كتاب ألأغاني لأبي الفرج الأصفهاني Abu l-Faraj al-Isfahani - 897-967

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الأربعاء، ٢٣ سبتمبر/ أيلول ٢٠١٥
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني: تاريخ العرب في شعرهم والموسيقى


في حوار أجراه معه كاتب هذه السطور لصحيفة «الحياة» ونشرته قبل سنوات قليلة من رحيله، روى لنا «المستعرب» الفرنسي الكبير جاك بيرك، أنه كان يستضيف ذات مرة صحافياً فرنسياً أراد أن يحاوره حول دوافع اهتمامه بتاريخ العرب والمسلمين. يومها «على سبيل الجواب العملي، قال لنا بيرك، أشرت بيدي الى مجموعة من الكتب ذات الأغلفة الجميلة الموشاة بالذهب وقلت لمحدّثي: هل ترى هذه الكتب؟، إنها تكاد وحدها تجيبك على سؤالك. فحضارة تنتج قبل ألف عام هذه الموسوعة، حضارة يجدر الأمر بأي عالم أن ينفق حياته دارساً إياها». وإذ روى بيرك هذه الحكاية أضاف مبتسماً: «كانت المجموعة تتألف من مجلدات موسوعة «الأغاني» لأبي الفرج الأصفهاني التي كنت أشتغل على ترجمتها الى الفرنسية في ذلك الحين».

يعتبر كتاب «الأغاني» الذي كان يثير حماسة ذلك العالم الفرنسي الكبير، وفي الحسابات كافة، واحداً من أشهر الكتب في التراث العربي الإسلامي. بل يمكن القول انه كتاب فريد من نوعه في آداب العالم كافة، إذ نعرف ان مكتبات العالم، حتى نهاية القرن التاسع عشر على الأقل، قد خلت من أي مصنف من هذا النوع، يقدم شعراء زمنه والأزمان التي سبقته، ويقدم المغنين رابطاً بين الفئتين بحيث يبدو الشعر والغناء، كما كان يجدر بهما ان يكونا منذ البداية، فنين في بوتقة واحدة، الى جانب انهما يتواكبان في شكل نادر المثال مع الموسيقى التي كانت تشكل جزءاً أساسياً من تلك اللعبة الإبداعية الفكرية.

اذاً، فكتاب «الأغاني»، الذي يقع في نحو خمسة وعشرين جزءاً، الى الفهارس العامة التي تشغل ما لا يقل عن جزءين، والذي يشغل ألوف الصفحات، هو عبارة عن موسوعة عن الشعر العربي وعن الغناء والموسيقى العربيين كما كان حالها خلال الزمن الفاصل بين بدايات تدوين هذا الشعر وتأليفه في أول عصور الجاهلية، وحتى الزمن الذي عاش فيه الأصفهاني وكتب موسوعته. فهو اذاً، وكما يقول بعض محققيه المحدثين «كتاب موسيقى وكتاب غناء وطرب، فقد ترجم مؤلفه لأكثر المغنين المشهورين في صدر الإسلام والدولتين: الأموية والعباسية، من أمثال ابن محرز وابن سريح والغريض والأبجر والهذلي، والموصلي ومعبد ودنانير وحبابة وعريب وعزة. وترجم لأكثر المغنين من الحكام، أمثال الواثق والمنتصر والمعتز والمعتمد وغيرهم. وجمع الأغاني العربية قديمها وحديثها، وانفرد بذكر الغناء العربي وقواعده، وآلات الطرب والموسيقى التي كانت مستعملة وشائعة في أزهى العصور الإسلامية مثل الأرغن الرومي والدف والطبل والطنبور والعود والناي والبربط والرباب. هذا من دون أن ننسى ترجمته في طرقه لمئات الشعراء راوياً حكايات حياتهم وطرائفهم وصراعاتهم مع مجتمعاتهم كما صراعاتهم بين بعضهم البعض. ويضيف الباحثون الكثر الذين أرخوا لهذا العمل الكبير أو درسوه أو حاكوه في مؤلفات لاحقة، أن ابا الفرج بنى كتابه من الناحية الموسيقية الخالصة، على مئة صوت، كان هارون الرشيد أمر ابراهيم الموصلي مغنيه ان يختارها له، وزاد عليها بعض أصوات أخرى. فكان يذكر الصوت وتوقيعه، ويذكر قائله ويترجم له، ويستطرد من ذلك الى غيره من الشعراء والأدباء والمغنين والمغنيات. وهو «في كل ذلك يتغلب بين جد وهزل وآثار وأخبار وسير وأشعار متصلة بتاريخ العرب وملوكهم» حتى كان كتابه، على حد قول ابن خلدون «ديوان العرب»، كما جاء في مقدمة واحدة من أحدث طبعات «الأغاني» وهي تلك التي صدرت في حلة معاصرة أنيقة عن «دار الكتب العلمية» في بيروت قبل أعوام.

في اختصار، يمكن القول إن كتاب «الأغاني» موسوعة شعرية / غنائية تختصر، في شكل من الأشكال، تاريخ الحضارة العربية / الاسلامية، حتى الزمان الذي عاش فيه الأصفهاني وكتب، طالما اننا نعرف ان كل ما حدث في واقع تلك الحضارة ومسارها كما في وعي مفكريها، كان يتجلى في نهاية الأمر شعراً وغناء. ومع هذا فإن «ديوان العرب» هذا والذي يراه كثر من المؤرخين - الأجانب خصوصاً -، كتاب حضارة العرب الرئيسي - إن جاز لنا القول - بقي غير معروف تماماً، وغير داخل في الوعي العربي، حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، حين كان أول ظهور له كسفر مطبوع، وبدأ العلماء من قراء العربية تداوله. بل حتى في ذلك الحين، اقتصر الأمر على جزئه الأول. إذ إن هذا الجزء طبع في مدينة جوبييز فولد في العام 1840 مع ترجمة الى اللاتينية أنجزها المستشرق روزغارتن الذي ضبط الكلمات في شكل كامل. لكن ذلك الجزء كان يتوقف فقد عند اخبار «ابن محرز ونسبه»... وهذا الكتاب، إذ طبع على ذلك الشكل ظل - على أية حال - غير معروف إلا للخاصة والعلماء. وهكذا احتاج الأمر الى انتظار أكثر من ربع قرن، أي الى العام 1868، قبل ان يعاد اكتشاف كتاب «الأغاني» كله إذ اكتشفت بقية أجزائه. وطبع في طبعة كاملة في مطبعة «بولاق» القاهرية، وقد أكمل المستشرق رودلف برونو تحقيقه لاحقاً، اذ أنجز جزءه الحادي والعشرين والأخير في العام 1888. وهكذا بتضافر جهود المستشرقين وجهود مطبعة بولاق، تمكن القراء العرب وللمرة الأولى من حيازة هذه الموسوعة الشعرية الفنية التي لا مثيل لها في العالم.

أما مؤلفه أبو الفرج الأصفهاني، فإن شهرته طبقت، إثر ذلك كله، الآفاق، وبدأت مسيرة حياته تُستحضر مع ازدياد شهرة كتابه. وفي وقت كان كثر يعتقدون أن كتاب «الأغاني» هو عمله الوحيد، تبين ان الرجل، على رغم انفاقه عشرات السنين من عمره في تصنيف «الأغاني» وجمع مواده وتحليلها، تمكن ايضاً من تأليف نحو ستة وثلاثين كتاباً وتصنيفها، منها ما هو موسوعي، ومنها ما هو تحليلي وتاريخي وشعري. ولقد تميزت كتابته في معظم تلك الكتب بحس نقدي ربما كان في إمكاننا ان نستخلص حدته من خلال عنوان واحد من هذه الكتب وهو «كتاب الفرق والمعيار بين الأوغاد والأحرار». ذلك ان الأصفهاني لم يكن مجرد باحث عالم، بل كان ايضاً رجل فكر وايديولوجيا. ولعل التنوخي المؤرخ كان الأقدر على التعبير عن ذلك، اذ كتب عن الأصفهاني يقول، في لهجة ذات دلالة: «ومن المتشيعين الذين شاهدناهم ابو الفرج الأصفهاني، كان يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب ما لم أر قط من يحفظ مثله، ويحفظ دون ذلك من علوم أخرى منها اللغة والنحو والخرافات والسير والمغازي، ومن آلة المنادمة شيئاً كثيراً، مثل علم الجوارح والبيطرة ونتف من الطب والنجوم والأتربة وغير ذلك. وله شعر يجمع اتقان العلماء واحسان الظرفاء الشعراء». والحال ان ما يهمنا في هذا السياق، من هذا الكلام هو العبارة الأولى التي، اذ يشدد عليها التنوخي، تضع الأصفهاني في موقع ايديولوجي لتذكرنا بأن من بين ما كتب، نصوص صراع فكري وسياسي لعل من أبرزها الكتاب المرجع «مقاتل الطالبيين» أي أبناء آل طالب. ومع هذا فإن هذا البعد الايديولوجي يبدو غائباً تماماً عن «الأغاني».

والأصفهاني، أبو الفرج، هو علي بن الحسين بن محمد بن احمد بن الهيثم المرواني الأموي القرشي: «من ائمة الأدب الأعلام في معرفة التاريخ والانساب والسير والمغازي»، بحسب تعريف كتاب «الأعلام» لخير الدين الزركلي، الذي يذكر انه ولد في أصفهان (في العام 284هـ - 897م) وتوفي في بغداد (في العام 386هـ - 967م.) ويضيف نقلاً عن الذهبي «والعجيب انه اموي شيعي». ويقول الزركلي ان الأصفهاني كان يبعث بتصانيفه سراً الى صاحب الاندلس الاموي فيأتيه إنعامه. وعن هذا الأمر يقول ابن خلكان في «وفيات الاعيان»: وحصل له - أي الأصفهاني - ببلاد الأندلس كتب صنفها لبني أمية ملوك الاندلس يومذاك وسيّرها سراً وجاءه الانعام منهم سراً. فمن ذلك كتاب «نسب بني عبد شمس» وكتاب «ايام العرب: الف وسبعمئة يوم»، وكتاب «التعديل والانتصاف في مآثر العرب ومثالبها» وكتاب «جمهرة النسب» وما الى ذلك.

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)