عام على ولادة مجلة الجديد الثقافية والأدبية الصادرة في لندن

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 08-12-2015، العدد: 10121، ص(15)
الصفحة : ثقافة
عواد علي


عام على ولادة مجلة ’الجديد’: الكتابة الجريئة والفكر الحر


فهم الواقع لمحاولة التغيير فيه يكون من خلال الأفكار التي تحيط ببيئته، وتفهمها في أبعادها المختلفة، ومن ثم يتم العمل على إيجاد بدائل أخرى ممكنة. والأفكار هي نتاج ثقافي بالضرورة، لذلك كانت الثقافة، وستظل، الرهان الأول على كل من يطرح على نفسه فهم واقعه وتغييره، وليس أكثر تعقيدا اليوم من الواقع العربي الرازح تحت الشتات والحروب وتغوّل الأصولية والطائفية والتطرف، لذلك هو الزمن المفصلي أمام المثقفين العرب الصادقين ليقفوا موانع صلبة تحمي شعوبها من الاضمحلال وترقى بها إلى واقع أفضل، لا أن يكونوا مجرد أدوات لتجميل وجوه الفقر والتخلف والدمار العربي. والمجلات الثقافية هي أحد المنابر التي يمكن للمثقفين البناء من خلالها لتحقيق مشهد ثقافي مغاير، شريطة أن تكون المنابر هذه صادقة لا معايير لها سوى الجودة ولا رهان لها سوى الطموح إلى الأفضل.

بصدور عددها الحادي عشر في الأول من ديسمبر الحالي يكون قد مضى عام على ولادة مجلة “الجديد” الثقافية منبرا للكتابة الجديدة ومنصة للفكر الحر، تؤدي دورا تنويريا خطيرا في لحظة عربية غير مسبوقة المخاطر والمفاجآت، كما أرادت لها خطتها الطموحة، وكما تطلعت إليه نخبة الأقلام العربية التي التفت من حول المجلة، وصارت، اليوم، فريقها الأدبي وجماعتها الفكرية المغامرة، على حدّ تعبير رئيس تحريرها الشاعر نوري الجراح في افتتاحية العدد الجديد.

لقد أوفت المجلة فعلا، من خلال أعدادها السابقة، بعهدها لقرائها أن تكون فضاء لاستئناف المغامرة الفكرية والجمالية الخلاّقة التي بدأتها الثقافة العربية في أبهى لحظاتها، كما أشار الجراح أيضا، حيث مكّنت بعض المفكرين والمثقفين العرب من خوض نقاش فكري حرّ يتعلق بجملة من القضايا التي تشغلهم، وأتاحت صفحاتها فتح ملفات شائكة تجنب العديد من المنابر الثقافية العربية الاقتراب منها، وحضّت حملة الأقلام العرب على خوض سجال فكري مفتوح، من منظور نقدي، حول الثورات والانتفاضات، ووضع المرأة في المجتمع وداخل الثقافة، وثقافة النخب وثقافة الناس، وقضايا الدين والعنف الأصولي، وغيرها ممّا شغل الثقافة والاجتماع في اللحظة العربية الحاضرة.

تحرير العقل

يحفل هذا العدد بكتابات إبداعية وفكرية ورسوم وتخطيطات لـ60 كاتبا ومبدعا من العالم العربي. ويبرز، على نحو خاص، ملفا واسعا بعنوان “تحرير العقل” يشتمل على حوارين مع مفكرين عربيين ينتميان إلى ما يمكن تسميته بفكر الحداثة، ويدافعان عن أطروحة التحديث وضروراته التاريخية لإحداث تحول في بنية المجتمعات ينقلها من عثرات تخلفها ومراوحتها في ماضوية موهومة، إلى الدنيا الجديدة، هما عزيز العظمة من سوريا، وقد أجرى معه الحوار حمّود حمّود، ومراد وهبة من مصر، وقد حاورته حنان عقيل.

يتضمن الملف، أيضا، مقالات سجالية تناقش مراد وهبة في طروحاته وأفكاره حول الأصولية والعلمانية والفلسفة ورجل الشارع وقضايا أخرى إشكالية يطرحها ويناقشها في حواره مع المجلة. المشاركون في السجال هم: أبوبكر العيادي من تونس، وخلدون الشمعة من سوريا، وخطار أبودياب من لبنان، وإبراهيم الجبين من سوريا. ويتمحور النقاش والجدل حول مسائل مختلفة، ومن زوايا نظر متعددة.
فيباشر المشاركون قراءة طروحات المفكر في محاولة لتفكيك ونقد مسائل نظرية يقاربها، وأمثلة يستعملها في قراءته للظواهر والوقائع الراهنة، سواء أكانت تلك التي تفجرت بسببها الانتفاضات العربية، أم تلك التي راجت معها أو نجمت عنها، وعلى رأسها ما يعتبره وهبة انفلاتا أصوليا يريد أن يهيمن على الحياة العربية، ويشترك في مقارعته مع المفكر عزيز العظمة الذي يسميه بدوره الصعود الأصولي، ويشتركان معا في اعتباره كارثة زمننا، ولا شفاء منه إلا بإصلاح ديني حقيقي، بل وبفصل الدين تماما عن الدولة.

في باب مقالات تنشر المجلة للكتّاب: الفلسطيني عبدالرحمن بسيسو، المغربية إكرام عبدي، المصري صلاح حسن رشيد، المغربي محفوظ أبي يعلا، الفلسطيني منتصر الحمد، المصري ممدوح فراج النابي، والفلسطيني نائل بلعاوي.

يقرأ عبدالرحمن بسيسو في مقالته “مفكران تنويريان في مرايا حقوق المرأة” أفكار الرائدين التنويريين المسلمين، قاسم أمين في كتابيه: “تحرير المرأة”، و”المرأة الجديدة”، والتونسي الطاهر الحداد في كتابه “امرأتنا في الشريعة والمجتمع”.

وتنتقد إكرام عبدي في مقالتها “حبر الأنوثة ودم الكتابة” الكاتبات العربيات اللواتي ينتفضن أو يحتججن على نعت كتاباتهن بـ”الكتابة النسوية” وكأنهن يرفضن الانتماء إلى أنوثتهن بوصفها سُبّة يتنصلن منها بتوتر شديد، بينما هن ينتفضن -في الأصل- ضدّ متخيل قيمي محافظ.

ويناقش صلاح حسن رشيد موضوع معاداة المرأة وتهميش دورها في التراث العربي، والنظرة الدونية لها قديما لدى بعض الشعوب. ويكتب محفوظ أبي يعلا عن “فلسفة الدين: علم الكلام واللاهوت”، ومنتصر الحمد عن “المراكب العربية في الجزر البريطانية”، وممدوح فراج النابي عن “الأدب في محاكم التفتيش”، ونائل بلعاوي عن “عزلة اليهود وفكرة العزلة”.

نصوص إبداعية

احتوى العدد على نصوص سردية وشعرية ومسرحية منها: فصل من رواية “أبناء الماء” لكاتب هذه السطور، وفصل من رواية “رسالة نوهادرا” للروائي السوري عبدالله مكسور، وقصص قصيرة لـ: القاص العراقي سعد محمد رحيم “شدو النهر”، القاص المغربي الحسن بنمونة “معشر المعتوهين”، القاص التونسي نبيل قديش “غرفة الجيفة”، القاص العراقي سعد هادي “سواد”، والقاص المصري أحمد الزلوعي “شجرة الانتظار”.

أما النصوص الشعرية فهي: قصيدة الوحدة” للشاعر السعودي أحمد الحليلي، أربع قصائد نثر للشاعر السعودي إبراهيم زولي، هي: على حافة الرجس، الظهيرة، في غفلة من العائلة، وأوزار، وردت كلها بعنوان جامع هو “سماء لا تمدح الأسلاف”، وقصيدة “فواتير الموتى” للشاعر العراقي أحمد ضياء، أحد شعراء جماعة ميليشيا الثقافة، التي نشرت “الجديد” ملفا عنها، اشتمل على مجموعة نصوص، في عددها التاسع الخاص بالشعر.

وحمل النص المسرحي عنوان “تلك الأيام” للكاتب السوري موفق مسعود، وهو نص قصير ذو منحى سردي تعبيري تتكون شخصياته من ستة أصوات، ثلاثة منها ظلال، تتوزع تحت ثلاث بقع ضوئية ملونة في فضاء يوحي إلى جوف حوت زجاجي معلق فوق الماء بقليل.

وفي باب أصوات يتناول الكاتب الجزائري الحبيب السائح موضوعا بعنوان “شقاوة الكتابة”، ويكتب الكاتب العراقي سلام سرحان عن “إحالة البشرية على التقاعد”، والكاتبة المغربية نصيرة تختوخ عن “القصيدة التي لا تنتهي وحرية الشاعر”.

الناقدة اللبنانية ميموزا العراوي تكتب في باب فنون عن الفنان التشكيلي تمام عزام، الديجيتالي السوري العابر للقارات، الذي برع في ابتكار لوحات فنية مستقاة من النزيف المزمن لجرح بلده، ومشاهداته وتجاربه المباشرة الرهيبة التي عاشها ككابوس خلال تعرضه للتعذيب في أقبية المخابرات، بسبب تجرّئه على رفض حمل السلاح بوجه أهله في مدينة حمص. وهي لوحات استخدم فيها أساليب وتقنيات جديدة أهمّها ما يسمى بـ”الفوتومونتاج” أي تقنية توليف الصور، و”الفوتومانيبليشن” أي تقنية تحوير الصور.

إلى جانب الحوارين مع عزيز العظمة ومراد وهبة، ثمة حوار ثالث في العدد مع الشاعر الموريشيوسي عمر تيمول (المولود عام 1970)، الذي يكتب بالفرنسية، أجراه عاطف بسيسو وترجمته هالة صلاح الدين، يعبّر فيه عن آرائه في المغامرة الشعرية والعالم الذي جاء منه. وترفق المجلة مع الحوار مجموعة نصوص شعرية مترجمة للشاعر بعنوان “عيون الآخرين”، يعكس فيها سعيه طلبا للمغزى، وتلهفا على الحسية، ومناطق غامضة من كيانه.

آثارنا المنسوبة إلى غيرنا

في باب آثار تنشر المجلة للباحث والروائي السوري تيسير خلف دراسة بعنوان “نظريات مفعمة بالعنصرية: دلمون وملوخا ومجان في إيران ووادي السند بدلا من الخليج العربي”، يكشف فيها عن الظلم والعنصرية التي تعرضت لها منطقة الخليج العربي، على نحو لم تتعرض مثلها منطقة أخرى في العالم منذ ثورة البحوث الآثارية أواسط القرن التاسع عشر، وذلك بسبب محاولة الباحثين الغربيين على الدوام التقليل من شأنها، وافتراض أماكن أخرى لمواقع الحضارات القديمة الناشئة على أرضها، كإيران ووادي السند، تماشيا مع النزعة المركزية الأوروبية على حساب الحقيقة العلمية التي بدأت المكتشفات الحديثة في دول الخليج العربية بتعريتها، وتقديم الأدلة الدامغة على أن مواقع دلمون وملوخا ومجان نشأت في هذه المنطقة من العالم العربي.

وكتب الكاتب السوري نجيب جورج عوض في باب “دراسة” موضوعا بعنوان “مجتمعات مدنية معلمنة أهو ممكن أم حلم عصي على التحقق؟” ذهب فيه إلى أنه من الصعب العثور على وصفة علمنة واحدة وحيدة جامعة كي تستجيب لجميع احتياجات وظروف وتضاعيف السياقات المجتمعية المتشعبة والمتعددة والمعقدة في البلاد العربية، ذلك أن كل دولة عربية هي كيان متعدد الأوجه في ذاته، وخلص الكاتب إلى أن العرب الذين ملأوا الشوارع في المظاهرات العارمة الأخيرة على امتداد العالم العربي يثبتون بالدليل القاطع أنهم أبطلوا كل الشكوك الغربية التقليدية حول استعدادهم للديمقراطية والحرية.

يوميات وكتب

من المواد الأخرى، التي اعتادت المجلة على نشرها، مادة “يوميات”، وقد كتبها في هذا العدد الروائي السوري هيثم حسين بعنوان “يوميات قاهرية”، وقراءات في مجموعة كتب مثل: “مسامرات الأموات واستفتاء ميت” للوقيانوس الهيليني السوري بقلم الكاتب السوري عمار المأمون، “الروائي الساذج والحساس” للروائي التركي أورهان باموق، وهو كتاب يتضمن محاضرات عن الرواية ألقاها في جامعة هارفرد عام 2009، بقلم الكاتب ممدوح فراّج النابي، وعرض مختصر لعدد من الكتب بقلم الكاتب اللبناني كمال بستاني، منها: كتاب “لنقحم أنفسنا” الذي يضم حوارا بين علمين هما الفرنسي إدغار موران، الفيلسوف وعالم الاجتماع والإيطالي ميكل أنجلو بيستوليتّو، أحد رموز الفن المعاصر ومؤسس مدينة الفنون، كتاب “فن الكون” لعالم الفيزياء الفلكية جون بارّو، وكتاب “الحياة هناك: عرب في كورسيكا في نهاية القرن التاسع عشر” لعالمة الاجتماع والأنتروبولوجيا الجزائرية فانّي كولونّا.

وأخيرا “رسالة باريس” التي كتبها أبوبكر العيادي بعنوان “دعوة إلى عقد اجتماعي للوفاق مع الإسلام” يتناول فيها السجال الحامي الذي تعيشه منذ أحداث يناير 2015، والذي تباينت فيه المواقف من الإسلام، بين داعٍ إلى تحييده عن الفضاء العام، عبر تطبيق العلمانية بحذافيرها، وبين منادٍ بضرورة تنظيم تعايش علني بين الأديان وإشراكها في حوار مدني.

عام أول من المحاولة

مؤسس المجلة وناشرها الكاتب هيثم الزبيدي يختم هذا العدد في الصفحة الأخيرة بكلمة تحمل عنوان “عام أول من المحاولة: «الجديد» واللحظة الراهنة”، يرى فيها أنه “من المبكّر لمطبوعة مثل «الجديد» أن تقول إنها في مسار النجاح في الخوض في الشأن الثقافي الراهن”، مشيرا إلى صعوبة المهمة التي انتدبت من أجلها، وقائمة الموضوعات المنشورة فيها التي تكشف عن مدى الآمال التي نعقدها على الثقافة كجزء من الحلول لأزمات عالمنا اليوم، خاصة أن المنطقة العربية تعوم اليوم على بحيرة من مشاكل كبرى تبدو عصية على القراءة، ناهيك عن إيجاد الحلول لها.وهذا يتطلب، من وجهة نظر الزبيدي، جهدا فكريا وثقافيا حقيقيا، وليس فقط مساهمات تبدو من باب الاستطراق أكثر منها نظرة لسبر طلاسم المشكلة.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)