سارة، لعباس محمود العقاد (مصر)، رواية عباس محمود العقاد 1889 - 1964

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الإثنين، ٣٠ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٧
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«سارة» لعباس محمود العقاد: تقرير عقلاني عن حب مجهض


هل يمكن حقاً اعتبار «سارة» لعباس محمود العقاد رواية بالمعنى المتعارف عليه للكلمة؟ لقد خاض العملاق الأسواني العصامي طوال مساره الكتابي كل أنواع الكتابة، ومن هنا قرر ذات يوم كما يبدو أن يخوض الكتابة الروائية فكتب «سارة» وتلقفتها الحياة الأدبية المصرية ثم العربية لتنظر اليها على أنها إضافة في الفن الروائي العربي. ولكن مع الوقت، إذا كان الحماس لهذا النص قد بقي على حاله فإن توصيفه كرواية بدأ يتراجع ولا سيما من قبل نقاد ومفكرين رأوا أن باع العقاد في مثل هذا النوع من الكتابة ضئيل والدليل أنه لم يكرر التجربة هو الذي كان غزير الكتابة وعاش طويلاً وكتب في أمور كثيرة. والحقيقة أن ما يمكن قوله الآن بعد كل تلك العقود هو أن مشكلة العقاد مع الرواية هي هي مشكلته مع الشعر: كان رجل عقل وتأمل وتفكير، لا رجل أحاسيبس وعواطف. وفي ذلك الزمن، على الأقل، كان ذلك النوع من الكتابة الإبداعية يحتاج قدراً كبيراً من المشاعر وبالتالي «تعرية للذات» لم يكن للعقاد قبل بها. ومع هذا يروي أحد أصدقائه أنه في آخر أيامه حين قرأوا أمامه قصيدة كتبها في سارة نفسها انهمرت دموع صامتة من عينيه فأخفاها وبارح المجلس!

مهما يكن، لا بد من التأكيد هنا على أن الحكاية التي جاءت في رواية «سارة» لم تكن من نسج خيال الكاتب، بل وصفاً لما حدث له هو نفسه ذات يوم حين أغرم بالسيدة الحسناء التي سمّاها سارة -ويقال أن هذا الاسم كان يخفي السيدة أليس داغر اللبنانية التي كانت مقيمة في مصر حينها-. المهم أن ليس ثمة حقاً حكاية في الحكاية. فما أمامنا هنا هو لقاء يقصّه علينا الكاتب وكأنه يكتب تقريراً، وعلاقة تدوم حيناً وكان يمكن أن تدوم أكثر لولا أن العاشق في الرواية (همام) الذي سيعرف الناس جميعاً أنه الأنا/الآخر للكاتب نفسه، سوف تشتعل غيرته ذات يوم إذ يكتشف، بعد ملاحقة للسيدة من طريق صديق له، أن ثمة رجلاً آخر في حياتها. ومن هنا إيثاراً للسلامة، لا يسألها حتى عمن هو الآخر هذا، بل يطلب منها بشكل حاسم أن توقف علاقتهما وتتركه لشأنه، بخاصة أن النصّ يصف لنا كيف أن ذلك الاكتشاف أراحه إذ بيّن له أن الطريق الذي كان يسير فيه مليء بالأشواك وأنه ليس من القادرين على التوغل في مثل تلك الحكاية. وهكذا أضاع «همام» غرام حياته وعاد الى هدوئه مستسلماً لوحدته وأفكاره. ومع هذا هذا نرى الكاتب يختتم قائلاً: «إلا أن كيوبيد شيطان مريد له لؤم الشياطين ونزعاتهم ومكائدهم وكراهتهم أن يتركوا الناس هادئين وادعين، فمن حين الى حين كان همام يُهجس له ويُهمس في صدره ليسلبه ارتياحه الى فراق سارة وقدرته على تناسيها فلا يفتأ يعاوده أبداً بهذا السؤال: أليس من الجائز أنها وفت لك أيام عشرتها واستحقت وفاءك وصيانتك إياها وغيرتك عليها؟ أليس من الجائز أنها يئست منك فزلّت بعد فراق؟!...

مهما يكن من أمر لا بد من القول هنا إن العقاد كان شخصية درامية بكل معنى الكلمة، فهو انطلاقاً من حجمه العملاق، وانطلاقاً من كونه الوحيد - تقريباً - بين جميع مفكري العصر الليبرالي في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، الذي عُرف بكونه عصامياً علّم نفسه بنفسه، وانطلاقاً من شخصيته ذات المراس الصعب وعمق الثقافة الحيوية التي كونها لنفسه، وأخيراً انطلاقاً من شخصيته القيادية التي جعلت له عدداً كبيراً من التلامذة والحواريين، سواء كان ذلك في الأدب، أو في الفكر أو في الفلسفة أو في السياسة، انتهى الأمر به لأن يصبح أشبه بالأسطورة، الأسطورة التي تصنع شخصية العقاد الحقيقية وتختفي خلفها. ومن هنا القول إن اسطورة العقاد، مثل كل اسطورة تستحق هذا الاسم، صنعت من حوله وعبر النظرة اليه، أكثر مما صنعت في كتاباته وعمله. ولربما كان محقاً ذاك الذي قال يوماً، اننا اذا أخذنا جوانب انتاج العقاد جانباً جانباً، لوجدنا اننا بالكاد قادرون على اعتبارها أفضل ما انتج في مصر، في كل مجال من تلك المجالات، في الزمن العقادي. فلئن كان قد كتب الرواية («سارة»، مثلاً) فإن روايته لا يمكن اعتبارها من أفضل ما كتب، ولو أخذنا «العبقريات» لوجدنا فيها حشواً كثيراً، ولرأيناها حافلة بالتبريرات والأبعاد السيكولوجية المقحمة اقحاماً. ولو تحرينا مواقفه الفكرية والفلسفية لوجدناها متخبطة كأنها لم تكن أكثر من نتف من هنا ونتف من هناك. ولو تبحرنا في مواقف العقاد الاجتماعية لوجدنا له مواقف في غاية الرجعية (مواقفه من المرأة، من الحداثة في الشعر...) تتجاور مع مواقف في غاية التقدم.

ولكن، بعد هذا كله، يمكن القول إنه من الصعب تحليل العقاد وحياته وأدبه على هذه الشاكلة. العقاد إما ان تأخذه كله أو ترفضه كله. العقاد حالة وظاهرة، أكثر منه كاتباً، أدبياً أو فكرياً. العقاد صورة حقيقية لمصر التي كانت في ذلك الحين تعيش بداية نهضتها الحقيقية: له عصامية مصر، وجرأة مصر، وتطلع مصر الى الأفضل، كما ان له نزعة «الكيفما كان» التقريبية التي طبعت جزءاً من الإنتاج الثقافي والفكري في مصر، خلال بعض مراحل تاريخ ذلك الإنتاج.

ومن هنا، اذا شئنا ان نعرّف عباس محمود العقاد كما ينبغي ان نعرّفه، لن يكون من المنصف ان نتحراه في قصة حياته، ولا في كتبه نفسها، بل في ما كتب من حوله: العقاد نراه في مذكرات فاطمة اليوسف (روز اليوسف) وفدياً مشاكساً جريئاً لا يتورع عن التهديد، داخل قبة البرلمان، بقطع أكبر رأس في الدولة، ونراه في كتاب أنيس منصور «في صالون العقاد...» شخصية اسطورية وبطلاً تراجيدياً من النوع الذي يجيد انيس منصور، عادة، رسمه. ونراه في كتاب رجاء النقاش «عباس العقاد بين اليمين واليسار» حيث يعالج الناقد المعروف شخصية العقاد ومواقفه ودوافعه و «تشتته الفكري والسياسي» معالجة متميزة تلقي الضوء كاشفاً وبقوة على ما يمكن ان يكون غامضاً في حياة العقاد وكتاباته.

وفي معظم الكتب التي وضعت عن العقاد أو من حول حياته يطالعنا نفس ذلك العملاق العنيد الصلب، الذي نشأ هكذا وحيداً وأتى من اللامكان. وفجأة - من دون ان يدري أحد كيف - صار نقطة الاستقطاب الرئيسية في حياة مصر والعالم العربي الفكرية، وعلى الأقل منذ عام 1906 الذي شهد بداياته الحقيقية، تلك البدايات التي كانت فاتحة حياة أدبية وفكرية تواصلت صاخبة مدهشة حتى رحيل العقاد عن عالمنا في عام 1964 وهو في قمة عطائه ومعاركه الفكرية. ولعل معارك العقاد الفكرية الى جانب معاركه السياسية، أروع ما عرفته الحياة الثقافية المصرية طوال العقود الأولى من قرننا العشرين هذا. وحياة العقاد، سواء ككاتب أو كشاعر، كسياسي معارض، كعضو في مجلس النواب، كعضو في مجلس الشيوخ، كمفكر تنويري اسلامي («العبقريات») كناقد أدبي سيكولوجي النزعة («الديوان»)، كانت حياة صاخبة، حياة صراعات لا تنتهي.

ولد عباس العقاد في اسوان عام 1889، ثم انتقل الى القاهرة عند أوائل القرن العشرين، وتحول الى الكتابة الفعلية بين العامين 1906 و1907 ومن فوره صار يعتبر نفسه جزءاً من تلك الحياة الفكرية الصاخبة التي كانت تملأ مصر النهضوية في ذلك الحين. أما بدايته الحقيقية فكانت مع اندلاع ثورة عام 1919 التي ارتبط بها العقاد منذ لحظاتها الأولى حيث راح يكتب المقالات العنيفة التي يدافع فيها عن قيادة الثورة، كما انه كان يكتب - وفق ما يقول رجاء النقاش - بيانات جماعة «اليد السوداء» المتطرفة. ومنذ ذلك الحين لم يكفّ العقاد عن الكتابة، وقف عليها كل حياته وكل نشاطه، وواصل ذلك حتى رحيله، فكان واحداً من أساطير الكتابة والسجال، وزاد من اسطوريته أنه كان من المفكرين القلائل الذين لم تكن لديهم مطالب في مال أو جاه. أو لعل مطلبه الحقيقي والوحيد كان الحفاظ على المكانة الأسطورية التي كانت له، وساهم هو في تنميتها حتى غلبت أخيراً على صورته الحقيقية.

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عباس محمود العقاد على ويكيبيديا

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)