أفلام فرنسيّة على الطريقة البوليوودية !

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الخميس، ٢٤ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٥
جريدة الحياة
نيودلهي - ندى الأزهري


أفلام فرنسيّة على الطريقة البوليوودية !


ليست للأمر علاقة بإتاحة الفرصة أمام العالم لعرض أفلامه في القارة الهندية بالتأكيد! فمن المعروف أن السوق الهندية مخصّصة على نحو شبه كامل لعرض أفلام باللغة الهندية، تلك المنتجة في مومباي والمسماة بوليوود. أما السينما الأخرى الأتية من بقية الولايات الهندية والناطقة بلغتها والأفلام الآسيوية والأوروبية، فعرضها ينحصر في شكل رئيس بالتظاهرات الخاصة والمهرجانات، كما أن السينما الأميركية التي تغزو العالم تجد مكانها بصعوبة بالغة في دور السينما الهندية. نأخذ هنا مثالاً السينما الفرنسية، لأن فرنسا هي البلد الثاني عالمياً المصدّر للأفلام، بيد أنها لم تستطع أن تجد لها مكاناً في بلد تحتل فيه السينما المحلية تسعين في المائة من السوق. الأفلام الفرنسية إذاً، ما زالت مطرودة من الصالات الهندية، وحين تتوافر تسجّل نسب دخول ضيئلة جداً لا تتجاوز 0.02 في المائة. هذا الواقع دعا الفرنسيين الى الوجود في مهرجان «مومباي» السينمائي، الذي يستقطب نجوم السينما الهندية، إنما يبدو أن «لا أوهام في هذا الخصوص!» كما يقول صحافي فرنسي، فالسينما الهندية شعبية ونشطة ومسيطرة الى درجة لا تسمح معها لأي سينما أخرى بالاختراق. قد تفسح ركناً إنما شديد الضيق.

مدير «المؤسسة المسؤولة عن التطوير العالمي للفيلم الفرنسي»Uni France، كان صرّح مرة بأنه لا يمكن البقاء على الهامش في سوق مثل السوق الهندية، وأن ثمة آمالاً في تغيير طبيعة المجتمع الهندي أو في تطوّر يلحق بسوق التلفزيون لديه. إنما حالياً، ما زال طريق الفيلم الفرنسي للوصول إلى الصالات الهندية عسيراً وشاقاً، فيما يعتبر الموزعون المستقلون أن مستقبل الأفلام الأجنبية في الهند يوجد فقط في العروض التلفزيونية!

منافذ فرنسيّة ومع هذا، ثمة منفذان يبدو أن السينما الفرنسية وجدتهما في السنوات الأخيرة لاختراق السوق الهندية، هذان المنفذان لا علاقة لهما بالعرض في الصالات، بل بالإنتاج المشترك وبيع سيناريوات أفلام فرنسية فرضت نفسها في الأسواق العالمية. من جهة الإنتاج المشترك مع فرنسا، فهو موجّه بالطبع نحو أفلام هندية تنتمي إلى «الموجة الهندية الجديدة» التي سبق وأشرنا إليها في مقالات سابقة، وأعمال مثل «ماسان» لنيراج غيوان و «المطبقية» لرايتش باترا، اللذين حُققا بميزانيات ضئيلة واستُقبلا بحرارة في مهرجان «كان» وباستقبال لائق من الجمهور الفرنسي والهندي، هما ثمرة تعاون إنتاجي فرنسي - هندي. أما من جهة بيع السيناريو، فالفرنسيون يحاولون الوقوف في وجه ممارسة «الاقتباس» غير الشرعي، وهي ممارسة رابحة في الهند، إذ دأبت السينما الهندية في الماضي على اقتباس سيناريوات أفلام فرنسية من دون شراء الحقوق، وكانت تستخدم أحياناً طرقاً ملتوية للحصول عليها، فكانت مثلاً «تستعير» أفلاماً لإعادة إنتاجها. فالحال أن هذه السينما الضخمة بإنتاجاتها، تعاني من نقص في السيناريوات الجيدة، لذلك يهتم المنتجون بأفلام أثبتت نجاحها في الخارج، وهم سبق وأعادوا إنتاج بعض الأفلام الفرنسية الشهيرة بنسخة هندية، مثل الفيلم الهزلي الشهير والرائع «عشاء الحمقى» لفرنسيس فيبير، الذي أخرجه عام 1998 والذي أعادت بوليوود إنتاجه عام 2007 تحت اسم Bheja Fry «دماغ مقلي» (كذلك فعلت هوليوود عام 2010، لكن شرعياً!). وصحيح أن إعادة صنع الفيلم بنسخة محلية «remake» تكلّف أكثر من أجر توزيع الفيلم نفسه في الصالات الهندية، بحيث تتراوح بين 80 إلى 120 ألف يورو، بينما توزيع الفيلم في دور العرض لا يتجاوز الـ35 ألف يورو، فإن النسخ المحلية للفيلم الأجنبي تلقى بالطبع رواجاً أكبر بكثير، إذ تستقطب الجماهير الهندية أكثر من النسخة الأصلية للفيلم. اليوم، بدأت الأمور في هذا المجال تأخذ منحى أكثر شرعية، وثمة اتفاقات فرنسية - هندية لشراء حقوق سيناريو أفلام فرنسية. وآخرها هذا الفيلم الذي حقّق بنسخته الفرنسية مبيعات وصلت إلى عشرين مليون بطاقة. إذ بعد أن غزا قلوب الفرنسيين والأوروبيين والأميركيين، يبدو أن الدور قد حلّ على الهنود ليضحكوا هم أيضاً أمام «المنبوذون» (Intouchables بالفرنسية، أي الذين لا يجب لمسهم، وهو اسم يطلق على الطبقات الدنيا في نظام الطبقات الهندي). هذا الفيلم الذي أخرجه أوليفييه نقاش وإيريك توليدانو، اعتبر «ظاهرة» في السينما الفرنسية حين عرضه نهاية 2011، وهو مأخوذ عن قصة حقيقية لحياة نبيل غني يصاب بالإعاقة بعد حادث سيارة، فيوظّف لمساعدته في المنزل شاباً أسود من الضواحي كان خرج لتوّه من السجن. يسبّب هذا اللقاء بين هاتين الشخصيتين المهمّشتين من المجتمع والمختلفتين في كل شي، مواقف مضحكة وعاطفية، كما تنتج من هذا التعايش بين عالميهما المتباعدين في كل المجالات من الثقافة إلى المظهر مروراً بنمط السلوك، علاقةُ صداقة فريدة. إذاً، بعد نجاحه الهائل في فرنسا والعالم في 2011، يتابع الفيلم الكوميدي الاجتماعي مسيرته، وقد أعلمتنا جريدة «لو باريزيان» (الباريسي) أخيراً، أن منتجين هنوداً، بعد آخرين أميركيين وإيطاليين، اشتروا حقوق إنتاج نسخة هندية من «المنبوذون»، وشكلوا ورشة «لتكييف» القصة مع الأجواء الهندية، التي ستعتمد القضايا الأساسية في الفيلم الأصلي من دون أن تهمل إضافة البهارات (الماسالا) المعهودة من مقاطع راقصة ومغناة، كما تفرض القواعد البوليوودية. سيخرج الفيلم موهيت سوري، وسيصوّر في معظمه في الهند، فيما ستصوّر بعض مشاهد الفلاش باك في ليون الفرنسية. وهذا على رغم أن المنتجين الهنود يخشون عادةً التصوير في فرنسا، ويفضّلون عليها دولاً أوروبية أخرى أكثر جاذبية اقتصادية. لكنهم اختاروا مدينة ليون للتصوير فيها، ويبدو أنهم وعدوا جمهور المدينة بعرض النسخة الهندية في صالاتهم الخريف المقبل. التشويق على أشده بالتأكيد... ملصق الاصل الفرنسي ... وملصق النسخة الهندية

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)