الراويات، مهى حسن (سورية)، رواية دار التنوير

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الأحد، ٢٦ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٤
جريدة الحياة
هيفاء بيطار


«راويات» مهى حسن في حضرة المونولوغ


لا يهم الحدث في رواية مهى حسن «الراويات» (دار التنوير)، لأنّ الرواية أشبه بمونولوغ داخلي بين الكاتبة وذاتها. هي تشعر بأنها تعيش حياتين منفصلتين، الأولى واقعية بنمطيتها واحتياجاتها بينما الثانية هي حياة مُتخيلة، غنية، كثيفة، تعادل عشرات الحيوات الخارجية المرئية. تتفاعل الكاتبة مع العالم الخارجي بطريقة خاصة، بحيث تأخذ منه ما تريد وتُطوّعه كما ترغب، فتُدخله إلى عالمها الداخلي الغني والمُزدحم بالأفكار والقصص وبراعم حكايات تنتظر أن تتدفق على الورق قصصاً. أما العالم الداخلي فابتدعته الكاتبة بنفسها ولنفسها، وهو أشبه بمعمل للكتابة وإنتاج القصص والروايات، علماً أنه العالم الأكثر صدقاً وحقيقية وتعبيراً عن الكاتبة.

تُغامر مهى حسن في روايتها الجديدة عبر استخدام لعبة روائية مميزة ومُبتكرة، فتمزج المُتخيل بالواقع حتى تتلاشى الحدود بين الواقعي والمُتخيل. ومن الصفحات الأولى، تشدّنا الكاتبة بتلك العلاقة المُتخيلة بين رجل يعرض على بطلة الرواية (الكاتبة) أن تتفرّغ للكتابة وأن تحقق ذاتها عبر إنجاز رواية خاصة بها. فيعرض عليها ترك عملها مقابل مبلغ يؤمن لها حياة كريمة، أما هو فيكتفي بسعادة يشعر بها كونه ساعد امرأة على تحقيق حلمها، ولأنه التقى بامرأة جعلته يحلم. فهو لا يريد امرأة من لحم ودم ولا يتطلّع إلى ممارسة الحبّ معها، لأنه يعتقد أن فعل الجنس يقتل الحلم والشغف. فقط، يريد امرأة تجعله يحلم.

تُدخل الكاتبة نفسها تحت عدسة المجهر الإلكتروني لنراها تكشف - بطريقة تحليلية آسرة - علاقتها بالكتابة وفنّ القص. فأعماقها تزدحم بشخوص قصصها كأنهم يعيشون في داخلها. وهي ما أن تُغلق باب العالم الخارجي (الآخر) حتى تجلب العالم إليها، أو إلى غرفتها، لتعيش حالة من الشغف والوجد بالكتابة. إنها مسكونة بهوى يهيمن على روحها وكيانها يُسمى «هوى الكتابة»، وتتماهى مع فعل الكتابة مكتشفةَ متعة ونشوة من نوع خاص، نشوة روحية وجدانية عميقة تفوق النشوة الحسية.

وهم الشهرة

في فصل «وهم الشهرة» تتطرق مهى حسن إلى موضوع بالغ الأهمية، إذ تقول على لسان الكاتبة/ بطلة الرواية: «تحولت حياتي إلى (لا حياتي) بعد الكتاب. صرت شخصاً آخر، صرتُ أحتاج إلى لحظات استرخاء خاصة بي، كأنني تحولت إلى آلة، أزرارها مُلك للآخرين. أحدث كتابي ضجة كبيرة، ترجمات، دعوات للسفر، ورشات كتابية، ندوات تلفزيونية، كاميرات، صحافة، عقد تحويل الرواية إلى السينما. صرتُ شخصاً آخر لا يهتم الناس كثيراً بما كتب، بل يتقربون منه لتعلّم وصفة النجاح والشهرة.

تكشف الكاتبة الستار عن أمراض أو فساد الوسط الثقافي الذي يفرض بطرق غير مباشرة ، بل وأحياناً بطرق مباشرة، وصفة الرواية المطلوبة جماهيرياً والناجحة تجارياً، وتحرّض لدى الكثير من الكتاب هوس تناول مواضيع معينة لإرضاء مسؤولين ثقافيين وإعلاميين ورسميين، يهبون جوائز سخية لمن يرغبون من الكتّاب، ويرسّخونهم كقيَم ثقافية وفكرية من غير أن يجرؤ أحد على انتقادهم. ففي دهاليز الأوساط الثقافية ثمة من يصنع كتاباً «نجوماً» مثل نجوم الفن والطرب، بينما تُهمل مواهب كثيرة أصيلة، متميزة، عالية الموهبة، فتُغلق في وجهها أبواب الشهرة، بل وأيضاً نوافذ الإعلان عن نفسها. كم من كتّاب لا يستحقون شهرة حصلوا عليها بدعم من جهات ثقافية وحكومية معروفة؟ كم من كاتب حاز جوائز أدبية رفيعة لا يستحقها؟ ألا يجب تطهير الأدب من سلطة الرقيب والمسؤول الثقافي والناشر، والشروط المطلوبة لتحقيق ما يسمى الأكثر مبيعاً؟! ألا يجب أن تكون القيمة - كل القيمة - وكل الدعم للموهبة الأصيلة غير المغشوشة والتي لا تُعبر إلا عن صاحبها؟ كم من كاتب أو مثقف تحول إلى مثقف مُقاول يُثمن أفكاره ويفبرك شعراً أو نثراً وفق مواصفات معينة ليحقق شهرة زائفة ويقبض ثمن أفكاره.

تتطرّق الكاتبة في الفصل الأخير من الرواية الى ثورة 25 يناير في مصر، وتصف ببراعة تلك الحالة من البكاء النادر الذي تسببه كيمياء الفرح والدهشة. فبطلة قصتها ترى تظاهرات حاشدة يتشارك فيها مصريون ثائرون ضد كل أشكال الاستبداد وهم يردّدون عبارات رائعة من ابتكار الشعب المصري نفسه. ووصفت روعة الشابات المشاركات في الثورة المصرية، إذ تطرح عليا، إحدى بطلات الرواية، سؤالاً رائعاً وعميقاً: لو أنّ الزعماء يقرأون الروايات لتغيّروا وتغيّرت مصائر بلادهم وشعوبهم. فالروايات تفتح آفاق المُخيلة وتوسّع احتمالات العيـش وتطرح الحلول المتنوعة وتخلق الجمال والتواصل بين البشر. شهرزاد مثلاً قاومت الموت بالحكاية، هكذا هي الرواية تُخفف ثقل الوجود. وهنا أترك للكاتبة أن تعبّر عن علاقتها بالكتابة في السطرين الأخيرين من الرواية بقولها: «عبر الكتابة، تحرّرت أعماقي، وخرجت إلى الضوء. وعبر الكتابة، كتابتي لا كتابة غيري، امتلكت أعماقي المنبوذة شرعية الضوء والخروج إلى الملأ».

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)