روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، محمد بن حبان البستى أبو حاتم الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ٢٨ مارس/ آذار ٢٠١٥
جريدة الحياة
القاهرة – محمد عويس


روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ... سلوك الانسان مع ربّه ومع نفسه


صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة أخيراً كتاب «روضة العقلاء ونزهة الفضلاء» - تحقيق مصطفى السقا، لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، وهو من أعلام المحدثين في القرن الرابع الهجري. توفي السبتي سنة 354 هجرية، وذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان ترجمة مطولة له، وذكره العلامة السبكي المصري في «طبقات الشافعية الكبرى»، وعُني بكشف اللثام عن وبست التي يُنسب إليها أبو حاتم وهي بلدة في فارس من كورة سجستان، وهي من مدائن العلم الكبرى في فارس، خرجت منها جماعة من كبار العلماء، من أشهرهم أبو حاتم بن حبان، وكانت بلاد فارس وخراسان في عصره مملوءة بمراكز الثقافة الإسلامية، وتعج برجال العلم، بخاصة علماء الحديث والدين.

ووفق محقق الكتاب، فقد كان القرنان الثالث والرابع من أعظم قرون الثقافة الإسلامية، وكان من أبرز مميزات ثقافة هذين القرنين: أولاً نزعة الاستقصاء في جمع مواد العلوم الإسلامية، وعدم الاكتفاء بما دونه علماء القرنين الأول والثاني من فروع المعرفة، لذلك ظهرت فيهما الكتب الجوامع التي تشبه أن تكون دوائر معارف، في غزارة مادتها، واتساع أغراضها، وشمولها لنواحي كل علم، منها: في الحديث مسند الإمام حمد، والجامع الصحيح للبخاري، والجامع الصحيح لمسلم، ومسند أبي حاتم البستي وجامعه، وتفسير الطبري، والتاريخ له، وتاريخ الرجال للبخاري وللبستي وغيرهما، وفي اللغة: جمهرة ابن دريد، والبارع لأبي علي القالي، والتهذيب للأزهري، وفي النحو: شرح الكتاب لسيبويه، لأبي سعيد السيرافي، وفي القراءات: الحجة لأبي علي الفارسي. ثانياً: النزوع إلى استخدام المنطق اليوناني، في الفحص عن قيمة التراث الموروث، فما ثبت منه أمام العقل والمنطق، فصحيح يعول عليه، وإلا فهو زيف وباطل ووهم وخرافات وأساطير. وأبلي في ذلك الأئمة أعلام الإسلام، كمحمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج القشيري، وأحمد بن حنبل الشيباني، ويحيى بن معين، ومحمد بن جرير الطبري، وابن ماجه، والترمذي، والنسائي، وأبي حاتم البستي، وتلميذه الحاكم، وأحمد بن علي بن ثابت الخطيب وأمثالهم، فجمعوا صحيح السُنّة في الجوامع الصحاح، ونقدوا المتون والأسانيد، وألفوا في الجرح والتعديل كُتباً كانت نبراساً للمنهج العلمي الصحيح في علوم الرواية، وقد شاع منهج المحدثين ودقتهم العلمية في التقسيم والتنويع وسائر فروع المنهج في فروع الثقافة الأخرى، كالتفسير، والقراءات، والتاريخ، واللغة، والنحو، والأدب. ومن نتائج ذلك ظهور أنواع جديدة من التأليف، يغلب على أصحابه النقد، لا الجمع، أو هما معاً، وكان من أظهرها في التفسير تفسير بن جرير، وكُتبه في الخلاف بين الفقهاء، وكُتب النقد اللغوي، كالتهذيب للأزهري، والنقد الأدبي، كالموازنة بين الطائيين للآمدي، والوساطة بين المتنبي وخصومه، لعلي بن عبدالعزيز الجرجاني، وفي النحو كُتب أبي علي الفارسي وابن جني، وظهر في أثناء تطور هذه الحركة العلمية القوية فن البحث عن المناهج العلمية في كل فرع، وهو علم أصول الحديث، وعلم أصول النحو واللغة، وعلم النقد الأدبي وغيرها.

وقد استخلص علماء القرنين، قواعد فنية رائعة، تشهد بذكائهم وعبقريتهم، فوضع المحدثون أصول علم الرواية الحديثية، التي تسمى: علم مصطلح الحديث ووضع النحويون واللغويون: الزجاج، وأبو علي الفارسي، وابن جني أصول علم النحو. ثالثاً ومن أعجب مظهر تلك النهضة العلمية التي سبقت النهضة الأوروبية الحديثة بقرون عدة، أنها كانت قائمة على ما يشبه المذهب التجريبي في إثبات الحقائق، فعلوم الرواية عند المحدثين تُستقى من مصادر عدة، أولها السماع المباشر من الرجال، وعدم التعويل على الكتب والصحف كثيراً.

ويتناول «روضة العقلاء، ونزهة الفضلاء» ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان في الحياة، مع ربه، ومع نفسه، ومع أصدقائه بخاصة، ومع الناس بعامة. ويتكون من خمسين فصلاً، تتناول هذه النواحي الأربع في السلوك، منها خمسة عشر موضوعاً في أدب النفس، وسلوك الإنسان مع ربه، كلزوم العقل والعلم وإصلاح السرائر، ولزوم الصمت ومجانبة الحرص والغضب، ولزوم القناعة، والتوكل على من ضمن الأرزاق، والرضا بالشدائد والصبر عليها، وذكر الموت، وتقديم الطاعات. أما بقية الموضوعات فآداب اجتماعية، تُنظم سلوك الإنسان في المجتمع، مثل لزوم الصدق، والحياء والتواضع، والتحبب إلى الناس، وترك المداهنة، وإفشاء السلام، وما أبيح من المزاح... إلخ. ومن هذا القسم الإخوانيات، مثل استحباب مؤاخاة الخواص، وكراهية المعاداة والتلون في الوداد. ومن هذا القسم وصية جامعة للخطاب بن المعلي المخزومي، ترغب في محاسن الأخلاق، وتنهي عن مساوئها، وفصل واحد في سياسة الحاكم للرعية.

والكتاب مُتأثر ببيئة مؤلفه العقلية، وتربيته العلمية، وصناعته الحديثية بخاصة. فهو يورد تحت كل عنوان في الكتاب حديثاً عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولا يكتفي باسم الراوي الذي رواه من الصحابة، بل يذكر سند الحديث متصلاً، من شيخه الذي حدثه به، إلى رسول الله.

وأبو حاتم يجمع في مادة تعليقه على النصوص الأساسية في الكتاب، أخباراً وحكماً ومواعظ لا من تراث المسلمين وحدهم، بل ينقل عن اليهود والمسيحيين وقدماء الفرس وغيرهم، وهو في هذا شبيه بابن قتيبة في كتابه عيون الأخبار. وهذا يبين لنا أثراً من آثار امتزاج ثقافات الأمم التي استظلت بلواء الإسلام وامتزاج آدابها وأخلاقها في ذلك البحر الخضم، خصوصاً في القرنين الثالث والرابع الهجريين.

ومن الظواهر التي يمتاز بها هذا التأليف نزعة التقسيم إلى فصول، وهي نزعة مستفادة من استيلاء المنطق على العقول، ولم تُعهد في كتب القدماء الذين ألفوا في الأدب وعبارة أبي حاتم البستي في كتابه عبارة علمية، واضحة غير معقدة، كعبارة كثير من علماء عصره، لكنها ليست في الدرجات العالية من الفصاحة والبلاغة، فلم يحاول التأنق في التعبير كأهل الأدب، لأنه كان معنياً بخطاب النفوس والأرواح، باللفظ الواضح القريب.

والباعث على تأليف الكتاب تهذيب الأخلاق الفردية والاجتماعية، على النهج الإسلامي الصحيح. والذي يُشير إلى أن الناس عموماً في المجتمع الإسلامي في عصر المؤلف، كانوا قد علقت بهم أوتار من أخلاق واهية، تبعد عن روح الإسلام كثيراً، بما أشاعه فيهم الحاقدون على العرب والإسلام، من الشعوبية والزنادقة والإباحيين والماديين، وأن ذلك البلاء كان عاماً في أقطار المجتمع الإسلامي، أحسه أبو حاتم في رحلاته الواسعة الطويلة، فأراد، وهو العربي الصميم في نسبه، الضليع في آداب الإسلام وعلومه، أن يضع تآليف مختلفة يصلح بها هذه العيوب الفاشية، ويردها إلى الوضع الصحيح من آداب الإسلام، وسننه الصحيحة.

ونحن اليوم في حاجة ماسة إلى هذا الكتاب وأمثاله، ما يذكرنا بفضائل الإسلام وآدابه العالية، وسننه الشريفة الرفيعة، وأشدنا حاجة إليه فريقان من الناس: الأول: عامتنا ودهماؤنا الذين لم ينالوا حظاً من التربية الدينية أو العلمية، أما الفريق الثاني فهم أبناؤنا الذين يتلقون العلم في المدارس الثانوية، ثم في الجامعة، فكثير من هؤلاء يجهل واجبات دينه وفضائله جهلاً تاماً، على رغم أن بعضهم يستمع في المدارس إلى دروس قليلة في الدين أحياناً، ولكنها دروس تصافح الآذان، ولا يصل تأثيرها إلى شغاف القلوب.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)