ترجمة إلى العربية

الجحيم، دان براون (أميركا)، رواية Inferno, Dan Brown (Etats-Unis), Roman

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الأربعاء ٢٩ يناير (كانون الثاني) ٢٠١٤
جريدة الحياة
راغدة طراف


دان براون على خطى دانتي في إيطاليا الخرافات


لا تكاد تصدر رواية للكاتب دان براون حتى تُترجم إلى العربية. فهذا الكاتب العالمي بات يتمتع بشهرة عربية والقراء العرب يتابعونه رواية تلو أخرى على رغم غرابة عوالمه السردية وشخصياته. وأحدث رواية ترجمت له إلى العربية هي «الجحيم»، وصدرت حديثاً عن (الدار العربية للعلوم-ناشرون).

لا يختلف جو الرواية عن الأجواء التي ميزت رواياته السابقة بخاصة طابعها الفانتاستيكي أو الغرائبي والنسيج السردي الذي يدمج التاريخ بالخيال والوقائع بالخرافات. بطل الرواية «لانغدون» يرد على الطبيبة «سيينا» الواقفة أمامه متسائلاً: «هل أنا في مستشفى ماساتشوتس العام». كان لانغدون أستاذ الرموز في جامعة هارفرد قد تعرض لمحاولة قتل خلال قدومه إلى إيطاليا. لم يكن قادراً على تذكر سبب وجوده في فلورنسا. لقد فقد ذاكرته بعد إطلاق النار عليه. ولم يعرف لماذا كان يطارده «كونسورتيوم» المجهول وكذلك الشرطة، وازداد حيرة عندما عثر على أنبوب التيتانيوم في سترته.

كانت النقوش المخيفة على قطعة العاج التي أخرجها من الأنبوب، تتميز بنقش لشيطان ذي قرون، مثلث الرؤوس، ويلتهم رجلاً في كل فم في آن واحد. ولمَّا بدأ لانغدون يتفحص قطعة العاج، راحت تصدر أصواتاً غريبة، أقلقت سيينا، خصوصاً حالما توهجت بين يديه، وأشار إلى أحد النقوش متجهماً: الشيطان ذو الرؤوس الثلاثة الذي يأكل رجالاً، صورة شائعة في العصور الوسطى. إنه أيقونة تقترن بالموت الأسود. فالأفواه الثلاثة ترمز إلى مدى قدرة الطاعون على الفتك بالناس.

أعاد «نولتون» الفيلم إلى مشهد الرجل الطويل ذي المنقار، وكرر الإصغاء إلى صوت «الظل» المكتوم: هذا عصر الظلمات الجديد. قبل قرون خلت كانت أوروبا تتخبط في بؤسها. سكان فقراء، جوعى، غارقون في الخطيئة واليأس. مازالوا ينتظرون الشرارة التي ستشعل النار وتحرق الأغصان الميتة، حتى تصل أشعة الشمس إلى الجذور السليمة. ويقول: «اسألوا أنفسكم، ماذا أعقب الموت الأسود. عصر النهضة. فالموت تتبعه ولادة جديدة. لبلوغ الجنة على المرء أن يعبر الجحيم. أنا «الظل» أنا خلاصكم».

يحصر دان براون مسرح «الجحيم» في إيطاليا. وتحديداً في فلورنسا مدينة الشاعر الكبير دانتي أليغييري، الذي عبر هو الآخر إلى «الجحيم» في ملحمة «الكوميديا الإلهية». مسرح روايات براون لا يبتعد كثيراً عن إيطاليا. ولعل الملاحظ في روايات سابقة مثل «شيفرة دافنشي» وهي الأكثر شهرة من بين رواياته، كذلك في «ملائكة وشياطين»، أن هذا الروائي الأميركي قد سخّر الإرث الإيطالي في الفن والعمارة والثقافة والجغرافيا والميثولوجيا لخدمة أعماله الأدبية. في طريقه إلى «الجحيم» لا يترك براون شاهداً أو تفصيلاً من هذا الإرث، إلا ويعرضه علينا.

يعرف قارئ براون أنه يكتب للتشويق. كل حبكة في الرواية، بأدق مشاهدها تفتن القارئ بالواقع كما بالخيال. الروايتان الآنفتا الذكر أخرجتا إلى الشاشة، صارتا من أفلام تاريخ الفن السابع. هذا ليس غريباً، فـ «الجحيم» مثل معظم رواياته هي نص سينمائي، يحتاج إلى قليل من الجهد ليصبح سيناريو مناسباً للإخراج والتصوير. وعلى كل حال فهذا الأسلوب الذي يغرق القارئ في أنحاء الواقع وأرجاء الخيال، قد يكون بحد ذاته، سبباً في إقبال جمهور «عالمي» يريد التسلية وتزجية الوقت مع روايات براون، كما لو أنه في صالة سينما.

يلتقط براون نقطة ضعف إنسانية كبيرة باختياره «الجحيم» موضوعاً لعمله الروائي الأخير. يعيش الناس يومياً، حتى الموت مع صور «الحياة» المرعبة هناك. قارئ براون الذي بات يعلم انه محترف في كتابة هذا النوع من الرواية «الاستهلاكية»، لا يحس إلا بانفعال عابر، لا يخلف أثراً يذكر في النفس.

في «الجحيم» يبدو العنوان بذاته مادة تسويق. أما الحضور الكثيف لدانتي الإيطالي في ثنايا «جحيم» براون الأميركي، فأنه يعيدنا إلى «جحيم» دانتي الأصلي. وهذا التداخل يوحي بأن «استعانة» بروان بدانتي قد تحرك في وقت ما سجالاً شبيهاً بالسجال الذي نذكره جميعاً عن «استعانة» دانتي بـ «جحيم» المعري في «رسالة الغفران» الذي يتحدث عنه بعض النقاد وينكره آخرون.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)