ترجمة

شعرية المكان في الأدب العربي الحديث La poétique de l’espace dans la littérature arabe moderne

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الثلاثاء، ٨ يوليو/ تموز ٢٠١٤
جريدة الحياة
سلوى عبدالحليم


«شعرية المكان في الأدب العربي الحديث» ... عوالم ممكنة


هل تظل شعرية المكان حبيسة حدود ما سماه أمبرتو إيكو «العوالم المحتملة للنصوص». انه تساؤل يصلح أن يكون مدخلاً لفهم كتاب «شعرية المكان في الأدب العربي الحديث» (المركز القومي للترجمة، القاهرة) تحرير بطرس الحلاق، وروبن أوستل، وشتيفن فيلد، ترجمة عماد عبداللطيف ونهى أبو سديرة.

يعالج الكتاب (274 صفحة) موضوعاً مهماً في حقل النقد الأدبي، هو جماليات المكان في عدد من الأعمال الأدبية والعربية الحديثة، ويحلل نصوصاً لقائمة كبيرة من الكتاب العرب مثل: إبراهيم الكوني وغسان كنفاني، وهدى بركات، وحنان الشيخ، وجمال الغيطاني، ومحمد شكري، وجبرا إبراهيم جبرا، وغيرهم.

يحوي الكتاب قسمين. الأول عنوانه «المكان موضعاً للنشأة»، وفيه يناقش لوك للمويلي ديهوفل ما سماه «مكان اليوتوبيا» في أعمال إبراهيم الكوني التي يرى أنها تسخر من الحدود الجغرافية أو التاريخية أو اللغوية، مثل الصحراء، المادة الأولية للفضاء الذي يتحدث عنه «ينفرط عقد مراحل هذا البدوي الكوني» من أواخر العالم «حيث تتحدث الأعمال الناتجة من ترحاله عن الحنين لمركز يريد أن يغزوه بالكتابة وهو القلب النابض للصحراء الذي يتردد في كل أعمال الروائي الليبي». يصف الكوني الصحراء، في شهادة ضمها الكتاب، قائلاً: «هي مكان مقدس. ملجأ للحماية. هي أيضاً مكان للتطهر. مكان للحرية. المكان المرادف للموت».

وبينما يرى ديهوفل أن ثمة نقطة مركزية هي مكان اليوتوبيا الموجودة في أعماق الصحراء والإنسان في وقت واحد، تعكس صورة الفضاء الذي يزيل كل الحدود، ويشمل العالم أجمع، يشير صبري حافظ في موضع آخر من الكتاب، إلى أن ثمة مقاربة تتعامل مع الصحراء بوصفها النقطة السردية للرحيل، لافتاً إلى أن خير تمثيل لهذه المقاربة نجده عند عبدالرحمن منيف؛ أهم روائي ظهر في شبه الجزيرة العربية بخاصة في خماسيته «مدن الملح»، فقد تم التعامل مع الصحراء بتوق رومانسي نوستالجي، وقدمت بوصفها فردوساً مفقوداً، يتوق بطل ما بعد النفط إلى العودة إلى نقائها وصفائها وهدوئها وسلامها.

في القسم الثاني وعنوانه «المكان أو ترسيخ إشكالية المصير الإنساني»، يتأمل صبحي بستاني الحيز المكاني عند غسان كنفاني والذي يظهر جلياً في قصصه القصيرة والتي تتألف الواحدة منها من 6 إلى 20 صفحة، لافتاً إلى أن هذا النوع الأدبي هو «الأكثر عرضة للأخطار من وجهة النظر الفنية، باعتباره يعكس الإلتزام السياسي والأيديولوجي تجاه القضية الفلسطينية».

وهنا تجدر الإشارة إلى تحليل ريتشارد فان ليوين في حديثه عن سحر المكان في روايتين لجمال الغيطاني وهدى بركات. يقول ليوين: «تمنح العلاقات بين إدراك المكان وتنظيمه من ناحية، وممارسة السلطة والقوة من ناحية أخرى دلالة خاصة في وجهتي النظر الموضوعية والذاتية للمكان».

فالمكان؛ بحسب ليفيبفر، هو وسيلة للتحكم والهيمنة والسلطة. والقوى الديناميكية الأساسية في المجتمع تتم موضعتها محلياً في شكل صارم، «فالأبنية مغلقة بعلاقات السلطة؛ إنها تنطوي على السلطة وتجعل الارتباط بين تغير الخصائص والسلع ممكناً بالنسبة إلى ميشال فوكوه - الذي كان مهتماً بالروابط بين المكان والسلطة في شكل خاص – ليس التنظيم المكاني إلا بعداً آخر لخطاب الضبط والتحكم الذي يمهد الطريق إلى تيسير المراقبة والحظر».

وبحسب معظم منظري المكان فإن تكوينات السلطة هي التي تنتج القيود المكانية؛ وبناء على ذلك تقوم هذه التكوينات بتعيين الحدود والتصنيفات والملكية...

يقول ليوين: «يوجد في الأدب العربي الحديث كاتب عني على وجه الخصوص بقضايا السلطة والمكان هو جمال الغيطاني». ويشير ليوين إلى الأبعاد المكانية لرواية «خطط الغيطاني»، و «الزيني بركات» التي عرضت لها سامية محرز في مقال تحليلي، ويربط بينها وبين رواية أحدث هي «وقائع حارة الزعفراني»، القاهرة 1976 ورواية أخرى هي «حجر الضحك» لهدى بركات في محاولة لإستكشاف العلاقة بين السلطة والمكان.

وتتحدث إيزابيلا كامرا دافليتو عن المكان عند جبرا إبراهيم جبرا وتصفه بالمكان الكابوس، على اعتبار أن الكاتب الفلسطيني قدم الأماكن المغلقة، بل محكمة الإغلاق. يكفي أن نتذكر رواية «السفينة» التي تدور أحداثها داخل ابينة ضيقة لإحدى السفن، و «الغرف الأخرى».

وتشير دافليتو إلى أن «عدداً من الكتاب العرب من غادة السمان إلى محمود درويش تناولوا هذه التجربة التي جعلتهم أسرى كابوس مزدوج، كابوس الوجود في منزل يتعرض لنيران الحرب التي تدخل من النوافذ بينما خارج المنزل لا يمنح أي شعور بالأمان».

وتستطرد: «ليس من قبيل المصادفة أن يصبح المستشفى النفسي في الكثير من الأعمال التي تتناول هذه التجربة هو الملاذ الأخير المتاح»، سواء في قصة «بيروت» لغادة السمان أو «أهل الهوى» لهدى بركات.

وبعيداً من كون «المكان الأدبي» ذا معنى إستعماري، فإن مكان الكتاب كما هو متصور هنا يجب أن يرجع إلى واقع مملوس، فهو نتاج تأليفه ثم طرحه للتدوال في العالم الحقيقي للأعمال الأدبية في العالم العربي اليوم. هذا الطرح يقدمه إيف غونزالس كيخاتو في دراسة مهمة ضمها الكتاب. يرى كيخاتو أنها «نوع من الدراسة المضادة لعدد من الدراسات الخاصة بالأبعاد الرمزية للمكان المجازي في الأدب العربي الحديث»، ويعرض لبعض القواعد التي تحكم عالم الأدب العربي حتى الوصول إلى مرحلة النشر، وفي معنى آخر الدخول إلى المكان العام، مكان الجمهور.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


لقراءة المزيد عن هذا الكتاب باللغة الفرنسية

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)