سندريلات مسقط، هدى حمد (عُمان)، رواية دار الآداب - 2016

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ٣ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٦
جريدة الحياة
سارة ضاهر


«سندريلات مسقط» في ليلة حلم


السندريلات صورة لكائنات رائعة الجمال تجول هنا وهناك لترسم الفرحة والبسمة على شفاه الحزانى، وتمد لهم العون ليتجاوزوا محنهم، فتحلّق بهم في عالمٍ يشبه الخيال، كل ما فيه جميل، بعيداً من الحزن والهمّ والأسر. «سندريلات مسقط» (دار الآداب) رواية جديدة للكاتبة العُمانية هدى حمد، التي صدر لها ثلاث مجموعات قصصية وروايتان، آخرهما رواية «التي تعدّ السلالم».

استعانت الراوية في كتابة روايتها بحكاية السندريلا الشعبية، لتكون عالمًا روائيًا، تمزج فيه الخيال بالواقع. حيث تنطلق من مقارنة زمنين: زمن كانت الحياة فيه بسيطة، والسندريلات يتجوّلن في مختلف الأرجاء، في الطرقات وفي المنازل وفي الحدائق، يبحثن عن طالبي المساعدة ليمنحهنّ إيّاها. وزمن تطوّرت فيه وسائل الحياة كالكهرباء، وظهرت فيه عادات أخفت ملامح وجود الجنيّات، مظهرة في هذه المقارنة، مدى الجمال الذي كان في ما مضى واختفى الآن باختفاء جنيات مسقط.

تعطي الكاتبة أهمية كبرى لليلة تجمع فيها ثماني سيدات استمدَدْنَ قوتهنّ وقواهنّ من الجنيات، سيدات اجتمعنَ من مختلف القرى، والأعمار، ليلتقِينَ في مطعم صغير مُطِلّ على البحر في مسقط، مبتعدات عن أجواء الحياة الروتينيّة، وهاربات من أعباء البيت والأولاد والأزواج المتطلّبين.

تبدأ الكاتبة بسرد روايتها حين تمنح هؤلاء النسوة جمالًا لايوصَف، وتخفي كلّ عيوبهم، فيصبحنَ أميرات يتمنى الجميع التحدّث إليهن وتأمّل جمالهنّ. لكنّ لهذه الليلة شروطًا، وهي عدم إزعاج السندريلات وإدخال الحزن إلي قلوبهنّ. لا مكان لأيّ شخص تعيس، ولا مكان لأي من مظاهر البؤس والخيبة والتذمّر والإحباط. لا شيء سوى السعادة، لتعود هذه النسوة إلى بيوتهنّ كالريش يطرنَ بجوّ من الفرح والسرور.

تضيف الكاتبة إلى الشخصيات الثمانية شخصية «رامون» رئيس الطباخين في المطعم الذي يمثل في هذه الرواية العامل المساعد الذي يصغي إلى حكاياتهنّ وأسرارهِنّ، فهو ليس أميرهنّ ولكنه شخص ودّ أن يعرف أسرارهنّ، ليكتشف سبب تألقهنّ، ما دعاهنّ ليطلبنَ منه مشاركتهنّ السهرة بالقرب من طاولتهنّ والاستماع لحكاياتهنّ (حكايات مؤجّلة طريفة ومزعجة على حدّ سواء).

تأخذنا الراوية معها لنغوص في تحليل كل شخصية على حدة، فنعرف سبب وجودها، وسبب اختيار الجنية لها لتكون سندريلة السهرة، فتبدأ كل واحدة بسرد قصتها ومعاناتها. فتحية: السندريلا التي تخشى الصورة المعلقة على مدخل صالون بيتهم، إذ تكره نفسها فيها، فكلما نظرت إليها تذكرت البطة السوداء القبيحة المنظر التي ظلت واقفة تنتظر التغيير ولا تفعل أي شيء حيال لونها وبشاعتها. إذ كانت تؤمن بأنه سيحدث تغيير يومًا ما، بل هي تؤمن أنه سيحدث حتماً.

سارة: هذه السندريلا التي يصاحب سرد حكايتها، سرد حياة عجوز دائمة الشتائم والمذمات، عجوز تنتظر الموت الذي قرف من الاقتراب منها، فكانت تتمناه وتنتظره لأعوام، تلك العجوز التي تقوم سارة بغسلها مكرَهَة يوم وفاتها، دافنة معها كل الكلام السيء والألفاظ البذيئة.

نوفة: أصبحت في السادسة والثلاثين ولم تحظَ بعريس. تصف نفسها بالمرأة التي لا تضاريس لها، وتحاسب نفسها وتلومها لأنها سمعت نصيحة عمتها زيانة فأهملت جسدها، وقد اكتشفت هذا الإهمال بعد أن فات الأوان، فلم تعد الحياة لجسدها، وباءت كل محاولاتها بالفشل.

ربيعة: أفضل عداءة في مسقط، تحب الركض، تركض لتزيل همومها، وتبتعد عن حياة باردة كقطعة الثلج. حياة لا طفل يلعب فيها ولا أصدقاء يشاركونها أوقاتها. تفكّر بالطلاق من زوجها الذي تشعر بأن عينيه كالرقيب، يحدّان حياتها ويفزعان قلبها. وكلّما فكّرت بالتّحرر منه، هدّدها بإحراق نفسه، فتصرّ على الركض لتنسى أحزانها وهمومها.

تهاني: أنهكتها مسؤولية بناتها، إذ تحمل على عاتقها القيام بكل متطلباتهن، وإذا قصرت في لحظة ما، تلقى رد فعل عنيف من زوجها يوسف. هو لا يضرب، ولكنه يفعل أمورًا تكون أكثر إيلامًا من الضرب، ما يجعلها تكره بناتها اللواتي يمثلن كابوسًا مزعجًا لها، إذ سرقنَ وقتها وحياتها وسرقنَ والدهم منها أيضًا. الوالد الذي أراد من زوجته أن تكون الخادمة اللطيفة والمطيعة.

ريا: الفلاحة التي انتقلت من قريتها إلى مسقط برفقة زوجها سعد البدوي، الذي لا يملك روح الفلاحين. انتقلت بسبب حادثة موت العجلة «الخصب». تقول ريا: خروجي من أرضي وقريتي أطفأ بريق عينيّ. تعيش حزنًا عميقًا وعذابًا وندمًا، عندما تتذكر أنها لم تودع الخصب الذي رحل من دون دمعة واحدة منها. تعيش فراغًا سيطر على حياتها مع زوجها سعد، فراغاً لم تستطيع ملأه.

عليا: تعيش قصّة عشق، لقاؤه مستحيل، عشقها لآليخاندرو وآناكريستينا، إذ إنها تتلقى رسائل وهمية منهما، توصلها صديقتها مريم إليها، وتحكي لها عنهما مدعية وجودهما معها في المنزل. لتجد نفسها محتاجة دائمًا لحكايا مريم، حتى وإن كانت تدرك أنها تخترعها، ولكن هذه القصص أدخلت القليل من الأمل في مخاطبة أكثر نجمين تحبّهما.

زبيدة: تروي لنا حكايتها التي بدأتها باندماج الجنية بدمها ليصبحا جسداً واحداً، السبب الذي جعلها تعيش وتدخل هذه الدنيا كسندريلا معافاة لا سقم فيها. ثم تروي لنا حياة عمتها مزنة، المرأة الشاعرة الغاضبة الهائجة الجميلة، ذات الصوت الجميل، التي أصيبت بمرض النسيان «ألزهايمر»، ليخبرهم الطبيب أنّ بئرها قد جف. تخاف زبيدة من جفاف بئرها لأنها كما يقال هي شبيهة عمتها، فترفض ذلك. لتبقى ذكرى نظرات عمتها كابوساً لايمكنها التخلص منه. فتلجأ للكتابة كي لا يجف بئرها.

في نهاية الليلة، عند تمام الساعة الثانية عشرة، تهجر السندريلات المطعم ويسرن في الشوارع خفيفاتٍ من كلّ عبءٍ بعد أن بُحن بأسرارهنّ لرئيس الطباخين الذي منحهن الوقت الذي احتجنه، منحهن الإصغاء والاهتمام. الإصغاء نفسه عاشه القارئ لأسلوب سلس وبسيط، لقصصٍ قد تبدو مألوفة، مستمدّة من الواقع ومن الحياة اليومية.

أعطت هدى حمد المرأة فضاءً خاصًا بعيدًا عن شرور الآخرين، أعطتها الحق بالسعادة، والعيش ليلة واحدة من دون همّ ومن دون عبء المسؤولية. فالروح التي تمنح دائمًا، لها الحق أن تأخذ ولو مرة واحدة، لها الحق في التمتع والتألق والتميّز. حبّذا لو أطالت الكاتبة تلك الليلة.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)