قراءات

حكايات وحكايات - حكايات شعبية من لبنان، نجلا جريصاتي خوري (لبنان)، حكايات دار الآداب - 2014

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الأربعاء، ٥ مارس/ آذار ٢٠١٤
جريدة الحياة
سلمان زين الدين


نجلا جريصاتي خوري تدوّن الذاكرة الشعبية


تُشكّل الحكاية الشعبية جزءاً مهمّاً من التراث الشفهي المنتقل عبر الأجيال، وقد مرّ زمن كانت فيه الحكاية المصدر الأساس للتسلية وتزجية الوقت، من قبل أن يغزو التلفزيون ومشتقّاته أوقات الناس وبيوتهم، ويُحيل الحكاية الشعبية على التقاعد، أو الانكفاء إلى ذاكرة المعمّرين من الناس، حتى إذا ماتوا ماتت معهم. ولطالما كانت الجدّات في المنازل والحكواتي في المقاهي الشعبية شخصيات تصنع المتعة والتسلية، وتجعل ليالي السهر أكثر إمتاعاً ومؤانسة.

على أن تطوّر مصادر التسلية والترفيه، وتغيّر اهتمامات الناس جعلا الحكاية الشعبية شيئاً من الماضي مهدّداً بالاندثار، فرحيل الأجداد والآباء يعادل رحيل الذاكرة الشعبية التي حملت الحكاية من أجيال سابقة من دون أن تتمكّن من نقلها إلى الجيل الجديد المسكون بفتوحات التكنولوجيا وهواجس الإنترنت. وبذلك، نكون أمام نوع من القطيعة بين الماضي والحاضر واستطراداً المستقبل. من هنا أهمية تدوين الشفاهي المتوارث من قبل أن يرحل مع حامليه أو يدخل في غياهب النسيان، الأمر الذي أدركته الكاتبة نجلا جريصاتي خوري، فأقدمت على جمع مئة حكاية شعبية، وأصدرتها في جزءين اثنين من كتابها «حكايات وحكايات – حكايات شعبية من لبنان» (دار الآداب).

على مدى ثلاثين عاماً، كما تشير في مدخل الكتاب، راحت الكاتبة تجمع من المدن والقرى اللبنانية المختلفة والمتنوّعة جغرافيّاً واجتماعيّاً، بينما تشير في المقدمة إلى أنها جمعتها بين العامين 1975 و1995، أي على مدى عشرين عاماً، بفارق عشرة أعوام بين المدخل والمقدمة المتجاورَين. وهي فعلت ذلك في البداية للمتعة ومسرحة ما يمكن من الحكايات، ثم تطوّر مشروعها لتُصدر المادة المجموعة في كتاب من جزءين هو موضوع عجالتنا هذه.

في المقدمة، تتناول خوري هدف جمع الحكايات، ولغتها، ومنهجية العمل، والقيم التي تحملها، وأنواعها، وماهيتها؛ فالهدف مسرحتُها، واللغة هي الفصحى التي تتخلّلها مفردات وتعابير محكية أو ما يمكن تسميته بالفصحى الشعبية، على أنها أبقت الحكايات الخمس الأخيرة على اللغة التي سمعتها بها ما جعل مفردات ثقيلة وتراكيب مرتبكة تتسلّل إلى النص، وحبّذا لو أنها عمدت إلى تهذيب هذه اللغة على الأقل. في هذا السياق، ثمة تعابير محكية حاولت فصحَنَتَها، فتمخّضت عن لغة هجينة خسرت عفوية المحكية ولم تبلغ مرتبة الفصحى.

في منهجية العمل، اعتمدت خوري التسلية والمتعة والوظيفية والأمانة للمسموع معايير لاختيار الحكايات، وهي قد تخلص للنسخة الواحدة من الحكاية وقد تستند إلى نسخ عدة، وتمارس تقنيات الحذف والإضافة والتخفيف والاختصار، ما يخل بمعيار الأمانة للمسموع في حكايات معيّنة. هذه الحكايات تحمل القيم الاجتماعية للحقبة التاريخية الممتدة من أواخر القرن التاسع عشر إلى أوائل القرن العشرين، المنتشرة في المنطقة المعروفة بـ «بلاد الشام»، على حد إشارتها في المقدمة. هنا، تصطدم هذه المعلومة بالعنوان الفرعي للكتاب «حكايات شعبية من لبنان»، إلاّ إذا كانت تقصد به مكان الجمع لا منطقة انتشار الحكايات.

أنواع حكائية

تصنّف خوري حكاياتها في سبعة أنواع فرعية هي: الخبرية القصيرة، الحكاية الدينية، الحكاية العدّية، حكاية الحيوان، حكاية الكذب، حكاية الحب والمغامرة، وفرشة الحكاية. وقد تُدرج ضمن النوع الواحد ما يبدو غريباً عنه، فالأحجية والحزّورة والعدية والترنيمة لا يمكن إدراجها ضمن الخبرية القصيرة، لا سيّما إذا ما افتقرت إلى عنصر الخبر. كما أن بعض الحكايات يحتمل الانتساب إلى أكثر من نوع حكائي.

وعلى تعدّد الأنواع، تفترض خوري في المقدمة أن الحكايات هي «حكايات نساء لنساء» مستندة إلى أسباب ذاتية وموضوعية. غير أن هذه الفرضية لا تصمد أمام التحليل الموضوعي. فالكاتبة نفسها تستدرك أن «لا وجود لحكايات للنساء وأخرى للرجال» (ص32)، وأن ثمة تداخلاً وتراكباً بين الحكاية الشعبية وما يرويه الحكواتي، فاستقاء حكاياتها من النساء لا يعني أن الرجال لا يحكون الحكايات. أليس الحكواتي رجلاً؟

بالعودة إلى الحكايات نفسها؛ في الشكل، تتشابه حكايات معيّنة في البداية والنهاية وما بينهما، تبدأ الحكاية بعبارة «كان يا ما كان بقديم الزمان» وتنويعاتها، وقد تقترن بالدعوة إلى الصلاة، وقد تكون البداية ذات طابع ديني، وقد تكون عدّية معيّنة، وقد تكون بتراء يتمّ فيها الدخول في الحكي مباشرة. وتنتهي الحكاية بعبارة تُشعر بنهايتها وتقترن بالدعاء «طيّب الله عيش السامعين» أو بالسلام «الله يمسّيكم بالخير»... وبين البداية والنهاية ثمة عدّية أو حوار أو الاثنان معاً.

في المضمون، ثمة قيم معيّنة تحملها الحكايات، فنادراً ما تكون الحكاية مجّانية، بل تنطوي على رسالة أو مغزى أو حكمة أو درس. وبذلك، تجمع إلى متعة الشكل فائدة المضمون. على أن هذا المضمون كثيراً ما يتم التعبير عنه في أجواء غرائبية، تطغى فيها المبالغات والأكاذيب، وتكثر الشخصيات الخرافية والأسطورية. ولعلّ اللجوء إلى هذه الأجواء هو تعويض عن واقع ووقائع قاسية يعيشها الراوي والجمهور، فيحقّقون بالخيال ما يعجزون عن تحقيقه بالفعل. من هنا، كثيراً ما تكون النهايات سعيدة، ينتصر فيها الخير على الشر، وتتحقّق في الحكاية الأحلام المجهضة في الواقع.

ثمة رسائل تنطوي عليها الحكايات؛ فنقرأ فيها: الفارق بين السذاجة والنباهة (أبو علي الحطاب)، تحوّل النقمة إلى نعمة (أبو علي الصياد)، الطبع أقوى من التطبّع (أبو علي الواوي)، انقلاب السحر على الساحر (أبو محمد الغول)، من تأنّى نال ما تمنّى (ألف كيس وكيس)، اللبيب من الإشارة يفهم (آها)، المذنب يلقى جزاءه (بحيرة بو حاحا)، من طلب الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه و «لا بد دون الشهد من إبر النحل» (بلاد الواق واق)، على سبيل المثل لا الحصر.

هذه الرسائل وغيرها تُبرز أهمّية ما قامت به نجلا جريصاتي خوري في كتابها، فهي استطاعت أن تنقل إلى القارئ متعة القراءة مقرونة بفائدة الرسالة. غير أن الأهمّية الأولى لعملها تبقى في جمعها هذا الكمّ من الحكايات المسموعة وتدوينها، وحفظها جزءاً عزيزاً من ذاكرتنا الشعبية من قبل أن يطمسه النسيان أو يموت حاملوه ومعهم الحكايات. لعلّ خوري أرادت أن تقول للأجيال الصاعدة إنّ في الحياة ما يستحق الاهتمام غير الإنترنت ومشتقّاته!

عن موقع جريدة الحياة


صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة"الحياة" جريدة عربية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988 .

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)