الجنس الثالث، جمانة حدّاد (لبنان)، رأي

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
السنة السابعة والعشرون ـ العدد 8284 الخميس 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015ـ 1 صفر 1437هـ
زهرة مرعي


جمانة حداد تنأى بنفسها عن جنس القتلة وتبتكر «الجنس الثالث»


الجنس الثالث» جديد الشاعرة والكاتبة جمانة حداد، صدر مؤخراً عن دار نوفل بنسختين عربية وإنكليزية معاً. من خلال هذا المؤلف تقدم الكاتبة مقترحاً جديداً للانتماء إلى نسخة مبتكرة من الجنس البشري، أطلقت عليها «الإنسان الإنسانوي». عللت مقترحها أو رغبتها تلك باستحالة انتمائها الشخصي إلى فئة السفاحين والجزارين. سردت بعضاً من هؤلاء على مر العصور وصولاً إلى حاضرنا، مركزة على أولئك الذين يمارسون القتل والذبح والإبادة باسم الدين والله.

الحاضر الذي يشهد ازدهاراً في القتل والذبح، والتنكيل السياسي والديني حفّز الكاتبة لطرح أسئلة لا حصر لها. ولم يكن الماضي بمنأى عن فكرها وفيه كانت الإبادات جماعية وتصل أحياناً لقتل ملايين البشر. تسأل حداد: هل أتشارك المكوّن الجينيّ والقاسم الإنسانيّ نفسه، مع هؤلاء القتلة وأمثالهم؟ هل ننتمي إلى جنس بشري واحد؟ أليست هناك نسخة أخرى راقية، من هذا الجنس البشريّ، يمكنني، وسواي ممَن ليسوا كهؤلاء المجرمين، أن ننتسب إليها؟ بالتأكيد من حقها النأي بنفسها عن أمثال هؤلاء.

تعرّف الكاتبة الإنسان الإنسانوي بأنه: يعيش حياته، لا يؤديها. (…) ليس قديساً ولا شيطاناً، لا بطلاً ولا بطلاً مضاداً: هو خارج لعبة الأبيض والأسود هذه. ومن ثم تعزز مقترحها هذا بنشيد أفلاطوني. بحسبها يعرّف أفلاطون الإنسانية: إنسانيتكم هي شجرة السحر..التي في غابة وعيكم تنتظر.. بصبر.. أن تعانقوها من جديد.

وكما في بعض كتبها السابقة حداد المرأة والإنسانة موجودة بصراحتها المعهودة، وقدرتها الكبيرة على رفع الغطاء عن أمور كثيرة لا يزال مجتمعنا العربي يضعها خارج نطاق البحث والتداول. في هذا الكتاب تحكي تاريخ جيناتها العائلية، لاسيما لجهة الأم. بكل وضوح وصراحة تعترف تحت عنوان «قاتلي الخفي». إذن يكمن الاكتئاب لجمانة حداد، كما سبق وكمن طويلاً لجدتها وشقيقة جدتها، ولإحدى خالاتها، «وقد نجح في قتلهنّ جميعاً».
سبعة أقسام شكلت محتويات كتاب جمانة حداد توزعت بين البحث بهدف الإقناع بمسوغات «الجنس الثالث»، وتالياً تسويقه وتوسيع شبكة المنتمين إليه، وبين سيل من أفكار أخرى لها ف
ي الحياة. هي كاتبة متمكنة من الدفاع عن أفكارها. تملك قدرة بث الحيوية في كتاباتها كما في نفوس القرّاء. بشكل عام هي امرأة حيوية ونشيطة وهذا ما ينضح من جُملها، «نحن لا نولد من الخمول والإهمال والركود، بل إنّ جينة الكفاح هي أكثر ما يميّزنا كمخلوقات بشرية». وتضمن صفحاتها قسماً لا بأس به عن ذاتها، ومن ذاتها. تعترف بأن الفقر كان ملازماً لعائلتها في الصغر، وليس العوز. هو ليس اعترافاً مجانياً، بل ورد في سياق جزئية من السيرة الذاتية. سواء عبر ما تكتبه، أو من خلال اختيارات معبّرة لكتاب أو فلاسفة مرّوا في التاريخ الإنساني، فهي في كلا الحالتين تأبى الركود. تحت عنوان «وصية أفلاطون أن تنحسري أو ترحبي» نقرأ ما كتبت: هل تعرفين الحصاة الصغيرة.. التي، إذ تُرمى في بحيرة.. توقظها من غفوتها؟ وعلى الدوام ترفد جمانة حداد كتاباتها بتجاربها الغنية في الحياة، لاسيما توقفها بوصف دقيق عند تجربتها مع الفقر. أما معالجتها المتكررة لما سمته في هذا الكتاب «الفعل المحرّم» أي الجنس، لاشك أنه يشكل واحداً من أهدافها ككاتبة وإنسانة لا تمارس فعل التخفي خلف الأصبع، بل ترتكب فعل الكتابة عن هذا المحرّم الذي ينهش العقول ويعطلها عن الفعل الإيجابي، بكل الصراحة العلمية، والشعورية كذلك. وفي هذا الكتاب تسرد بكل صدق ووعي كيف كان حالها في المراهقة حين دب في شرايينها حافز المعرفة عن ذاك «الفعل المحرّم».

يذكر أن «الجنس الثالث» تضمن حوارات متفرقة مع كائن يشغلنا جميعاً ربما، إنه الوسواس. أسرفت جمانة حداد في استحضاره، وفي منحه شخصية ذات سلطة وسطوة، ومن خلاله سعت لمزيد من الإقناع بوجهة نظرها المبتكرة عن «الإنسان الإنسانوي»، أو «الجنس الثالث» الذي صدر في 225 صفحة من الحجم المتوسط.

عن موقع جريدة القدس العربي الجديد

عن موقع جريدة القدس العربي

المقال في جريدة القدس العربي بالـ pdf


صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.



جريدة الحياة


الخميس، ٢٩ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٥
جريدة الحياة
مايا الحاج


إنسان جمانة حدّاد بلا أقنعة ولا قيود


إذا كانت سيمون دو بوفوار تساءلت في «الجنس الثاني» عن أسباب عدم تكتّل النساء معاً في مواجهة واقع ذكوري مفروض عليهن، فإنّ جمانة حدّاد تسأل في كتابها الجديد «الجنس الثالث» عن أسباب عدم تكتّل الإنسانية، بذكورها وإناثها، في وجه مجتمعات مكبّلة بأغلال صدئة، بل مهترئة.

هي تبتعد إذاً عن كتاب دو بوفوار بمقدار ما تقترب منه. تتجاوز مرحلة الجنس كنوع فيزيولوجي/ بيولوجي لتدلّ على نوع بشري/ إنسانوي. صنفٌ يضع نفسه خارج كل صيغة تفريقية تقليدية تُذوّب حالة «الإنسان» فينا، تحت قيود نعتية تتصل بالعائلة والدين تارةً، واللون والعرق طوراً. ولا تخفي حدّاد رغبتها في التمرّد على القيود اللغوية أيضاً فيما لو امتلكت القدرة على فعله: «كان بودّي في هذا الكتاب أن أتفادى شروط المذكر والمؤنث وقواعدهما، وأن أتوجه إلى الإنسان الإنسانوي بضمائر تشكل الأجناس كلّها ولا تُفرّق بينها».

في «الجنس الثالث» (نوفل، هاشيت- أنطوان)، تستكمل جمانة حدّاد ثورةً بدأتها مع «هكذا قتلت شهرزاد» (2010) ثم «سوبرمان عربي» (2013). ولو دققنا في تاريخ نشر الكتاب الأول من الثلاثية «الثائرة»- إن صحّ اعتبارها ثلاثية- لوجدناه متزامناً مع ثورات الربيع العربي، أو يسبقه بقليل. لكنّ جمانة حدّاد لم تكتب عملها حينذاك استشعاراً بـ «ربيع» عربي آتٍ، إنما ثورةً على أفكار ماضوية لا تؤازر أحلامها بالحرية والطيران.

ربيع الفكر وحده يُزهر، والإيمان بأنفسنا يُثمر. هذه الخلاصة تُلازمك عند قراءة حدّاد، شعراً أو نثراً. لذا، هي لم تُطالب بسقوط أنظمة بل أفكار. كأنها أدركت منذ البداية أنّ القضاء على ديكتاتورية حاكمة لا يضمن بناء ديموقراطية فعلية.

خاطبت المرأة أولاً، وشرّعت أمامها أبواب الحلم لكي تعبر من خلالها إلى واقع تكون فيه كما تريد هي، لا كما يريد لها الآخرون أن تكون. فكتبت في «هكذا قتلت شهرزاد»: «متى ستقفز من شرنقتها وتتحول إلى فراشة شرسة تحفر طريقها بأظافرها الحادة والناعمة في آنٍ واحد؟».

وفي «سوبرمان عربي»، سخرت حدّاد من انفصام الرجل العربي وثارت على تعجرفه وعنجهيته الفارغة. أمّا في «الجنس الثالث»، فأبقت على نبرتها الثائرة. وما كتابها الجديد إلاّ «مانيفست» آخر على ثورة لا تهدأ. ثورة وقودها الشك ومقصدها المعرفة. «الانقلاب على الظلم شجاعة، أما الشك فدليل صحة وعافية. أنادي فقط بوضع علامة استفهام على كل ما هو غير متماسك ولا براهين عليه».

خطاب الإنسان

«الجنس الثالث» عنوان تتجاوز فيه جمانة حدّاد مسألة الجنس، بمعنى الجندر. هو ليس كمثل ما يتوهّم أحدنا أنه يشير إلى الفرد غير المحدد الجنس أو الخنثى أو سواهما، بل هو كلّ من يعتبر أنّ هويته «إنسان»، ولونه وعمره وجنسه وميوله أيضاً «إنسان». وفي هذا السياق تقول حدّاد: «الجنس الثالث إذاً ليس جنساً ثالثاً بل هو الأول والثاني والأجناس الأخرى كلّها في آن واحد».

تتخطّى صاحبة «عودة ليليت» في «الجنس الثالث» كلّ الخطابات الانقسامية بين «الإنسان/ المرأة» و «الإنسان/ الرجل» لتحكي عن «إنسان/ إنسانوي». فيغدو «الجنس الثالث» وطناً ينتمي إليه كلّنا. وفي هذا السياق، تقول في مقدمة كتابها: «يريد هذا العمل أن يموضع نفسه خارج جدلية الجندر. هو يطمح للتعبير عن حاجتنا الملحة إلى إدارة ظهورنا لكلّ التصنيفات القائمة (الجنس البيولوجي، التوجه الجنسي، الهوية الجنسية...) التي تسمّم حقيقتنا وتحصرها وتحاصرها».

تصوغ حدّاد في عملها الجديد مخططاً جديداً للعالم. تبني مدينتها «الفاضلة» على ما افتقدته «جمهورية» أفلاطون: «الإنسان الإنسانوي». تبتدع «مُحاورة» متخيلة مع أفلاطون، يعترف لها فيه بذنبه في التمادي بالبعد المجرّد لجمهوريته بحيث كيّف الإنسان بناءً على معايير مدينته وهرميته، ففرز الناس أنواعاً وطبقات، فميّز بين مؤهل للحكم ومؤهل للحرب ومؤهل للإنتاج، بناءً على مبدأ القدرات المحدودة: «إما العقل وإما العاطفة وإما الشهوة».

قد يرى بعضهم مغالاة في أن تُنصّب جمانة حدّاد نفسها «وارثة» أفلاطون ومصوّبة أحد أهم مؤلفاته «الجمهورية». لكنّ هذه اللعبة في إقحام شخصية «أفلاطون» ومحاورته لها ليست إلاّ ضرباً من ضروب الجرأة التي تدعو إليها حدّاد. ولا حَرَج في شيء. لا مسلمات ولا خطوط حمراً. الكبار أيضاً يُصيبون ويُخطئون، والنظريات ليست مقدسة. لذا فإنّ كل شيء قابل للنقد والمراقبة والتمحيص.

اعترافات ومواقف

تعرض جمانة حداد أفكارها عن «الجنس الثالث» عبر مزج أساليب إبداعية كثيرة. تُقدّم تجربة نثرية تتزاوج مع الشعر حيناً، والحوارات أحياناً. يحمل الكتاب في طياته نبرة حميمة «اعترافية» أنقذته من السقوط في قالب وعظي قد تُرسّخه مفردات ومصطلحات لغوية فضفاضة على غرار «الإنسانوي».

«الجنس الثالث» هو سرد لسبع رحلات شخصية جداً، ولما رافقها من عثرات ودروس وآفاق وتأملات. الكتاب مكوّن من سبعة فصول، يُلقي كلّ منها الضوء على ميزة تعتقد الكاتبة أنها تُكرّس فيها معنى الإنسان «الإنسانويّ». أما الميزات فهي: المحارب، الصادق، المفكر، المنصت، المتعاطف، الأبيّ، المتمرّد.

في كلّ فصل، قصة تسرد فيها تجربة من حياتها، ترويها بشفافية إن لم نقل بجرأة. فحرية الكلمة عند حدّاد لا تنفصل عن حرية الفكر والسلوك. تحكي عن «الاكتئاب» المتوارث في عائلتها، عن علاقتها بجسدها، عن عملية تجميل أجرتها، عن الجنس، عن بيئتها الطائفية وصديقتها وفاء «المسلمة»، عن مغامراتها، هي التي ترى في «الأمان» منطقة بلا لون ولا رائحة ولا طعم.

وبعد كل قصة، ثمة «المقصد»، تليه «المحاورة» وهي نقاش قائم على حجج وحجج مضادة بين الكاتبة و «وسواسها»، ذاك المشاكس الذي يسكن عقولنا جميعاً. ولا يمكن ألّا نتوقف عند الرقم «سبعة» الذي يصير رمزاً عند حداد، المسكونة بسبع نساء: «إلى النساء السبع اللواتي يقمن فيّ». (في مستهلّ كتابها «عودة ليليت»). فهل تأتي قصصها السبع في مقابل الخطايا السبع الشهيرة؟

جمانة حدّاد كاتبة تُثير جدلاً أينما حلّت. قد تتفق معها، أو لا. قد لا تغفر لها جريمة قتل شهرزاد، وخلخلة الثوابت الفكرية. ولكن في هذا الكتاب، لا بدّ أن تكون مناصراً لها في ثورة تهدم كلّ ما يُعيق الحركية الإنسانية داخلنا من أجل بناء عالم جوهره الإنسان. إنسان حقيقي بلا أقنعة، فخور بفردانيته ومعتزٌ بأناه. هناك، في العالم الإنسانوي، العري يستحيل درعاً.

ختاماً، نقف عند «نشيد أفلاطون». قصيدة تفتتح بها حداد كتابها، تختزل فيها مفهومها للإنسان في عالم تصبو إليه، وتقول في مطلعها: «هي الخبز/ هي رائحة الخبز/ وأولئك المجهولة أسماؤهم/ الذين يُنظفون الطرق/ وأنتم نيام».

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)