جريدة المدن الألكترونيّة
الأحد 02-09-2017
المدن - ثقافة
إيهاب محمود الحضري
"الهلال".. 125 عامًا على انطلاقة جرجي زيدان
في العام 1887، جاء جرجي زيدان (1861- 1914) ليستقر في القاهرة. عمل في مجلة المقتطف لثمانية عشر شهرًا ثم تركها ليعمل مدرسًا للغة العربية لمدة عامين، ثم أنشأ، مع نجيب متري، مطبعة لم يُكتب لها الاستمرار فقرر الشريكان فض الشراكة، ليؤسس متري مطبعة المعارف، فيما احتفظ زيدان بالمطبعة وأسماها الهلال. في العام 1892، وتحديدًا في الأول من سبتمبر ايلول، وبعد خمس سنوات تقريبًا من استقراره في مصر، أصدر جرجي زيدان أول عدد من مجلة الهلال.
منذ أيام، صدر عدد تذكاري من مجلة الهلال بمناسبة مرور 125 عامًا على ظهورها الأول. يقع العدد في 610 صفحة، فضلًا عن كتيب من 50 صفحة بعنوان “الهلال والسينما”، يحكي عن أهم 125 فيلمًا في تاريخ السينما المصرية.
بينما تمرر عينيك على الغلاف، الذي وضعت عليه صورة المؤسس جرجي زيدان، تطالعك عبارة: “ليست مجرد مجلة، لكنها ذاكرة لمصر والأمة العربية وسلاح ضد التطرف والإرهاب”. ربما تلخص هذه الجملة مسار ومسيرة الهلال عبر 125 عامًا مضت، وربما تعطي الأسماء المكتوبة على هذا الغلاف أيضًا انطباعًا لما اكتسبته المجلة عبر تاريخها الطويل من ثقة الكتاب العرب أمثال: جمال الدين الأفغاني، عبد الرحمن الرافعي، إبراهيم المازني، أحمد شوقي، إبراهيم ناجي، خليل مطران، محمد حسين هيكل، ميخائيل نعيمة، معروف الرصافي، جبران خليل جبران، قاسم أمين، مصطفى لطفي المنفلوطي، عباس العقاد، وطه حسين! كل هؤلاء وغيرهم كتبوا للهلال.
وعبر 11 قسمًا، يحاول العدد التذكاري تلخيص رحلة الهلال عبر 125 عامًا. خُصص القسم الأول عن جرجي زيدان بأقلام عدد من الكتاب المصريين والعرب، منهم الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، الذي كتب عن قدوم جرجي زيدان إلى مصر، وهو العربي المسيحي، ليؤكد غياب روح التعصب الديني خلال تلك الفترة، ويوضح مفهوم المشاركة والتزاوج بين الفكر القومي والتراث الإسلامي العام.
القسم الثاني يتحدث فيه عدد من الكتاب عن يوم صدور العدد الأول من الهلال، فيقول مصطفى أمين مثلًا إنه تتلمذ على مجلة الهلال منذ عام 1926 حيث شغف بها بسبب السلاسة في موضوعاتها وابتعادها عن التعقيد وإتاحة مادة صحفية دسمة في الوقت نفسه ولكن من دون زيادة بلاغية فائضة أو استعراض للقوى اللغوية من جانب كتابها.
عدد كبير من الزعماء السياسيين ورؤساء مصر على مدار تاريخها الطويل كتبوا للهلال منهم: مصطفى كامل، محمد فريد، سعد زغلول، محمد نجيب، جمال عبد الناصر، أنور السادات، وحسني مبارك. احتوى القسم الثالث الذي حمل عنوان “زعماء وحكام” والى جانب هؤلاء، زعيم الثورة العرابية أحمد عرابي، الذي خصّ الهلال بنشر مقالة له من منفاه في جزيرة سيلان، في يونيو حزيران من العام 1898 حكى فيه عرابي عن أحواله في المنفى وحلمه أن يعود ليدفن في مصر، وبدت نغمة اليأس والمرارة في مقالة عرابي: “مضى علينا ست عشرة سنة ونحن نكابد تلك الأهوال والمصاعب حتى قلّ صبرنا وضاق ذرعنا فلا يقضى علينا فنموت ونستريح”.
في قسم “أقلام” ورد عدد من مقالات أعلام الثقافة العربية: سلامة موسى، حافظ إبراهيم، أحمد أمين، زكي مبارك، محمود تيمور، وربما كانت المقالات المتبادلة بين الدكتور طه حسين والأديب عباس العقاد من أمتع السجالات الفكرية التي شهدتها مجلة الهلال، التي طلبت من الاثنين أن يكتب كل منهما رأيه في أدب الآخر بصراحة ووضوح، فجاءت المقالات ممتعة، ومدهشة، وتحمل قدرًا كبيرًا من الموضوعية، وتسجيلًا لافتًا بإعجاب كلاهما بأدب الآخر.
كتب العقاد عن طه حسين: “أقول فيه إنه كاتب ناتج في الأدب، وخير ما نتجه كتابه”الأيام" وكتابه “في الصيف” وهما الكتابان اللذان سرد فيهما بعض ما جرى له في حياته، فكان فيهما مثلًا في البساطة والثقة". فيما وجد طه حسين أن العقاد شاعر ولكن عليه مآخذ، منها أنه كلاسيكي وقديم بعض الشيء، وكان طه حسين يميل إلى التجديد، ويرفض كل ما هو قديم، حتى لو تلَبَّس ثوب الجديد.
وفي مقال بعنوان “العظماء الخمسة في مصر.. من هم ولماذا يعدون عظماء؟” كتب سلامة موسى، ليعدد عظماء مصر في تقديره، فاختار عبد الخالق ثروت ليكون الأعظم سياسيًا، لأنه “فادي وطنه بنفسه، ووضع كرامة البلاد فوق كرامة النفس ورضي بأن ينسى كلمات الازدراء والكراهية من خصومه، وبسط يده للوئام والسلام” فيما اختار أحمد لطفي السيد ليكون الأعظم في الوطنية لأنه “بانٍ من بناة الوطنية المصرية، تلقاها حوالي سنة 1907 وهي مشتتة الأهواء قد بعثرها الحزب الوطني، فقام لطفي السيد بجمعها من جديد”. طلعت حرب كان هو ثالث العظماء، إذ تفوق في مجال الأعمال الحرة، بعد أن حقق مشروع عرابي في تأسيس بنك وطني، كما كان أول مصري يلتفت لأهمية الصناعة، وضرورة ألا يعتمد الاقتصاد المصري على الزراعة فقط. الرابع هو طه حسين، لتميزه بميزتين، في نظر سلامة موسى، وهما الجرأة والإخلاص: “عندنا كتاب أجرياء ولكنهم غير مخلصون، ولذلك فجرأتهم تشمل الحق والباطل أحيانًا”. اللافت في المقال هو أن موسى لم يحدد اسمًا خامسًا ضمن عظمائه الذين اختارهم، وكتب في نهاية المقال أننا لا نزال نحتاج عظيمًا في العلم بعد عظماء السياسة، الوطنية، الاقتصاد، والفكر: “عظماؤنا إلى الآن أربعة أما خامسهم فمال يزال مضمرًا”.
بعض الملفات تضمنها التذكاري من مجلة الهلال، ومنها ملف بعنوان “أنا والهلال” يحكي فيه بعض الكتاب قصصهم مع المجلة، منهم الروائي يوسف القعيد والكاتب وديع فلسطين، ويسرد الشاعر عبد الستار سليم بعضًا من حكاياته الهلالية.
متعة بصرية مدهشة ستمنحك إياها مطالعة هذا العدد من مجلة الهلال، خاصة قسمها الأخير “مصر زمان” والذي احتوى على مجموعة كبيرة من الصور النادرة التي تنشر لأول مرة عبر 60 صفحة كاملة، ضمت صورًا لمبنى دار الهلال في نشأته الأولى، الخديوي عباس حلمي الثاني، حاكم مصر وقتذاك، اللورد كرومر، جرجي زيدان طبعًا، أحمد عرابي في المنفى، أغاثا كريستي في القطار متجهة إلى مصر، أم كلثوم إلى جوار الشيخ محمد أبو العلا، يعقوب صنوع...
عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة
حقوق النشر
محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.