ثلاث سويديات في القاهرة، آن إيديلستام (السويد)، رواية ترجمة مروة إبراهيم آدم - الدار المصرية اللبنانية - 2016

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 17-03-2016، العدد : 10217، ص(14)
الصفحة : ثقافة
العرب - محمد الحمامصي


ثلاث سيدات سويديات يكشفن تحولات المجتمع المصري


يذهب البعض إلى تعريف الرواية التاريخية بأنها ضرب من السرد يمتزج فيه التاريخ بالخيال، وهي تهدف إلى تصوير عصر من العصور أو حدث عظيم بأسلوب روائي مبني على معطيات تاريخية، ولكن من غير التزام أو تقيّد في بعض الأحيان، والحقيقة أن الرواية التاريخية تظل نوعا من أنواع التسجيل والتوثيق يعيد إلى أذهان القراء زمنا من الماضي القريب أو البعيد.

رواية “ثلاث سويديات في القاهرة” للكاتبة السويدية آن إيديلستام، هي قصة حقيقية، فالمؤلفة عاشت جزءا منها بكامل تفاصيلها، وتقدم من خلالها تفسيرا للأجيال الجديدة، التي تريد أن تفهم طبيعة ما يحدث في مصر. حيث تسرد المؤلفة بأسلوبٍ أدبي رشيق وراق، قصة ثلاث سويديات، يمثلن ثلاثة أجيال مختلفة؛ ساقهن القدر للعيش في مصر، ومن خلالهن، ترصد المؤلفة التحولات الحادة التي شهدها المجتمع المصري منذ عشرينات القرن العشرين، وحتى سنة 2011.

نكبة الحريق

قدم للرواية، التي ترجمتها مروة إبراهيم آدم، الأمين العام السابق للأمم المتحدة الراحل بطرس بطرس غالي، وقد أكد في تقديمه أن أصالة الرواية ليست فقط في كونها مكونة من عدة أجزاء منفصلة تجتمع معا لتكون رؤية للتاريخ المصري، إنما أيضا في التناقض الصارخ بين الواقع المؤلم الذي تكتشفه مؤلفة الرواية بعد سنوات من الغياب، وبين عمق الذكريات الساحرة، التي انتقلت عبر الأجيال في عائلتها، فتعطي لنا بذلك شهادة موثقة، لنشاركها شغف ثلاث سيدات من السويد بمصر أرض الستة آلاف سنة من الحضارة.

وقال “من خلال الأم التي نشأت وسط القصور والمنازل الفاخرة ذات الطراز الأوروبي في القاهرة نتعرف على الثورة السياسية التي حولت مصر من ملكية إلى دولة اشتراكية تحكمها السلطة، وأخيرا تصف الكاتبة الثورة السكانية التي حولت مصر إلى ما آلت إليه اليوم من مدينة مكتظة يقطنها عشرون مليون نسمة تمتلئ بالصخب والتلوث”.

تنطلق الأحداث في الرواية التي صدرت أخيرا عن الدار المصرية اللبنانية، في السويد بتاريخ 25 يونيو 1888، من خلال حريق يأتي على منزل ومطعم الزوجين رانهيلد وألفريد في ساندس فال، وعلى عدد كبير من البيوت المجاورة لبيتهما، ولكن يستطيع ألفريد بمساعدة والد رانهيلد إعادة تأسيس مطعم جديد والاستفادة من زبائنه المتعاطفين مع العائلة المنكوبة، وتأتي هيلدا إلى الحياة في عام 1889، وهيلدا هي السيدة الأولى من بين ثلاث سيدات سويديات عِشن في القاهرة، تُحكى أحداث قصصهن على لسان السيدة الأخيرة الحفيدة آن إيديلستام، مؤلفة الكتاب، التي تتحدث عن جدتها قائلة “ما زلت أذكر جدتي. أُغمض عيني، وأتذكر كل تفاصيلها؛ شعرها الملفوف، الابتسامة التي تضيء وجهها، وقرطها الماسي الذي مازلت أرتديه. لازمتني جدتي وذكرياتها، ومن خلالها لازمتني مصر طيلة حياتي دون حتى أن أدرك أو أشعر بهذا”.

عشق القاهرة

تبدأ قصة السيدات الثلاث مع القاهرة، حين يقع الشاب طورشتين في حب هيلدا، ويفكر في الزواج بها، لكنه ينتقل للعمل في مصر كقاض بالمحاكم المختلطة التي كانت منتشـرة آنذاك، ويصل طورشتين بالفعل إلى القاهرة في 24 أكتوبر 1926، ثم تلحق به هيلدا بعد ذلك، ويتم الزواج في القاهرة، ثم ينتقلان للعيش في مدينة المنصورة، حيث يعمل طورشتين في محكمتها المختلطة.

تسافر هيلدا إلى السويد لتضع مولودتها خوفا من عدم رعايتها طبيّا بشكلٍ مُرضٍ في مصر، ثم تعود بابنتها إنجريد، وهي التي ستصبح السيدة الثانية من السيدات الثلاث والتي تقضي طفولتها وشبابها في مصر، ولا تعرف لها وطنا غيره، لكنها تضطر لمغادرة مصـر إلى السويد بشكل نهائي قبيل ثورة 23 يوليو 1952، وهناك تلتقي دبلوماسيّا شابّا اسمه أكسيل إيديلستام، الذي يصبح زوجها في ما بعد، وتُنجب منه آن التي ستكون السيدة الثالثة والراوية التي تحكي قصة السيدات الثلاث اللاتي عشن في القاهرة، ولا تنسى إنجريد عشقها لمصر، حتى يفاجئها زوجها بأنه تم تعيينه سفيرا للسويد في القاهرة.

تعود إنجريد مرة أخرى إلى وطنها مصر بعد سنوات من البعاد، كزوجة للسفير السويدي في القاهرة، وسرعان ما تلحق آن بوالديها لتحيا معهما في مصر، وتبني ذكرياتها الخاصة بها، وهكذا تكتمل قصة السيدات الثلاث، التي من خلال حياتهن في القاهرة، نتعرَّف على شكل الحياة المصرية في فترة زمنية طويلة نسبيّا، عبر ثلاثة أجيال، ونعرف كيف كان يفكر المصريون؟ وكيف كانوا يعيشون؟ ونلمس مع السيدات الثلاث مدى تغيُّر الحياة من سيء إلى أسوأ، حيث تختفي ملامح الجمال من الشوارع والمباني والحدائق بمرور السنين، وزيادة عدد السكان، وانتشار السيارات في الشوارع، وتغيُّر سلوك الناس، تتحدث آن عن عودتها إلى مصر بعد فترة انقطاع، فتقول “بدأت التفكير بجدية في الذهاب إلى مصر، ولكني لم أكن واثقة مما سأجده بعد سنوات البعد الطويلة. فكرت في الصدمة التي أُصيبت بها والدتي بعد عقود من الغياب، والفرق الشاسع الذي وجدته بين أيام الطفولة، والمراهقة الوردية، وبين ما آلت إليه الأمور. هل سأستطيع التعرف على القاهرة بعد سنوات الفراق؟ ماذا لو أصابني الإحباط؟ أليس من الأجدر بي أن أحتفظ بالذكريات السعيدة دون العودة مرة أخرى؟ انتصر فضولي في نهاية الأمر على كل هذه الأفكار، وقررت السفر إلى مصر”.

وهكذا عادت آن إلى مصر، لتجد في انتظارها ما لم تتوقعه أو تفكر فيه قبل عودتها، ولتُقدم للقارئ هذه الرواية التوثيقية الممتعة، التي تأخذه معها ببراعة في رحلة طويلة، بداية من وصول السيدة الأولى هيلدا إلى مصر سنة 1927، ووصولا إلى ما بعد 25 يناير 2011، لتتوقف القصة قبيل وصول الإخوان إلى حكم مصر.

في نهاية الرواية وضعت المؤلفة مجموعة من الصور التي تمثل العائلة الجدة رانهيلدا والأم هيلدا، وهليدا وزوجها القاضي طورشتين سالين، وصورة عائلية لأسرة هيلدا وصور للفيلا والشقة التي عاشت فيها هيلدا في القاهرة وكذلك صورة لإنجريد وآن في شقتهما بالقاهرة. كما ضمت الصفحة الأخيرة كلمة للأميرة ملك بير طوسون، حفيدة الأسرة المالكة المصرية وأخرى للسفيرة شارلوتا سبار سفيرة السويد في مصر. يذكر أن المؤلفة آن إيديلستام، باحثة اجتماعية في علم الأجناس البشرية، ومؤرخة إسلامية، وصحافية، تتحدث السويدية والفرنسية والإنكليزية.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)