يشهد واقعنا الثقافي منذ سنوات، ليست باليسيرة، حالة من الفراغ المتحرك، ليس بفعل غياب الإنتاج الأدبي أو الفكري أو الإجتماعي، وإنما نتيجة عجزه عن “خلق” ما يسمى ب"الحدث الثقافي".. والفراغ هنا يكاد يكون قاتلا، لغياب أي تفكير جدي في تنشيط حقلنا الثقافي انطلاقا من مبادرات حقيقية، وأنشطة منتجة، ومهرجانات فاعلة.
غير أن “الحدث الثقافي” الذي نعنيه هنا، لا يعني المعرض الدولي للنشر و الكتاب الذي يقام سنويا بالدار البيضاء على سبيل المثال، ولا التصور الحكومي وبرنامجه الثقافي المعلن عنه كل سنة خلال عرض ميزانية قطاع الثقافة بالبرلمان، ولا نعني به أيضا تنظيم حفل باذخ لجائزة المغرب للكتاب عند الإعلان عن نتائجها.
إن الحدث الثقافي، الذي ينبغي أن يكون عنوانا عريضا لحياة ثقافية وفكرية مغربية متفاعلة مع حركية المجتمع وطموحاته، هو المبني على جملة من العناصر ندرج من بينها ما يلي :
- الرفع من المنسوب النقدي في متابعة الإنتاج الإبداعي من قصة قصيرة، ورواية، ومسرح، وتشكيل، وسينما، وموسيقى، ونحت، وإعلام ثقافي.. وباقي الأجناس الإبداعية، بدل الإنشغال – غير المجدي – بما ينتجه بعض من إخواننا بالمشرق، من أقصوصات و روايات ومسرحيات لا تغني ثقافتنا و لا تسمنها من جوع. إذ أن الملاحظ – بكل أسف – أن عددا من نقادنا يهرعون، بصورة لا تليق، لإنجاز قراءاتهم المخبرية كلما أطل منتوج إبداعي مشرقي بوجهه على أرضنا الثقافية المغربية، رغم أنه في بعض الأحيان لا يستحق أدنى ردة فعل، شأنه في ذلك شأن بعض الإبداعات المغربية والغربية.
- تخصيب العمل الجمعوي الثقافي بفتح أبواب اللقاءات والندوات والنقاشات بين الأدباء والمثقفين والمفكرين المغاربة حول نظريات وأفكار وآراء ثقافية جديدة.
- تشجيع الإعلام الثقافي بضمان مكان لائق له ضمن منظومة البرامج التلفزيونية والإذاعية، في انتظار تأسيس وإنشاء قناة تلفزيونية ثقافية موسومة بالانفتاح والتعددية وقبول آراء الناس وأهل الاختصاص.
- ضرورة أن يعمل الجميع من أجل أن تكون المرحلة موجهة نحو فك الارتباط بين الثقافة والسياسة، والتشجيع على “خلق” ما يسمى بالمعارك الفكرية والأدبية، لتنشيط واقعنا الثقافي، وتحريره من الفراغ المتحرك القاتل.. و بذلك نصنع الحدث.