أشياء رائعة، ريم بسيوني (مصر)، رواية

, بقلم محمد بكري


جريدة رأي اليوم الإلكترونية


الأربعاء 29 أكتوبر/تشرين الأول 2014
جريدة رأي اليوم الإلكترونية
عرض وتحليل منير عبيد


رواية ريم بسيوني “أشياء رائعة”


تقول الروائية المصرية ريم بسيوني في الصفحة الأخيرة من روايتها: “عندما اكتشف كارتر مقبرة توت عنخ أمون ونظر من الفتحة الصغيرة التي فتحها في الحائط سأله اللورد كارنفان في حب استطلاع وعدم صبر: ماذا ترى؟ فقال كارتر: أرى أشياء رائعة. “عنوان الرواية إذن مستلهم من أحد أعظم الاكتشافات في التاريخ المصري القديم مقبرة أشهر ملوكها الذي يعرفه العالم أجمع توت عنخ أمون.وعندما يبدأ القارئ قراءة الفصل الأول من الرواية يجد نفسه أمام نص توهمناالكاتبة بأنه مقتبس من “كتاب الموتى والأحياء” علما بأن التاريخ المصري يحدثنا عن “كتاب الموتى” الذي يقول عنه علماء المصريات إنه مجموعة من التعاويذ الجنائزية كان قدماء المصريين يضعونها في مقابرهم لإرشاد روح المتوفى في رحلته في العالم الآخر.كما يصف الكتاب الأماكن المختلفة التي تعبرها روحه والكلام الذي يقال لحراس الأبواب وطرق إبطال شر أعداء الضياء والنور حتى يصل إلى الأبواب التي توصله إلى الحياة مرة أخرى في العالم الآخر.وفي هذه الرحلة يمثل المتوفى أمام محكمة الإله أزوريس ومعه اثنان وأربعون قاضيا ومجموعة من الآلهة فيحاسبونه على أعماله ويقوم هوبذكر أعماله الخيرة. كتاب الموتى والأحياء لا وجود له ولكن الكاتبة ابتدعته ابتداعا ليقوم بدور أساسي في بناء الرواية وفي تسليط الضوء على مغزاها وفك رموزها كما سنبين. فالنصوص المقتبسة من هذا الكتاب الوهمي تقوم بدور يشبه دور الجوقة في التراجيديا الإغريقية . لكن الجوقة في التراجيدياالإغريقية كانت مجموعة من الأفراد تعلق بصوت جمعي على الحدث الدرامي.

وفي رواية “أشياء رائعة” نسمع صوتا واحدا يستخدم ضمير المتكلم استخدمته الكاتبة في توضيح الأحداث والتعليق عليها وفي تحذير “اللص الأول” بمصطلحات حديثة لاتمت بصلة لكتاب “الموتى” مثل: “أنا لست من نتاج الثورة الأولى والثانية والثالثة، ولست من نتاج التيار الماركسي أوالناصري أوالرأس مالي أوالديني أوالعربي أوالعبري أواللصوصي أوالإقطاعيي ،أوتيار الوعي واللاوعي ” ولم تفصح الكاتبة ريم بسيوني علنا عن هويته هذا اللص من بداية الرواية حتى نهايتها .ويبدوأن ” كتاب الموتى والأحياء ” الذي قلنا إن الكاتبة ابتدعته ابتداعا جاء ليذكر الحاكم المستبد أيا كان أوأينما كان وليس فقط في مصر بالتاريخ وما حدث للطغاة .وإذا كانت الأحداث التي تسردها الكاتبة مصرية في أساسها فهذا من باب التقريب إلى ذهن القارئ . وقد لجأت الكاتبة إلى التاريخ لتذكر الحاكم والقارئ معا بالتجارب البشرية التي تصلح للتعبير عن مشكلاته السياسية والاجتماعية والإنسانية . وعلى هذا يكون تفسير عنوان الكتاب هو” عظة التاريخ ومشكلات الحاضر “ .فقبل التعرف على شخصيات الرواية يتصدر الفصل الأول اقتباس في صورة خطاب موجه إلى اللص الأول صاحب خطوة المبادرة يناشده ألا ” يفكر في سرقة المقبرة بل في قراءة جدرانها فعلى الجدار ستقرأ عن الثورة الأولى والثانية والثالثة……وفي بلدنا لا نختار المقبرة، وليس لنا حيلة في كتابنا …” وهذا النداء يذكرنا بالتحذيرات التي نقشها المصريون القدماء على جدران مقابر الفراعنة لتنذر لصوص المقابر بالعقاب الشديد الذي ستنزله عليهم الآلهة وأرواح الموتى المدفونين عليهم وبلعنة أزوريس التي ستحل عليهم . ومنذ البداية يتوق القارئ إلى معرفة هذا اللص صاحب “خطوة المبادرة” الذي يُوجه إليه الخطاب .وإذا كان هذا النداء شبيها بتحذيرات المصريين القدماء التي نقشوها على جدران مقابرهم فقد لجأت إليه الكاتبة علي سبيل التغريب Defamiliarization.ومن هذا المنطلق نرى أن الخطابات الموجهة إلى اللص الأول تتلاحم عضويا مع السرد: أحدهما ينذر بسوء العاقبة مستندا إلى التاريخ والآخر يروي لنا أحداث الحاضر كما نعرفها ونقرأ عنها صباح مساء.وابتداء من الفصل الأول الذي بمثابة افتتاحية عمل أوبرالي نتعرف على الشخصيات الرئيسية الثلاث أطراف الصراع وموضوع الصراع والقوى الفاعلة فيه .وثمة إشارة خفية دستها الكاتبة بلطف وخفة للقارئ بألا ينخدع بالبنية السطحية للنص بل عليه أن يكتشف بنيته العميقة أولغته الباطنة ؛ تماما مثلما نفعل مع روايات نجيب محفوظ كالحرافيش وأولاد حارتنا على سبيل المثال لا الحصر. وما دمنا نستعير من مصطلحات الموسيقي فإنه يبدوأن ريم بسيوني تدير في هذه الرواية حوارا مع نجيب محفوظ الذي استهل أعماله الروائية من وحي التاريخ المصري القديم مثل عبث الأقدار ورادوبيس وكفاح طيبة ليعود إلى ذات المصدر في مرحلة لاحقة جدا في رواية أمام العرش وفيها يناقش أوضاع مصر المعاصرة مع إيهامنا بأنه يستعرض التاريخ . ويذكرني هذا بكبار المؤلفين الموسيقيين عندما يؤلفون تنويعات على نغمة لمؤلف عظيم سابق يكررها مؤلف موسيقي لاحق مع إدخال تغييرات هامة مثل تنويعات رخمانينوف على لحن لباجينيني.

أما الشخصيات فهي القبطان مراد له تاريخ عسكري حافل شارك في حرب الاستنزاف وحارب إسرائيل ثم حل السلام فاعترف بإسرائيل وأرادت الدولة أن ينسى إسرائيل وأصبح ينعم بالحياة فبإمكانه اليوم أن يشتري كل شيء. أرض، بيت، امرأة ،أوالسلطة حتى الديمقراطية .القبطان متزوج من كريمة علنا ومن سكرتيرته زواجا عرفيا . تحوم حوله الشائعات بأنه اشترى سفينته الأولى بعد أن ترك البحرية عن طريق تهريب الحشيش.يتكلم عن حبه لمصروهوسارقها كما يتهمه صديقه الدكتور حازم .تستهويه النساء وتثير فيه أسماء الشبق.وهويطارد جسدها بنظراته المليئة بالجوع والشهوة . وذات مرة سنحت له فرصة ليقترب منها وتلمس يده صدرها فأزاحتها .ضاعف سعر الأرض ثم عرض عليها الزواج وتحقيق أمنيتها في أن ينقل صغيرها إلى مدرسة أجنبية ويصبح ابنها الكبير دبلوماسيا فلم يجد كل ذلك نفعا.

أما الشخصية الثانية فهي الدكتور حازم شفيق وكان أستاذا في كلية الهندسة والآن لديه شركته الخاصة. والده كان أشهر طبيب في مصر. فشل في زواجه الأول وفي كل علاقاته يهتم كثيرا بالتفاصيل والنساء يكرهن التفاصيل ويتهمنه بالسطوة والغرور والسيطرة والأنانية .نشأ في بيئة أرستقراطية، لم يعرف أي معاناة من التي يكابدها الشعب كالوقوف في طابور العيش ساعات أوتجديد رخصة السيارة في إدارة المرور بل إن رخصة قيادته جاءته وهوجالس في بلكونة الفيلا وقبل أن يتعلم القيادة بسنتين . تخرج من الجامعة الأمريكية ،عين في السلك الدبلوماسي لكنه شعر بالملل فواصل دراسته وحصل على الدكتوراه في الهندسة. تزوج شيرين وهي حامل في الشهر الثاني ورغم أنها كانت تدرس الهندسة مثله فإنه صمم بمفرده ودون أن يأخذ مشورتها الفيلا الخاصة بهما ولما غيرت لون السور من الأزرق إلى البرتقالي بدأت المتاعب بينهما وانتهى الأمر بالطلاق.

أما الشخصية الثالثة التي سيتمحور حولها الصراع فتقدمها الكاتبة رويدا رويدا بما يتناسب مع الأعراف الاجتماعية المصرية. إنها الفلاحة أسماء الشرقاوي التي ترسم لها الكاتبة لوحة فنية بديعة : “كانت طويلة بيضاء ترتدي جلبابا أسود بأكمام واسعة مزركشة وحجابا أحمر يتناشر ذيله على كتفها” . وهنا يتساءل القارئ أليست هذه الألوان الأحمر ثم الأبيض (لون بشرتها) ثم الأسود توحي بعلم مصر؟. ثم تزداد الصورة عمقا بقولها “.فلاحة بغبار الأرض الغنية ، ويحيطها طمي النيل قبل السد العالي …” إنها أرض مصر الخصبة .ولهذه العبارة الأخيرة دلالة عميقة نكتشفها بعد أن نوغل في أحداث الرواية.

وفي الفصل الأول تحدد لنا الكاتبة ببراعة ولباقة وبطريقة طبيعية ملامح الشخصيات وعلاقتها ببعضها البعض .القبطان مراد يريد من صديقه المهندس الدكتور حازم أن يبني له مقبرة كمقبرة القدماء فهوصاحب تاريخ عسكري حافل يفوق تاريخ فراعنة مصر” …..إذا كان أحمس قد طرد الهكسوس فقد تحملت ما يقرب من سبعين عاما من خيبة الأمل والحروب في الداخل والخارج والحركات المتطرفة والمتطفلة “هذه المقبرة ستخلده كما خلدت المقابر القديمة ملوك مصر عبر آلاف السنين. وكما كانت مقبرة توت عنخ آمون مليئة بأشياء رائعة فقد أراد القبطان أن يكون قبره “قبرا كبيرا جميلا عظيما ، وله استراحة لعائلتي ، وفوقه برج كبير ،وباب سحري والكثير من الفتحات التي تمتد إلى الشمس ” وبالنسبة للدكتور حازم كان إبرام الاتفاق على بناء المقبرة فرصة الخلود والإبداع وكأنه سيضاهي إمحوتب أشهر بناة الأهرامات أوالمعابد القديمة عظمة وجلالا .وبطبيعة الحال يحتاج القبطان إلى قطعة أرض ليبني عليها مقبرته .وهنا يأتي دور الفلاحة وهي الشخصية الثالثة ” أسماء الشرقاوي” فلديها قطعة أرض في بنها .وهنا يأتي دور زوجة القبطان مراد (وهودور الشخصية المساعدة) التي تتظاهر بالتعاطف والتراحم مع أسماء ” مسكينة تجري على أيتام . أرجوك يامراد حاول أن تجد لها مشتريا لأرضها .هل تتصور أهل زوجها بعد رحيله يبهدلونها ويسرقونها ..هي الدنيا جرى فيها إيه ؟ مفيش رحمة” إنها مصر تبحث عمن يشتري أرضها التي ستنهب منها حينما يتقدم القارئ في قراءة الرواية .أما الإشارة الذكية الخفية التي دستها الكاتبة بطريقة عابرة فقد جاءت في عبارة وردت على لسان القبطان مراد صاحب التجربة العملية الواسعة في الحياة إذ يقول للدكتور حازم وهويفاتحه في موضوع المقبرة : “ماذا نفعل في هذا العالم سوى أننا نأكل ونؤكل ” وقد دستها الكاتبة بخبث ومكر أثناء حديثه الشبق عن المرأة التي ستتضح فيما بعد أنها أسماء الشرقاوي.هذه العبارة تخرج القارئ من مجال حصر الرواية في ملحمة مصرية إلى فضاء أرحب لا نهاية له لأنه يشمل الإنسانية ؛تماما مثلما ندرك أن ملحمة الحرافيش وأولاد حارتنا لا تنحصران في البيئة المصرية وإنما تشملان الإنسانية وبذا تتخطيان حدود الزمان والمكان.

تحيط بشخصية أسماء الشرقاوي جميع مشكلات مصر من الفساد المستشري في المجتمع على اختلاف طبقاته وتفاوت في الأرزاق بين الثراء الفاحش والفقر المدقع بل وتحت خط الفقر وعادات قديمة موروثة مثل ختان البنات والسحر، وفك النحس وربط الرجل وتسخير الجان . وفي مثل هذه الأمور تلجأ المرأة الريفية إلى أم المضامير كما تتناول المرأة وقهرها وانتهاك حقوقها خاصة عندما تكون فقيرة أوأرمل أومجهولة الأصل وكيف تضطر إلى التوسل وذرف الدمع لاستجداء العطف. فلا كرامة لفقير. فهومجتع غير متجانس يعيش في جزر منعزلة .والكاتبة تبين هذه المشكلات إما عن طريق سلوك الشخصيات الأساسية أوالثانوية التي تلقي الضوء على الأحداث .فعن طريق أم المضامير مثلا نعرف أن كريمة تعرف أن لزوجها القبطان مراد غانية في كل ميناء يرسوفيه وهي تكرهه ومع ذلك تستمر معه لا من أجل الأولاد ولكن لأنها خائفة من أن تستحوذ غانية على ثروته.

وتصف الدكتورة رشا التي تربت في مدارس فرنسية حال التعليم الجامعي في مصر قائلة إن الجامعة المصرية أصبحت فظيعة وإن العلم في عصرها كان عبادة وإن الجهل الآن سمة الجميع .كما تعبر عن سخطها وغضبها من الحكومة والإهمال والبلهارسيا ومياه الترع والمصارف وتلوث نهر النيل وساكني وادي النيل، وكأنها لسان حال المعارضين للنظام.

ونرى من تتابع أحداث الرواية أن العلاقات بين الطبقات تقوم على أساس تابع مقهور ومتبوع قاهرويتضح هذا جليا في العلاقة بين أسماء وكريمة زوجة القبطان .فكريمة تكلف نفسها فوق طاقتها للفوز بعين الرضا من كريمة التي تهين كرامتها ولا يسعها إلا أن تستجدي عطفها ورضاها وقلبها يضمر عكس ماينطق به لسانها .وماذا عساها أن تفعل وهي امرأة وحيدة أرملة بلا رجل بيد أنها ليست ضعيفة كل الضعف كما قد يتراءى لنا من ظاهر سلوكها فهي قد تنقلب إلى وحش كاسر عند الضرورة وإذا يسرت الظروف لها ذلك .فهي على سبيل المثال مفتونة بالدكتور حازم وتضمر له الحب لكنها لا ترضى لابنها أن يتزوج من فتاة تربت على حرية الأرادة وقوة الشخصية . من هنا فإن الكاتبة لا تضع اللوم كله على المجتمع والظروف المحيطة بأسماء بل إن سبب مأساتها ينبع أيضا من شخصيتها الطموحة إلى أبعد الغايات.

ويصل الصراع إلى ذروته بين الشخصيات الثلاث الرئيسية .ويقف قطبا الصراع في مركزي القوة الرئيسيين القبطان مراد والدكتور حازم في مواجهة عنيفة وتستعر الحرب بينهما ويشهر كل منهما أسلحته محاولا تدمير الآخر.وسبب الخلاف بينهما أن حازم لم يرض مرة أخرى أن يغير ألوان المقبرة التي اختارها مثلما حدث مع ألوان فيلته في كينج مريوط مع زوجته شيرين . فحازم اعتاد أن يأمر فيطاع .وانهار مشروع المقبرة الذي كان يعني بالنسبة له فكرة الخلود من خلال تصميم هذا الصرح وكتابة كتاب الموتى والأحياء . لقد اكتفى من المال والنفوذ ويجب أن يعمل لنفسه وهويرى أن القبطان غير جدير بهذه القبرة فهورجل بلا أخلاق أوضمير ولايستخق الخلود . فما كان منه إلا أن اشترى قطعة الأرض من أسماء وطلب من سكرتيره دعوتها هي وعائلتها للغداء .لكن أسماء بمراوغتها المعهودة وطرقها الملتوية أرسلت ابنها للقبطان ليستحثه على شراء الأرض لأن مشتريا آخر عرض ثمنا أكبر . ولم يبد القبطان اهتماما بزيارة ابنها ولم يعد حتى بشراء الأرض في القريب العاجل .وتمت الصفقة لصالح الدكتور حازم .وبلغ الأمر القبطان فاستشاط غضبا واتصل بحازم مهددا ومتوعدا بسحق هذه الفلاحة بين قدميه كالصرصار وبأن أرضها ستختفي من على سطح الأرض كلها .فالكون في نظر القبطان قد اختل لأن أسماء باعت أرضها دون إذنه .وحصل القبطان بواسطة سكرتير الدكتور حازم على وثيقة تدين أسماء إذ أصرت على أن زوجها باع لها الأرض قبل وفاته بأيام. كان عقدا مزورا.واكتشف حازم المؤامرة .وأدخل سكرتيره السجن وأرسل محاميه لنجدة أسماء.وفي اليوم التالي لحقت أسماء بحازم وهويمر على الأرض .كانت ترتدي بلوزة حمراء وجونلة سوداء ووضعت شالا على رأسها .كانت تلك هي المرة الثانية التي ترتدي فيها هذه الألوان .فعندما ذهبت إلى مكتب الدكتور حازم للمرة الأولى في مكتبه كانت ترتدي جونلتها السوداء الطويلة وحجابها االأحمر فوق طاقية رأس سوداء.وبهذه الألوان تؤكد الكاتبة للمرة الثالثةعلى هوية أسماء التي رمزت بها إلى.فمع بشرتها البيضاء واللونين الأحمر والأسود نرى علم مصر.أضف إلى ذلك أنها وهي ترتدي ملابس الفلاحة تحيلنا بطريقة لطيفة خفية إلى تمثال نهضة مصر لنحات مصر الأشهر محمود مختار، الذي رمزفيه إلى مصر بفتاة مصرية فلاحة تتطلع إلى المستقبل في خضم الأحداث التي كانت تمر بها البلاد وهي تطالب بالاستقلال في السنوات التي سبقت ثورة 1919 وما بعدها.وهنا يجب أن نتذكر أن كلمة الثورة يرد ذكرها كثيرا في الرواية. إن ريم بسيوني لديها مخزون هائل من التراكم الثقافي في اللاوعي تنضح به هذه الرواية.

وفي المقبرة بكت أسماء واقترب منها حازم وأحاط كتفها بذراعه، وهويحك خده برأسها وتتأجج نيران العاطفة بينهما وتمانع هي ولم تسمح له بأن يخلع ملابسها فهي ليست امرأة سهلة؛ إنها تتقن اللعب والانتصار فيعرض عليها الزواج لكنها تقول له إنه لن يتزوج فلاحة.وكيف ستواجه هي القرية ؟ وكيف ستسيطر على أولادها وهي التي اعتادت على أن يطيعوها طاعة عمياء ؟ ألم تضحي بكل شيء من أجلهم؟

وتتطور المعركة بين القبطان وحازم .وخرج القبطان من قضية الاستيلاء على وثائق عن طريق الرشوة وقُبض على موظف آخر يعمل عنده .وكان رده على حازم بأن لفق له فضيحة أخرى تحت مسمى القضاء على الفساد وسيطرة رأس المال إذ ادعى مهندس حديث التخرج بأنه هوالذي قالم بتصميم الفنادق الشهيرة في الإسكندرية وأن حازم كان يستغله.واستمرت سلسلة الادعاءات والتشهير وينتهي الأمر بينهما بالتعادل ثم التفاوض والصلح .ويقول القبطان مراد للدكتور حازم إننا جميعا نحب مصر .كل بطريقته…..ومنا من يشتاق إلى أحضان طمي النيل ……

أما أسماء فذهبت إلى المقبرة كما طلب منها حازم وبعد مناورات بينهما مارس الحب معها مرات ومرات . وعادت إلى بيتها .وتفحصتها أمها وكأنها تراها لأول مرة .وقالت لأولاد أسماء أمكم ممسوسة فقد قضت ليلتها في المقابر وسط الأرواح وحدث شيء غريب لا تستطيع أن تخبر أمها به لأنها لاتدري ماذا ستفعل به الجان.

وتنتهي الرواية باللقاء الأخير بين حازم ومراد في المقبرة .ويقول القبطان فجأة :لا أدري من خرج الفائز في صفقة المقبرة ؟ أنا أم أنت أم أسماء؟ ويستقر رأيه على أن أسماء هي الفائزة. وينزل درجات السلم في حرص ويصفر في إعجاب ويقول أشياء رائعة .ويرد حازم في حماس : انظر إلى الألوان ، إلى تناسق الحوائط ولم يجب القبطان لأنه كان قد فارق الحياة.

تصف الرواية دقائق الحياة في مصر وما يمور بها من تيارات سياسية ومشكلات اجتماعية وما أصابها من انحلال أخلاقي على جميع المستويات وداخل كل الطبقات والقهر الذي يسود العلاقات بين أفراد المجتمع على اختلاف طبقاتهم.وبنفس القدر تقدم الرواية ملحمة إنسانية فشخصية القبطان مثلا تمثل قمة هرم الفساد الذي مبعثه أنانية الإنسان ووطمعه الذي تتناقله وسائل الإعلام في أخبارها عن الطغاة في دول العالم الثالث سواء في آسيا أوأفريقيا أوأمريكا اللاتينية أودول أوروبا الشرقية .وطبعا لا نستثني الدول المتقدمة ولكن من حسن حظ هذه الدول أن لديها نظما ديمقراطية وبرلمانات وأجهزة إعلام قوية تحمي شعوبها.ومن هذا المنطلق تكتسب الرواية أبعادا إنسانية .وكأن هذه الرواية كانت النذير الأخير لمصر وللفاسدين من حكامها ورجال الأعمال فيها .فلقد نشرت هذه الرواية في يناير2010 وبدأتها الكاتبة بتحذير وجهته إلى اللص الأول واختتمته بالإعاب عن أملها في أن يأتي الانتصار من الداخل ….فنحن محاطون بأعداء حقيقيين…من كل اتجاه.

عن موقع جريدة رأي اليوم الإلكترونية


من تقديم مؤسس ورئيس تحرير جريدة رأي اليوم الإلكترونية :

سياستنا في هذه الصحيفة“رأي اليوم”، ان نكون مستقلين في زمن الاستقطابات الصحافية والاعلامية الصاخب، واول عناوين هذا الاستقلال هو تقليص المصاريف والنفقات، والتمسك بالمهنية العالية، والوقوف على مسافة واحدة من الجميع بقدر الامكان، والانحياز الى القارئ فقط واملاءاته، فنحن في منطقة ملتهبة، تخرج من حرب لتقع في اخرى، في ظل خطف لثورات الامل في التغيير الديمقراطي من قبل ثورات مضادة اعادت عقارب الساعة الى الوراء للأسف.

اخترنا اسم الصحيفة الذي يركز على “الرأي” ليس “تقليلا” من اهمية الخبر، وانما تعزيز له، ففي ظل الاحداث المتسارعة، وتصاعد عمليات التضليل والخداع من قبل مؤسسات عربية وعالمية جبارة تجسد قوى وامبراطوريات اعلامية كبرى، تبرخ على ميزانيات بمليارات الدولارات، رأينا ان هذه المرحلة تتطلب تركيزا اكبر على الرأي المستقل والتحليل المتعمق، وتسمية الامور باسمائها دون خوف.

لقراءة المزيد


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)