ظواهر التمرد في السينما المصرية، أحمد شوقي عبد الفتاح (مصر)، دراسة مهرجان الإسكندرية لدول حوض البحر المتوسط - 2015

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
السنة السابعة والعشرون العدد 8233 الإثنين 21 أيلول (سبتمبر) 2015 - 7 ذو الحجة 1436هــ
القاهرة - رانيا يوسف


دور المرأة في صناعة السينما المصرية وتمرد جيل الستينيات على حكم الفرد


ضمن فعاليات الدورة الواحدة والثلاثين من مهرجان الإسكندرية لدول حوض البحر المتوسط، أصدر المهرجان عددا من المطبوعات السينمائية، منها كتاب بعنوان «ظواهر التمرد في السينما المصرية» تأليف أحمد شوقي عبد الفتاح، حيث يوضح المؤلف في البداية الفرق بين التمرد والثورة، التمرد هو الخروج عن المألوف، بينما الثورة هي رفض لنظام اجتماعي أو سياسي قائم والعمل على تغييره، بينما التمرد لا يرفض النظام القائم لكنه لا يريد الانصياع له، ويشير إلى أن التمرد عمل فردي، أما الثورة فهي عمل جماعي.

ويبدأ الكتاب في تقسيم ظواهر التمرد في السينما المصرية إلى ثلاث مجموعات، أولاً المتمردون على واقعهم الشخصي من أجل السينما، أو العمل في السينما. أما المجموعة الثانية فتضم التمرد الفيلمي، أي تمرد شخصيات فيلمية في أفلام بعينها، بحيث يبدو العالم الفيلمي هو الواقع الذي تتمرد عليه الشخصة الفيلمية، حيث تعبر تلك الشخصيات عن رؤية خاصة لمخرجيها للواقع المعاش. أما المجموعة الثالثة فتضم أشكال التمرد الذي يمارسه السينمائيون للتعبير عن رفضهم لأوضاع السينما في لحظة تاريخية، حيث ظهرت أفلام تؤرخ لتلك اللحظة مثل فيلم، «اغنية على الممر» عام 1969، الذي يصفه الكاتب برد فعل سينمائي على نكسة عام 1967 العسكرية والسياسية والاجتماعية.
يصف المؤلف السينما المصرية بأنها الوحيدة في العالم التي بدأت على يد امرأة، ففي المجتمع الذي كانت تعيش فيه عزيزة أمير وفاطمة رشدي وأمينة محمد وأمينة رزق، كان التمرد على العادات والتقاليد التي تعزل المرأة عن العالم الخارجي أمرا غير مقبول في المجتمع، ويشير إلى أنه في ذلك الوقت عبر الأديب العالمي نجيب محفوظ عن وضع المرأة في ثلاثيته الشهيرة. أما فن السينما فكان فناً طليعياً يحمل جزءا من هموم المجتمع ويعتبر نافذة على العوالم المتجاورة، وكان يعتبر نوعاً من الحوار المجتمعي الذي يعبر عن كافة شرائح المجتمع المصري في ذلك الوقت.

ويقول المؤلف إنه في ظل الثقافة المهيمنة على الحياة المصرية، التي تم التعبير عنها في عدة أفلام، كان إحجام الرجال المصريين عن الولوج لعالم السينما بصورة مباشرة مدعاة لأن تقوم بعض النساء بهذا الدور، منتجة ومخرجة وكاتبة وممثلة، ويشير إلى أن الرغبة في الشهرة والاستحواذ على الاعجاب والرغبة في تحقيق النزعة الاستقلالية التي يطالب بها المجتمع الراقي، من دوافع هؤلاء النساء للعمل في السينما، ويرى أن بذرة التمرد الحقيقي وضعت في روح عزيزة أمير، التي اكتسبت عبر سنوات حياتها مساحة كبيرة من الاستقلالية التي رافقتها في حياتها في ما بعد، وساعدتها عندما دخلت عالم السينما، حيث شاركت في إخراج فيلم «ليلى» عام 1927 ثم اخرجت فيلم «بنت النيل» في العام التالي، ثم أخرجت فيلما ثالثا بعنوان «كفري عن خطيئتك» عام 1933. كما شاركت بالكتابة والتمثيل، وكانت المرأة في تلك الفترة تمتلك قوة تستطيع أن تقول ما تريد في كل المنابر المتاحة لها.

بهيجة حافظ، وهي إحدى بنات طبقة الباشاوات شجعها والدها إسماعيل حافظ باشا على تحقيق حلمها في دراسة الموسيقى في باريس، حيث تعلمت العزف على البيانو. عاشت بهيجة حافظ حياة مستقلة عن عائلتها وعملت على تأليف المقطوعات الموسيقية وبيعها لشركة الاسطوانات، ثم اتجهت للعمل في السينما، حيث رشحها المخرج محمد كريم لدور البطولة في فيلم «زينب»، واعتبرت عائلتها هذه الخطوة فضيحة كبيرة دفعت إحدى أخواتها إلى إقامة سرادق عزاء لها وتبرأت منها عائلتها. في هذه الفترة كان الفن فيها يعد من المهن الوضيعة، ويعد أكبر اسهام لبهيجة حافظ في السينما أنها أسست نقابة حرة للموسيقيين عام 1937 وظلت النقابة تعمل بعد قيام ثورة يوليو/تموز حتى صدر قرار بوقفها عام 1954، ويشير الكاتب إلى أن تمرد ابناء وبنات الطبقات الراقية ذلك الوقت كان شائعاً، حيث كانت درجة استقلالية الأفراد تعبر عن تجسيد فكرة الاستقلال التي ينادي بها الساسة والشعب للوطن.

من رائدات السينما المصرية أيضا أمينة محمد، التي تنتمي إلى طبقة متوسطة وهي خالة الفنانة أمينة رزق، اللتان ارتبطتا معاً في بداية حياتهما، حيث مارستا التقليد والغناء وشاركتا في بعض العروض المصاحبة للموالد الشعبية، ثم التحقتا بفرقة رمسيس وشاركتا في مسرحية «راسبوتين»، وقد نالت أمينة رزق إعجاب واهتمام يوسف وهبي فأسند لها دورا مهما في إحدى مسرحياته، بينما ظلت أمينة محمد تؤدي الأدوار الصغيرة، حتى تركت المسرح وبدأت تتنقل بين الفرق المسرحية. أما فرصتها الذهبية فجاءت عندما التحقت بفرقة أمين عطا الله في رحلة فنية تجولت فيها الفرقة بين سوريا ولبنان، ثم التحقت بعدها بفرقة بديعة مصابني، وأصبحت نجمة لامعة في عالم الرقص. خاضت أمينة محمد عددا من الأفلام السينمائية منذ عام 1934، أسست بعدها شركة إنتاج قدمت عددا من الأعمال التي خلدت اسمها كواحدة من الرائدات في صناعة السينما المصرية.

يصل المؤلف إلى رائد آخر للسينما التسجيلية في مصر هو المخرج محمد بيومي الذي عاش حياته متمرداً على ثراء عائلته، حيث عمل وهو في الثانية عشرة من عمره ليحقق بذلك قدرا من الاستقلالية عن العائلة، ثم ثار على الاحتلال البريطاني لمصر والتحق بالجيش المصري، لكنه حسب وصف المؤلف، صدم بطريقة التعليم في الكلية الحربية التي كانت تكرس الإحساس بالدونية تجاه الاستعمار البريطاني بتأكيد نفوذة وهيمنته على مصر، وبعد تخرجه من الكلية الحربية عمل لفترة طويلة في الجيش المصري حتى عام 1919، حيث خرج وأسس مجلة لرسوم الكاريكاتير، ثم شارك في تأسيس فرقة مسرحية مع بشارة واكيم، وكان التصوير الضوئي أحد هواياته المفضلة. أسس عام 1921 أول استوديو سينمائي مصري باسم آمون فيلم، كما طلب من طلعت حرب، حسب ما ذكر في بعض المراجع التاريخية، إنشاء مؤسسة لصناعة السينما في مصر، ويختم المؤلف بذكر وصف محمد كامل القليوبي للشخصيات الدرامية التي قدمها محمد بيومي في افلامه الروائية، انها يجمعها عاملان هما الوضعية الطبقية في أسفل السلم الاجتماعي والرغبة والشهوة الجامحة للحياة.

وعن التمرد في ما يعرف بسينما الباشاوات يشير المؤلف إلى أن الروح الوطنية المصرية دخلت في مأزق، فمن ناحية كانت تعرض أفلام تصف حياة الأقليات، مثل طبقة الباشاوات، في الوقت الذي كان معظم الشعب المصري يعاني من الفقر، لذلك يصف الكتاب خطوة طلعت حرب بتأسيس بنك مصر حركة للمساواة مع الأجانب، خاصة أنه بعد ذلك عمل على دعم الانتاج السينمائي وتوفير فرصة للمخرجين المصريين لتقديم موضوعات أكثر واقعية وتتناول كل شرائح المجتمع، حيث أدت السينما دورها في تخفيف حدة التناقضات الطبقية وتصوير مجتمع الباشاوات على أنه حالة معيشية فيها لحظات من الاخفاقات والنجاحات.

يشير أحمد شوقي عبد الفتاح إلى ما بعد ثورة يوليو/تموز 52، حيث برزت مشاعر التمرد على بعض السينمائيين الذين رفضوا الانصياع لتوجهات الثورة، منهم المخرج أحمد بدرخان وصلاح أبوسيف، ولكن النزعة الأمنية في ما بعد ثورة يوليو وما مارسه النظام الناصري وقتها ضد الحريات وغموض قانون الرقابة أديا إلى انسحاب الفنانين نحو الماضي للنجاة من مناقشة الواقع، ولكن بعد تطبيق الاشتراكية رفض السينمائيون القرارات الفردية، ما زاد من تمردهم الفني ولجأوا إلى الماضي عن طريق السخرية من الواقع وقدموا مجموعة من الأفلام العبثية، وبعد نكسة يونيو/حزيران 1967 تكونت مجموعة السينما الجديدة على يد مخرجين شباب، قدموا سينما ترتبط أكثر بالواقع، وتبحث في جذور المشكلات التي يعاني منها المصريون.

عن موقع جريدة القدس العربي الجديد

عن موقع جريدة القدس العربي

المقال في جريدة القدس العربي بالـ pdf


صحيفة القدس العربي هي صحيفة لندنية تأسست عام 1989.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)