سيرة العميد: سيد إبراهيم، قراءة في سيرة عميد الخط العربي، محمد حسن (مصر)، بحث

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ٢٩ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٤
جريدة الحياة
عصام السعيد، أستاذ في كلية الآداب، جامعة الإسكندرية


اموسوعة فنية تاريخية لعميد الخطاطين العرب


نشرت مكتبة الإسكندرية ضمن سلسلة دراسات الخط العربي المعاصر، كتاب «سيرة العميد: سيد إبراهيم، قراءة في سيرة عميد الخط العربي»، للباحث محمد حسن أختصاصي بحوث الخط العربي في مركز الخطوط في مكتبة الإسكندرية. تضمن الكتاب سيرة العميد وأهم مراحل حياته المختلفة، مع عرض كامل لأهم لوحاته وتكويناته الخطية وأهم كتاباته في العمارة داخل مصر وخارجها، وتطرق الكتاب لسيد إبراهيم وتدريسه في كلية دار العلوم والجامعة الأميركية في القاهرة ومعهد المخطوطات العربية، ونشر ملخصات لمؤلفاته وطبيعة تأليفه.

ولد سيد إبراهيم في آب (أغسطس) 1897، وتفتحت عيناه على الآثار الإسلامية التي يمتلئ بها الحي القاهري العريق، وتزخر بآيات الخط العربي جمالاً وروعة، وتلقى تعاليمه الأولى في أحد الكتاتيب التي كانت منتشرة آنذاك، وكانت عادة هذه الكتاتيب أن تعلم الصغار مبادئ القراءة والكتابة حتى يتمكنوا من قراءة القرآن وكتابته على ما كان يعرف بـ «الألواح»، وكانت من الأردواز أو الصفيح، وشاء الله أن يكون شيخ الكتاب الذي يتعلم فيه الطفل الصغير صاحب خط جميل ويشجع تلاميذه على الكتابة الجميلة. ولاحظ الشيخ جمال خط تلميذه الصغير فتعهده بالرعاية والتشجيع.

بعد الُكتاب التحق سيد إبراهيم بالقسم النظامي في الأزهر الشريف الذي كان يرأسه الشيخ محمد شاكر والد المحدث الكبير أحمد شاكر والأديب العلامة محمود شاكر، وكان هذا القسم يُعنى بتعليم الخط العربي إلى جانب دراسة العلوم الشرعية واللغوية، فتقدم كثيراً في تعلم الخط، إلى جانب أنه كان يمارس الكتابة حفراً على الرخام في محل لأخيه.

بدأت رحلة سيد إبراهيم مع الخط من خلال البيئة الغنية بالآثار الإسلامية التي كان يعيش فيها، وكانت الخطوط التي تزين المساجد والمباني الأثرية في حي القلعة في قلب القاهرة أول درس يتلقاه في فن الخط، وتأثر أيضاً بصفة خاصة في بداية حياته الفنية بخط الثلث المكتوب على سبيل «أم عباس»، الذي أبدعه الخطاط العثماني الفذ عبدالله بك زهدي، وكان الخديوي إسماعيل استقدمه إلى القاهرة، وعهد إليه بكتابة الخطوط العربية الجميلة على سبيل «أم عباس» في حي الصليبية في القاهرة، وجامع الرفاعي في حي القلعة.

وكان خط عبدالله بك زهدي في غاية الروعة وحسن الذوق، واعتاد سيد إبراهيم أن يقف أمام خط زهدي ساعات طويلة مبهوراً بجمال فنه، محاولاً تقليده. كما تأثر بالخط الفارسي المكتوب على جدران مسجد محمد علي في القلعة، وظل حتى نهاية أيامه يزور تلك الأماكن بشغف وحب كأنه يزورها للمرة الأولى، وتعلم أيضاً على خط محمد مؤنس الذي يُعد مؤسس النهضة الكبيرة في فن الخط العربي بمصر.

كان سيد إبراهيم رائداً لفن الخط العربي، وأحد أهم خطاطي الجيل الثاني في المدرسة المصرية، بعد جيل مؤنس زادة وتلاميذه، وتخطى دوره وظيفة الفنان ثم المعلم الذي علم مئات الخطاطين من كل أرجاء العالمين العربي والإسلامي، إلى طور المجدد والمطور، سواء في تشكيلاته الخطية في لوحاته أم في ما هو أهم؛ وهو تحويل أغلفة الكتب المطبوعة إلى لوحات خطية رائعة صارت محل عناية من هواة الخط العربي، فضلاً عن هواة اقتناء كل ما هو ثمين. لقد كانت أغلفة الكتب قبله نمطية تخلو من روح الجمالية للخط العربي، وصارت تنطق بالجمال والتناسق البديع.

طارت شهرة سيد إبراهيم مبكراً، وعرف الناس فنه المبهر، وقدروا موهبته حق قدرها، ونظر إليه على أنه واحد من أعظم المواهب التي ظهرت في فن الخط، وتسابقت إليه المعاهد العلمية والفنية ليقوم بتدريس فن الخط على مدار 50 عاماً في مدرسة تحسين الخطوط العربية في القاهرة، وتخرجت على يديه أجيال متعاقبة من الطلاب المصريين والعرب والمسلمين والأجانب، كما درس الخط في كلية دار العلوم، وفي قسم الدراسات العربية في الجامعة الأميركية، وفي معهد المخطوطات العربية التابع لجامعة الدول العربية. إلا أن شهرته الكبرى جاءت من طريق كتابته عناوين المجلات والصحف المصرية والعربية، مثل عناوين مجلة: الهلال والمصور والبلاغ والإخوان المسلمين والأهرام، والعديد من المجلات والصحف اليومية الصادرة في الخليج العربي. وكان يكتب لوحات ملونة لآيات القرآن الكريم توزع مع مجلة «الإسلام»، وكانت يومئذ أوسع المجلات الإسلامية انتشاراً.

وكانت خطوطه الجميلة تزين صدور الكتب العربية، وكان من أكثر الخطاطين الذين كتبوا عناوين الكتب لأقطاب رجال الأدب والفكر في مصر والعالم العربي، وقد نوه بخطه العلامة الكبير محمود شاكر في مقدمة تحقيقه لكتاب «طبقات فحول الشعراء» لابن سلام بقوله: «وأما خطاط أخي الأستاذ الشاعر سيد إبراهيم فقد وهب كتاب ابن سلام وفصوله ديباجة يترقرق فيها الجمال»، ووصفه الكاتب الكبير خالد محمد خالد في كتابه «حياتي» بأنه «ملك الخط العربي من غير منازع».

وتجاوز سيد إبراهيم كل تلك الأدوار كاملة ليصل الى مرحلة خاصة في تاريخ الخط العربي، وأيضاً في تاريخ مصر المعاصر. فكان الرجل «رسالة» فنية وثقافية كبيرة طوال سنوات عمره التي امتدت سبعة وتسعين عاماً، حيث لم يكن مجوداً ومعلماً فقط، بل كان صاحب رسالة في حفاظه على الخط العربي عبر الزمان والمكان، وورثت أسرته «الرسالة» فكانت حاضنة لتاريخ الخط العربي في مصر لفترة طويلة في تاريخها. تفتح أبواب بيتها معلماً ثقافيّاً أو متحفاً من نوع فريد لكل من أراد أن يتزود من فن الخط العربي حول العالم، وكان لها دوراً كبيراً في دعم نشر هذا الكتاب بكثير من المخطوطات والأصول الفنية النادرة، والتوجيه طوال مراحل الكتاب.

تمتع سيد إبراهيم بثقافة واسعة وحب للتراث العربي الى جانب حبه للخط العربي، فقد نشأ في رحاب الأزهر واحتضنه أستاذه الشيخ كمال الدين القاوقجي حين وقف على ميوله الأدبية فشجعه على دراسة اللغة وحفظ عيون الشعر، ودله على أمهات كتب التراث العربي، ونمى موهبته الشعرية. وإضافة إلى ذلك حضر سيد إبراهيم دروس الأدب للشيخ المرصفي في الجامع الأزهر، وندوات شيخ العروبة أحمد زكي باشا، صاحب الأيادي البيضاء في حفظ التراث العربي ونشره، وهو يعد رائد فن التحقيق في العالم العربي، وأول من أدخل علامات الترقيم إلى اللغة العربية. وأغرم سيد إبراهيم بشعر المتنبي وأبي العلاء المعري، وكاد يحفظ شعرهما كله، وقد أشار إلى ذلك خالد محمد خالد فوصفه بأنه «الوصي على التراث الشعري لأبي العلاء المعري؛ فهو يحفظ شعره كله، ويجيد الاستشهاد به في لمحات مشرقة». كما شارك سيد إبراهيم في الحياة الثقافية بتأسيس رابطة الأدب الحديث وجماعة «أبوللو»، وتحتفظ مجلة «أبوللو» بقصائد شعرية رقيقة لسيد إبراهيم.

وقد أورثته هذه الثقافة نظرات دقيقة في الخط العربي، فكان شديد الحرص على القواعد التقليدية له، ولم يجوز في التركيبات الخطية، بخاصة في كتابة «آيات القرآن الكريم» أن يطغي عامل الجمال على ترتيب قراءة الآية، وكان يرى أن الخطاط العظيم لا بد من أن يكون مثقفاً ملما بقواعد اللغة العربية وتراث الأمة الإسلامية عالماً بأئمة هذا الفن، ودعا الخطاطين إلى كثرة التأمل والاطلاع على النماذج الخطية الجميلة؛ لأن الخط لا يكتسب بمداومة الكتابة فقط بل بالتأمل في إنتاج الآخرين.

كان سيد إبراهيم بتصميماته وروحه المميزة لفن الخط العربي امتداداً طبيعيّاً للفنان العربي المسلم في العصور الوسطى، وكانت إمكاناته الإبداعية تأتي من مقومات تلك الفترة الزمنية لتؤرخ مراحل التطور في الفكر والمعرفة والفن ونواحي الحياة كافة، فاشترك في كتابة خطوط قصر الأمير محمد علي المطل على النيل في حي المنيل في القاهرة، وكان هذا الأمير صاحب ذوق جميل ومن محبي الفنون العربية، وبنى قصره الجميل على الطراز العربي، وحلاه بأجمل النقوش والزخارف الإسلامية. ولما أراد أن يزينه بالخطوط العربية استدعى الحاج أحمد الكامل بك رئيس الخطاطين في مدينة إسطنبول للقيام بهذا الغرض، واختار معه سيد إبراهيم لإنجاز هذه المهمة، فاشترك مع الخطاط العثماني في كتابة قاعدة السلاطين وبوابة القصر وبعض اللوحات الخطية، وكان سيد إبراهيم يعد اختياره مع الحاج أحمد الكامل للكتابة في القصر أعظم تكريم له في حياته.

وتعدت شهرة سيد إبراهيم حدود مصر إلى غيرها من البلدان العربية والإسلامية، ففي إحدى زيارات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للهند زار مسجد جاما، وأعلن تبرعه بالسجاد للمسجد، لكن المسلمين هناك طلبوا أن تكون هدية مصر لهم هي خطوط سيد إبراهيم بدلاً من سجاد المسجد، ويعد ما خطه في المسجد هو أعظم آثار هذا الفنان الكبير، وبخاصة سورة الجمعة التي كتبها كاملة في صحن المسجد.

عاش سيد إبراهيم حياته موضع تقدير الناس والدولة، فكان عضواً في لجنة تيسير الكتابة العربية في الأربعينات، وعضواً في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وفي المجلس الأعلى للفنون والثقافة. وظل موضع تقدير من محبيه وتلاميذه حتى توفي عن عمر يناهز السادسة والتسعين في 21 كانون الثاني (يناير) 1994، وبعد وفاته قام مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بتسمية المسابقة العالمية الخامسة للخط العربي بإسطنبول باسمه، وهي التي تقام لتخليد أسماء عظماء فن الخط في التاريخ.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)