درب الغاويات، سعاد العريمي (الإمارات العربية المتحدة)، رواية دار الساقي

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الخميس، ٢٥ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٤
جريدة الحياة
سارة ضاهر


أبطال سعاد العريمي عالقون في وهم حقيقة ابتدعوها


تدخل «درب الغاويات» (دار الساقي) للكاتبة الإماراتيّة سعاد العريمي في باب الرواية الحديثة من حيث طرحها مشاكل الحياة في البيئة التي تنتمي إليها، ومواقف الإنسان - الشخصيّة منها في ظل التطور الحضاري السريع الذي نشهده. ربما الجميع يعرف المكان - الدرب «دريب الغاويات»، فهو يقع في مدينة العين، إمارة أبو ظبي، في دولة الإمارات.

وعلى رغم أنّ رواية العريمي شديدة الصلة بالواقع، وأقرب إلى السيرة الذاتية، إلا أنّ شكل «درب الغاويات» ومظهره، لا يمكن اعتبارهما وثيقة علمية - جغرافية واقعيّة، وإنما هو مكان ذو أبعاد كثيرة، تمّت رواية حكايته بأسلوب متقن، بحيث حوّلت مستويات السرد المختلفة، وقائع الحياة المرتبطة بذلك المكان إلى فن محكيّ، لتكون نتيجة جهود الكاتبة، رواية أعمق معنى وأكثر جمالاً من حيوات بنات ذلك الدرب أنفسهنّ.

عرض الشخصيات

لجأت العريمي إلى رسم الشخصيات معتمدة الطريقة المباشرة - التحليلية حتى بدت العالمة بكل شيء، مستعملة ضمير الغائب، لتظهر الشخصيات من الخارج. إذ يضطر القارئ إلى أن يلجأ إلى الراوية في شرح عواطف الشخصيّات الأخرى وبواعثها وأفكارها وأحاسيسها: «صُعِقَ الجميع عند سماعهم جملتي تلك إلا علياء تبسّمت وغمزت لي بعينيها بالموافقة... كان الغضب يسيطر على راشد ولكن خالي أعجب بالفكرة التي جعلت منصوراً متوتراً طوال الوقت»...

أربع صديقات أخوات: صبحا وروبي وحمدة وعائشة. عِشنَ معاً، لعبنَ معاً، ذهبنَ إلى المدارس معاً وسرنَ على دريب الغاويات معاً. لكنّ الزمن فرّقهم وأقصتهم صروف الحياة، وأصبح لكل واحدة منهنّ حكاية لا تمثّل صاحبتها ولا تشبه غيرها. وهناك أيضاً راشد الزوج! ومحمد الحبيب! شخصيات متعدّدة، ساهمت أحداث الرواية في رسم حالاتها ومشاعرها، حتى بات لكل منها اختلاجات، وانفعالات، ورؤية خاصةّ.

مواقف، انتصارات، وانكسارات متعاقبة، وسلسلة من الوقائع عاشتها تلك الشخصيات، مثّلت القربى والصداقة القديمة، الإطار الخارجي لعلاقتها بالبطلة. وسواء كانت الشخصيات خيالية أم واقعية، إلا أنّ الكاتبة لجأت في كثير من الأحيان إلى سيناريوات معيّنة تفيد الغرض نفسه، وهو تكثيف ظهور «الأنا» وبالتحديد «الأنا المظلومة» كمشهد اتصال أخيها سعيد ليقول إنّ خالها يريد أن يطمئن على وصولها إلى لندن. فقد داهمها الخوف وشعرت بالغبن عندما تبيّن لها أنّ اتصاله كان بسبب حفيدته، وقال إنها الإنسان الوحيد الذي يأتمنه عليهما وإنهما سيصلان إلى لندن قريباً. حينها أيقنت أنّ الأمر لم يعد مجرد نزوة عابرة لطفلة في سنّ المراهقة.

لذلك يمكن الشك في أن نية سعاد العريمي كانت في إبعاد الخيال اللاواعي عن روايتها، في حركة جعلت الراوية تبدو مسيطرة وبؤرة العمل الروائي. ويمكن، في الواقع، أن ينظر إليها على أنها انتصار الأنا - الذات على الآخر: أولاً، تم تهجير الآخر كراوٍ. ثم تكون البطلة هي محور السرد والأحداث. ثم يتم تصوير مشهد الخاتمة مع تضحية البطلة وعدم انتهاء الرواية.

السرد - الحدث

تختار العريمي الطائرة لتنطلق منها رحلة روايتها، ويمكن القول إنها نقطة انطلاق «ساخنة» جذبت القارئ وهيّأت ذهنه للمرحلة التالية. على متن الطائرة العائدة من لندن إلى أبو ظبي، تلتقي صبحا بنت الريح بمحمد الذي أحبّها شاباً، حين كانت لا تزال «محجوزة» لابن خالها راشد، رفيقها في نزهات دريب الغاويات. مصادفة تعيد إليها الحياة الماضية بعد أن جلس إلى جانبها مدة ست ساعات، أزال خلالها العوائق كلها، ونسخ ما كان قبله وأبطل ما سيأتي بعده.

هي ابنة «الريح» الذي هجر والدتها قبل أن يعرف بحملها، لتنشأ بعد موت والدتها في كنف خالٍ أصبح أباً لها. بطلة مشتّتة، يشدها الماضي إلى مراتب الحسّ الداخلي؛ ذكرى راشد تطوف بها من حينٍ لآخر وتحثها على حفظ ابنيه. إلا أنّ محمد شكّل حاجزاً نفسيّاً وزمنياً بينها وبين راشد، وكان لا يزال على قيد الحياة! وقد بدأ الجدار يتضخّم بعد فقدانها راشداً وعودتها إلى الجامعة، وأخذ السد يعلو فخافت وغادرت المدينة كلها.

يأخذ السبيل قريبتها عائشة، يهجرها راشد، وتسجن روبي متهمة بقتل صديقتهما حمدة، وتجد صبحا نفسها مسؤولة عن ولدَي راشد بعد موته. ليعود محمد اليوم مؤكداً صدق مشاعره التي لم تتبدّل تجاهها، فتجد نفسها مجدداً في دوامة الخيار بين مصلحتها الشخصية ومصالح آخرين ارتبطت مصائرهم بها. يعود من السفر مرّتين لأجلها، ليودّعها في المرّة الثالثة، حين تختار الآخرين.

محمد معلّق بين السماء والأرض؛ شعرت بالندم لعدم مرافقته في السفر: هل ستلتقيه مرة أخرى، وكيف تضمن عودته للمرة الثالثة؟ اعتبرت رحيله بمثابة الغياب الأبدي. نظرت إلى ساعته في معصمها! هل يتوقّف الزمن عند آخر كلمة قالها محمد مردّداً ما قاله الحلاج: «وإن تمنيت شيئاً فأنت كل التمنّي».

لم تنته...

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)