الرجل السؤال، فتحية ناصر (البحرين)، رواية

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
15 يونيو/ حزيران 2015، العدد : 9949، ص 14
الصفحة : ثقافة
جميل الشبيبي


فتحية ناصر تضع الرجولة في شراك الأسئلة الشائكة


يقتضي الإهداء “إلى جبران خليل جبران وماري هاكسل وليتل ميرميد”، في رواية الكاتبة البحرينية فتحية ناصر الموسومة بـ"الرجل السؤال"، والصادرة عن “المؤسسة العربية للدراسات والنشر”، ملاحظة تلك الصداقة المدهشة التي ربطت الشاعر جبران خليل جبران بماري هاكسل طيلة أيام حياته التي قضاها في المنفى، وتسرد هذه الحكاية المدهشة، تعلق ذكر وأنثى ببعضهما البعض، على الرغم من كل الظروف التي أحاطت بهما.

لم يمنع فارق العمر بين جبران خليل جبران وماري هاكسل، التي كانت تكبره بعشر سنوات، ولا طبيعة الشكل من أن يكونا روحين شقيقتين وكأن كلّا منهما تعرف على الآخر منذ آلاف السنين. وتبدو هذه العلاقة استثنائية عصية على التحقق في عالمنا المعاصر على الرغم من التقدم الهائل في وسائل الاتصال والحريات المتاحة للبشر خصوصا في العالم الأوربي المتمدن، فكيف يمكن لعلاقة من هذا النوع أن تنشأ في عالمنا العربي الذي يتعرض كل يوم إلى هزة تدفع به نحو الخلف، نحو عصور التخلف والضياع والخوف من الآتي؟

صداقة الرجل والمرأة

على الرغم من كل ذلك تعمد الروائية البحرينية فتحية ناصر على طرح هذه الإشكالية في روايتها “الرجل السؤال” عبر أسئلة إشكالية عن علاقة الأنثى بالذكر، باعتبارهما جنسين طبيعيين يكمّل أحدهما الآخر بالاقتران الطبيعي وإمكانية إبرام صداقة، بعيدا عن الجنس، بينهما في العالم المعاصر من خلال سؤال إشكالي في بداية الرواية “هل هناك صداقة بين الرجل والمرأة؟”.

نلاحظ أن الروائية فتحية ناصر تبني عالما افتراضيا قائما على علاقات متجانسة بين الرجل والمرأة لتختبر من خلاله جدوى هذه العلاقة وإمكانية تحققها في عالم واقعي وصادم يرى في المرأة كيانا قاصرا تحتاج إلى من يوجهها ويهديها سواء السبيل، وعلى وفق ذلك، تنتهي هذه ألتجربة إلى الفشل بإقرار صريح من الساردة “كل ذلك زيف وخداع”. والحقيقة انه لا توجد صداقة بين الرجل والمرأة، كما بينت ذلك في نهاية الرواية.

وهي نتيجة متوقعة في مجريات الواقع المعيش لمجتمع مغلق على تابوهاته في منطقة الخليج وغيرها في عالمنا العربي الواسع بفشل علاقة الصداقة والحب أيضا، لكن الروائية من خلال هذه العلاقة المفترضة تعمد إلى نشر قذارات غسيل هذه العلاقة غير المتكافئة في الهواء الطلق، على خلفيات ثقافية وحياتية تتعمق وتتقدم كل يوم في عالم متحرك وكاسح لكل فاسد وقبيح.

تستثمر الروائية سردا محمّلا بالأسئلة والتأمّلات، على خلفية حكايات مقتضبة، تهتمّ بماضي العلاقة بين رجاء وعلي، وأيضا بالحياة الشخصية التي عاشتها رجاء في بيئة بحرينية محافظة، تمردت عليها وعلى كل قوانين العائلة والمجتمع واختطت لها طريقا خاصا لتصبح مغنية دون مبررات سردية فنية مقنعة في متن الرواية، بل من خلال حذف متعسف لإشكالات البيئة الروائية، التي نتعرف عليها من خلال معاناة أمها في مجتمع الحريم ببيت أبيها، والساردة إذ تكثف حياة طفولتها بمشاهد دالة على عالم ساكن، تتحكم فيه تابوهات دينية واجتماعية قاهرة، فإنها في الآن ذاته تعلن عن حياتها الجديدة في مجتمع أرستقراطي نقيض.

في مثل هذا المجتمع يمكن لرجاء أن تتحرك وتعمل بالشكل الذي يسمح لها بطرح أسئلتها عن حدود حرية المرأة: حبها، إمكانية صداقتها مع رجل، وعن أسئلة أخرى تتعلق بحياتها في مجتمع هجين، حاضره يتعايش فيه عالمان نقيضان، يعيش أولهما الماضي بكل قداسة تابوهاته وقدرتها على شلّ حركة الناس وخاصة المرأة التي تبدو مستهدفة بشكل خاص، ويمثله أبوها وأمها، وزميلتها هاشمية في المدرسة الثانوية، ويتجلى العالم النقيض في رجاء المغنية التي هربت من أهلها وماضيها لتعيش حياة مرفهة خالية من المنغصات مع زوجها نادر، الذي لا يهتم بوجود غشاء البكارة عند زوجته، ثم الصديق علي، الذي ارتبطت معه رجاء بصداقة طويلة الأمد، ثم انتهت بالفشل، من وجهة نظر رجاء التي طرحت هذا السؤال في بداية الرواية.

حين تصبح الأنثى امرأة

تمثل رواية “الرجل السؤال” معضلة الأنثى حين تصبح امرأة “لا تولد المرأة امرأة وإنما تصبح امرأة” كما تقول سيمون دي بوفوار فمفردة امرأة من مصطلحات العصور المتخلفة ويعني ذلك “أن المرأة تولد أنثى، أي كائنا مختلفا عن الذكر، ثم تصبح امرأة، أي كائنا دونيا يحتل مرتبة اجتماعية أدنى من مرتبة الرجل. بتعبير آخر، لا يجب اعتبار دونية المرأة نتيجة حتمية لأنوثتها البيولوجية، إنما قرار اجتماعي يحوّل الأنوثة إلى دونية”، كما يقول الناقد عبدالصمد الديمالي.

تكشف هذه الرواية أزمة رجاء بطلة الرواية التي هربت من ماضيها وانتمت إلى مجتمع منفتح يوفر لها حرية الحركة والسفر والصداقة دون شكوك وتابوهات، لكنها تبقى أسيرة ماضيها، الذي يؤمن بضرورة فرض الحجاب “على جميع النساء حتى ولو بالإكراه، تماما مثل إيران”، وزواج المتعة الذي يؤرقها وهي تتساءل “أيعقل أن يقبل الدين العبث بكيان الأسرة ومفهومها بهذا الشكل؟ مستحيل”.

ثم “إن كان ذلك الولد شرعيا فلماذا لا يحق له أن يرث أباه”، وهي تؤمن أن غشاء البكارة لا يعني شيئا لها، لكنها تذكر قول زميلتها هاشمية “لو لم تكن تعني الطهر لما خلقها الله لا تظني أن الله خلقها اعتباطا”، وهو رأي يتطابق مع إصرار صديقها علي “أن هذا الغشاء يجب أن يصان ويحفظ للشخص الذي يستحقه”. تبدو علاقة علي مع رجاء علاقة غير متكافئة، تحكمها قوانين المجتمع الرجولي، وخلال الرواية، كان علي يعيش عالمه كما يريد، فصداقته مع رجاء لم تكلفه انتقاصا من شخصيته أو معاناة أو مكابدة من أي كان، بل إنه كان سعيدا بهذه الصداقة التي وفرت له كل ما يريد وصولا إلى جسد صديقته رجاء، وكان حرا في اختياراته، حتى أنه لم يتردد في إخبارها بزواجه من امرأة لا يحبها، وحين تعمد إلى قطع علاقته بها، فإنه صار لا يسأل عنها ولا يحرص على إدامة علاقته بها، وبهذا المعنى، تقدم الروائية صوتا سلبيا وأنانيا مخلصا لذاته دون غيرها متمثلا في علي، في حين تضع على لسان رجاء أسئلة إشكالية عن هذه العلاقة غير المتكافئة والمتوارثة منذ قرون وقرون. التي تجعل المرأة تابعا والذكر قيما عليها وعلى تصرفاتها وأفكارها.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)