الأفق المفتوح - نظريّة التوصيل في الخطاب الروائي المعاصر، أسماء معيكل (سورية)، نقد المؤسسة العربية للدراسات والنشر

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الخميس، ٥ يونيو/ حزيران ٢٠١٤
جريدة الحياة
سارة ضاهر


«الأفق المفتوح» بين الرواية والكاتب والقارئ


«الأفق المفتوح – نظريّة التوصيل في الخطاب الروائي المعاصر» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) كتاب جديد للناقدة السوريّة أسماء معيكل، وهي كانت أصدرت كتاباً في المجال نفسه هو «الأصالة والتغريب في الرواية العربية».

تعدّ نظريّة التوصيل من أهم النظريات الحديثة في الساحة النقدية. وقد تكمن أهميتها في إخراجها الخطاب الأدبي من الدائرة المغلقة التي أدخلته فيها بعض المناهج الشكلية، المهتمة باللغة في ذاتها، والمتعاملة مع الخطاب الأدبي بصفته بنية مغلقة على ذاتها. ترى هذه النظرية إلى وظيفة اللغة الأساسيّة (التوصيل)، لا إلى اللغة نفسها. لذلك فهي تلفت إلى دور المتلقي في عملية الاتصال الأدبي. ويبدو أنّ هذا الأمر جاء نتيجة للتحولات الضخمة في التناول الفكري لظواهر الأدب، التي شهدها القرن العشرون، لا سيما في السنوات الأخيرة منه؛ إذ حدث تغيير مزدوج للنموذج. فالتغيير الأول كان بمثابة إحلال «شعريّة الرسالة أو النص» محل «شعرية المرسل أو المبدع»، والتغيير الثاني شهد المواجهة بين «شعرية الرسالة»، و «شعرية التلقي أو الاستقبال».

أعادت معيكل وهي أيضاً روائية ولها في هذا الحقل «خواطر امرأة لا تعرف العشق»، أسباب اختيارها هذه الدراسة إلى أنّ الوعي السابق بتطور الخطاب النقدي، وظهور تقاليد جديدة يتعيّن عليها إعادة قراءة الخطاب الروائي في ضوئها، كانا الدافع الأساس وراء دراسة نظرية التوصيل في الخطاب الروائي العربي المعاصر. فالرواية ظاهرة لغويّة قبل أي اعتبار، ووظيفتها الأساسية هي الوظيفة التوصيلية. ولعل أهميّة دراسة الخطاب الروائي في ضوء نظرية التوصيل تنبع من كون هذه النظرية نظريّة متكاملة، تأخذ في الاعتبار كل الأطراف الداخلة في الفعل الإبداعي من أجل إنتاج الخطاب الروائي؛ فهي تهتم بالمبدع (الروائي) والنص (الرواية) والمتلقّي (القارئ) الذي يوجه إليه الخطاب.

هكذا جاءت الدراسة في أبواب ثلاثة: «المبدع «، «المتلقي» و «النص». وقد عرضت فيها الكاتبة لمسائل عدة من مثل: رؤيا العالم، المبدع الناقد، الراوي الداخلي»، القارئ الفردي والجماعي، القارئ الداخلي والخارجي، القارئ المثالي والعادي. وتمحورت قضايا اخرى حول: النص المفتوح، النص المغلق والنص المتعدّد الخواص. وقد اتخذت نماذج روائية من مختلف البلدان العربية: مصر، السعوديّة، سورية، اليمن، ليبيا، مصر والمغرب.

مسائل جمة أدّت بعد مناقشتها وتحليلها، إلى أنّ الوظيفة التوصيلية للرواية، بدأت بالتراجع في السنوات الأخيرة، وتمّ التخلي عنها في بعض الأحيان، وبدا ذلك واضحاً في الخطاب الروائي العربي المعاصر. ووجود هذه الظاهرة كان دافعاً للتساؤل عن الأسباب التي أدت إلى نشوئها، أو عن المسؤول عنه؛ بمعنى آخر عبر التساؤل: على مَن تقع مسؤولية تراجع الوظيفة التوصيلية في الرواية؟ أي هل تقع على عاتق المبدع (الروائي)، أم (المتلقي)، أم النص (الرواية)؟

كان هذا السؤال مطروحاً في الدراسة. وفي النهاية، خرجت معيكل إلى أنّ تحديد الطرف المسؤول عن تراجع الوظيفة التوصيلية، في الخطاب الروائي العربي المعاصر، أمر في غاية الصعوبة. والإجابة عن التساؤلات السابقة شبه مستحيلة. فالعلاقة بين أطراف العمليّة الإبداعيّة علاقة جدليّة تقوم على التأثّر والتأثير، والأخذ والعطاء. ومع ازدياد التقدم العالمي، وظهور التقنيات الحديثة بمختلف أشكالها، وفي عصر التكنولوجيا والمعلومات، بدأ المبدع يحسّ بتراجع دور القراءة، وكذلك عدد القراء. وتراجع دور الكلمة في عصر الصورة، الأمر الذي جعله يهمل قارئه، ويجنح إلى تغليب الجانب الذاتي، في إبداعه، على الجانب الموضوعي. وهذا أدّى إلى غنائيّة الرواية، وهذه الغنائيّة أدت إلى تراجع الوظيفة الأساسية للرواية في التوصيل. لأنّ المبدع لم يعد يهتم بمتلقيه، بقدر ما هو مهتم بالتعبير عن قناعاته ورؤاه، بعيداً من الموضوعية. وبالتالي، انعكس موقف المبدع السابق على المتلقي (القارئ). فالقارئ يشعر بإهمال المبدع له، وتعاليه عليه، مما جعل عدد القراء الذين ما زالوا يقرأون في تراجع مستمر من جهة. ومن جهة ثانية، راح القارئ يتهم المبدع بالغموض والإغراب وصعوبة فهمه. وهذا الأمر انعكس، من جديد، على المبدع الذي رفض الاتهامات الموجهة اليه، وراح يحض القارئ على ضرورة تسلّحه بالأدوات المعرفيّة اللازمة لفتح أبواب النص، والدخول إلى عالمه. كما بدأ يطالب بوجود قارئ خارق أو نموذجي لنصه.

لعلّ موقف كل من المبدع والمتلقي، قد جاء نتيجة لتغيّر طبيعة النص في المراحل الأخيرة: لقد تخلخل المفهوم الكلاسيكي للرواية، وظهر مفهوم الرواية الحديثة التي انكسرت فيها «النوعيّة» وتعددت الخواص وساد مفهوم النصية. ومع الإشادة الكبيرة بالنص المفتوح والنص المتعدّد الخواص، تراجع دور النصوص الكلاسيكيّة بصفتها نصوصاً مغلقة. وإذا كانت النصوص المغلقة تصل بسهولة ويسر، فإنّ الأمر مختلف مع النصوص المفتوحة، والنصوص المتعدّدة الخواص، لأنّ هذا النوع من النصوص لا يصل بسهولة إلى المتلقي. فقراءة نص من هذا النوع لم تعد عمــليّة سهلة تولّد المتعة والفائدة، وتتم سريعاً؛ بل باتت عمليّة عسيرة تتطلّب من القارئ الجهد والتفرّغ، والتسلّح بالعلم والمعرفة والثقافة، حتى يتمكّن من الوصول إلى أعماق النص، وكشف أسراره. وكان لهذا الأمر دور كبير في تراجع الوظيفة التوصيليّة في الخطاب الروائي العربي المعاصر.

لقد آثر المبدع الخوض في مغامرة تجريب التقنيات الحديثة، وكتابة رواية حديثة، حتى وإن أدّى الأمر إلى عدم وصوله إلى المتلقي، وبخاصة أنّ معظم المبدعين كانوا يتذمّرون من إطلاق صفة مبدع تقليدي، أو روائي تقليدي عليهم. ويطمحون إلى أن يكونوا حداثيين، متطوّرين ومواكبين لإيقاع العصر. وقد شجّع المفهوم الجديد للرواية على ازدياد عدد المبدعين، إذ لم تعد هناك قوانين واضحة وصارمة تتطلّبها كتابة الرواية، أو تفرض عليها.

أما المتلقي الذي يعاني ضغوطاً سياسيّة، اجتماعيّة واقتصادية، فلم يعد لديه الوقت الكافي للتفرّغ الكامل، وبذل الجهد من أجل قراءة نص لا يجد نفسه، همومه ومشاكله فيه. علاوة على أنّ ازدياد عدد المبدعين جعل أمام المتلقي عدداً متراكماً من النصوص التي لا يعرف عن أصحابها شيئاً، ولا يستطيع أن يتابعها.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)