السلفي، عمار علي حسن (مصر)، رواية الدار العربية للكتاب 2014

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الإثنين، ٧ يوليو/ تموز ٢٠١٤
جريدة الحياة
عايدي علي جمعة


«السلفي» رواية الاختلاف الذي ينتهي قتلاً بلا رحمة


ينهض عنوان رواية «السلفي» (الدار العربية للكتاب) للكاتب المصري عمار علي حسن بمهمة بث دلالته على نص الرواية نفسها، وهنا يبدو التواؤم بينهما. وفي الوقت نفسه تتجاوب هذه الرواية مع السياق الاجتماعي الذي يمر به العالم العربي عموماً، ومن ضمنه مصر، بحيث يبدو الاتجاه السلفي ذا حضور فاعل.

تنهض الرواية بتفكيك مقولات هذا الاتجاه من خلال حوار بين الراوي والمروى عليه (الابن) الذي اتبع فكر السلفيين وذهب إلى جبال أفغانستان ليتدرب على أفعال القتل والتخريب. المواجهة الفكرية بين الراوي والابن نهضت على تفكيك مقولات الأخير، عبر جانبين مهمين: الأول هو أن من يظنهم السلفي مستحقين القتل يكشف الراوي الجانب الإنساني المشرق في شخصياتهم. والثاني قام على فهم الراوي طبيعةَ الدين السمحة، ومن ثم مقارعة أفكار المروى عليه بما يكشف خللها، وذلك من خلال اعتماد الدين نفسه محوراً جوهرياً في هذه المناقشة.

تتخذ الرواية من إحدى قرى صعيد مصر فضاء محورياً لها، وهناك أيضاً عتبات بيوتها (21 عتبة) وكل منها يقوم مقام فصل من فصول الرواية. ولا يخفى ما تستدعيه كلمة «العتبة» من بُعد ديني. ومن ثم، فإنها تلمح بطرف خفي إلى روحانية الإنسان، وأنه لا يستحق أبداً القتل على يد أخيه الإنسان بسبب اختلاف وجهات النظر. هذه النقطة بالذات هي الجوهر الصلب في هذه الرواية، والحجة الدامغة لأفكار المتشددين الذين يمارسون القتل بلا رحمة.

وهذه العتبات المختلفة هي نموذج للإنسان في كل زمان ومكان، ونموذج لعملية الاختلاف الذي يسوده التسامح مهما كان هذا الاختلاف في الدين والمذهب والرؤية والمزاج. لقد وضع الراوي/ الأب نصب عينيه أن يكشف بخبرته وسعة أفقه عن الجانب الإنساني لكل بطل من أبطال كل عتبة للمروى عليه/ الابن. وتبدو مهمته الأساسية متجسدة في الكشف للمروى عليه/ الابن عن الضلال الرهيب الذي هو عليه، في تكفيره للآخر، ونهوضه بقتله وهو في قناعة تامة بأنه على حق والآخر على باطل.

وكشف صوت الراوي عن خلفية ثقافية كبيرة ومعرفة بأحداث محيطه وناسه وخلفية اجتماعية أيضاً مما كان له أبلغ الأثر في تفكيك مقولات السلفي المتشدد، وكانت الدلالة المركزية هي الهجوم الحاد على الفكر السلفي الذي يعيش في تقوقع داخل ذاته، وتكون وسيلته مع الآخر المختلف معه هي تكفيره واستباحة دمه. لقد بدت شخصيات العتبات في هذه الرواية معجونة بطين أرض مصر، في منطقة الصعيد، وبدت عملية انحياز الراوي إلى البسطاء والمهمشين في هذا المجتمع. وقد بدا الفقر والحرمان والمعاناة سمة عامة تغلب مظاهرها على معظم شخصيات الرواية.

كما أن عملية الاستدعاء لهذه الشخصيات جاءت من الماضي الذي عايشه الراوي، وخبره، فهو يحكي عن معرفة اختبرها في الغالب، ولم يعشها المروى عليه، بسبب حكم السن، لكنّ بعض الشواهد والآثار تنطق بما كانت عليه هذه الشخصيات. من هنا، فإن البنية الزمنية للرواية تقوم على استحضار الماضي من خلال عمليات الارتداد الكثيرة في كل عتبة أكثر من استحضار المستقبل.

فمعظم شخصيات كل عتبة قد انتهت حياتهم، أو وصلوا إلى درجة متقدمة في السن، وبقيت آثارهم شاهداً عليهم. وربما يشير الرجوع إلى الماضي بطريقة ما إلى طبيعة السلفي الذي يعيش في سجن الماضي ذي الجدران الإسمنتية المصمتة، ولا يحسن إصاخة السمع إلى صوت الحياة العميق، وليته يكتفي بفعل ذلك، ولكن الطامة الكبرى هي تلك المحاولة الدؤوب منه لفرض رؤيته للعالم على المجتمع، ومحاولته المستميتة في إيقاف حركة تطوره، بل وجره إلى الوراء حتى يعيش في عصر غادر هذه الحياة منذ أمد بعيد.

كما أن البنية الزمنية فيها هي أقرب إلى البنية الدائرية، ففي كل عتبة تتحرك من نقطة ماضية في تاريخ شخصيتها المحورية حتى تصل إلى الحاضر، ثم لا تلبث في العتبة التالية أن ترتد إلى تاريخ شخصية أخرى حتى تصل إلى الحاضر، وهكذا في كل عتبة من عتبات الرواية الإحدى والعشرين.

وعلى رغم أن الرواية تكتفي بإحدى وعشرين عتبة، فإن نهايتها مفتوحة لتستوعب كل شخصية وردت في هذه الحياة، لأن شخصيات العتبات نماذج للإنسان وليست حصراً له. من هنا، فإن الصراع الفكري كان هدفاً أساسياً لرواية «السلفي» لعمار علي حسن، حيث نهض هذا الصراع بكشف الأساس الهش الذي تقوم عليه الأفكار المتشددة للشخصية السلفية في هذا العصر.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)