جريدة العرب
السبت 2018/10/20 - السنة 41 العدد 11144
الصفحة : ثقافة
علي حسن الفواز
ثلاث جميلات يخرجن من اللوحة ويسافرن في “اللون العاشق”
الرواية الثالثة للشاعر المصري أحمد فضل شبلول “اللون العاشق” تتناول سيرة غيرية وتشكيلية متخيلة للفنان التشكيلي العالمي محمود سعيد.
من الصعب الحديث عن موضوعات “النسوية” دون مقاربة ذلك مع تاريخ هذا الحديث، على مستوى التجارب والأسماء النسوية الرائدة، أو على مستوى علاقتها بالحداثة والنهضة، والمدنية، أو على مستوى الظروف والبيئات التي أسهمت إلى حدٍّ كبير في تغذية تلك التوجهات، وفي تحولها إلى ظواهر اجتماعية فاعلة، امتدت إلى ما هو ثقافي- أدبي أو إعلامي، أو إلى ما هو سياسي.
يسلّط كتاب “روز أنطون كاتبة نهضوية مجهولة” الذي أعدّه أحمد أصفهاني، بإشراف هدى وماريا حداد، الضوء على هذه الشخصية المصرية والعربية الرائدة، في سياق حياتها العائلية مع أخيها الرائد النهضوي العربي فرح أنطوان، ومع زوجها الصحافي نقولا حداد، وفي سياق مشاركتها في العمل الصحافي، وفي إصدار مجلة “السيدات والبنات” عام 1903، ومجلة “السيدات” في الثلاثينات من القرن الماضي مع أخيها، ومجلتي “السيدات والرجال” و”الجامعة” مع زوجها.
النسوية الشجاعة
ضمّ الكتاب، الصادر عن دار الفارابي، ببيروت 2018، عددا من الفصول تناولت البيئة الثقافية التي نشأت فيها روز أنطون، من خلال إضاءة حياة فرح أنطون ودوره التنويري والنهضوي، وجهوده الرائدة في الدعوة إلى الحرية والديمقراطية، ودوره في إصدار مجلات “الجامعة العثمانية” و”السيدات والبنات” و”الجامعة”عام 1909” وتأثير ذلك على حياتها، وعلى توجهاتها الثقافية والسياسية. كما تناول الكتاب في فصل آخر حياة الموسوعي نقولا حداد زوج روز أنطون وعمله في مجال الصحافة، وفي تأسيس ما يمكن تسميته بـ”الترويكا” الإعلامية الثقافية في الشام وفي الإسنكدرية، وفي أميركا وفي مصر مرة أخرى، وعبر نشاطات واسعة، اتسمت بالكتابة الصحافية، وبكتابة عدد من المقالات العلمية والأدبية، فضلا عن كتابته لعدد من الروايات والمسرحيات.
الجانب المهمّ في هذا الكتاب هو ما يتعلّق بحياة روز أنطون، وحضورها المميز، وشجاعتها في مواجهة كثير من التحديات الاجتماعية والدينية، لا سيما في مواقفها، وفي كتابتها عن حرية المرأة والمجتمع، لأنها تؤمن بتلازم وتكاملية مفهوم الحرية، لأنه المجال الحقيقي لتعزيز فعالية الحديث عن حرية الإنسان، وعن آفاق الإصلاح والتنوير والديمقراطية، وهو ما بدا واضحا في شعار مجلتها “السيدات” الذي حمل يافطة “نهضة الشرق بنهضة نسائه” والذي كان عنوانا رياديا ليس للتعبير عن موضوع “النسوية” كمفهوم ثقافي فقط، بل بوصفه موضوعا اجتماعيا ونقديا، والذي وجد في كتابات روز أنطون الصحافية أثره الواضح في نقد مظاهر التخلّف، وفي إثارة الأسئلة حول موضوعات التعليم والحريات، وفي الكتابة عن تداعيات الانتدابات الفرنسية والإنكليزية على شعوب الشرق.
التاريخ وعقدة الشهادة
ذاكرة الحديث عن ما سُمّي بخطاب النهضة العربية شحيحة في تدوين منجزات المرأة العربية، ولأسباب تبدو معروفة، لكنّ قصديتها هي ما يكشف عن عقدة الشهادة، حيث تتبدى جرأة المرأة وشجاعتها وكأنها جزء من “الذكورية” التاريخية والثقافية، وهذا أسهم إلى حدٍّ ما في تهميش ذلك الحديث، وإنّ الإشارة إليه ستكون من باب “سد الذرائع” أو للمحافظة على سياق تأطيري، أو أحيانا لسياق منهجي يتعلّق بكرنولوجيا تتبع الظواهر التاريخية، وهو ما بدا واضحا في الحديث عن أسماء مثل مي زيادة، زينب فواز، مرايانا مراش، صبيحة الشيخ داود، بولينا حسون، هند نوفل، ماري عجمي وغيرهنّ.
سعى مُعدّ الكتاب إلى تخصيص مجال واسع للمقالات التي كتبتها روز أنطون، والتي تكشف فيها عن وعيٍ، وعن جرأةٍ، وعن مسؤولية تصديها لموضوعات تخصّ حرية المرأة، أو موضوعات ذات أبعاد إنسانية وحقوقية وسياسية، كما هو نقدها لتأثيرات الاستعمار على المجتمعات العربية، وعلى مستقبل شعوبها، وعلى حقوقها وحرياتها وسيادتها.
ومن أبرز ما أشارت إليه روز أنطون هو مقاربتها للخصوصيات المحلية، ونقدها لظاهرة تقليد “الفرنجة” من منطلق أنّ تاريخ الشرق هو تاريخٌ حافل بقيم وأفكار وحيوات وخصوصيات لا تقلّ شأنا عمّا هو موجود في الغرب الاستعماري، والذي ظلّ يسعى إلى فرض ثقافته من خلال الأزياء والممارسات والأطعمة وغيرها، لا سيما ما يتعلّق بتأثر المرأة الشرقية بقيم الغرب وثقافاته المهيمنة.
ومن أبرز ما اتسمت به مقالاتها هي البساطة والواقعية والنقدية، وكأنّها كانت ترى في أنّ جوهر فكرة الإصلاح يكمن في التلازم ما بين ثنائية الحرية والنقد، ومنها ما يتعلّق بنقد العادات البالية، ومظاهر التقليد، والغلوّ في المعيش واللبس، فكانت مقالاتها ذات الحساسية الاجتماعية تنحو باتجاه نقد مظاهر الغلوّ في التبرّج والإسراف، وفي تقليد النساء الغربيات، بعيدا عن خصوصية المجتمعات الشرقية وقيمها وعاداتها، مقابل دعوتها الجريئة إلى العمل والتعليم، وإلى حرية مشاركة الرجل في شؤون الحياة العامة، وهو ما تجلّى واضحا في مجلتها “سيدات ورجال”، والتي تحوّلت إلى منصةٍ ثقافية، وإلى منبرٍ للمطالبة بحقِّ النساء بالانتخاب، وبتفعيل المشاركة، وإصلاح المؤسسات التعليمية للحدّ من تأثير التقاليد والعادات على تأمين فرص مناسبة للنساء.
مقاربة مثل هذه القضايا -في بداية القرن الماضي- تمثّل وعيا مبكّرا، وموقفا جريئا في سياق مواجهة كثيرٍ من التابوهات الاجتماعية والسياسية والدينية، ولعلها -مع أخيها وزوجها- قد استفادوا من الأجواء التي جاءت بعد إقرار الدستور في الدولة العثمانية عام 1908، والذي أتاح، ولو بشكلٍ بسيط نوعا من الحريات، والتي قُمع الكثير منها بعد الانتدابات الفرنسية والإنكليزية، لا سيما في العراق وسوريا ولبنان ومصر.
إنّ إضاءة عوالم روز أنطون جهد علمي تاريخي وتوثيقي يدخل في إطار تجاوز “موضوعة المجهولية” وفي أرخنة الملامح الأولى لـ”النهضة العربية” ورصد إرهاصاتها الأولى، والتي تُعبّر في حقيقتها عن وعي جديد، وعن أدوار جديدة للمثقفين العرب، وللنساء بشكلٍ خاص.
العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977
صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة
يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر
الأربعاء 26 سبتمبر 2018
جريدة الحياة
كرم الحلو
روز أنطون الرائدة النهضوية المجهولة
اضطلعت المرأة بدور أساسي في النهضة العربية الحديثة. وقد أولت الدراسات الأدبية والفكرية اهتماماً كبيراً بالرائدات من النساء في الصحافة والأدب والشعر، من وردة اليازجي ومريانا مراش إلى مي زيادة ونظيرة زين الدين وزينب فواز وجوليا طعمة دمشقية ونجلاء أبي اللمع وهند نوفل وماري عجمي وسواهن ممن ساهمن مساهمات مميزة في نهضة العرب وتقدمهم الاجتماعي. إلا أن ثمة رائدات بقين مجهولات وظلّت إنجازاتهن، رغم تميزها، طي التاريخ ومن دون أن تعطى ما تستحقه من التقدير والاعتبار.
في مقدم هؤلاء روز أنطون الرائدة في الصحافة النهضوية والكاتبة التي طرحت أفكاراً تميزت بالجدة والثورية في عالم عربي كان لا يزال مكبّلاً بالأعراف والتقاليد والنظرة الدونية إلى المرأة، الأمر الذي عبرت عنه روز بقولها: «إذا عملت المرأة عملاً خارجاً عن دائرة اختصاصها نسبوه إلى الرجل لا إليها. فإذا كتبت أو ألفت أو نظمت قالوا الرجل هو الذي كتب أو ألف أو نظم... وكم كان هذا سبباً ليأس النساء في شرقنا، مع أن النجاح في فنون الكتابة والإنشاء والنظم إلى غير ذلك ميسور للمرأة كما هو ميسور للرجل على السواء». ولعلّ ذلك بالذات ما عانت منه روز، إذ هي شقيقة رائد نهضوي بارز هو فرح أنطون وزوجة رائد آخر هو نقولا الحداد، ما حدا بفرح إلى الرد على الذين ينسبون إنجازاتها إليه بقوله: «فليعلموا أنني لم أطبع سطراً واحداً في الجامعة وكتبها إلا بعد أن اطلعت هي عليه ونظرت فيه. وكم من مرة في المناظرات الصعبة غيرت عزمي من شيء إلى شيْء». فمن هي هذه الرائدة وما هي إنجازاتها في نهضتنا الحديثة؟
هذا ما جهد للإضاءة عليه أحمد أصفهاني في «روز أنطون كاتبة نهضوية مجهولة» (دار الفارابي - 2018)، إذ إن غالبية المراجع لم تقدم أي إضاءة على روز أنطون الصحافية، لا في المرحلة الأولى (1903 - 1906) عندما عملت مع أخيها في إصدار مجلة «السيدات والبنات»ولا في المرحلة الثانية (1921 - 1930) عندما شاركت زوجها نقولا الحداد في إصدار مجلة «السيدات والرجال».
لا يمكن الإحاطة بموقع روز النهضوي من دون معرفة التقاطعات المتنوعة بين روز وفرح ونقولا، وتأثيراتها الواضحة في مساراتهم الفكرية والاجتماعية والمهنية، سواء في مصر أو في الولايات المتحدة الأميركية. ففرح اعتبر، وفق سلامة موسى «الفاتح لدراسة النهضة الأوروبية الحديثة، وناشر الأفكار الديموقراطية الحرة، ومن أوائل من عرفوا بالمذاهب السياسية والاجتماعية الحديثة في المشرق العربي». هاجر إلى مصر في 1897 وأصدر في الإسكندرية في 1899 مجلة «الجامعة العثمانية»، ثم أسس في 1903 مجلة «السيدات والبنات»، موكلاً إدارتها إلى روز. انتقل إلى نيويورك في 1905 وتبعته روز ونقولا الحداد وأعاد هناك إصدار «الجامعة» ليرأس تحريرها الحداد وتساعده فيها روز. وبعد خلع عبدالحميد، عاد فرح وروز ونقولا إلى القاهرة فأصدر فرح في 1909 عددين من «الجامعة» التي ما لبثت أن توقفت إلى غير رجعة.
أما نقولا الحداد الذي كان يحمل شهادة في الصيدلة من الجامعة الأميركية في بيروت، فقد عمل مع فرح في نيويورك وعاد إلى القاهرة ليعمل في جريدة «المحروسة» مع الياس زيادة، والد مي. وكان يكتب في العلم وفي الأدب والسياسة، ويؤلف الروايات والمسرحيات، وينظم الشعر. فقد عاش في عصر الموسوعيين وكان واحداً منهم.
تناول المؤلف مجلة «السيدات والبنات»، فأشار إلى أن قضايا المرأة شكلت عند فرح أنطون جوهر الوظيفة الاجتماعية، ففي إصلاح شؤونها، في رأيه، إصلاح الهيئة الاجتماعية كلها، لأن الإصلاح السياسي والاجتماعي مرهون بإصلاحها وتعليمها.
عاشت هذه المجلة بين 1903 و1906 وعرّفت بأنها مجلة نسائية للعائلات لصاحبتها روز أنطون التي لجأت إلى الأسلوب التفاعلي مع القراء، متجنبة المسائل الحساسة كالحجاب والاختلاط وتعدد الزوجات، منبهة إلى ما يجب على المرأة تعلمه أو ما يجب تجنبه من العادات والأخلاق. وبعد انتقال «الجامعة» إلى القاهرة ثم إلى نيويورك لم تلبث «السيدات والبنات» أن انقطعت عن الصدور، فالتحقت روز ونقولا بفرح، وكان على المجلة أن تنتظر خمس عشرة سنة لتصدر في 1921 في القاهرة تحت اسم «السيدات والرجال»، بعد أن أحدثت تغييراً في المحتوى لمصلحة المنوعات والأبحاث العلمية والاجتماعية، طارحة موضوعات كانت شبه محرمة بل صادمة للمجتمع المصري في تلك الفترة، مثل الاختلاط في المدارس والمطالبة بحق الانتخاب للنساء، وإن بأسلوب يحميها من المواجهة مع التقاليد.
وقد خصصت المجلة مقالات للتنديد بالاستعمار وأخطار الحركة الصهيونية على المنطقة كما شجّعت الحركات الإصلاحية، وحضت على الوعي الوطني لنيل الاستقلال والحرية وتحقيق التقدم الاجتماعي، فكتبت روز في العدد الأول 1921: «كفانا تمويهاً على نقائصنا وحسبنا نوماً وغفلة، والغرب ينتفع من غفلتنا». وكتبت تحض المرأة على العمل: «إن السيدة التي لا تعمل تكون فريسة للضجر وللأمراض العصبية... لذلك أوصيك يا بنية أن تحترسي من البقاء ساعة واحدة من دون عمل... لم أشعر بنفسي سيدة إلا وأنا أعمل وفي ذلك الوقت يكون افتخاري أعظم من وقت أكون فيه لابسة أجمل فساتيني». وكتبت تدعو إلى استقلال الأمة وحريتها واعتمادها على ذاتها في التعليم: لا يفهم أولئك الأفراد المتمايزون بغناهم ووجاهتهم أن حياتهم ومكانتهم وكرامتهم متوقفة كلها على قدر ما للأمة من الاستقلال والحرية، ما لا يمكن الحصول عليه إلا بالعلم والتربية الأهليين... فقد حان لنا أن نخجل من الاعتماد على الأجانب في تعليم الناشئة وأن نتولى نحن تعليم ناشئتنا حتى تشب مرفوعة الرأس غير مثقلة بمنة لأجنبي. فإذا لم تكن النهضة داخلية فما هي نهضة بناء.
وكذلك تدعو روز إلى الاعتماد على النفس في الإنتاج بقولها: نحن الشرقيين تعودنا التقليد فنقتبس مصنوعات الغرب وهي بخسة وننفر من مصنوعنا بالرغم من متانته وأناقته، فلا أدري لماذا لا تقبل السيدات عليه بل يتهافتن على الأنسجة الغربية... في حين أن ذلك «ليس أنه لا وطنية مخجلة فقط بل هو غرور بالغ إلى حد الجنون». لذلك، تحض روز المرأة العربية على خلع الموضة الإفرنجية ولبس الزي الوطني الذي لا يجيد صنعه إلا أبناء البلاد.
وترفض روز «التمادي في البذخ، لا سيما في اللبس»، لأن الإسراف في اللبس والتبرج لا يزيد قيمة الفرد بل هو ذاهب سدى وذاهب بحياة البلاد. ولروز موقف متقدم من الغرب، إذ تقول: إما أن نسلم بلادنا للآخرين، وإما أن نسلّحها «بسلاح الغرب الجديد» الذي هو أمضى من الطيارات والدبابات، فنعلم أولادنا أخلاق الغرب التي هي حب النفس والتضحية من أجل الوطن واحتقار كل ما لا يتفق مع مصالحنا.
هذه الشذرات لا تغطي فكر روز التنويري الذي لا تتسع له مقالة صحافية، وقد أجاد المؤلف بالإضاءة على أكثر من جانب من جوانبه فأدى عملاً جليلاً بالكشف عن رائدة مجهولة، لعلّ الكتاب ومختاراته يعطيها بعض حقها، ويحلها المكان الذي يليق بها في مسيرة الكتابة النسائية النهضوية في مصر وبلاد الشام خلال النصف الأول من القرن الماضي. إلا أن ذلك لا يعفينا من تسجيل ملاحظات أساسية على هامش الكتاب:
أ - قول مارون عبود أن فرح أنطون هو «أبو النهضة الفكرية الحديثة في المشرق العربي»، الذي مال إليه المؤلف، كما يبدو، لا يمثل السيرورة التاريخية الحقيقية للفكر العربي الحديث. فأنطون ولد في 1874 وهو العام الذي رحل فيه فرنسيس المراش الذي أطلق في مؤلفاته، بخاصة «غابة الحق» ( 1865) أفكار الحرية السياسية والاجتماعية، فقال بـ «العقد الاجتماعي» والدولة المدنية وفصل الدين عن السياسة وسوى ذلك من مقولات التنوير التي كانت قد حظيت بمقاربات فعلية في «الساق على الساق» (1855) لفارس الشدياق كما في «نفير سورية» (1860) لبطرس البستاني.
ب - وستين مسرة ليست أول أمرأة عربية تكتب في صحيفة عربية كما يذكر المؤلف، بل إن الحلبية مريانا مراش هي «الكاتبة الأولى التي نشرت أفكارها في الصحف العربية» وفق فيليب طرازي. أما مقالتها الأولى «شامة الجنان» فقد نشرت في «الجنان» لبطرس البستاني في الجزء الخامس عشر لعامها الأول في آب (أغسطس) عام 1870 وحضت فيها مريانا بنات جنسها على درس العلوم والصنائع والاضطلاع بالأعمال العقلية والتجارية والاقتداء بنساء الغرب حتى «إذ ما اضطرنا الحال وساعدتنا الظروف نكون أكفأ على الاقتداء بهن».
جريدة الحياة
“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.
منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.
اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.
تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.
باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.
الأربعاء، ١١ أبريل/ نيسان ٢٠١٨
جريدة الحياة
أحمد أصفهاني
روز أنطون الكاتبة النهضوية المجهولة
عاشت روز أنطون في ظلال عملاقي فكر وصحافة هما شقيقها فرح أنطون وزوجها نقولا الحداد، فضاعت عطاءاتها وتناستها الدراسات الصحافية والأدبية. وذابت شخصيتها في خضم الاهتمام بما أنتجه فرح ونقولا على حساب ما قدمته هي نفسها في حقل الصحافة، التي مارستها عملياً منذ العام 1903 عندما ساعدها شقيقها على أنشاء مجلة «السيدات والبنات» في الإسكندرية، وأعانها في تحريرها لمدة سنتين.
وقد استمرت هذه الظلال في التعتيم عليها حتى يومنا هذا، على الرغم من توسع الأبحاث التي أزالت كثيراً من الستائر عن دور المرأة في النهضة الأدبية والاجتماعية والفكرية في النصف الأول من القرن الماضي. ولعل روز، بسبب شهرة أخيها وزوجها، كانت الأكثر عرضة لظلم مؤرخي الصحافة والأدب... إلى حد أن كتاباً موسوعياً بعنوان «قضية المرأة» الصادر في ثلاثة أجزاء (تحرير وتقديم محمد كامل الخطيب) لم يتضمن أي مقال لها على الإطلاق.
ويبدو لنا أن روز كانت على دراية بذلك الواقع المؤلم، إذ نراها تقول في محاضرة بعنوان «تأثير الأم في تربية الأولاد»: «حتى إذا عملت المرأة عملاً خارجاً عن دائرة اختصاصها نسبوه إلى الرجل لا لها. فإذا كتبت أو ألفت أو نظمت قالوا الرجل هو الذي كتب وألف ونظم (...) وكم كان هذا سبباً ليأس النساء في شرقنا، مع أن النجاح في فنون الكتابة والإنشاء والنظم إلى غير ذلك ميسور للمرأة كما هو ميسور للرجل على السواء». (مجلة «السيدات والرجال»، العدد السابع، السنة السادسة، أيار 1925).
سيرة
ولدت روز في طرابلس الشام (لبنان)، وفيها التحقت بمدرسة البنات الأميركية. هاجرت إلى مصر ملتحقة بأخيها فرح الذي كان قد سبقها إلى الهجرة في سنة 1897، ووقعت عقداً مع المرسلين الأميركيين لإدارة مدرسة للبنات تقع في حي الإبراهيمية في مدينة الإسكندرية، حيث عملت مدّة ثلاث سنوات. وكان فرح قد أسس في 15 أيار سنة 1899 مجلة «الجامعة العثمانية»، فأخذت روز تكتب فيها بين الحين والآخر. وعندما انتهى عقد العمل مع المرسلين الأميركيين، قررت البقاء إلى جانب أخيها في الإسكندرية، فساعدها في الحادي عشر من نيسان سنة 1903 على تأسيس مجلة شهرية خاصّة بها، دعتها «مجلة السيدات والبنات» توقفت عن الصدور في عامها الثاني، ثم عاودت الظهور في عامها الثالث بعنوان «مجلة السيدات». وظلت تصدر حتى سنة 1906.
بعد ذلك هاجرت روز مع أخيها فرح وخطيبها الأديب الصيدلاني نقولا الحداد إلى الولايات المتحدة الأميركية سنة 1907 للعمل على إصدار مجلة «الجامعة» من مدينة نيويورك. وقد شاركت بفعالية في إدارة المجلة وتحريرها هناك، كما ساعدت أيضاً في أعمال العائلة التجارية بعد فشل المشاريع الصحافية المشتركة. ثم تزوجت من نقولا في 20 آب سنة 1909 ورزقا ثلاثة أبناء هم فؤاد ولوريس ولورا (ولدوا بعد الرجوع إلى مصر). ويؤكد صديق العائلة وديع فلسطين واقعة الزواج في أميركا، من دون أن يحدد التاريخ.
في أعقاب عودة الحياة الدستورية إلى السلطنة العثمانية سنة 1908 وبروز بوادر انفراج سياسي في المنطقة، قررت العائلة مجتمعة العودة إلى مصر سنة 1909، حيث استأنف فرح إصدار مجلة «الجامعة» التي لم يظهر منها سوى عددين: الأول في كانون الأول سنة 1909 والثاني في كانون الثاني سنة 1910، ثم توقفت نهائياً عن الصدور. وفي حين واصل فرح الكتابة في مطبوعات عدة منها «الجريدة» و «المحروسة» و «اللواء» و «البلاغ المصري» و «مصر الفتاة» و «الوطن»، عمد نقولا إلى تأسيس صيدلية في حي شبرا بالقاهرة، وعمل في الوقت نفسه في مجلة «المحروسة» لصاحبها إلياس زيادة والد الأديبة المعروفة مي زيادة.
لا تتوافر بين أيدينا معلومات كثيرة موثقة عمّا قامت به روز في الفترة التي أعقبت عودتهم من نيويورك. لكن يمكننا تصور أنها اهتمت بمتابعة شؤون العائلة ريثما يكون الأبناء قد كبروا، وإلى أن تستقر أوضاع الزوج العملية. إضافة إلى بعض النشاطات الاجتماعية والفكرية المختلفة. ويذكر وديع فلسطين أن روز كانت من العضوات البارزات في «نادي سيدات القاهرة» الذي كان «يضم نخبة من كرائم السيدات، مصريات وأجنبيات، وله بدوره نشاطه الاجتماعي والثقافي العريض».
وما أن أطل العام 1921 حتى قررت روز إعادة إصدار مجلة «السيدات» التي ظلت تحمل هذه التسمية لغاية سنة 1925 عندما تغيرت إلى «السيدات والرجال»، وكان شعارها «نهضة الشرق بنهضة نسائه»... لكن هذه المرة بالتعاون مع زوجها الذي كان المدير المسؤول، وفي الوقت نفسه محرر القسم الرجالي في حين تولت هي تحرير القسم النسائي. وبقيت المجلة تصدر في القاهرة لغاية سنة 1932.
لم تكن مجلة «السيدات والبنات» الأولى من نوعها في مصر، فقد سبقتها جريدة «الفتاة» التي أصدرتها هند نوفل في الإسكندرية سنة 1892. ثم تتابعت المطبوعات التالية: «الفردوس»، لويزا حبالين 1896. «مرآة الحسناء»، مريم مزهر (الاسم المستعار لسليم سركيس) 1896. «أنيس الجليس»، ألكسندرا أفرينوه 1898. «العائلة»، أستير أزهري مويال 1899. «شجرة الدر»، سعدية سعد الدين 1901. «المرأة»، أنيسة عطاالله 1901. «السعادة»، روجينا عواد 1902. «الزهرة»، مريم سعد 1902. «الموضة»، مريم وسليم فرح 1902. ثم «السيدات والبنات»، روز أنطون 1903. وكل هذه المجلات صدرت إما في القاهرة أو الإسكندرية.
ونرى لزاماً هنا أن نذكر الكاتبة الصحافية السورية ماري عجمي التي أسست مجلة «العروس» سنة 1910 لتكون أول مجلة نسائية باللغة العربية في سوريا، والتي واصلت إصدار هذه المطبوعة الأولى من نوعها على الرغم من ظروف القهر العثماني (المختلفة تماماً عن شروط الحرية النسبية في مصر). فقد ارتبط كفاح ماري من أجل المرأة بالدفاع عن أحرار سوريا المطالبين بالاستقلال. ومواقفها من شهداء السادس من أيار سنة 1916 فريدة حقاً بالنسبة إلى امرأة في ذلك الزمان. ونقترح إبقاء هذه التفاصيل في أذهاننا ونحن نتابع مقالات روز في النصف الثاني من عشرينات القرن الماضي، عندما راحت تتناول سياسات الانتداب الفرنسي والانتداب البريطاني في بلاد الشام.
وفي هذا السياق، علينا أن نضع هذه المطبوعات في إطار تباشير عصر النهضة الذي عاشته المنطقة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين. فقد احتلت مسألة ترقية أوضاع المرأة مكانة مهمة كخطوة لا بد منها لإنهاض المجتمعات العربية كما يبدو ذلك واضحاً في الشعار الذي اتخذته مجلة «السيدات والرجال» لنفسها: «نهضة الشرق بنهضة نسائه». ويمكننا تلمس تطور الاهتمام بالموضوعات النسائية من خلال متابعة تخصيص المطبوعات الأولى قسماً من صفحاتها للمسائل «العائلية». فقد صدرت مجلة «المقتطف» سنة 1882 وفيها باب «نسائي» تحت عنوان «باب تدبير المنزل» ما يعكس نظرة المجتمع آنذاك إلى دور المرأة. لكن الأمر تطور لاحقاً عندما أصدرت نوفل مجلتها «الفتاة» سنة 1892 لتطالب بتخليص المرأة من قيود الجهل. وبعد ذلك تفتحت الأبواب، فأبدت «الهلال» التي أصدرها جرجي زيدان سنة 1892 اهتماماً بصحة العائلة بصورة عامة، قبل أن يتحول ذلك إلى قسم نسائي قائم بذاته سنة 1902.
ونلاحظ في المطبوعات المبكرة تفاوتاً في المواضيع التي «يجرؤ» بعض الأقلام على تناولها. ففي حين ركزت المجلات النسائية، خصوصاً تلك التي يصدرها «الشوام المسيحيون»، على تربية الأولاد والتعليم، بما في ذلك التعليم المهني، والعناية بالصحة والمهن اللازمة للمرأة ومشاكل الزواج ومكارم الأخلاق والرياضة البدنية والتدبير المنزلي وغيرها... كانت مجلة «الجامعة» تفتح صفحاتها أمام قاسم أمين لمناقشة إشكاليات اجتماعية حساسة مثل تعدد الزوجات والطلاق والمهر والحجاب والاختلاط.
المرأة والمجتمع
لكن بصورة عامة، ظلت المواضيع الخاصة بالمرأة في صحافة تلك الأيام محكومة بنظرة المجتمع التقليدي إلى الجنس اللطيف. «وكان من الأمور المفترضة أيضاً أن مواضيع النساء أقل أهمية من مواضيع الرجال. وساد الاعتقاد بأن النساء يكتبن عن الحب والأسرة والزواج والأطفال، بينما يكتب الرجال عن الحرب والأيديولوجيا والدين». غير أننا سنلاحظ كيف أن روز تمكنت بذكاء من توسيع إطار موضوعاتها لتتناول مسائل اجتماعية وسياسية حساسة وصعبة، خصوصاً في السنوات الأخيرة من عمر «السيدات والرجال»، أي في النصف الثاني من عشرينات القرن الماضي.
ولعل ذلك يرتبط بتغير أوضاع مصر التي بدأت «حقبة جديدة بعد إعلان استقلال مصر الرسمي عام 1923 هي الحقبة الليبرالية، وتراجعت مكانة الأزهر بعض الشيء ومعها مكانة العلماء المحافظين (...) فانقسمت الصفوة بين مؤيدين للعلمانية وبين رافضين لها».
يمكننا التأكيد على أن روز وجدت في «السيدات والبنات» ثم في «السيدات والرجال» مجالاً واسعاً للتعبير عن آرائها في مجمل القضايا المتعلقة بأوضاع المرأة «الشرقية»، خصوصاً في مصر وبلاد الشام. وقد احتضنت هاتان المطبوعتان معظم نتاجها الذي كان، بصورة إجمالية، عبارة عن مقالات صحافية في مجالات متنوعة... إلى أن أنشأت لنفسها واحة دائمة تحت عنوان «في مجالس السيدات» أصبحت هي المنبر الذي من خلاله تستعرض روز مع سيدات أخريات النزعات الاجتماعية والمقاربات السياسية والقيم الأخلاقية في مجتمع يشهد انفتاحاً متسارعاً على العالم الخارجي.
* فصل من كتاب الزميل أحمد أصفهاني بعنوان «روز أنطون: كاتبة نهضوية مجهولة»، يلقي أضواء على واحدة من أبرز الصحافيات اللبنانيات والتي نشطت على المستوى الصحافي في مدينتي الإسكندرية والقاهرة بين 1903 و1934، ويتضمن الكتاب فصولاً عن فرح ونقولا وروز، وعن مجلة «السيدات والبنات» في مرحلتها الأولى، ومجلة «السيدات والرجال» في مرحلتها الثانية. ويحتوي القسم الأخير على مختارات من مقالاتها المنشورة في تينك المجلتين.
جريدة الحياة
“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.
منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.
اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.
تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.
باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.