العقد الفريد، إبن عبد ربه الأندلسي، أدب

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الأربعاء، ١٠ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٤
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«العقد الفريد» لابن عبد ربه : أندلسي ينافس المشارقة في موسوعيّتهم


«وقد ألفت هذا الكتاب، وتخيّرت جواهره من متخيّر جواهر الآداب ومحصول جوامع البيان، فكان جوهر الجوهر ولباب اللباب؛ وإنما لي فيه تأليف الأخبار، وفضل الاختيار، وحسن الاختصار، وفرش في صدر كل كتاب؛ وأما سواه فمأخوذ من أفواه العلماء، ومأثور عن الحكماء والأدباء. واختيار الكلام أصعب من تأليفه. وقد قالوا: اختيار الرجل وافد عقله. وقال الشاعر: إنا عرفناك باختيارك إذ كان دليلاً على اللبيب اختيارُه. وقال أفلاطون: عقول الناس مدونة في أطراف أقلامهم، وظاهرة في حسن اختيارهم...». بهذه العبارات قدّم الأديب العربي الاندلسي ابن عبد ربه لكتابه «العقد الفريد» الذي يعتبر منذ ظهوره، واحداً من أمتع كتب التراث الأدبي والأخلاقي والفكري العربي، كما يعتبر المعادل الاندلسي لعدد من أمهات الكتب العربية من هذا النوع، حيث من الواضح أن هذا الأديب والكاتب الموسوعي إنما أراد أصلاً أن يوجد للجزء الذي كان يعيش فيه من الامبراطورية العربية، ما يضاهي ذلك العدد الكبير من الكتب والموسوعات التي كان أهل المشرق قد اشتهروا، في بغداد خاصة، بإنتاجها. بل إنه، حتى إذ حاول مضاهاة الكتب المشرقية التي سبقته، اعترف بأنه غرف منها، في سيره على منوالها. ومن أبرزها كتب للجاحظ مثل «البخلاء» و «البيان والتبيين»، و «الكامل» للمبرد» و «عيون الاخبار» لابن قتيبة. وبالتالي لئن تفاخر أدباء وقراء المشرق بمثل هذه الاعمال، وكذلك بنتاجات أبي حيان التوحيدي وكتب مثل «الامالي»، كان في وسع أبناء المغرب ولا سيما الاندلس ان يجابهوهم بـ «العقد الفريد».

ومع هذا، علينا أن ننتبه منذ البداية الى أن صفحات الكتاب ونصوصه الكثيرة، تكاد تكون مشرقية المصدر أكثر منها مغربيّته بكثير، حتى وإن كان لا يفوت القارئ ان يطالع فيه الكثير من اخبار الاندلس ومناطق المغرب، وسير وحكم أدبائه ومفكريه.

ولكن ما هو هذا «العقد الفريد»، ولماذا أطلق عليه مؤلفه – او جامعه بالأحرى – هذا الاسم؟ انه، ووفق التعريف المختصر والموفق للأديب اللبناني كرم البستاني الذي حقق واحدة من اكثر طبعات هذا الكتاب شعبية، «مجموعة أدبية، فنية، من خطب وشعر وفصول نثرية، وأقوال حكماء وعلماء في قواعد العمران والاجتماع. فيه علم العروض وعلم الألحان والأبدان، ونتف تاريخية مع اخبار عرب الجاهلية، وأيامهم وأنسابهم وحوادثهم. وأخبار الخلفاء والملوك وغيرهم»... واذا كان في امكان القارئ ان يلاحظ ما في اجزاء هذا الكتاب من نقص من حيث سرده لبعض التوارخ وأمهات الاحداث وتفصيل الوقائع والافكار، فإن قيمته الادبية، في المقابل، تبدو كبيرة «ولا سيما، ودائماً وفق البستاني، بما يحتويه من آراء أدبية في نقد الشعر، وآراء فنية في نقد المغنين والملحنين». وفي هذا المجال الاخير، يرى كثر من مؤرخي التراث العربي انه يمكن اعتبار الكثير من اجزاء «العقد الفريد» والكثير من صفحاته، السفر التالي لكتاب «الاغاني» للاصفهاني، كمرجع في هذا المجال يعود اليه الادباء والباحثون ويعتمد عليه المؤرخون، ولا سيما في ما يتعلق بالموسيقى والاغاني الاندلسية التي عرفت دائماً بكونها اكثر غنى وتنوعاً مما انتجه المشرق في هذا السياق.

أما بالنسبة الى عنوان الكتاب، فإن كثراً من المؤرخين يعتبرونه صائباً في حديثه عن فرادة هذا الكتاب الذي كان «فريداً في نفاسته»، جامعاً لشطري المنطقة العربية في تنوعه، مسهباً في غوصه في الماضي الثقافي والنهل منه، وصولاً الى الحاضر الذي عايشه ابن عبد ربه في قرطبة التي كانت في ذلك الحين قبلة الثقافة العربية الاسلامية، والنافذة المفتوحة على علوم الماضي وآدابه، وعلى العالم الشمالي الذي كان قد بدأ يستيقظ لتوّه. أما فكرة «العقد» قبل فكرة فرادته، فإنها لا تأتي صدفة في عنوان الكتاب، حيث ان مؤلفه قد شاء له أصلاً ان يكون اشبه بالعقد، اذ قسمه الى خمسة وعشرين جزءاً، تصدر احياناً مجتمعة في مجلد ضخم واحد، أو منفردة في مجلدات صغيرة على حدة، ليطلق على كل جزء اسم جوهرة من الجواهر المعروفة، ويقول هو نفسه عن هذا: «أطلقنا على كل جزء اسم جوهرة من جواهر العقد وسميته كتاب «العقد الفريد» لما فيه من مختلف جواهر الكلام مع دقة السبك وحسن النظام. وقد انفرد كل كتاب منها باسم جوهرة من جواهر العقد وهي: 2، كتاب «اللؤلؤة» في السلطان؛ 2- كتاب «ألفريدة» في الحروب؛ 3- كتاب «الزبرجدة» في الاجواد والاصفاد؛ 4- كتاب «الجمانة» في الوفود؛ 5- كتاب «المرجانة» في مخاطبة الملوك؛ 6- كتاب «الياقوتة» في النظم والأدب؛ 7- كتاب «الجوهرة» في الامثال؛ 8- كتاب «الزمردة» في المواعظ والزهد؛ 9- كتاب «الدرة» في التعازي والمراثي؛ 10- كتاب «اليتيمة» في النسب وفضائل العرب؛ 11- كتاب «العسجدة» في كلام الاعراب؛ 12 - كتاب «المجنبة» في الاجوبة؛ كتاب «الواسطة» من الخطب؛ 14- كتاب «المجنبة الثانية» في التوقيعات والفصول والصدور وأخبار الكتبة؛ 15- كتاب «المسجدة» الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيامهم؛ 16- كتاب «اليتيمة» الثانية في اخبار زياد والحجاج والطالبيين والبرامكة؛ 18- كتاب «الزمردة» الثانية في فضائل الشعر ومقاطعه ومخارجه؛ 19- كتاب «الجوهرة» الثانية في أعاريض الشعر وعلل القوافي؛ 20- كتاب «الياقوتة» الثانية في علم الألحان واختلاف الناس فيه؛ 21- كتاب «المرجانة» الثانية في النساء وصفاتهنّ؛ 22- كتاب «الجمانة» الثانية في المتنبئين والممرورين والبخلاء والطفيليين؛ 23- كتاب «الزبرجدة» الثانية في بيان طبائع الإنسان وسائر الحيوان وتفاضل البلدان؛ 24- كتاب «الفريدة» الثانية في الطعام والشراب؛ 25- كتاب «اللؤلؤة» الثانية في الفكاهات والملح.

واضح من هذه العناوين وأسمائها، إذاً، اننا في صدد ما يشبه موسوعة متكاملة تكاد تغطي معظم معارف الانسان في تلك العصور. وهذا الى جانب امتلاء الاجزاء بصفحاتها المتلاحقة، بمقاطع الشعر والنثر والملح والمعلومات، والأفكار التي يمكن أن نلاحظ ايرادها من دون الاهتمام – في معظم الاحيان – بإسنادها الى مصادرها، ما يسهّل على القارئ التوغل فيها، جامعاً بين متعة القراءة، وفائدة المعرفة، وهو ما كان ابن عبد ربه يتوخى الوصول اليه، على اية حال. غير ان لإبن عبد ربه، من هذا الكتاب، غاية أخرى وأساسية تلوح من خلال كل صفحة وكل فقرة، وهي غاية أخلاقية وعظية، حيث يشتمّ المرء من خلال كل حكاية وفقرة ما يرمي اليه المؤلف، من دون أن يدعي طلوع هذه الأفكار منه. ويمكن في هذا السياق ايراد مئات الامثال والنماذج، لكننا نكتفي بمثال واحد نستعيره من الجزء المسمى «السلطان وعدل ساعة» (وهو كتاب «اللؤلؤة» في السلطان)، حيث يبادر المؤلف ليقول لنا أن «السلطان زمام الامور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود، والقطب الذي عليه مدار الدنيا؛ وهو حمى الله في بلاده – وظله الممدود على عباده؛ به يمتنع حريمهم، وينتصر مظلومهم، وينقمع ظالمهم، ويأمن خائفهم. وقال الخلفاء: إمام عادل خير من مطر وابل، وإمام غشوم خير من فتنة تدوم»، قبل أن يروي لنا عن أبي بكر بن أبي شيبة ان زياد قال: ما غلبني أمير المؤمنين في شيء من السياسة إلا مرة واحدة. استعملت رجلاً فكسر خراجه، فخشي ان اعاقبه ففرّ اليه واستجار به فأمنه، فكتبت اليه: إن هذا أدب سوّأ من قبلي. فكتب الي: انه لا ينبغي ان تسوس الناس سياسة واحدة، لا نلين جميعاً فتمرح الناس في المعصية، ولا نشتدّ جميعاً فنحل الناس على المهالك، ولكن تكون انت للشدة والغلظة، وأكون أنا للرأفة والرحمة».

عاش أبو عمر بن أحمد بن محمد بن عبد ربه الاندلسي بين العامين 860 و940 (246-328ه.) حيث ولد في قرطبة، وهو تربى ونشأ وتعلم فيها اذ كانت تعيش ذلك الحين أعظم فترات ازدهارها، وهو ما وجهه مباشرة الى الأدب والشعر ودرس بعض العلوم كالطب والموسيقى. ويقول كرم البستاني ان ابن عبد ربه كان في شبابه معتكفاً على اللهو يكثر الغزل في شعره «غير انه تزهد في كبره، فعارض ما كان نظمه من القصائد الغزلية بقصائد زهدية من بحورها وقوافيها سمّاها بالمحمصات».

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)