صحافة

محمد كامل البحيري رائد الصحافة في شمال لبنان

, بقلم محمد بكري

السبت ١٣ أبريل / نيسان ٢٠١٣
جريدة الحياة
عدنان الشهال


جريدة الحياة


قبل مئة وعشرين سنة صدرت الجريدة الأولى في طرابلس تحمل اسم «طرابلس» وبعد مخاضٍ عسير، إذ كان شيخ أبو الهدى الصيادي المقرب من السلطان عبدالحميد يحول دون ترخيص لجريدة «طرابلس» وإنشاء مطبعة «البلاغة»، وانتهى المخاض يوم دُعي العلّامة الشيخ حسين الجسر، أستاذ محمد كامل البحيري إلى الآستانة حيث كان جمال الدين الأفغاني في ضيافة السلطان عبدالحميد، وكان يتشوق لمقابلة الشيخ الجسر، وكانت مناسبة لإقناع الشيخ الأفغاني بالتوسط إلى السلطان عبدالحميد لمنح البحيري الترخيص بتأسيس مطبعة وإصدار الجريدة التي استمرت بالصدور 27 سنة (1893 - 1920) وتوقفت عن الصدور بعد وفاة صاحبها سنة 1920.

ونذكر أن أنجال البحيري، رأفت وعزمي وغالب وعصام، ساروا على خطى والدهم فأسسوا سنة 1935 في بيروت مطبعة «دار الأحد». وخلافاً لوصية والدهم التي نقلها إليهم الشيخ محمد الجسر بعدم دخول حقل الصحافة، فقد حاول رأفت وإخوانه إصدار مجلة «الأحد» وأعدّوا لها كل وسائل النجاح من النواحي التحريرية والفنية، وقد عهدوا آنذاك إلى تقي الدين الصلح رئاسة تحريرها.

وإذا كان الوالد تجاوز عراقيل الشيخ أبو الهدى الصيادي بفضل العلّامة الجسر، إلإ أن رأفت وإخوانه فشلوا في إقناع سلطات الانتداب الفرنسية بمنحهم الترخيص بإصدار المجلة، بسبب ميل رأفت وإخوانه إلى معارضة الانتداب الفرنسي. وكانت مكاتب «دار الأحد» في حي الناصرة في بيروت ملتقى رجال الكتلة الوطنية السورية برياض الصلح وإخوانه الرافضين أيضاً الانتداب الفرنسي في لبنان.

وفي الكتاب الذي أصدرته منظمة «يونيسكو» في باريس بإشراف كميل أبو صوان تحت عنوان (لبنان والكتاب) يقول المؤرخ يوسف إبراهيم يزبك: «الكلام على نشأة الصحافة الإسلامية في مدينتَي بيروت وطرابلس في القرن التاسع عشر، وفي ربعه الأخير بالضبط والتحديد، وهو وقت ظهورها، يبعث فينا الارتياح، ذلك لأن شجعانها أقدموا على تأسيسها وحمل مشعل التنوير والإرشاد وهم يعيشون في دولة أوتوقراطية مختلفة جداً...».

ويتابع قائلاً: «إن أولئك المؤسسين الشجعان يعتبرون من ألمع رسل النهضة الإسلامية التي تطاير شررها في ذلك الزمان من لبنان إلى الشرق العربي. كان عدد المؤسسين قليلاً (ثلاثة فقط)، ولكنهم عملوا عملاً كثيراً صالحاً وخطيراً».

وبعد تمهيد سريع عن الوضع العام الذي كانت فيه بلادهم يوم أقدموا على مغامرتهم الجريئة، ينتقل يوسف إبراهيم يزبك والحديث عن «الفرسان الثلاثة» فيقول: «إن أول الثلاثة هو المغفور له عبدالقادر قباني صاحب جريدة «ثمرات الفنون» التي ظهر عددها الأول في العشرين من نيسان (أبريل) 1875 وعاشت بضعاً وثلاثين سنة حتى إعلان الدستور في السلطنة العثمانية (1908) بعد أن سجلت صولات وجولات هزت قراءها أكثر من مرة».

ثم يتابع: «وإنما الفارس الثاني من الرواد الثلاثة مؤسسي الصحافة الإسلامية في القرن التاسع عشر فهو المرحوم محمد رشيد الدنا صاحب جريدة «بيروت» وتلميذ المعلم بطرس البستاني. وقد صدر عددها الأول في الثاني والعشرين من آذار (مارس) 1882. ويختتم يوسف إبراهيم يزبك «هذه الصحافة» بسيرة الفارس الثالث «المغفور له محمد كامل البحيري الذي أصدر جريدة «طرابلس» في المدينة الحاملة اسمها في الثالث عشر من آذار سنة 1893. وكان الإقدام على إصدارها أشق من إصدار «ثمرات الفنون» لأن اتصال طرابلس ببيروت عاصمة الولاية كان عسيراً جداً وليس فيها مطبعة ولا مجتمع منفتح. ودهش المثقفون الذين سمعوا أن محمد كامل البحيري، الثري التقدمي، قد جلب مطبعة إلى مدينته وأصدر جريدة في طرابلس المحافظة، وحسبوا عمله مغامرة خاسرة». وبعد أن يشير يوسف إبراهيم يزبك إلى نفوذ الشيخ أبو الهدى الصيادي لدى السلطان عبدالحميد وادعائه بأنه يملك علم التنجيم يقول: «إن البحيري هو أحد الأفراد القلائل الذين لم يرضخوا دائماً للطاغية أبو الهدى».

ثم ينهي المؤرخ يزبك الكلام على محمد كامل البحيري قائلاً: «كان يرفض علم هذا الرجل (بقصد علم التنجيم) ويرفض أن تكون مدينة طرابلس نهباً مقسماً بين «العلماء» والوجوه الرجعيين من زمرة الصيادي، ويعارض استئثارهم فأصيبت جريدته بالتعطيل خمس سنوات ولحقته أضرار مادية جسيمة، ولما أعلن العمل بالدستور (1908) عدّ أحرار مثقفي الفيحاء أن صاحب جريدة طرابلس واحد من الذين قاوموا الطغيان في سبيل الحكم الدستوري»

ولعل أبرز المشاريع العمرانية والاجتماعية التي ساهم في تنفيذها مساهمة فعالة، مشروع بناء مستشفى خيري في محلة أبو سمرا (يعرف اليوم بدار الخدمات الاجتماعية)، فقد تبرع البحيري بقطعة أرض كان قد تملكها لبناء مسكن تنتقل إليه عائلته مع بداية فصل الربيع هرباً من جو المدنية المشبع بالرطوبة، لكنه آثر تقديم الأرض والإسراع في بناء المستشفى. وكان أن تألفت من وجهاء المدينة جمعية برئاسة متصرف طرابلس آنذاك رشيد بك طليع وعضوية فؤاد الذوق والحاج نعمان العجم والحاج سعيد الضناوي، وعُهد إلى البحيري أمانة الصندوق والإشراف على إنفاق التبرعات التي جمعت من أثرياء المدينة. ويقال إن من الأسباب التي دعت إلى الاسراع في بناء مستشفى خيري، عودة الدكتور عبداللطيف البيسار من ألمانيا، أشهر جراحي العرب آنذاك، إذ كان مقصداً للمرضى من أنحاء الولايات العربية. وكان إلى جانب مهارته في الطب رجل عمران ينفق على مشاريع الخير فضلاً عن معالجة المرضى الفقراء مجاناً.

كانت مكاتب الجريدة والمطبعة ملتقى المفكرين والأدباء والصحافيين الذين كانوا يحرصون على زيارة البحيري، وبعضهم كان يأتي من القاهرة أو بيروت أو غيرهما من المدن والبلدات. أما بعد الظهر (بعد صلاة العصر من كل يوم) فكان البحيري يستقبل زواره وأصحاب المصالح في «المنزول» الملاصق لإدارة الجريدة. وإلى جانب «المنزول» أنشأ مكتبة زاخرة بمئات الكتب، سواء تلك التي طبعت في مطبعة البلاغة أو في المطابع الأخرى خارج طرابلس.

يذكر الصحافي الطرابلسي المتمصر أنطونيوس منصور أنه زار مكتب البحيري في الجريدة: «فوجدنا - البحيري - رجلاً وطنياً يسعى بكل جهده لإنجاح أبناء وطنه وتقدمهم. وفي تلك الإدارة ، تشرفنا بمقابلة العالم العلّامة صاحب الفضيلة حسين أفندي الجسر، وقد شاهدناه بين الدفاتر والمحابر، يسطر ما تجود به قريحته السيالة من فاخر الدرر الغوالي في العلم والسياسة والأدب. وفضيلته أكبر مساعد في نجاح جريدة طرابلس وتقدمها». (مارون عيسى الخوري – «ملامح من الحركات الثقافية في طرابلس»).

نظم البحيري إدارة التحرير على أسس حديثة فاعتمد مراسلين للجريدة في أنحاء السلطنة وفي الخارج، في البرازيل، وكلكوتا، وجدة. هذا التنظيم الرائع لهيئة التحرير والمراسلين إنما كان بهدف توافر أكبر مقدار من المعلومات والأخبار فلا يفوت القارئ الطرابلسي والعربي منها شاردة ولا واردة. وكان البحيري يتولى تحرير الجريدة ويعاونه شقيق زوجته الشيخ عبدالفتاح الشهال الذي كان مولجاً تركيب مواد الجريدة. أما العلامة الشيخ حسين الجسر فكان يتولى تحرير المقالات الدينية والاجتماعية والفقهية. كما كان من فريق المحررين الشيخ سامي صادق. وكان يقوم بسكرتارية التحرير صحافي من آل الإمام وصحافي آخر من آل النعنعي. أما المحرر محمد كامل البابا فقد نشر تقريراً وافياً عن غرق الباخرة الإنكليزية «فيكتوريا» ذاكراً أسماء أفراد طاقمها والذين غرقوا معهما. ومن أهم ما نشر في جريدة طرابلس، في عددها سنة 1913، مقالة الفيلسوف الفنان جبران خليل جبران تحت عنوان «دمعة وابتسامة» ينتقد فيها شعراء المهجر العرب، كما كانت باكورة نتاج الشيخ رشيد علي رضا نشرت في جريدة طرابلس.

وفي سنة 1993 ولمناسبة مرور مئة سنة على جريدة «طرابلس» نظم المجلس الثقافي للبنان الشمالي أسبوعاً للصحافة الشمالية وتكلم في الافتتاح رئيس المجلس الدكتور نزيه كبارة كما تكلم نقيب الصحافة محمد بعلبكي ورئيس إدارة مؤسسة المحفوظات رياض طبارة. وفي النهاية تكلم المهندس كامل عصام البحيري باسم العائلة، كما قدم الصحافي محسن .أ. يمين عرضاً شاملاً لتاريخ الصحافة الشمالية وأقيمت ندوة عن الصحافة الشمالية بمشاركة الصحافيين مايز أدهمي ومحمد وليد الدين ويعقوب خليفة، وألقى كل من ولي الدين وخليفة مداخلة في هذا الشأن. وفي اختتام الأسبوع جرى تكريم طائفة من قدماء الصحافيين في الشمال، وتكلم باسمهم رياض الدبليس، وكان الختام بكلمة لنقيب المحررين ملحم كرم.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)