الأدب يُغري أصحاب مهنة الرحمة. أطباء عرب أغواهم الإبداع فاقتحموا عالم الرواية والقصة والشعر وتركوا بصمة خاصة في الكتابة الأدبية
كثير من الأطباء صاروا أدباء وكتابا لامعين، أثروا الأدب وعوالم الإبداع، وتركوا بصمة خاصة في الكتابة الأدبية. لذا واهم من يعتقد بالتناقض بين عالمي الطب والأدب، بل إن البعض يرى أن الأطباء كانوا ولا يزالون من أمهر الروائيين في العالم، وأكثرهم قدرة على تجديد الخطاب الروائي وفتح الخيال بدقة على مناطق مجهولة.
يُعايش الأطباء في زمن الجائحة مشاعر إنسانية جمة، ويتعرضون بكثافة لمواقف استثنائية، يقابلون فيها شتى أنماط البشر، ويخالطون الأحاسيس اللافتة من خوف، قلق، ثقة، تضحية، لامبالاة، ورُشد.
بحكم مهنتهم يتابع الأطباء قصصا جمة، ويشهدون وقائع عجيبة، يمتزجون بلحظات الحُزن والفرح، ويشتبكون مع خواطر مولدة للأدب شعرا، سردا ، وإبداعا.
تلك التجارب المباشرة تُغري كُل صاحب حس إبداعي بأن يكتب، أن يفيض بما اختزنه عقله الباطن من مشاهدات وخبرات على الورق، أن يُمسك بالحيوات المتباينة قابضا على لحظات درامية استثنائية تُفجر طاقات إبداع لا نهائية.
إذا كان البعض يستغرب جنوح الطبيب إلى الإبداع، ويندهش من خروج أدباء من غرف العمليات، ومستشفيات العزل، وعيادات الأمراض العضوية والنفسية إلى حدائق الجمال اللغوي والفني.
كان البعض من الناس يتصور أن الطب والفن ضدان، لا يلتقيان، ولا يشتبكان، ولا يمتزجان، لأنهم لا شك لم يسمعوا إجابة شاعر الأطلال الطبيب إبراهيم ناجي، لسؤال عما دفعه للشعر رغم عمله طبيبا حيث كتب أبياتا رصينة قال فيها “الناس تسأل والهواجس جمةٌ/ طبٌ وشعرٌ كيف يتفقانِ/ الشعرُ مرحمة النفوس وسره/ هبةُ السماء ومنحة الديانِ/ والطبُ مرحمةُ الجسوم ونبعه/ من ذلك الفيض العلي الشانِ”.
وكأنه يُريد أن يقول للمندهشين إنه لا وجه للتعارض، فلا الطب بكونه علما تجريبيا يُناقض الإبداع، ولا وظيفة الطبيب وما يعتيريها من رؤية للدم وسماع للآهات تمنع الإنسان من الجمال، بل على العكس، الطبيب مهموم على الدوام بالجمال...