كيف دخل العرب المسلمون إيطاليا ؟

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ٧ يونيو/ حزيران ٢٠١٤
جريدة الحياة
أنيس الأبيض


بعد استيلاء العرب على جزيرتي كريت وقبرص وبعض الجزر المجاورة اتجهوا إلى غزو إيطاليا، فهاجموا المراكز البيزنطية في كل من البحرين الأيوني والأدرياني. ولم تقف طموحات العرب عند احتلال الجزر والبلدان والحصون في أوروبا بل تعدوها إلى ما وراء ذلك. فالتاريخ يخبرنا أنهم استولوا على ولايات عدة من جنوب إيطاليا وكانوا يطلقون على أرض إيطاليا البر الطويل أو الأرض الكبيرة، وقد أخذوا (فلورية) واستولوا على (طارنت) و (باري) و (ريو) وغيرها من بلاد طباريا وأبولية.

كانت الأجزاء الجنوبية من أرض أبولية وفلورية تعدّ من أراضي الدولة البيزنطية واحتفظت الثلاث دوقيات الواقعة على البحر التيراني وهي جايتا ونابلي وأمالغى باستقلالها، فلم يكن لإمارة (بنغنتو) سلطان عليها وهي مرتبطة بالاسم بالدولة البيزنطية، واضطرت دوقية نابلي لدفع مطامع أمراء (بنغنتو) عنها إلى أن تحالف العرب في صقلية عام 825 م وحتى عام 900م.

استقرت أقدام العرب المسلمين في أسبانيا وفي صقلية وغيرها من جزر البحر المتوسط وحاولوا الاستقرار على سواحل البحر المتوسط في إيطاليا وفرنسا واستطاعوا أن يكوّنوا إمارة مستقلة على سواحل إقليم بيوفانس وازدادت قوتهم بما كان يصل إليهم من الإمدادات من بلاد الأندلس وأفريقيا وجزيرة صقلية وتمكنوا من إقامة المعاقل والحصون فوق المرتفعات المشرفة على خليج (غريمو) جنوب إقليم بروفانس وفي غابة (فراكسنيت) ومن ثم أطلق على هذه الدولة العربية الفراكسينية، ولم يلبث هؤلاء العرب أن ألفوا سكن الجبال والغابات والسير في الأدغال والأحراش، ومما ساعد على ازدياد قوتهم قيام النزاع بين أمراء الإقطاع المجاورين الذين كانوا يطلبون منهم مساعدة بعضهم على بعض.

ولم يكتف العرب بما بلغوه من قوة وحازوه من ثروة، بل اعتبروا أنفسهم سادة هذه البلاد وأصحاب النفوذ المطلق فيها، واستطاعوا خلال القرن العاشر الميلادي أن يهدّدوا بعض مدن إيطاليا تورينو وينتشروا في نواحي مونت فرات وبيدمنت ويستقروا في سهول نهر البو ثم تقدموا إلى حدود (ليجوريا) ودخلوا مدينة جنوة، ووقعت في أيديهم ممرات جبال الألب وبخاصة ممر سان برنار.

يذكر المؤرخ (فازيليف) في كتابه (العرب والروم) أنّ العرب المسلمين لما ظهروا أمام صقلية كان يهدد إيطاليا الجنوبية خطر عظيم ولا سيما بعد أن حالفوا نابلي عام 830م، وكان من أثر هذه المحالفة العربية أن لقيت إيطاليا في أحوالها الداخلية مشاكل كثيرة. وقد حالفت نابلي العرب المسلمين لأنها ظلت زمنا تدفع إتاوة لإمارة (بينفتي) ونشبت بينهما حرب في عام 836م ولما لم تجد إمارة نابلي من يعينها في أوروبا مدّت يدها لمحالفة العرب المسلمين.

بدأ تفوق العرب المسلمين حينما نجحوا في استعمال (الحرّاقات) وهي السفن التي تقذف بلهب النفط، مما مكّنهم من مقاومة النار الإغريقية التي يستخدمها أعداؤهم البيزنطييون.

بدأ الهجوم العربي بالاستيلاء على (برنديزي) عام 838م بأسطول من غرب كريت وشمال أفريقيا وقام من البندقية أسطول مكوّن من ستين قطعة حربية للدفاع عن هذا الإقليم، ولكنه عانى أحوالاً شديدة قرب (كروتوني) على خليج طارنت حيث حطّمه المسلمون تماماً.

وتحققت للعرب في عام 839م فرصة ذهبية للتدخل في إيطاليا، فقد قام صراع بين أميرين أراد كل منهما السيطرة على دوقية (نيفنتو) اللمباردية واستعان أحدهما وهو (راديلكس) بجند من العرب المسلمين من أفريقيا وصقلية، بينما استعان منافسه وهو (سيكنولوف) بالعرب الأسبان. ونجح راديلكس في الاستيلاء على مدينة باري والأراضي المحيطة بها وتكونت دولة عربية إسلامية تماثل الدولة التي تكوّنت في «بلرم» واستمرت أكثر من ثلاثين سنة واعترفت حكومة بغداد العباسية بهذه الدولة.

وقام العرب المسلمون في «بلرم» عاصمة جزيرة صقلية بغزو إيطاليا الشرقية، وفي عام 838م احتلوا (برنديزي) كما احتل عرب صقلية (طارنت) عام 840م وهي قاعدة بحرية مهمة في بحر (الأدرياتيك). ثم خلفهم في ما بعد غرب جزيرة (أقريطش) عام 842م وكان من نتائج انهزام البندقية، وتأسيس حكومة عربية إسلامية جديدة في (باري) واستيلاء عرب كريت على طارنت أن تعرّض البحر الأدرياني لغارات الأساطيل العربية.

وبفضل امتلاك العرب جزيرة صقلية وتحالفهم مع (نابلي) الواقعة على الساحل الغربي لإيطاليا قام العرب بغارات ناجحة على وسط إيطاليا وجنوبها. وبدأ الأمر وكأن مصير إيطاليا كلها على وشك الانتقال إلى أيدي العرب، وأفزع هذا العمل لويس الثاني (الكارولنجي) حاكم إيطاليا فقرر أن يقوم بعمل ضد العرب، ولكنه لم يصب نجاحاً يعتد به بسبب افتقاره إلى أسطول يطرد به العرب المسلمين من مواقعهم الحصينة على الشواطئ.

أما بالنسبة الى مدينة روما فتشير المصادر التاريخية أنّ العرب غزوا أوروبا مرتين الأولى عام 846م وفيها ضربوا الحصار عليها مما دفع حامية ثغور نابلي وأمالغى وجانيا لتنظيم حملة بحرية لقتال العرب مما اضطرهم لرفع الحصار بعد أن اشتبكوا مع جند الإمبراطور لويس الثاني ملك الفرنجة وسفن الثغور الإيطالية وعادوا محملين بالغنائم والأسرى.

أما الغزوة العربية الثانية لروما فقد كانت في عام 870م وقد نجحت نجاحاً تاماً والسبب يعود إلى موقف القسطنطينية التي لم تطمئن إلى تقرب البابا من الكارولنجين ولأنها كانت مشغولة بأمر صقلية وبلاد الشرق مما دفع الكنيسة في وسط إيطاليا إلى دفع إتاوة وقدرها 25 ألف قطعة فضية للعرب لضمان الحماية.

خلال القرن العاشر كانت غارات العرب في إيطاليا وأسبانيا تمتد عبر ممرات الألب إلى وسط أوروبا. وفي جبال الألب عدد من القصور والأسوار يذكر أدلاء السياح أنها ترجع إلى عهد غزوات العرب ولعل بعض أسماء الأماكن السوسرية مثل (Gaby) أو (Algaby) لعلها «جابي الخراج» التي نجدها في دليل (بديكر) في سويسرا ترجع إلى أصل عربي.

في عام 1002م أخذ المسلمون ينتشرون داخل إيطاليا في غارات واسعة النطاق، كما نهبوا مدينة «بنيفتم» واحتلوا باري عام 1003م. أما في العام 1004 فقد بدأوا يغيرون على البحر التيراني فهاجموا مدينة «بيزا» واستولوا على «كوسنترا» وأمست إيطاليا مثلما كانت أواخر القرن التاسع الصيد السهل للعرب المسلمين.

تحدث المستشرق الإيطالي الشهير (ليبرتي) في كتابه (الإسلام) عن أثر العرب في إيطاليا فقال: «لو دام الحكم العربي الإسلامي لجنوب إيطاليا بضعة قرون أخرى لأزاحت الحضارة التي جاء بها هذا الشعب العربي حضارات الشعوب الإيطالية المتأخرة فقد كانت البلاد الإيطالية في ذلك الحين فقيرة جداً تحتشد فيها عصابات متوحشة كثيرة تعمل على النهب والسلب وإقلاق الراحة مما زهد العرب في مواصلة الفتح إلى شمال البلاد الإيطالية. ثم زاد هذا الزهد بعد قيام الخلافات بين صفوف العرب فقد شغلتهم هذه الخلافات عن المضي في فتح شبه الجزيرة الإيطالية».

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)