جريدة العرب
الخميس 2018/04/19 - السنة 40 العدد 10964، ص(14)
الصفحة : ثقافة
عواد علي - كاتب عراقي
السيرة الذاتية جنس أدبي يثير جدلا عند العرب
كتاب “أقنعة السيرة الذاتية وتجلياتها” للناقد حاتم الصكر والذي فاز مؤخراً بجائزة الإبداع العراقي، يفكك خفايا السيرة الأدبية.
يندر أن نجد كتاباً مؤلَّفاً بالعربية، مثل كتاب “أقنعة السيرة الذاتية وتجلياتها” للناقد حاتم الصكر، يجمع في فصوله بين دراسة السيرة الذاتية، والنصوص القريبة من الكتابة السير- ذاتية، أو مختلطة بها كاليوميات والمذكرات والرسائل، وما يتصل بها في بعض نصوص الرحلة والسفر.
تطمح دراسات الكتاب، الذي صدر عن دار أزمنة في عمّان وفاز مؤخراً بجائزة الإبداع العراقي، إلى ملامسة، على المستوى النظري والتطبيقي معاً، بعض مشكلات السيرة الذاتية في أدبنا العربي والنادرة في الكتابة النوعية، والملتبسة في مصادرها وطرق عرضها سردياً أو تاريخياً، والمحفوفة بمحاذير ومحددات وموانع يتعرض الكتاب لبعضها.
يثير الصكر أسئلةً يرى أنها تتصل بشعرية النوع السير- ذاتي كصلتها بالرواية، وإمكان وجود رواية سيرة أو سيرة روائية، وإمكان وجود سيرة ذاتية شعرية، ومدى التوسع الممكن للمدونة السيرية عبر كيفيات ممكنة كالرسالة واليوميات ونصوص المدن وأدب الرحلة، وجوانب أخرى تتصل بأسلوبيتها كترددها بين التاريخ والوصف والسرد، وانفتاحها على أنواع أخرى.
يتضح لحاتم الصكر، من وقوفه على مقترح أبرز منظري السيرة الذاتية الناقد الفرنسي فيليب لوجـون “العبور من السيرة الذاتية إلى اليوميات الشخصية”، أن مسألة إهمال كتابة السيرة الذاتية في أدبنا، وقراءتها نقدياً، وحل مشكلات تجنيسها في إطار نظرية الأدب، ستظل تشغلنا طويلاً، وتحول دون النظر في توسيعها أو إمكان تمددها، ذلك أنها لا تزال من أكثر الأجناس الأدبية بلبلةً ومرونةً، وأصبح من المعاد المكرر قولنا إنها جنس غير مستقر، وغير متعين بشكل نهائي، حتى لتوصف أحياناً بأنها “جنس مراوغ”.
السيرة والرواية
يدرس الصكر في الفصل الأول سِيَر ورسائل وشهادات كل من فدوى طوقان، ونازك الملائكة، وغادة السمان، ونوال السعداوي، وفاطمة موسى، وليلى صبار، وعالية ممدوح، وبثينة الناصري، ومليكة مقدّم، وسبع أديبات يمنيات. ويرى أن السِيَر الذاتية النسائية تسير في طريق شائك ملغوم، أهون ما فيه أن المرأة تغدو ذاتاً أنثويةً وقد تحولت إلى موضوع السرد السِيَر- ذاتي نفسه. ويحسب أن العكوف على كتابة السير الذاتية النسائية هو جزء من الكفاح المستمر، على مستوى الإبداع، لإظهار تميز المرأة، وتأكيد هويتها النوعية، مقابل عسف وعنف ذكوريّيْن تفصح عنهما بدرجات متفاوتة أغلب الملفوظات السِيَر ذاتية بمختلف تشكّلاتها وتنويعاتها.
ويدعو الناقد في فصل “السيرة والرواية” إلى فحص نثرية “الرواية السِيرية” انطلاقاً من وجود الشعر فيها كأصل في خلقها أو إبداعها، وليس الانطلاق من النثر لرؤية شعريتها ووجود النثر فيها. فالسيرة هي الأصل في قراءته، والرواية كيفية ممكنة لتوصيلها وليس العكس. ويعتقد أن هذا الهاجس هو الذي حدا بروائيين مكرسين إلى كتابة سِيَرهم، واستذكار حيواتهم الماضية، والأمكنة التي عاشوا فيها، والأزمنة التي شهدوا أحداثها وكذلك الشخصيات والمواقف والتجارب التي تمثل مفردات مهمةً في النص السِيَري.
ويواصل الصكر في فصل “رواية السيرة: المماثلة والتخيل” البحث في مصطلح “السيرة الروائية” وإشكالية التهجين النوعي والأعراف الفنية، مؤكداً انحيازه إلى المصطلح الذي اقترحه الناقد عبدالله إبراهيم، وهو “السيرة الروائية”، لأنه يجده أقرب إلى فهم طبيعة العمل الأدبي من اقتراح نوع “رواية السيرة الذاتية”. ويقف في الفصل الذي يليه على مجموعة أعمال روائية عربية يرى أنها تنتمي إلى “السيرة الروائية”، وهي “كم بدت السماء قريبة” لبتول الخضيري، و”أرض اليمبوس” لإلياس فركوح، و”على فراش الموز” لعبدالستار ناصر، و”رجال
الثلج” لعبدالناصر مجلي، و”صحون الآخرين” لحنان الشيخ، و”دملان” لحبيب عبدالرب سروري.
السيرة الشعرية
يكرّس حاتم الصكر فصل “السيرة الذاتية والتجربة الشعرية” لسِيَر الشعراء العرب؛ أدونيس وسركون بولص وأمجد ناصر وحميد العقابي ونصيف الناصري، كما تتجلى في نصوص شعرية أو نثرية كتبوها. ويرى أن قصيدة السيرة هي أكثر تجليات الصلة بين الشعر والسرد وانفتاح الأجناس الأدبية على بعضها البعض، فالعلاقة داخل قصيدة السيرة انصهارية بين مكونات الشعر وعناصر السرد، ولكن عبر تداعيات حرة ينجزها النظم الشعري وتكون اللغة والأفكار محرّكه الأساسي.
إن السِيَر الشعرية الذاتية، من وجهة نظر الصكر، نوع مختلف يظل على حافة النقد وهوامشه، لأن الأعمال التي يقدمها الشعراء عن نصوصهم وتجاربهم لا تمنح القارئ فرصة التعرف على سيرة ذاتية ضمن الشعر نفسه، لنشهد كيفية استيعاب القصيدة للتجارب الحياتية، وما عاشه الشاعر، وعلق في ذاكرته، وتشكّل في وعيه، وما أضاف خياله لتنبثق لدينا قصيدة سيرة ذاتية. أما دراسة كتابات الشعراء “حول” تجاربهم، وإطلاق مصطلح السيرة الذاتية الشعرية عليها، فإن ذلك يضيف بلبلةً اصطلاحيةً إلى ما يشهده النقد الحديث من تكاثر اصطلاحي أو تكثير تفريعي.
يقف حاتم الصكر في الفصل الخاص بـ”سيرة الرحلات” على نصوص رحلية قديمة وحديثة لشعراء وأدباء وكتّاب عرب وغربيين، هم المتنبي، وخليل النعيمي، وسعد القرش، والشاعر الأميركي انسنسبرغر، والكاتب الألماني ميشائيل روس، والكاتب الدنماركي ثوركليد هانسن، والشاعر الألماني يواخيم سارتوريوس، والروائي الألماني هيرمان هيسه، ووارد بدر السالم.
ويخلص الصكر من قراءته لهذه النصوص إلى أنها تقدم نموذجاً دالاً على الوعي والشعور المسقطين على المكان. فالرحّالة لا يهمه وصف المكان خارجياً، بل بما يحمله من دلالات وما يوحي به وقت كتابة نص الرحلة. هكذا لا تكون المدن والأمكنة الأخرى موجودات جغرافيةً، أو مفردات محايدةً يمر بها البصر ليرصد ظاهرها. عكس ذلك ينتقي الرحّالة في نصه عن المكان ما يشخصه فيه ويعيد تشكيله أدبياً، ويغدو نص الرحلة كنص السيرة الذاتية الذي يؤرخ للوقائع.
عن جريدة العرب اللندنية
العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977
صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة
يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر