جريدة العرب
الأربعاء 2018/10/17 - السنة 41 العدد 11141
الصفحة : ثقافة
القاهرة
ثلاث جميلات يخرجن من اللوحة ويسافرن في “اللون العاشق”
الرواية الثالثة للشاعر المصري أحمد فضل شبلول “اللون العاشق” تتناول سيرة غيرية وتشكيلية متخيلة للفنان التشكيلي العالمي محمود سعيد.
ربما كانت من الروايات العربية القليلة التي تصدر بملزمة ملونة للوحات والتماثيل التي ورد ذكرها في متن الرواية. إنها الرواية الثالثة للشاعر المصري أحمد فضل شبلول “اللون العاشق” والتي تتناول سيرة غيرية وتشكيلية متخيلة للفنان التشكيلي العالمي محمود سعيد (1897-1964) الذي يعد أحد رواد الفن التشكيلي في مصر والوطن العربي.
تحضير للكتابة
تتوقف أحداث الرواية، الصادرة عن الآن ناشرون وموزعون بعمّان، عند العام 1935 وهو العام الذي رسم فيه الفنان أشهر لوحاته وهي “بنات بحري” أو “جميلات بحري”، حيث تخرج الجميلات من اللوحة التشكيلية ويتشابكن مع الفنان ومع الحياة التي يعاصرنها بمناحيها المختلفة، مما يُكسب الرواية بُعدا إنسانيا وجماليا خاصا، وبُعدا سكندريا لم يتوقف عنده الكثيرون ممن تناولوا المجتمع الإسكندري في أعمالهم، بالإضافة إلى الأبعاد السينمائية والأدبية والفنية الأخرى التي تزخر بها الرواية التي تعد أحد أضلاع مثلث العشق في أعمال المؤلف (الماء العاشق، والحجر العاشق، واللون العاشق).
تبدو الرواية التي تتناول سيرة غيرية يكتبها كاتب عن شخص آخر، مغرية بالقراءة خاصة إن كان بطلها شخصية فنية، لكنها تطرح دائما ذلك الجدل بين الحقيقة والمتخيّل، حيث يمزج غالبا كتّاب السير الغيرية سير أبطالهم بصور يتخيلونها هم، ما يجعل الرواية تتجاوز التأريخ وتدخل في تشويقية الإبداع.
وقال الشاعر والروائي أحمد فضل شبلول، إنه كان يقف أمام لوحتي “بنات بحري” و”المدينة” ولوحات محمود سعيد الأخرى متسمِّرا من روعتها وجلالها في المعارض التشكيلية التي كان يرتادها في الإسكندرية. ولم يكن يعرف سرّ جمال تلك اللوحات، إلى أن بدأ يقرأ أجزاء كثيرة من موسوعة الدكتور ثروت عكاشة “العين تسمع والأذن ترى”، وخاصة ما يتعلق بفنون عصر النهضة (الرينسانس والباروك والروكوكو). فبدأ يتدرّب على قراءة اللوحة التشكيلية، وبدأت حاسة تذوق التشكيل تزداد لديه ليتعرّف إثرها على مدارس الفن التشكيلي المختلفة. ويكتشف أنه كان يتعامل مع الألوان مبكرا من خلال قصائده الشعرية، مثل قصيدته الطويلة “كل الألوان سواء” التي كتبها عام 1978 ونُشرت في ديوانه “ويضيع البحر” عام 1985.
ومن خلال اطلاعه على مجمل أعمال الفنان محمود سعيد، أحسّ أنه قريب جدا منه، خاصة أن الفنان إسكندري مثله ويعشق الإسكندرية والبحر ويعشق بنات بحري، فبدأ يقرأ معظم ما كُتب عن محمود سعيد في الكتب والمجلات العامة والمتخصصة في الفن التشكيلي.
وزاد إصرار الكاتب على الكتابة عن سعيد عندما قرأ خبرا في جريدة الأهرام مفاده أن إحدى لوحات هذا الفنان المصري الإسكندري، وهي لوحة “آدم وحواء”، تباع بنصف مليون إسترليني في دار عرض بلندن، واصفة سعيد بأنه مؤسس الفن المصري المعاصر خلال فترة النهضة الفكرية في مصر.
ثلاث نساء
بدأ شبلول يضع الخطوط الرئيسية للكتابة عن محمود سعيد، واختار أن يتوقف من خلال سرد سيرة متخيّلة عنه عند رسمه للوحة بنات بحري عام 1935 وكان لا بد له من دراسة أحوال مصر في تلك الفترة، وبدأ ينسج علاقات بين سعيد وفناني وكتاب عصره من أمثال توفيق الحكيم الذي توجد مشتركات كثيرة تجمعه مع محمود سعيد، فكلاهما ولد في الإسكندرية (محمود سعيد عام 1897 وتوفيق الحكيم عام 1898) وكلاهما درس الحقوق في فرنسا، وكانا يترددان على باريس لزيارة متحف اللوفر وقاعات السينما والمسرح والموسيقى، بل إن محمود سعيد عاصر كتابة رواية “عصفور من الشرق” للحكيم في باريس، وشاهد الحكيم ميلاد بعض لوحات محمود سعيد وكتب مقالات عنها، وكلاهما حصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1960 الحكيم في الآداب وسعيد في الفنون، وتسلما الجائزة من الرئيس جمال عبدالناصر، بل إن توفيق الحكيم استوحى اسم كتابه وفكرته “حمار الحكيم” من لوحة سعيد “راكب الحمار”، كما ورد في الرواية.
كما عاصر الفنان بدايات السينما المصرية وعقد صداقة مع المخرج السينمائي محمد كريم، وكانا يتزاوران في القاهرة والإسكندرية، وأعجب كريم بالقطة بوسي التي تلعب دورا لافتا في معظم لوحات سعيد، فقرر أن يصورها سينمائيا ونجح في ذلك. ومن خلال علاقة محمد كريم بالموسيقار محمد عبدالوهاب باعتباره أول من أخرج له أفلامه، نشأت على الهامش صداقة بين الرسام ومحمد عبدالوهاب غير أنه لم يرسمه في بورتريهاته، وإنما رسم ليلى مراد التي التقاها في منزل جميلة (اليهودية) بالإسكندرية وهي الطرف الثالث في لوحة “بنات بحري”.
وإلى جانب كل ذلك هناك تتبّع لحياة البنات الثلاث في لوحة “بنات بحري” حلاوتهم التي تقع في منتصف اللوحة، وأول من استعان بهن محمود سعيد لرسم اللوحة، وكانت شخصية مسيطرة ومدمِّرة، أصيبت بعقدة بومبادور النفسية، وقُتلت في نهاية الرواية، وعلى يسارها ست الحسن الرقيقة، ذات الجمال الهادئ والأصول الصعيدية وكانت تتغنى دائما بأغاني سيد درويش، وعلى يمينها جميلة (اليهودية) ممثلة المسرح التي أرادت أن تتحول إلى السينما على يد محمد كريم وكان يرى أن أداءها المسرحي لا يتناسب مع التمثيل في السينما، وهاجرت في نهاية الأمر إلى إسرائيل.
لكل من هؤلاء النسوة حكايتهن التي تفصح عنها الرواية، وكيف استطاع الفنان أن يجمع بينهن في عمل خالد، هو “بنات بحري”، وكيف كان يفكر في نقل الجميلات الثلاث في لوحة أخرى وسط أجواء قاهرية وفي سياق درامي آخر، فكانت لوحة “المدينة” التي أنجزها في ما بعد.
ويذكر أن شبلول قرر أن يضيف إلى متن الرواية بعض اللوحات التي رسمها محمود سعيد قبل عام 1935 والتي ورد ذكرها في العمل الروائي، ليشاهدها القارئ ويتفاعل معها أثناء القراءة، ومن هذه اللوحات: الصيد العجيب، وذات الرداء الأزرق (والتي اختارها الناشر لتكون لوحة غلاف الرواية) والدراويش، وذات الجدائل الذهبية، والجزيرة السعيدة، وقبور باكوس، وراكب الحمار، والمستحمّات، وبورتريه سميحة رياض قرينة الفنان، وابنته نادية.
ونظرا إلى العلاقة التي نشأت بين محمود سعيد والفنان محمود مختار، كما أوضحت الرواية، فقد تحايل شبلول بأن أهدى الرواية إلى محمود مختار بتوقيع محمود سعيد.
عن جريدة العرب اللندنية
العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977
صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة
يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر