زرياب، مقبول العلوي (السعودية)، رواية دار الساقي - 2014

, بقلم محمد بكري


جريدة الرياض السعودية


النسخة الإلكترونية من صحيفة الرياض اليومية
الخميس 29 رمضان 1436 هـ - 16 يوليو 2015م - العدد 17188
الصفحة : ثقافة اليوم
حوار - عبدالله الزماي


العلوي: كل ما قرأته عن «زرياب» لم يكن كافيًا.. وإنتاج الحكاية التاريخية برؤية «مختلفة» ضروري في عملية الكتابة


مقبول العلوي روائي سعودي رشحت روايته الأولى «فتنة جدة» لجائزة البوكر، وروايته «سنوات الحب والخطيئة» لجائزة الأمير سعود بن عبدالمحسن للرواية، وحازت روايته الأخيرة «زرياب» على جائزة وزارة الثقافة والإعلام في دورتها الأخيرة. العلوي التقته «ثقافة اليوم» حول روايته الأخيرة «زرياب» الصادرة عام 2014م وكان لها هذا الحوار معه:

* في البدء؛ ما الذي يجذب الروائي إلى كتابة رواية تاريخية؟ هل هي بدافع تخيل ما لم يذكر في التاريخ وإتمامه بواسطة الخيال؟ أم رغبة بإنتاج الحكاية من جديد برؤية مختلفة عن السائد؟ أم ماذا؟

 عوامل كثيرة تجذب الروائي لكتابة رواية تاريخية، لعل من أهمها التماهي مع التاريخ واحداثه والاعجاب ببعض شخصياته والغوص في خلفيات بعض الشخصيات التاريخية التي لها بصمة واضحة سياسيا او اجتماعيا وما الى ذلك، والتخيُّل عامل اساسي في بُنية الرواية التاريخية، فهو يكمل الحدث التاريخي الاصلي ويتماهى معه، أما إنتاج الحكاية التاريخية برؤية مختلفة عن السائد فهذا جزء أصيل في عملية الكتابة التاريخية وربما كان ضروريا ولكن مع مراعاة أن لا “تشطح” الرؤية الجديدة عن الحكاية الاصلية.

* يعتمد الروائي على المراجع التاريخية لكنه مع ذلك يحذف ويضيف ويتجاهل ويقارب وهكذا، أين تقف حدود صلاحيات الروائي في تعامله مع التاريخ؟

 المراجع التاريخية وتوفرها والرجوع لها في كتابة الرواية التاريخية شيء أساسي ومهم فلولاها لما عرفنا تاريخنا، أما الحذف والإضافة والتجاهل فالروائي الذي يكتب رواية تاريخية يبحث في الأصل عما يخدم عمله الروائي فلربما يتجاهل بعض الأحداث التي يراها غير ضرورية وغير مهمة وصلاحيات الروائي تقف عند تعامله مع التاريخ بعدم تزييف بعض الأحداث التاريخية المؤصلة في امهات الكتب التاريخية وأن يلتزم بالبعد الزماني والمكاني ليكتسب عمله مصداقية مقنعة. الأمانة التاريخية مهمة للروائي والمؤرخ على حد سواء.

* بماذا تختلف الرواية التاريخية عن غيرها من أنواع الرواية؟ وما الذي يحتاجه الروائي ليكتب رواية تاريخية جميلة؟ هل هناك ما هو أهم من المراجع سواء بحال توفرها أم لا؟

 لا تختلف كثيرا عن غيرها من أنواع الروايات فهي تستخدم نفس الأدوات ونفس التقنيات الروائية، وما يحتاجه الروائي لكتابة رواية تاريخية في وجهة نظري هو الاقتناع والتمازج والانشغال والحب والتقارب مع الشخصية أو الحدث الذي اختاره للكتابة عنه. أما الشق الثالث من السؤال فإنني أقول ان المراجع مهمة في كتابة الرواية التاريخية ويساندها بالطبع الخيال وافتعال بعض الاحداث الجانبية التي لا تؤثر في لبّ القصة الحقيقية ولا تنكر الحدث المعروف والمثبت تاريخيا.

* ما الذي دفعك إلى اختيار “زرياب” من بين آلاف الحكايات التاريخية؟ وهل يمكن أن يكتب كاتب آخر مثلا رواية أخرى لحياة “زرياب” من زاوية أخرى؟

 منذ ان قرأت عن زرياب وأنا مشغول به. زرياب شخصية فريدة من نوعها. قصته لا تتشابه مع كثير من قصص المطربين والمغنين في التاريخ، وهو أيضا شخصية حضارية لها ثقلها ولكنها أُهملت قليلا من قبل المؤرخين. قرأت عنه كثيرا ولكنني اصطدمت بأن ما ذكر عنه يتشابه في معظم المراجع، وأكثر ما تأثرت به هو حادثة نفيه من بغداد. وفي أثناء كتابتي الرواية حاولت استحضار كل ما قرأته عنه ولكنه لم يكن كافيا لي فلجأت للخيال في بعض الاحداث لأخلق جوّاً روائيا موازيا للشخصية الرئيسية زرياب، ربما أكون وفقت في هذا وربما لم أوفق. أدع الحكم للقارئ في هذا.

* تركت “زرياب” يقيم في “بغداد” لسنوات بعد خلافه مع معلمه “الموصلي” على عكس ما ذكر المقري التلمساني مثلا صاحب “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب” من أنه غادر بعد الحادثة مباشرة، هل كان ذلك لإضفاء بعد سياسي على خلافهما؟ أم لتغطية مرحلة مجهولة من حياة البطل؟

 هذا سؤال مهم جدا واشغلني كثيرا اثناء كتابة الرواية. بعض المراجع تقول انه نُفي مباشرة بعد خلافه الشهير مع استاذه الموصلي ولكن هذه الجزئية ينفيها التسلسل الزمني للتاريخ، فالخليفة هارون الرشيد مات في 193 ه وزرياب دخل إلى أرض الاندلس في 206 ه تقريبا. إذاً نحن بصدد حوالي ثلاث عشرة سنة مّرت، فأين كان زرياب حينها؟ هل من المعقول القول انه أخذ في طريق المنفى ثلاث عشرة سنة؟ اعتقد منطقياً أن من المستحيل حدوث هذا. وباستنتاج شخصي أعتقد أن زرياب لم يغادر بغداد مباشرة فعند وفاة الرشيد وتسّنم الأمين الخلافة وما حدث من خلاف مع أخيه المأمون يؤكد أن زرياب لم يسلك طريق المنفى إلا في بدايات خلافة المأمون. واعترف بانني قد وظّفت هذه الأحداث التي حصلت بين الأخوين في الرواية للخروج من هذه المرحلة المجهولة من حياة البطل كما تفضّلت في سؤالك.

* أخذت الرحلة مساحة أكبر مما يجب خلال الرواية، وربما كان ذلك على حساب أحداث أخرى أهم. ما رأيك؟

 ما ذكرته في سؤالك صحيح. لعل من امتع اللحظات في سيرة زرياب هي لحظات نفيه. ففيها “يشطح” الخيال كثيرا مما يساعد في كتابتها روائيا. رواية زرياب هي في مجمل تفاصيلها “سيرة نفي”. يمكننا تقسيم حياة زرياب إلى قسمين: قسم كان في بغداد والقسم الآخر في قرطبة. لبث زرياب في الاندلس ثلاثا وثلاثين سنة ومثلها في أرض السواد. لكن الجزء الأكبر من انجازاته الكبيرة والمعروفة كان في قرطبة لأنها هيأت له البيئة الصالحة للإبداع فأبدع، أما القسم الأول من حياته فأهم ما فيه هو ظهوره المفاجئ والبسيط في بغداد ثم النفي. الرحلة أخذت أكبر جزء؛ لأنها سمحت لي بالتحّرك بالخيال يمينا وشمالا بعيدا عن اللحظات المثبتة تاريخيا والتي يعرفها الجميع.

* لم يكن المجتمع الإسلامي عموما يرحب بشكل كبير بالفنان أو المغني عادة أو يحتفي به في جميع عصوره، لماذا ظهر هذا في “القيروان” وحدها دون “بغداد” مثلا أو “الأندلس”؟

 نعم. لكن ظهوره كمغن في القيروان كان فيه نوع من التخُّيل الروائي. زرياب ظهر مغنيا أكثر في الاندلس حيث تمّ احتضانه وتقديم كل ما من شأنه أن يتميز. لقد واجه زرياب في القيروان الكثير من الإقصاء وكانت القيروان في حد ذاتها في ذلك الزمن مدينة مغلقة على نفسها وواليها زيادة الله بن الاغلب لديه طموحات في الاستقلال بها وبخراجها الكثير. لكن ما يحدث في القصور من غناء ومنادمات ومماحكات وقفشات يبقى محصورا في دائرة ضيقة ولقد جاء جلّه لنا في كتب مهمة مثل كتاب الاغاني والعقد الفريد والكثير من المراجع.

* أهمل الروائي الكثير مما ذكر عن “زرياب” مثل أن الجن كانت تعلمه، وركز كثيرا على تأثيره في المجتمع الأندلسي في عادات التحضر من مأكل وملبس وغيرها، مهملا أيضا ما واجهه هناك من حسد مثلا أو عدم تقبل أو غيره. هل كان هذا مجرد انحياز للفنان ولدوره الإيجابي في المجتمع؟

 لم اشأ الزج بهذه الجزئية في الرواية لأنها غائمة وغير مفهومة. وأما من ناحية تأثير زرياب الحضاري في الأندلس فقد كان تأثيره كبيرا. لقد أخرج الأندلس من مجتمع بدوي غير متحضّر إلى مجتمع متحضّر. ورغم ذلك لم يسلم من الحسّاد، فقصته مع الشاعر الاندلسي يحيى الغزال مشهورة ومعروفه ولكن يبدو أن زرياب قد استفاد مما حدث له مع استاذه القديم الموصلي فعالج هذه المشكلة بطريقة فيها الكثير من الدهاء والحزم أيضا.

* هل كان هناك “مقارنة ما” بين مجتمع “بغداد” عاصمة الدولة الإسلامية ومجتمع “القيروان” الذي طرد “زرياب” ومجتمع “الأندلس” الذي احتضنه ورحب به؟ هل كنت تشير إلى البيئة وتفاعلها مع الفنان وتقبلها له مثلا؟

 كان مجتمع بغداد أكثر تطورا وتقدّما من الاندلس بسبب الاستقرار السياسي الذي حظيت به الدولة العباسية خصوصا في بداياتها الأولى، بينما الاندلس لم تستقر أوضاعه السياسية إلا مع بداية حكم عبدالرحمن بن الحكم. وقد ساهم زرياب مساهمة كبيرة في تحضّره ربما لأن التحضّر الاجتماعي يرتبط ارتباطا وثيقا بالاستقرار السياسي، ووجد زرياب في الأندلس مجتمعا متشوّقا ولديه القابلية للتطور والتحضّر وهذا ما ساعده في مشروعه الكبير والمهم.

عن موقع جريدة الرياض السعودية


جريدة الرياض أول جريدة يومية تصدر باللغة العربية في عاصمة المملكة العربية السعودية صدر العدد الأول منها بتاريخ 1/1/1385ه الموافق 11/5/1965م بعدد محدود من الصفحات واستمر تطورها حتى أصبحت تصدر في 52 صفحة يومياً منها 32 صفحة ملونة وقد أصدرت أعداداً ب 80-100 صفحة وتتجاوز المساحات الإعلانية فيها (3) *ملايين سم/ عمود سنوياً وتحتل حالياً مركز الصدارة من حيث معدلات التوزيع والقراءة والمساحات الإعلانية بالمملكة العربية السعودية، ويحررها نخبة من الكتاب والمحررين وهي أول مطبوعة سعودية تحقق نسبة (100٪) في سعودة وظائف التحرير.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)