القبطي، مقبول العلوي (السعودية)، مجموعة قصصية دار الساقي - 2016

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
السنة الثامنة والعشرون العدد 8746 السبت 25 شباط (فبراير) 2017 - 28 جمادى الأولى 1438 هـ
لندن - أنور عوض


«القبطي» للسعودي مقبول العلوي: العقل الجمعي وأزماته في مواجهة أساطيره


ثلاثة وعشرون قصة ضمنها القاص والروائي السعودي «مقبول العلوي» في مجموعته القصصية «القبطي» التي صدرت مؤخرا عن دار الساقي في 155 صفحة، تصدرها الغلاف بريشة الفنانة عالية الفارسي، وهي المجموعة التي فازت بجائزة الطيب صالح لعام 2016. تبدو القصص في مجملها دليلا ثقافيا واجتماعيا للبيئة القروية في السعودية، محتشدة ببعض الحِكَم التي تتسرب في ثنايا سرد القصص. هنا قراءة في بعض هذه النصوص ..

جروب تكريم المرحوم واتس آب

في قصته الأولى «جروب تكريم المرحوم واتس آب» ينجح الكاتب في معالجة القيم الاجتماعية بمبادرات إيجابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي «واتس آب»، ولكن سرعان ما تتلاشى عبر إيقاع يفضح أن البعض يجعل من هذه القيم فقاعة كبيرة تتلاشى ولا يبقى منها شيء. القصة تدور حول أصدقاء يبادرون من خلال «جروب واتس آب» لتكريم زميل لهم توفي، يخططون لاحتفالية كبيرة، ولكن الاهتمام يتضاءل يوما بعد يوم، وقبيل الاحتفال بيوم واحد، يقوم منشئ «الجروب» بإلغاء الجروب.

ضيف الله

أما في قصتة «ضيف الله» فتتبدى خلاصات الحكمة على لسان سارد القصة، حكم مأثورة وفي مجملها مختلفة نوعا وسردا، بينما تتجلى الفكرة المركزية للقصة في أن ما يهرب منه الانسان قد يقابله وجها لوجه وهو في طريق الهروب. في هذه القصة يعمد الرجل المتقاعد المحاصر بضائقة مالية قبيل العيد إلى ترك بيته وأسرته لأيام هربا من ملاحقة صاحب العقار، الذي يأتي في العادة ليستلم الإيجار الشهري للشقة، وبينما الرجل المتقاعد يتنفس الصعداء ويختتم مناسك العمرة بعيدا عن قريته يفكر بالتصدق بآخر ريالات محدودة يملكها، فيودعها يد سائل يطلب الإحسان، وتتجلى المفاجأة في أن طالب الإحسان هو نفسه الرجل الغني صاحب العقار، لتنتهي القصة هنا تاركة للقارئ تخيل ما يمكن أن يجري عندما يتواجهان مرة أخرى لحظة دفع الإيجار.

روائح السيف المكسور

وتعبر قصة «روائح السيف المكسور» عن سيطرة الأساطير الواهية وتحكمها في الحياة، القصة تشرح من خلال وقائعها، كيف أننا نتعلق سنوات طويلة بأشياء يقينا منا أنها مختلفة، رغم كونها أقل من عادية، هي قصة أسطورة أن السيف المتوارث عن الأجداد هو من صنع ملك الجان. تعيد تلك الأسطورة السيف إلى أنه أحد سيوف «بني يزن»، كان جد بطل القصة قد اشتراه قبل أكثر من مئة عام. التسليم بهذه الأسطورة ظل يتنقل من جيل إلى جيل، إلى أن يصل لبطل القصة ووالده، الذي يكثر في توصيته بالسيف «سيفي هذا وسيف أجدادك هو شرفك، هل ستبيع شرفك يا ولد» مطيلا في شرح مخاطر الإقدام على بيعه «إذا أخرجته من جرابه دونما حاجة لذلك، فسوف يسيح حديده وينكسر، وإذا حدث ذلك حلت اللعنة علينا جميعا». هذا المناخ المليء بمخاوف من نسج الأسطورة، يجعل بطل القصة يركن إلى وصية والده وأجداده من قبله، «لا لن أبيعه … سيبقى معلقا علي الجدار ولن أسمح حتى لنفسي بإخراجه من مكانه». غير أن الجوع والفاقة أسقطا بطل القصة في عدم الوفاء بوعده، كان يظن أن هذا الجزء من التاريخ كفيل بأن يحسن حاضره إن قام ببيع السيف، وفي لحظة الحقيقة تلك يتكشف أن الأسطورة ليست سوى بعض خزعبلات متوارثة، ليكتشف بطل القصة الحقيقة المرة «كان السيف الشهير الذي طبقت شهرته الآفاق مكسورا، كان مكسورا من منتصفه».

نوستالجيا

وفي قصة «نوستالجيا « التي تدور الأحداث في قرية صغيرة، يقول عنها بطل القصة «لم تكن قريتنا الصغيرة مكانا مفعما بالتاريخ ولا الجغرافيا، فلا أحد يعرف مكانها على الخريطة، حتى ابناؤها لا يعرفون موقعها على الخريطة … في حقيقة الأمر لم تكن قريتنا سوى مكان محاط بالرمال والمساحات الشاسعة من الفراغ والعزلة في وسط الصحراء». في هذه القصة ينتهج الكاتب اللغة التعبيرية الدالة، وهو يعالج موضوعها الذي يدور حول قرية منسية أمواتها يفوق عددهم عدد الأحياء. «قريتنا كانت تحتفي بالموت أكثر من احتفائها بالحياة، فالموتى الذين يوسدون القبور هنا أكثر من عدد الأحياء». ووجه الغرابة أيضا أن القرية ومع صغرها ذلك تضم مقبرتين، وتمضي القصة إلى أن القرية الهادئة تحولت فجأة إلى ساحة من الضجيج عقب وصول غرباء يحملون آلات التصوير ويسألون كثيرا عن المقبرتين.

نساء الخريف

«نساء الخريف» قصة أخرى ضمن مجموعة «القبطي» القصصية، وتتميز بتوصيفات أقرب إلى الشعر وفن التلوين، مشاهد وصفية، بتفاصيل صغيرة، يصف الكاتب نساء القرية ورحيلهن من الدنيا على عجل «النساء في بلدي يمتن في الخريف، هذه حقيقة أدركتها مبكرا، يرحلن بصمت وبلا مقدمات، يتساقطن مثل أوراق الشجر، تماما كما يحدث في فصل الخريف، يكون خريفهن الشاحب أشبه ما يكون بخريف تشدو في أيامه أغنيات حزينة مترعة بالأسى والشجن». وتنحو القصة عميقا في العلاقة بين أم تعمل خياطة وطفلها الذي افتقد حضورها في لحظة حاسمة بالنسبة له، لم تأت أمه، ولذا لم يتوفر الثوب الأبيض كما طلب منهم المدير، ليسمح لهم بغناء نشيد في احتفال المدرسة، قلب الصغير حزن للأمر، غير أنه انفجر حزنا حينما أخبرته خالته بما حاق بأمه وهي في طريقها من القرية إلى مدرسته «أمك ماتت .. جرفـــها الســــيل ليلة البارحة وجدوها ميــــتة في الوادي وفـــــي إحدي يديها ثوب أبيض داخل كيس نايلــون يبدو أنه كان يخصك».

يختتم القاص والروائي السعودي مقبول العلوي مجموعته القصصية «القبطي» بقصص قصيرة جدا، مجرد أسطر اختزل داخلها وبذكاء قضايا فكرية واجتماعية ضخمة، ويبدو هذا النسج المدهش، خاصة في قصتي «ويده على» التي تعالج قضية العطب العقلي العربي، وقصة خطبة «التي تعري كيف أن منابر المساجد لا تتذكر سوى شدة عقاب خالق الكون، ولا تتذكر أبدا رحمته. مقبول العلوي قاص وروائي سعودي صدرت له عن دار الساقي «فتنة جدة» في القائمة الطويلة لجائزة البوكر 2011، و«البدوي الصغــير» الفائزة بجائزة سوق عكاظ 2016، و«زرياب» جائزة وزارة الإعلام والثقافة عن أفضل رواية لكاتب سعودي، معرض الرياض 2016.

عن موقع جريدة القدس العربي

عدد المقال بالـ pdf في جريدة القدس العربي


صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.


الرواية على موقع دار الساقي

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)