سيرة حياة النجمة بديعة مصابني عميدة الرقص الشرقي

, بقلم محمد بكري


موقع رصيف 22


موقع رصيف 22
الثلاثاء 16 مايو 2017
هشام مكين


بديعة مصابني عميدة الرقص الشرقي وصاحبة مدرسة الفن الأولى في مصر



سيرة حياة النجمة التي كانت تدير أشهر كازينو في مصر، وتعلم على يديها أكبر نجوم الاستعراض في مصر والعالم العربي في النصف الأول من القرن العشرين.

عاشت بديعة طفولة حافلة بالأحداث الأليمة، إذ كان والدها يمتلك مصنعاً للصابون في سوريا، وسرعان ما تغيرت أحواله المادية بعد حريق المصنع. بعد وفاة الوالد، اضطر أخوها توفيق للعمل في إحدى الحانات. وفي السابعة من عمرها تعرضت لحادث اغتصاب على يد صاحب الحانة، التي كان يعمل فيها أخوها، كان له آثار على حالتها النفسية، خصوصاً أن والدتها أصرت على مقاضاته، لتصبح تلك القصة متداولة بين أهل المدينة. وفي الثامنة من عمرها سافرت بديعة مع والدتها وإخوتها إلى أمريكا الجنوبية. عاشت هناك 7 سنوات، والتحقت بمدرسة داخلية تعلمت فيها العديد من الفنون واللغات، إذ اكتشفت الراهبات موهبتها في الغناء والتمثيل والرقص الإيقاعي، وفن الإلقاء فلعبت أدواراً عدة على خشبة مسرح المدرسة.

القاهرة - بيروت

عام 1919 قررت الأم المجيء إلى مصر مع بديعة لقضاء عطلة الصيف، وبينما كانت بديعة تتنزه فى حديقة الأزبكية في القاهرة، تعرفت إلى المؤلف فؤاد سليم، الذي فتح لها أبواب الفن بعد أن رأى فيها مقومات الفنانة المسرحية. فقدمها للفنان اللبناني جورج أبيض، الذي كان لديه شغف بالفن المسرحي، وتعلمت على يديه أصول التمثيل وفنون المسرح. كما أجادت اللهجة المصرية، بينما كانت والدتها ترفض التحاقها بمجال الفن، فقررت العودة إلى الشام مع ابنتها. وفي محطة القطار هربت بديعة من أمها لتقرر المكوث في القاهرة، والتمسك بحلمها في مجال الفن والتمثيل.

لعبت بديعة في بداية مشوارها الفني أدواراً صغيرة في فرقة جورج أبيض المسرحية، ثم انضمت إلى فرقة أحمد الشامي، الذى كون فرقة مسرحية تجوب محافظات مصر ليقدم مسرحياته الاستعراضية الغنائية المبهرة. وقدمت فيها بديعة أدواراً رئيسية ومساحات تمثيلية أوسع، لتصبح بطلة الفرقة برقصها وغنائها وتمثيلها المتميز.


خطأ في التنفيذ plugins/oembed/modeles/oembed.html

طافت بديعة البلدان العربية منها سوريا، والأردن وفلسطين، وقدمت العديد من العروض هناك، حتى تعرفت إلى الفنان نجيب الريحاني في بيروت، وعادا إلى مصر ليقدما واحدة من أنجح المسرحيات، منها رواية ليالي الملاح، ولعبت فيها دور"قوت القلوب"، وقد لاقت رواجاً كبيراً فى تلك الفترة. ثم قدمت أدوار البطولة في العديد من المسرحيات من خلال فرقة نجيب الريحاني، منها أيام العز، ريا وسكينة، الشاطر حسن، الفلوس ومجلس الأنس، والبرنسيسة. وعام 1925 تزوجت من نجيب الريحاني واستمر زواجهما 18 عاماً. في تلك الفترة شاركت بديعة في العديد من الأفلام، منها فيلم “ابن الشعب” عام 1934 مع بشارة واكيم وميمي شكيب، وفيلم “ملكة المسارح” عام 1936 مع ألفريد حداد وفؤاد الجزايرلي، ولعبت دور البطولة في فيلم “الحل الأخير” مع سراج منير عام 1937، وفيلم “ليالي القاهرة” عام 1939 مع محمد فوزي، كما شاركت فى فيلم “فتاة متمردة” عام 1940 مع آسيا داغر وأنور وجدي، وعام 1946 فيلم “أم السعد” مع بشارة وكيم وماري كويني.

كازينو بديعة، مدرسة الفن

عام 1943 قرر الريحاني وبديعة الانفصال، بسبب طموحها الفني، الذي لم يستطع أن يسايره الريحاني، وكانت بديعة دائماً تصفه بالكسول في عمله وحياته الاجتماعية. بعد الطلاق قررت عدم العودة للتمثيل، واشترت صالة عماد الدين بخمسة آلاف جنيه، ليصبح المبنى معروفاً بكازينو بديعة. كان يتكون من ثلاثة طوابق فيه أربعة أماكن للسهر والضيافة: حديقة، مطعم، قهوة وكازينو، قدمت فيه عروض راقصة وغنائية بالصاجات، والعديد من الأغاني التي تحمل روح الخفة، إلى جانب أداء أغاني التخت الشرقي، حتى كونت فرقة استعراضية تضم أكثر من 50 شاباً وفتاة.

ولم تلبس مصابني طوال مشوارها الفني بدلة الرقص المتعارف عليها، فكانت ترفض التعري على خشبة المسرح، وتفضل ارتداء الفساتين السواريه والبدلات الشرقية لتظهر بشكل منفرد ومختلف على المسرح عن بقية الراقصات، باعتبارها رئيسة الفرقة ومديرة الكازينو.


خطأ في التنفيذ plugins/oembed/modeles/oembed.html

لمع نجم بديعة حينذاك، ليصبح الكازينو أشهر كازينو في مصر، كما تعتبر رائدة في تطوير مفهوم الرقص الشرقى، فأدخلت عليه بعض الحركات الإسبانية والتركية، لتكوّن مزيجاً مختلفاً في فنون الرقص، إلى جانب رقصة الشمعدان، التي لاقت رواجاً كبيراً. كما تأثرت كثيراً بالثقافة الغربية، فكانت تسافر كل عام إلى أمريكا لتتعرف إلى أنماط الفنون الغربية وكيفية تقديها بشكل جديد في الكازينو، إلى جانب شراء ديكورات وملابس متنوعة لتضفي على فرقتها روح الإبهار على خشبة المسرح.

عميدة الرقص الشرقي

لقبت بعميدة الرقص الشرقي، إذ تخرجت في ناديها غالبية راقصات مصر، فكانت تعلم أصول وتكنيك الرقص الشرقي، وجميع أنواع الرقص الأخرى منها التركي والعجمي واللبناني والإفرنجي. وتعتبر تحية كاريوكا من أشهر الراقصات اللواتي تعلمن على يدي بديعة، وكانت تلقبها “بالمايسترو”، كما كانت تعتبرها كبيرة الراقصات حينذاك، لما تمتاز به من إتقان للرقص الشرقي بشكل مبهر، فكانت متربعة على عرش الشرقي فترة طويلة بسبب تعاليم بديعة مصابني لها.

سامية جمال أيضاً راقصة أخرى تخرجت من كازينو بديعة، وهي من أطلقت عليها اسم سامية بدلاً من زينب، لتصبح سامية من أجمل وأشهر راقصات مصر حينذاك.

ضم كازينو بديعة أشهر مطربي ذلك الزمن، منهم فاطمة سري ونجاة علي، وفتحية أحمد وماري جبران. كما ضمت الفرقة العديد من الراقصات، على رأسهم الراقصة اللبنانية ببا عز الدين وأختها شوشو عز الدين، وحالما بدأت الفرقة إحياء ليالي كازينو بديعة، بدأ النجوم يتهافتون عليها مثل فريد الأطرش وأسمهان، كما انضمت زينات صدقي إلى فرقة بديعة، وقدم كل من المطربين محمد فوزي وإبراهيم حمودة ومطرب الموشحات أحمد عبدالقادر، إلى جانب فقرات المونولج مع إسماعيل ياسين وثريا حلمي، فسطع نجمهم من خلال كازينو بديعة.

حين اندلعت الحرب العالمية الثانية، تحول الكازينو إلى أداة للترفيه عن الجنود الإنجليز، الذين يخوضون حرباً ضد الألمان داخل مصر. عام 1949، بعد أن وصل الكازينو إلى قمة المجد والنجاح من الرقص والغناء والاستعراضات، وكونت بديعة ثروة هائلة، طالبتها مصلحة الضرائب بديون طائلة. حاولت أن تتفاوض مع مصلحة الضرائب لتخفيف المبلغ، لكنها فشلت وكادت المصلحة تحجز عليها، ما جعل الكثير من الفنانين يهجرون الكازينو.

توجو مزراحي: المخرج اليهودي الذي أطلق صناعة السينما المصرية

نهاية الرحلة

بعد انتهاء الحرب، حاولت بديعة العودة مرة أخرى لاستعادة مجد الكازينو، لكن معظم الفنانين الذين تبنتهم كانوا قد اتجهوا للعمل في السينما، فخسر مسرحها الاستعراضي العديد من الفنانين، وبدأت الضرائب تطالبها بديون قديمة لم تسددها، كما بدأت تضيق عليها الخناق، وتهددها بالحجز والبيع.

وهذا ما جعلها تجمع ثروتها وترحل إلى لبنان. المرأة التي حدّدت معالم الفن والاستعراض في تلك الفترة، استغلت ثروتها في مشروعات زراعية حققت لها أرباحاً كبيرة، واستقرت في مدينة شتورة عام 1950، حيث أسست متجرها التجاري الأول عام 1952.

لم تعد بديعة مصابني مرة أخرى للفن، بل افتتحت متجراً لبيع الألبان والأجبان في شتورة، وبقيت تدير المكان 24 عاماً إلى أن توفيت في 23 يوليو 1974 عن عمر يناهز الثانية والثمانين عاماً.

عن موقع رصيف 22

حقوق النشر

تم نقل هذا المقال بهدف تربوي وبصفة غير تجارية بناء على ما جاء في الفقرة الثانية من الفقرة 5 من شروط استخدام موقع رصيف 22 الإلكتروني على الموقع الإلكتروني “رصيف 22” :

... علماً أن الموقع يحترم، بالقدر الذي نقتبس فيه المواد من حين لآخر من مصادر أخرى بغية دعم مختلف التفسيرات والمؤلفات الواردة في هذا السياق، حق الآخرين في “الاستخدام العادل” للمواد التي يتضمنها الموقع؛ وبناءً على ذلك، فإنه يجوز للمستخدم من حين لآخر، اقتباس واستخدام المواد الموجودة على الموقع الإلكتروني بما يتماشى مع مبادئ “الاستخدام العادل”.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)