جريدة المدن الألكترونيّة
الأربعاء 28-02-2018
المدن - ثقافة
أسامة فاروق
"ذكرياتي" : هند رستم ملكة الإغراء.. والعقل المحافظ !
في 8 آب/أغسطس 2011 رحلت هند رستم. وكانت قد اختارت قبل هذا التاريخ بكثير أن ترحل عن الشاشة التي عشقتها. انزوت وتابعت حياتها بعيداً من الفن ومتاعبه.
لكن الانصراف لم يكن كاملا، فعلى فترات كانت تستجيب لدعوات الظهور، لتدلى بدلوها تعليقاً على حدث ما، أو لتتذكر بعضاً من تاريخها الفني العريض. وفي غالبية تلك الطلات لم تفقد هند رستم ألقها القديم، حتى في آخر ظهور لها بعدما تجاوزت الثمانين. لكنها كانت تحمل حنيناً جارفاً لأيام لم تعد موجودة، وغضباً غير محدود من تحولات الفنانين، التي كانت السبب الرئيسي -كما كررت كثيراً- في اختيارها الابتعاد، لأنها لم تعد تتحمل “دلع النجوم”.
بعد 15 عاماً تقريباً على اعتزالها، وفى الفترة من 8 آب/أغسطس وحتى 18 تشرين/الأول أكتوبر 1994، نشرت مجلة “الكواكب” مجموعة لقاءات أجراها الصحافي أيمن الحكيم مع هند رستم سجل فيها ما يشبه الشهادات على زمن نجومية هند وتألقها. اللقاءات جمعها الحكيم مؤخراً، إضافة إلى شهادة من ابنتها وآخرين، وصدرت عن دار “الكرمة” تحت عنوان “ذكرياتي”.
ربما من الصعب الحكم على اللقاءات وقت نشرها، بل لعلها كانت حدثاً مهماً وقتها. لكن الآن بعد قراءتها مجمّعة، لا يمكن الإفلات من ضغط التأسي والوعظ المباشر الظاهر في حكايات هند عن نفسها وعالمها القديم. تبدو هند رستم على امتداد صفحات الكتاب، عجوزاً ناقمة على الدنيا ومن فيها، على التحولات التي فاجأتها في عز نجوميتها، على النجوم الجدد ودلعهم وقلة التزامهم. الكتاب يكاد ينسف الصورة القديمة المحفورة لهند رستم الدلوعة، الشقية، نجمة الإغراء، مارلين مونرو العرب، لتحل محلها صورة تلك العجوز التي لا تكف عن الشكوى وإسداء نصائح تجاوزها الزمن.
تحكي عن لطف فطين عبد الوهاب، وجدية صلاح أبوسيف، ثم وكأن هؤلاء لم يكونوا في الحكاية سوى لتمرير جملة وعظية من نوعية: “تخرجت في مدرسة الالتزام، وتعلمت على أيدي روادها العظام”. تمرر حكاية أخرى، ثم تعود: “ربما كان هذا الالتزام هو أحد أسباب ابتعادي عن الساحة الفنية، لأني لم أشعر بالراحة مع الجيل الجديد، لأنه لم يحافظ على المبادئ نفسها التي تربينا عليها، فمن الأمور الشائعة والتي أصبحت معتادة الآن أن يتأخر ممثل عن موعد التصوير بالساعات، لأنه يعمل في أكثر من فيلم ومسلسل وربما مسرحية في الوقت نفسه، وأنا لم أستطع أن أتحمل هذا أو أتعايش معه”.
فباستثناء الموت أو الإصابة، لا تقبل هند رستم أي أعذار للتأخير على التصوير “أنا نفسي دفنت أمي ثم ذهبت إلى الأستوديو في موعد التصوير”.
وتقول في سياق آخر، إن الوسط الفني كانت تسوده روح المحبة والود، أسرة واحدة مترابطة من دون حقد أو كراهية: “كنا أخوة، نصون بعضنا البعض، مثلاً في فيلم”رد قلبي" عشت موقفاً لا أنساه مع الفنان العظيم شكري سرحان. كنا نصور في البلاتوه، وجلست في انتظار تصوير مشهدي المقبل الذي ارتدى فيه بدلة رقص، ولاحظت أن شكري الجالس هو الآخر في انتظار تصوير المشهد ينادي على مساعدتي “اللبيسة” ويهمس لها ببعض الكلمات، فدخلت “اللبيسة” إلى حجرتي وجاءت بـ"روب" وضعته على جسمي". تعلق: “إلى هذا الحد كان الود والاحترام بين الفنانين، فقد كنت في النهاية أختهم التي يصونونها ويخافون عليها”.
ومرة أخرى تقول: “عندما استمع الآن إلى ما يحدث من بعض الفنانين، أو بالأدق المحسوبين على الفن، يغلى الدم في عروقي، النجم الفلاني يعطل التصوير بالساعات لأن عنده تصوير في عمل آخر، والهانم النجمة تعتذر عن التصوير لأن ملهاش مزاج. أسمع العجب عن دلع النجوم وعدم التزامهم، ولا أملك سوى أن أترحم على أيام زمان ونجوم زمان”.
وفى سياق ثالث ورابع تطل هند العجوز، على امتداد الكتاب، لكنها تتراجع أحياناً، مفسحة المجال لهند الأصلية لتطل وتحكي، وتتحدث بشقاوتها وصراحتها المعهودة عن نجوم عملت معهم، كاشفة أنه لم يكن زمناً يوتوبياً كما تحاول صورتها الأخرى أن ترسمه. كان أيضاً مليئاً بالمكائد ومحاولات الإيذاء. فإسماعيل ياسين مثلاً، ورغم إنه كان نجم الشباك وقتها، وكان الجميع يتمنى التعامل معه، إلا أنها حين عملت معه لاحظت خوفه منها، وتوترت الأجواء بينهما كثيراً في بداية فيلم “ابن حميدو”، أول أفلامهما معاً، وانسحب إسماعيل ياسين في أول مشهد، قائلاً إنها تتكلم مثل البغبغان ولا تعطي الفرصة لأحد بالتحدث. شعرت هند بالقهر: “أنا هند رستم ويجرؤ أحد مهما كان إنه يكلمني بالأسلوب ده؟! ونزلت دموعي، وأخذتني زينات صدقي على جنب وقالت: بتعيطي ليه يا عبيطة؟! إسماعيل عايز كده.. لأنه خايف تاكلي منه الجو وتسرقي الكاميرا.. هو ده نظامه”.
في المشهد التالي افتعل إسماعيل أزمة أيضاً، وأوقف التصوير. كان المشهد أن تأتي هند من خلفه وتمسكه من كتفه وتقول “هات السمكة يا حرامي”. وما إن مسّته هند حتى صرخ وكان حية لدغته “إيه ده؟! إيه العافية اللي في أيدك دي؟! كتفي يا شيخه”. وتوقف التصوير مجدداً، لكنها لم تعلق ولم تتوتر هذه المرة، فقد أدركت ما يسعى إليه: “هو شايف بنت حلوة، جسم زى الملبن، دم خفيف، كتفين عاريين، شعر أصفر، فقالك لازم أوترها حتى لا تسرق مني الجو”.
تحكى هند عن إسماعيل أيضاً أنه افتعل أزمة مع ممثل مغمور اسمه حسن أتله، وكان يقوم بدور مجنون في فيلم “إسماعيل يس في مستشفى المجانين”، وأراد إسماعيل أن يتخلص منه بسبب اللازمة التي يقولها “أصل أنا عندي شعرة ساعة تروح وساعة تيجي”. فأثناء التصوير، شعر إسماعيل أن تلك اللازمة ستنجح، فافتعل أزمة مع الممثل وصفعه على وجهه، لكن حسن أتله كان ذكياً، أو ربما مغلوباً على أمره، فلم يترك العمل، بل عندما أعاد المشهد، فاجأ الجميع بـ"صاجات"، ولم يكن ذلك موجوداً في السيناريو، ونجحت القفشة وما زالت تضحك الجميع حتى الآن.
لكن هند احترمت في إسماعيل ياسين أموراً أخرى. التزامه مثلاً، وحبه لفنه ولمنزله، ولم يعد يغضب منها إلا حينما تنتابها نوبات الضحك، والتي كانت غالبيتها بسبب زينات صدقي، التي كانت مشهورة بالارتجال: “في أحد مشاهد الفيلم التي تجمعنا لم أستطع أن أكمل الحوار لأني كنت أنفجر بالضحك، وأعدنا المشهد حوالى عشر مرات، فقد كانت زينات صدقي تفاجئني كل مرة بجملة جديدة من ابتكارها تضيفها إلى الحوار الأصلي من دون أن نكون متفقين عليها، وفى إحدى المرات قالت: يعنى هافضل طول عمري من غير جواز يا اخواتى؟! دا حتى مش كويس أبداً على عقلي الباطن! أنا سمعت”عقلي الباطن" من هنا وانفجرت من الضحك، وعندما أعدنا التصوير، فوجئت بحوار جديد!".
“أزهار وأشواك” كان عنواناً مناسباً جداً لأول أفلام هند رستم، ففيه بدأت رحلتها الفنية وحصلت على أول أجر -مئة وخمسون جنيهاً- وبعده أيضاً قاطعها والدها الذي كان رافضاً عملها في المجال الفني، واستمرت مقاطعته لها حتى تزوجت من الدكتور محمد فياض: “كلمني فقط لأني أصبحت زوجة طبيب نساء وتوليد مشهور”. بعدها شاركت في “غزل البنات” مع ليلى مراد وأنور وجدي، و"العقل زينة" مع كاميليا وزينات صدقي وعبد الفتاح القصري، و"بابا أمين" مع يوسف شاهين، ثم “الملاك الظالم” مع فاتن حمامة وكمال الشناوي، والذي شهد التعاون الأول بين هند رستم، وحسن الإمام، الذي تدين إليه بالفضل، وتقول إنه من صنع اسمها، رغم أنه قاطعها أيضاً بعدما خالفت عقد الاحتكار الذي وقعه معها، وكان يسميها “عند رستم” لعنادها الشديد.
عملت هند رستم مع مجموعة كبيرة من المخرجين، “أجنّهم” يوسف شاهين كما تقول، “أكتر واحد بهدلني في التصوير، كان مجنوناً بجد. في تصوير”باب الحديد" لقيته بيقولي: شوفي يا هند.. وأنت واقفة على سطح القطر وهو بيجري تروحي ناطة من عربية لعربية، ولما لقيته بيتكلم بجد انفجرت فيه: يا يوسف إنت عيان ولا إيه؟! إنت فاكرني هنومة بجد؟! أنط إزاي والقطر بيجري؟!.. كان مجنون سينما، لا يهمه شيء حتى لو الممثل حيموت قدام عنيه!".
في شهادتها عنها، تكشف ابنة هند وجهاً آخر من وجوه ملكة الإغراء، فتقول إنها رفضت أن تكون لابنتها أي علاقة بالفن بكل أشكاله، حتى الرسم. بل لم تستسغ عمل ابنتها أصلاً، رغم أنها كانت تعمل في أكبر بنوك القاهرة، وهي الوظيفة التي حلم بها أي شخص في ذلك الوقت، وكانت تقول لها: “أنت تنزلي تشتغلي ليه؟ عايزة الناس يقولوا هند رستم مش قادرة تصرف على بنتها ومنزّلاها تشتغل؟!”،
تقول ابنتها أيضاً إن هند كانت ترى أن الست جوهرة مصونة، لا تعمل ولا تهين نفسها في مواصلات، وكان لها منطق غريب في التعليم والعمل، فلم تكن تعترف إلا بالطبيب والدبلوماسي والمهندس، فإن لم تكن صاحب واحدة من المهن الثلاث، فأنت فاشل!
عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة
حقوق النشر
محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.
جريدة القدس العربي
السنة الثامنة والعشرون العدد 8592 الأربعاء 21 أيلول (سبتمبر) 2016 - 19 ذو الحجة 1437هــ
كمال القاضي - ناقد سينمائي مصري
هند رستم : مارلين مونرو مصر التي اكتشفها حسن الإمام وأحبها يوسف شاهين
رحلة صعود مثيرة قطعتها الفنانة هند رستم التي رحلت في سبتمبر/أيلول 2011، حيث بدأت مشوارها من أدوار الكومبارس لتصل بعد ذلك إلى قمة العرش السينمائي وتتربع عليه قرابة نصف قرن، اكتشفها المخرج الكبير الراحل حسن الإمام وأسند إليها عدة بطولات في أفلام مهمة، كان بدايتها فيلم «الجسد» وهو الذي أثار أزمة رقابية كبرى وقت عرضه لجرأته الشديدة، كما أثار الفيلم ضجة على جانب آخر، حيث كانت أفيشاته الأكبر حجماً والأكثر جذباً في تاريخ السينما المصرية، وفق شهادات مصممي الأفيش القدامى، فقد أراد المخرج أن يفجر قنبلة ببطلته الجديدة فأوصى بالإنفاق على الدعاية لضمان الانتشار وتحقيق أعلى الإيرادات في شباك التذاكر، وبالفعل نجحت هند كوجه جديد وارتبطت أدوارها في ما بعد بهذه النوعية من أفلام الإغراء، وقد ساعدت على ذلك طبيعتها الأنثوية ونعومة صوتها وقدرتها على توظيف قدراتها الشخصية والفنية بما يعطي انطباعاً بعدم الافتعال، ومن هنا حملت لقب مارلين مونرو مصر في مقارنة تلقائية بينها وبين النجمة العالمية المتخصصة في هذا اللون من الأداء الناعم مارلين مونرو.
وعلى عكس ما يظن الناس كانت هند رستم تضيق بهذا التصنيف الذي يحصرها في نمط واحد، وترى أن هذا الربط يظلمها كثيراً فهي تملك القدرة على أداء كل الأدوار ولكي تثبت ذلك قامت بدور مربية أو خادمة في واحد من أفلامها الجيدة، أظنه كان بعنوان «من أجل ولدي»، ثم قدمت نوعيات أخرى مختلفة تخلت فيها عن أدوار الإغراء والإثارة، وعلى رأس الأعمال التي توجتها على قمة النجومية فيلمها الأشهر «الراهبة «، حيث ظلت بملابس الراهبة طوال الأحداث في محاولة منها لتحدي نفسها ووضع قدراتها الفنية في بؤرة الضوء، ليتم الاعتراف بها كممثلة قديرة بغض النظر عن جمالها المتمثل في الشكل والقوام والدلال الذي لفت إليها انتباه مخرج الروائع حسن الإمام.
في بداية انطلاقها قدمت الفنانة الراحلة أفلاماً خفيفة مثل «إشاعة حب» مع النجم عمر الشريف ويوسف وهبي، إذ كانت تجسد دور فنانة مشهورة باسمها نفسه، يزعم عمر الشريف الشاب الخجول، وفق دوره، أنه متزوج منها كي يثير غيرة سعاد حسني. كما عملت النجمة الكبيرة مع فريد الأطرش وشادية وعبد السلام النابلسي دوراً مهماً أيضاً قامت فيه بدور غريمة شادية ومنافستها على وحيد أو فريد الشاب الغني صاحب الصوت الجميل محط أنظار الفتيات، وفي تقديري أن رصيدها من هذه الأفلام كان في فترة مبكرة نسبياً من حياتها قبل مرحلة النضج الفني، وهو ما خلق فروقاً في المستوى الأدائي لديها، حيث لا يمكن المساواة بين دور كهذا وأدوارها التالية في أفلام مثل «صراع في النيل» أو «باب الحديد» ففي الأخير على وجه التحديد تفردت هند في أدائها فقد استطاع يوسف شاهين أن يقلب موهبتها على كل الأوجه فيستفيد من تلقائيتها ويستغل كل طاقاتها كفنانه موهوبة لديها القدرة على التلون فهي هنومة البنت الدلوعة بائعة الكازوزة التي ترى تأثيرها في عيون الطامعين فيها فتستغل ذلك لصالحها وتلعب على كل الحبال، وفي الوقت نفسه لا يميل قلبها إلا لـ»أبو سريع» فريد شوقي فتوة محطة السكة الحديد وزعيم الشيالين فيها، بينما هي أيضاً تستشعر رغبة «قناوي الأعرج» يوسف شاهين فيها ولا ترده لأنها تستفيد منه.
في فيلم «باب الحديد» لم تقدم هنومة إغراء صريحاً بمعنى أنها لم تجتمع بأي من الأبطال في غرفة نوم مثلاً أو ترتدي ملابس ساخنة محظورة رقابياً، ولكنها تمكنت من إقناع المشاهد بأنها بنت لعوب تصطاد الرجال لتوقعهم في غرامها وتلعب بالبيضة والحجر، وهذه هي الميزة الأساسية في فنها وأدائها وإمكانياتها الفنية اللا محدودة، وربما ظهرت هذه القدرات كذلك في فيلم «صراع في النيل» فقد لعبت دور راقصة الموالد، من دون أي خدش للحياء أو الترخص في استغلال مفاتنها مثلما تفعل ممثلات أخريات لهن التأثير الجسدي نفسه لكن يفتقدن الموهبة.
كانت الفنانة في أيامها الأخيرة وبعد سنوات اعتزالها تأسى على أيام شبابها وتنعى بمرارة زمن الفن الأصيل، حيث الدخول إلى حلبة المنافسة والنجومية بدون وساطة ولا محسوبية، إذ لا يحظى الممثل بشرف تمثيل بلاده في المهرجانات الدولية إلا بعد تمرسه ونجاحه محلياً وإجازته نقدياً والإجماع على أنه موهوب، فبغير هذه الشروط لا يتم اعتماده فنانا على عكس ما يحدث الآن من تصعيد وجوه جديدة لا تمتلك الحد الأدنى من الاستعداد.
تلك واحدة من القضايا التي كانت تشغل الفنانة القديرة وهي من ثقفت نفسها بنفسها وتعلمت اللغتين الإنكليزية والفرنسية وأجادتهما إجادة كاملة وتحدثتهما بطلاقة، فلم تكن هند رستم تشأ أن تترك في حياتها نقيصة لذا عوضت ما فاتها من التحصيل الدراسي ودخول الجامعة بالقراءة والاطلاع وتفوقت على غيرها ممن منحتهم الحياة فرصا أكبر وحياة أفضل، ورغم ظروفها الصعبة وكفاحها للوصول للقمة لم تشعر الفنانة والنجمة الكبيرة أن شيئاً ما ينقصها وعاشت حياتها قانعة راضية بما أصابته وحققته، حتى بعد تقدمها في السن واعتزالها التمثيل لم تكتئب ولم تفارق الابتسامة وجهها.
عدد المقال في جريدة القدس العربي بالـ pdf
صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.
الجمعة، ١٦ مارس/ آذار ٢٠١٨
جريدة الحياة
هيام الدهبي
ذكريات لا تُنسى مع هند رستم
«كانت أول نجمة تفتح لي بيتها وقلبها... كنت يومها في فجر مشواري مع الصحافة وفوجئت بترحيبها وموافقتها بلا شروط، فالذين يعرفون هند رستم (1929-2011) عن قرب يدركون أنها «زبون لقطة»، إضافة إلى سحرها وشهرتها وغناها كفنانة. فهي تلقائية في صورة مدهشة. تجيب بلا تحفظات ولا حساسيات أو حسابات، فما تقتنع به تقوله وما تؤمن به تعلنه. ولم تكن أعمالها تسلم من صراحتها فتنتقد نفسها ببساطة كما ينتقدها آخرون وتعترف من دون تردد بأن هناك أفلاماً قامت ببطولتها لكنها لا تحبها ولا تفخر أنها في رصيدها الفني».
هكذا بدأ الناقد الفني أيمن الحكيم بسرد ذكرياته مع الفنانة هند رستم (مارلين مونرو الشرق) في كتابه الصادر حديثاً عن دار الكرمة للنشر.
قالت هند في مذكراتها التي ينقل الحكيم بعضاً منها: إن «الصدفة وحدها هي التي قادتني إلى طريق الفن، الذي لم أتخيل أنني سأسير فيه حتى النهاية... وكان أول أجر حصلت عليه مئة وخمسين جنيهاً عن مشاركتي في فيلم «أزهار وأشواك» (1947). ثم شاركت بعد ذلك في بعض مشاهد من فيلم «غزل البنات» مع ليلى مراد وأنور وجدي ونجيب الريحاني وبعده فيلم «العقل زينة» للمخرج حسن رضا وهو الفيلم الوحيد الذي أخرجه لها».
حسن الإمام صانع هند
وتضيف هند رستم في هذه المذكرات: «شاركت في فيلم «الملاك الظالم» في العام 1954 مع فاتن حمامة وكمال الشناوي من إخراج حسن الأمام وللحق هو الذي صنع اسم هند رستم... فقبله كنت مجرد ممثلة ناشئة تؤدي الأدوار الثانوية ولا يشعر المخرجون بموهبتها وهو الذي فجر الطاقات المدفونة داخلي، ثم أعطاني دوراً أكبر في فيلم «بنات الليل» 1955، والذي نجح نجاحاً كبيراً زاد من رصيدي لدى الجمهور وعند حسن الإمام نفسه، ما جعله يسند إلي في العام ذاته دور البطولة في فيلم «الجسد» أمام فاطمة رشدي وحسين رياض وكمال الشناوي وسراج منير وقد عملت مع حسن الإمام 14 فيلماً.
مخرجون في حياتها
وتتابع هند: «عملت مع حسام الدين مصطفى وكان عائداً من أميركا بعدما درس الإخراج هناك وشاركت في أفلام «ست البنات» مع رشدي أباظة وفيلم «بافكر في اللي ناسيني» مع شكري سرحان وزهرة العلا و «نساء وذئاب» مع عماد حمدي وحسن يوسف ولكن الفيلم الذي حقق نجاحاً جماهيرياً لافتاً هو «رجال في العاصفة» مع محمود المليجي وحسين رياض... وقد كان حسام الدين مصطفى لطيفاً في معاملته ويبسط الأمور ويساعد الفنان على إخراج كل طاقاته. كما شاركت مع صلاح أبو سيف بفيلمين «لا أنام» و «بين السما والأرض»، وهو شخص هادئ الطباع قليل الكلام ولكن كانت نظرة واحدة منه تكفي لرعب أي فنان مهما كان خاصة إذا كان غير جاد في العمل.
«وأيضاً عملت مع يوسف شاهين في أفلام «بابا أمين» و «انت حبيبي» و «باب الحديد». أما فطين عبد الوهاب فقد شاركت معه في 8 أفلام من أشهرها: «ابن حميدو»، و «إشاعة حب» و «اعترافات زوج».
وأوضحت هند في مذكراتها: «كان إسماعيل يس نجم النجوم في زماننا وكان العمل معه حلماً لأي نجمة في جيلي وكان أول لقاء بيننا في فيلم «ابن حميدو» ثم فيلم «إسماعيل يس في مستشفي المجانين» وفي تصوري أن سبب نجاحه المستمر إلى يومنا هذا على رغم غيابه أنه كان يقدم لوناً متميزاً ومتفرداً لا يمكن تقليده، لوناً محبباً للصغار والكبار معاً».
قالوا عنها
قال عنها الشاعر عبدالرحمن الأبنودي: «هند رستم... الصورة التي لا تبارح القلب»، بينما قال الناقد السينمائي سامي السلاموني: «هند رستم لا حدود لقدرتها الطبيعية وغير المفتعلة ولا حدود قبل ذلك لقدرتها على إقناعك بأنها ممثلة أولاً وأنها تؤدي شخصية مرسومة جيداً وليست مجرد جسد بلا موهبة». وكان المخرج حسن الإمام يقول عنها دائماً «دي مش هند رستم دي عند (من العناد) رستم».
أما الفنان الأميركي دين مارتن فقال: «أروع ما أحببت في مصر هند رستم والشيشة»، وأما الناقد الفني طارق الشناوي فيقول «النظرة الضيقة لهند رستم هي أن نقول إنها تساوي الإغراء. الصحيح أن نقول: هند رستم تساوي الأنوثة». بينما هي نفسها ترى أنه لا توجد ممثلة يمكن اعتبارها امتداداً لهند رستم، لا في مصر ولا خارجها. «من الممكن أن تظهر ممثلة أفضل، لكن لا يمكن أن تكون نسخة ثانية مني».
جريدة الحياة
“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.
منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.
اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.
تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.
باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.