ابن حارة صور.

يروي بيروتي: «في العام 1968 انتقلنا من مركز الهاتف القديم في منطقة المنشية في آخر السوق التجاري (صار اليوم مركزا لشرطة البلدية) إلى مبنى البريد والبرق الحالي. وعدّ الأمر حينها تحولاً نوعياً في مسيرة المركز بعدما انتقل من العمل اليدوي إلى العمل الأوتوماتيكي».

كان دوام العمل في السنترال، ولا سيما «أيام العمل اليدوي» مضنياً ومتعباً. وكان موظفو الدوام الليلي، لا يغمض لهم جفن. يقول: «غادرت وظيفتي قبل ثماني سنوات مرتاح الضمير والبال، على الرغم من صعوبات العمل والمخاطر، وعلى رأسها الاجتياحات الإسرائيلية، إذ كنا نصمد لمتابعة شؤون الناس».

لا ينسى بيروتي لحظة افتتاح المبنى في العام 1968، ولا زملاء عاش معهم، ومنهم «ذاكرة هاتف صور» المرحوم شفيق اسبيردو، وشقيقه المرحوم سمير، ونظيرة أرناؤوط والهام جودي وإيلي فاخوري وآخرون.

خصص القسم الآخر من المبنى لبريد صور الذي انتقل من مركزه السابق في حارة المسيحيين في المدينة.

يروي أحمد تركية، الذي تقاعد قبل ست سنوات وكان قد بدأ العمل في المركز مياوماً في العام 1963: «أدى بناء المركز إلى تحول جذري في عمل بريد صور بعدما أصبح المكان رحباً ويتسع لغرف الحوالات والبرقيات وفرز الرسائل وغيرها من المعاملات. كان دوام الموظفين في المركز يقسم حينها إلى دوامين، صباحاً ومساءً، نظراً إلى قلة عدد الموظفين، غير القادرين على تلبية حاجات الناس».

يضيف تركية : «كان عملنا مختلفاً عن عمل البريد اليوم، وقد تبدلت وظيفة البريد وأصبح شركة خدمات عامة».

عن موقع جريدة السفير اللبنانية


صدر العدد الأول من جريدة السفير في 26 آذار 1974، وكانت ولا تزال تحمل شعاري “صوت الذين لا صوت لهم” و “جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان”.
اليوم، وبفضل تقنيات الاتصال الحديثة والإنترنت، تخطت السفير مصاعب الرقابة والتكاليف الباهظة للطباعة في الخارج وتمكنت من الوصول إلى قرائها في القارات الخمس.
تتضمن صفحات السفير الأخبار والتغطية الميدانية للأحداث في السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع والرياضة والترفيه، بالإضافة إلى التحقيقات الميدانية والعلمية والبيئية.
وتتولى تغطية الأحداث اليومية مجموعة صحفيو السفير ومراسلوها في واشنطن وباريس ولندن والقاهرة وفلسطين ودمشق وعمان وموسكو وروما وبون، مستعينون كذلك بالخدمات الإخبارية التي توفرها وكالات الأنباء العالمية.
لقراءة المزيد


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)