العصر الذهبي للإسكندرية، جون مارلو - ترجمة نسيم مجلي John Marlowe

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ٥ أبريل/ نيسان ٢٠١٤
جريدة الحياة
القاهرة – هيام الدهبي


كتاب «العصر الذهبي للإسكندرية» في نسخة عربية


صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة كتاب «العصر الذهبي للإسكندرية»، من تأليف جون مارلو وهو باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات بين دول المنطقة والقوى الدولية الأخرى وقام بترجمته إلى العربية نسيم مجلي.

يقول الكاتب في مقدمة كتابه الذي يؤرخ للإسكندرية خلال العصر البلطمي: إنه في القرن السابع، وقت الفتح العربي، كانت الإسكندرية لا تزال أجمل مدن العالم فقد كانت الإسكندرية منذ أن أنشأها الإسكندر الكبير في عام 331 ق.م حتى غزاها أوكتافيوس قيصر في عام 30 ق.م عاصمة لإمبراطورية عظيمة، كما كانت المركز الثقافي والاجتماعي للعالم الهللينستي، مركز الجاذبية الذي تأتيه الثروات المادية من آسيا وأفريقيا، وتنجذب إليه كل مصادر الثقافة والفكر من كل بلاد الإغريق، إذ كانت هي مصدر الطاقة المحركة التي تحول هذه الثروة إلى حضارة وتنشرها عبر البحر الأبيض المتوسط، وحتى بعد أن انتقل مركز الجاذبية غرباً إلى روما، فقد بقي للإسكندرية تفوقها وسيادتها الفكرية والثقافية، وظلت كما هي البوابة الرئيسة التي يمكن من خلالها أن تنتقل الثروة المادية بل والأفكار الروحية وتراث الشرق إلى ما كان يسمى آنذاك العالم الروماني للبحر المتوسط، وحتى في القرن الرابع الميلادي، حين انتقل مركز العالم شرقا إلى بيزنطة، تحت تأثير غزوات البرابرة الغربيين، فإن روما الجديدة القائمة على مضيق البوسفور لم تكن سوى انعكاسة باهتة للمدينة الأقدم على الشاطئ المقابل للبحر المتوسط على رغم كل السمعة والرعاية التي كان يغدقها القصر الإمبراطوري على تلك المدينة، وأدت الصراعات الاجتماعية وسوء الإدارة الحكومية، والوضع الإقليمي، وربما الحياة الرتيبة المملة نتيجة تفتت بعض الثوابت اليقينية للعصر الهللينستي الوثني، ونتيجة لتغلغل فلسفة التشاؤم القادمة من بلاد الهند وبابل، كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تآكل ثروة الإسكندرية، وأسلوبها البطلمي في النظر إلى الأمام وإلى المستقبل ثم التطلع خارجاً إلى حوض البحر المتوسط، بل وحتى حدودها الطبيعية وفخامة مبانيها تآكلت أيضاً.

ويضيف مارلو: لكن من الناحية العقلية، كانت الإسكندرية لا تزال في موقع السيادة، فتغلغل روح التشاؤم الشرقي التي ساهمت في اضمحلالها مادياً، اتحدت مع العقلانية الهللينستية الصارمة فأنتجت تلك الخميرة الدينية التي سيطرت على الحياة الفكرية والحياة السياسية في عالم الرومان طيلة القرون الستة الأولى للمسيحية، فالمدينة التي كانت في عصر البطالمة، تقود العالم في ميادين الاكتشافات العلمية، وفي مجال الثقافة الهللينستية عامة والتي كانت تعتبر أن الإنسان معيار كل شيء صارت الآن مركزاً للتأملات العميقة حول طبيعية الكون.

ومن ثم فقد جرت في الإسكندرية الرومانية عملية تهذيب لكتابات وتقاليد وعقائد المسيحية البدائية وتلطيفها بحيث تحولت إلى عقلانية حاذقة بل وإلى سلاح سياسي أسهم في تزويد المسيحيين بسيوف من أجل الهجوم وبدروع من أجل الدفاع ضد الوثنية والهرطقة على مدار 126 عاماً بين مجمع نيقية في عام 325 ومجمع خلقيدونية في عام 451 فقد كانت الإسكندرية هي مركز المسيحية الأرثوذكسية، كما كانت من قبل مركز الوثنية الهللينستية، لكن انتصار آثناسيوس أكمل عملية التراجع الإغريقي والتقدم المصري إلى حاضرة الإسكندرية، لم يعد عقل المدينة يتطلع إلى الخارج، إلى ما وراء جزيرة فاروس وإلى أرض اليونان وايونيا حيث يسود فكر الاعتدال بل استدار إلى الداخل تجاه صحاري طيبة وجزيرة العرب، فالانشقاق الذي حدث في أعقاب مجمع خلقيدونية كان تأكيداً سياسياً لقرار ثقافي وفكري تم اتخاذه مسبقاً، وكان هذا علامة ظاهرة وملحوظة لبداية النهاية بالنسبة للعصر الذهبي للإسكندرية.

ويكمل مارلو: والآن لم يبق هناك شيء فوق سطح الأرض من الإسكندرية القديمة وفي ذات الموقع، إلا العمود المرتفع هناك، المعروف بعمود بومبي في البقعة التي كان فيها معبد السرابيوم العظيم، واختفى كل شيء آخر تقريباً، ودفن تحت ماء البحر أو تحت الرمال وتحلل إلى طمي في مياه النيل، وتم استخدامه كمواد للبناء أو ربما سلبه الغزاة الأجانب كغنيمة حرب، بل حتى موقع المتحف والمكتبة لم يعد معروفاً بصورة مؤكدة، واندثر معظم الأدب البطلمي وما بقي منه وجد معظمه في ترجمات لاتينية أو عربية، لكن الإسكندرية ظلت لمدة ألف عام، أعظم مدن العالم في وجه أو أكثر . فقد كانت أعظم الموانئ، ومركز التجارة العالمية، بل مجتمع التسامح الذي لا يرقى إلى مستواه مجتمع آخر، فقد استحوذت في متحفها وفي مكتبتها على أعظم كنوز المعرفة الأكاديمية والبحث العلمي.

ويختتم الكاتب جون مارلو قائلاً: شأن الإسكندرية شأن كافة المدن في مصر، ترى المدافن فيها أكثر عدداً وأصدق إفصاحاً من أي نصب تذكارية حية في الحياة اليومية، وبينما لا نعثر على أي أثر باق للفنار أو للقصور البطلمية والمكتبة والمتحف والجمنازيوم وبقية المباني العظيمة الأخرى للمدينة البطلمية، أو من آثار المعابد والكنائس والمباني العامة للمدينة الرومانية، فإن آثار المدافن التي كشفتها الحفريات خارج أسوار المدينة تغطي فترة حياة المدينة القديمة، منذ إنشائها حتى الفتح العربي.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)