تاريخ - Histoire

العلاقات المصرية - اليمنية في النصف الأول من القرن التاسع عشر Les relations entre l’Egypte et le Yémen durant la première moitié du 19ème siècle

, بقلم محمد بكري

السبت ٢٦ مايو/أيار ٢٠١٢
جريدة الحياة
الكاتب : ابراهيم العريس (القاهرة - مصر)


جريدة الحياة


مُنذ تولى محمد علي حكم مصر عام (1220 هـ / 1805م) شهدت العلاقات المصرية - اليمنية في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي (1220 – 1266 هـ/1805 – 1849م) تغيُرات جذرية شملت مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية حيث كانت فترة حكمه مرحلة انتقالية مهمة في تاريخ مصر الحديث، فهي نهاية – احتلال الفرنسيين لمصر (1213 – 1216 هـ / 1798 – 1801م) – وبداية توليه الحكم ووضع إدارة جديدة للبلاد تختلف عن سابقتها في الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية - وكان من الطبيعي أن يؤثر ذلك في طبيعة العلاقات بين مصر واليمن خلال تلك الفترة، لا سيما بعد وقوع معظم بلاد اليمن تحت سيطرة الحكم المصري المباشر.

وتتمثل أهمية كتاب (العلاقات المصرية - اليمنية: النصف الأول من القرن التاسع عشر - د. زوات عرفان المغربي - الهيئة المصرية للكتاب – 368ص) في كونه يُلقي الضوء على دور مصر الخاص تجاه الولايات العربية الأخرى، فعلى رغم أنها كانت في تلك الفترة ولاية تابعة للدولة العثمانية، فقد ظلت بموقعها الجغرافي المتوسط بين الولايات العربية في المشرق والمغرب تلعب دوراً مهماً في الاتجاهات السياسية في شبه الجزيرة العربية في شكل عام واليمن على وجه التحديد، للقضاء على السلفيين الذين اشتد عودهم في تلك المناطق بعد سيطرتهم على الحجاز وشمال اليمن وإعلانهم إنهاء السيادة العثمانية في الحجاز.

عرضت الباحثة لبعض الملامح السياسية لليمن قبيل القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي، والملامح الجغرافية لليمن من حيث الموقع والمساحة والأقاليم الطبيعية والمناخية بها، ثم تناولت العلاقات المصرية - اليمنية منذ مطلع العصر الحديث بعد ظهور الخطر البرتغالي في البحار الشرقية بوجه عام والبحر الأحمر بوجه خاص، وأهم ما طرأ عليها من متغيرات، إلى أن تم خروج العثمانيين من اليمن عام ( 1045 هـ / 1635م )، ثم تطرقت إلى نظام الإمامة في اليمن منذ قيام أول إمام بها عام ( 286هـ / 898م)، وتطور حُكم الأئمة حتى أوائل القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي، وذلك من خلال ثلاثة فصول وخاتمة و(24) مُلحقاً وثائقياً.

تناول الفصل الأول العلاقات السياسية من خلال الحديث عن دعوة الشيخ محمد عبدالوهاب ( 1115– 1206هـ /1703– 1792م)، وكيف أن انتشارها في شبه الجزيرة العربية وسيطرتها على الحجاز ونجد وشمال اليمن، أديا فى النهاية إلى استنجاد إمام اليمن آنذاك المتوكل على الله أحمد ( 1224– 1232هـ / 1809– 1816م) بكل من السلطان العثماني محمود الثاني (1223– 1255هـ/808 – 1839م)، وواليه على مصر محمد علي (1220- 1226هـ/1805– 1849م)، لإنقاذه من هجمات السلفيين الذين اجتاحوا الأجزاء الشمالية من بلاده، محاولين نشر دعوتهم المتعارضة مع المذهب الزيدى، وبناء على الأوامر الصادرة من الدولة العثمانية إلى محمد علي، أرسل قواته إلى شبه الجزيرة العربية عام (1226هـ / 1811م).

ثم تناولت المغربي الدور الذي قامت به قوات محمد علي من أجل القضاء على السلفيين في شمال اليمن، واستخلاص البلاد التي تم لهم السيطرة عليها من أيديهم، وقد نجح في ذلك بالفعل من خلال الحملات التي أرسلها إليهم، ومن أشهرها حملة خليل باشا على اليمن ( 1234هـ / 1818م )، واتفاقه مع إمام اليمن المهدي عبدالله بن أحمد المتوكل بن علي المنصور ( 1231 – 1251هـ / 1816 – 1836م ) عام ( 1236هـ / 1820م) على إعادة جميع المناطق التي استولت عليها قوات محمد علي إلى سلطة الإمام، مقابل دفعه ضريبة سنوية قدرها مئة ألف ريال، وثلاثة آلاف قنطار من البن تُرسل سنوياً للباب العالي، ثم تمرد القبائل في شمال اليمن وعسير وموقف محمد علي منها، وكيف حاول بشتى الطرق الديبلوماسية والحربية للقضاء عليها، لأنها من دون شك ستؤثر في حكمه في تلك المناطق، ثم تناولت بعد ذلك ثورة الجنود غير النظاميين التي نشبت في جدة بقيادة محمد آغا وهروبه إلى اليمن عام (1248هـ /1832م) وسيطرته على معظم المناطق هناك، وقد أرسل إليه محمد علي حملة بقيادة أحمد باشا يكن وإلى الحجاز في أواخر عام (1249هـ /1833م) وقد تمكنت هذه الحملة من هزيمته وأتباعه وهروبه، وتلتها حملة جديدة إلى اليمن عام (1250هـ/1835م) تمكنت من السيطرة على معظم الموانئ الساحلية والمدن الداخلية بها.

ثم تناولت موقف إمام اليمن الناصر عبدالله بن الحسن بن أحمد بن المهدي ( 1252 – 1256هـ / 1836 – 1840م) من التوغل المصري في بلاده محاولاً مقاومته بشتى الطرق، وما أعقب ذلك من قيام قبائل يام وعسير وإعلانهم الثورة من جديد على الوجود المصري هناك، والتي ظلت مستمرة على رغم جهود محمد علي المضنية للقضاء عليها إلى أن تم خروج القوات المصرية من اليمن، واختتمت هذا الفصل بالحديث عن الدور الذي قامت به بريطانيا من أجل تصفية الوجود المصري في اليمن والذي تم بالفعل في (7 ربيع الأول 1256هـ/9 أيار - مايو1840م) .

وعالج الفصل الثاني العلاقات الاقتصادية، وسياسة محمد علي الاقتصادية والتي شملت الزراعة والصناعة والتجارة، وما أحدثه من تغيرات جذرية في نظمها التي كانت سائدة قبل وصوله إلى الحكم في كل من مصر واليمن، وأهم متعلقات التجارة من السلع المتبادلة بين مصر واليمن، وكذلك الدور الذي قامت به الموانئ المصرية واليمنية في ازدهار العملية التجارية بين البلدين والعملة المستخدمة في التبادل التجاري، إضافة إلى الموازين والمكاييل وأهم ما طرأ عليهما من متغيرات في ظل وقوع كل من البلدين تحت سيادة حاكم واحد ألا وهو محمد علي باشا كما لفتت الى انشغال الدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا بالسياسة الاقتصادية الخاصة بالاحتكار والتي طبقها محمد علي وجاهدت من أجل إلغائها لما فيها من ضرر باقتصادها من ناحية، ولإدراكها أنها الركيزة التي يعتمد عليها باشا مصر في تقوية مركزه فسعت الى تحقيق مبدأ الحرية الاقتصادية مع مصر، وألبت عليه الدول لصده وإخضاعه من الناحية السياسية، وإلزامه قبول اتفاقية وفرمان يتم بمقتضاه تقليل حجم الجيش، مما ترتب عليه اغلاق المصانع الحربية، وإلغاء احتكار الحاصلات الزراعية والمنتجات الصناعية مما أدى الى انهيار السياسية الاقتصادية.

واختص الفصل الثالث بالعلاقات الثقافية والاجتماعية، حيث ظلت العلاقات الثقافية بين مصر واليمن تُشكل رُكناً أساسياً من أركان العلاقات بين البلدين لعاملين أساسيين: الأول وقوع البلدين تحت حُكم دولة كبرى واحدة بداية بالدولة العربية الاسلامية والأموية والعباسية والفاطمية ومروراً بالدولة الأيوبية والمملوكية والعثمانية ووصولاً الى الدولة المصرية، والعامل الثاني تبادل الزيارات العلمية من طريق الطلاب والعلماء من خلال الجامع الأزهر والذي كان ولا يزال مؤسسة عربية اسلامية كبرى توثق فيها وشائج المحبة والتفاهم بين أبناء مختلف الشعوب. وقد خُصص رواق للطلبة اليمنيين عُرف بـ «رواق اليمنية» يُقيمون فيه ويُقدم لهم الأطعمة والعطايا ومرتبات من حصيلة الأوقاف التي قررها لهم تجار من بلادهم يمارسون أنشطة تجارية في القاهرة، منهم الشيخ محمد أحمد برادة، سالم باعبيد، وعبدالرحمن أفندي وافي. ومن أبرز العلماء اليمنيين الذين وفدوا الى مصر وقاموا بالتدريس في الجامع الأزهر محمد بن عبدالرازق الشهير بمرتضى الحسينى الزبيدي (نسبة الى زبيد) وكان من أبرز علماء عصره فقد كان مُتبحراً في فقه اللغة العربية وآدابها وفي الحديث والرجال والأنساب، ووضع خلال اقامته في مصر: (تاج العروس من شرح جواهر القاموس)، (عقود الجواهر المنفية في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة)، (جذور الاقتباس فى نسب بني العباس)، وتلقى العلم على يديه الشيوخ: اسماعيل الخشاب، حسن العطار، وشيخ المؤرخين عبدالرحمن الجبرتى. ومن العلماء اليمنيين الشيخ ابراهيم اليمنى، الشيخ عمر الحضرمى، كما شهدت اليمن أفواجاً من العلماء المصريين واستقروا فيها منهم: علي بن عمر بن محمد الحسيني، محمد بن أحمد أبو الفضل الشهير بالنجائي. أما العلاقات الاجتماعية فقد كان لانفتاح افراد المجتمعين المصري واليمني على بعضهما البعض وانتشارهم في معظم أحياء وشوارع وقرى ومدن البلدين دور فى الاحتـكاك والتعامل اليومي من خلال الأنشطة الاقتصادية المختلفـة الى توطيد العلاقات الاجتماعية بينهم، ومن ثم التشابه في الكثير من العادات والتقاليد والتي لا تزال تمثل جزءاً من الموروثات الشعبية.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)