الإسلام في الأندلس، شاتوبريان - ترجمة الأمير شكيب أرسلان

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ١٨ أبريل/ نيسان ٢٠١٥
جريدة الحياة
قصي الحسين


شاتوبريان وقصة حب في الأندلس


الأندلس بتاريخها العربي والإسلامي، كثيراً ما تحضر في كتابات المؤرخين والأدباء الغربيين وشعرائهم أيضاً. ويعتبر الفيكونت دوشاتوبريان من أبرز الأدباء الفرنسيين، الذين كتبوا في هذا الموضوع. ونظراً إلى أهميته وطريقة صياغته اللطيفة، ترجمه له أمير البيان الأمير شكيب أرسلان، كأنه أراد الالتفات إلى الماضي ليعايش شعباً بحضارته العربية الإسلامية الروحانية ذات التاريخ المجيد. وهو الذي وجد مع شاتوبريان ذاته ومكانه في الأندلس الإسلامية التي كثيراً ما تغنى بحضارتها وتاريخها شعراء إسبان مثل فرانتيسكوبيا إسبيا، وخوسي مورينو بيّا، ومانويل رينا، وفيديريكو غارثيا لوركا وغيرهم الكثيرون، كما ذكرت د. ناديا ظافر شعبان في مقدمة مقالها عن شاعر الأندلس الإنديني سيرخيو ماثيّاس (أفق ص 10).

يسترجع شاتوبريان في كتابه «الإسلام في الأندلس» قصة شاب باهر الفروسية من بقايا آل سراج الغرناطيين، وكانوا من أكرم بيوتات العرب الباقين. وقد خرج من تونس إلى وطنه القديم الأندلس، يريد استطلاع الأرض التي عمرها آباؤه خلال مئات السنين. وبينما هو يتجول في غرناطة، وقع بصره على فتاة من الإسبانيول، فعلقت بقلبه، كما وقع نظر منها عليه، فأحبته. وتتوزع القصة بين حبها وحبه، ويحول دون اقترانهما افتراقهما في الدين، وما تبين لابن سراج بعد طول العشرة، أن معشوقته من سلالة آل بيغار الفاتكين الذين فتكوا بأهله وأجلوهم عن الأندلس. فرأى اختلاط دم القاتل بدم المقتول غير خليق بإبائه، ولا يصح لشيمه ووفائه وقد مضى كل من العاشقين بحبيبه صباً، واختلطت مهجتاهما حباً. (ص 6)

وإضافة إلى التعريف بكل من الكاتب «شاتوبريان» (1768 - 1848) والمترجم شكيب أرسلان (1869 - 1946)، فإن الكتاب يتألف من قسمين اثنين:

1- القصة التي وقعت لحبيبين، المحبوب من آل سراج والمحبوبة من آل بيغار.

2- كتاب أخبار آخر بني سراج، إضافة إلى مقدمة تاريخية هي من كتاب خلاصة تاريخ الأندلس لشكيب أرسلان.

1- وفي التمهيد التاريخي في ذكر بني سراج، يقول شكيب أرسلان، أن هذه العشيرة من أشهر عشائر العرب الأندلسيين. وشبابها فرسان موصوفون بالجمال، وتعلق النساء بهم. أما «بنو الزغري» فهو تحريف بني الزغبي نسبة إلى قبيلة زغبة. وأن «البنغاس» فهم المكناس نسبة إلى مكناسة. ويطعن شكيب أرسلان في حصول هذه القصة الغرامية بين فارس من آل سراج وفتاة من آل بيغار، لأن الكتاب العرب لم يعرفوا بها، وقد رجح أنها من أوهام الإسبانيول مستنداً في ذلك إلى رأي الأديب التركي المشهور رضا باشا (ص 22). ويصرح أرسلان فيقول: «وبالإجمال فكثير من هذه الأحاديث الغرامية – في الشرق والغرب، هو من أوضاع أهل القصص» (ص 23).

2- يتحدث شاتوبريان عن أن السلطان أبا عبدالله صاحب غرناطة آخر ملوك الإسلام بالأندلس، حين جلا عن أرض أجداده إلى المغرب، وقف على جبل «بادول» المشرف على البحر وبكى الأحبة والمنازل. وأن أهله تفرقوا في أقطار أفريقية، ولم تزل جنة غرناطة مصورة أبداً في مخيلاتهم (ص 29).

3- وعن ابن حامد بطل القصة السراجي أنه أخذ عن آبائه السراجيون الفروسية والشهامة، وأنه خرج قاصداً غرناطة، معرفاً بنفسه أنه طبيب أعشاب مغربي جاء لانتجاع مساقط الغيث وارتياد التعاشيب (ص 35). وقد صادف بغرناطة الفتاة النصرانية الحسناء الرائعة الشباب الناعمة الإهاب. وهي أشبه ببنات القوط، ذاهبة إلى صلاة الصبح إلى دير قريب. فوقع في غرامها ووقعت في غرامه» (ص 41). وعندما ضاعت منه محبوبته طاف ابن حامد في الكنائس للظفر بها، وما زال يستقصي حتى وصل إلى قبر «فرديناند وإيزابيلا»، وهو أ عظم ما تجشمه من مشاق الحب (ص 45).

4- بعد عذاب طويل مع الحب، يصل ابن حامد إلى محبوبته، فيقسم لها أنه سوف يظل على حبها حتى يتخذها زوجاً، حالما يستنير قلبها بنور محمد. كما تقسم هي أيضاً له أنها ستظل على حبه وتفكر بالزواج به، حالما يستنير قلبه برب النصارى. (ص 61). وكان كلاهما يراجع حبيبه، فيراه لا يزال على تشدده في دينه حتى قضيا حباً ونحباً (ص 91).

5- وعن أخبار العصر وانقضاء دولة أبي نصر، يجدها الأمير شكيب أرسلان سانحة ليلحق هذا البحث بآخر بني سراج بعد ترجمته لـ «شاتوبريان». وهو يصرح بذلك فيقول: «أما بعد، فهذا كتاب أذكر فيه نبذة من بعض تاريخ ما وقع في مدة الأمير أبي الحسن علي بن نصر بن سعد السلطان أبي عبدالله محمد بن السلطان أبي الحسن ابن الملوك النصيريين، ومدة ابنه محمد وأخيه محمد أيضاً رحمهما الله، وكيف استولى العدو على جميع الأندلس في ظل المدة» (ص 96). ونراه يتحدث عن الفتنة التي وقعت للأمير أبي الحسن مع أخيه الأمير محمد بن سعد. ويذكر الحادثة التي فتك بها في مدينة مالقة بأخيه قوادُه الذين كانوا بايعوه.

6- ويتحدث شكيب أرسلان عن ضعف أبي الحسن وركونه إلى الملذات وانهماكه بالنساء والمطربات والركون إلى الشهوات. فأضاع الجند وثقل المغارم ومكس الأسواق ونهب الأموال (ص 99). وأنه عندما انقضى الصلح بينه وبين النصارى، دخل هؤلاء مدينة حامة سنة (887 هـ) فنهضت غرناطة للدفاع عنها، غير أنهم لم يحققوا أمرهم، فطمع النصارى بهم. أثناء ذلك انتقض الأميران محمد ويوسف على أبيهما وبايعوا الأمير أبا عبدالله محمد بالملك. فآل الأمر بينهم إلى أن قتل الوالد ولده (ص 103).

7- وتفشى الاقتتال بين الأسرة المالكة. وفشت الفتن بين الناس. وأدرك النصارى ذلك، فخرج العدو عام 890 هـ، إلى غربية الأندلس، فقصد حصن قرطبة وحصن دكوين وحصن المرة والشيطنين ورندة. وأنه على الرغم من قتال المسلمين أعداءهم قتالاً مريراً، إلّا أن سقوط الحصون كان يتوالى، مثل حصن أمكين وقنبيل وأرنية ومشاقر واللوز. ويذكر شكيب أرسلان قتال العرب القشتاليين (ص 107).

8- ويتقصى شكيب أرسلان تاريخ الفتنة في غرناطة وجوارها، وكيف كان العدو يمدّ أمير البيازين بالرجال والأنفاط والبارود والقمح والعلف والبهائم والذهب، ليشد بذلك عضد الفتنة (ص 111) ويتوقف عند مبايعة غرناطة الأمير أبا عبدالله وتوحد أهلها حوله. غير أن العدو سارع فأخذ مالقة وبسطة لتضييق الخناق على المدينة. وانضم إلى ذلك صاحب قشتالة الذي طالب أبا عبدالله بتسليم الحمراء (ص 117).

9- سارع أبو عبدالله، رداً على طلب القشتاليين بالدعوة إلى الجهاد، فاستولى على «البشرة» وعلى مدينة همدان وعلى حصن شلوبانية. كما استعاد المسلمون «أندوش» ووادي «آش» وهذا ما جعل ملك قشتالة يتقدم لحصار غرناطة من جديد. وقد ضيق الخناق عليها.

10- إن توقف المدد عن أهل غرناطة، والكلام عن الصلح، أضعفا الناس عام 897 هـ. ودخل فصل الشتاء، واشتد الغلاء، وأدرك الجوع الكثير من الناس. فسعى المسلمون إلى الصلح مع القشتاليين بشروط الضعفاء. وكان من بينها التأمين على الأنفس والأرزاق. غير أن ملك القشتالة ضرب عرض الحائط بها عند دخوله غرناطة، فانصرف أميرها أبو عبدالله إلى العدوة، وأما من تبقى من المسلمين، فقد أكرهوا على التنصر، أو الخروج مطاردين عام 894 هـ.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)