التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً، عبد الرحمن بن خلدون

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الأربعاء، ٦ مايو/ أيار ٢٠١٥
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«التعريف بابن خلدون»: مؤسس علم العمران يكتب سيرته


ضمن إطار الاستنكاف العربي والإسلامي المعروف عن الاهتمام بالفرد والعناية بالذات، نعرف أن التراث الفكري والكتابي عندنا لم يخلف الكثير من الأعمال التي تنتمي الى السيرة الذاتية، أو حتى الى السيرة في شكل عام. ومن المعروف على أية حال، أن في التراث العربي، حين يجرى الحديث عن النوع الكتابي المعروف بالسيرة، فإن المعني بذلك يكون الكتب والنصوص التي تتحدث، بالتحديد، عن سيرة الرسول (ص). أما السيرة والسيرة الذاتية، فإنهما شبه غائبتين، اللهم إلا إذا اعتبرنا «سير» الأدباء وغيرهم من العلماء التي ترد مقتطفات في أعمال موسوعية مثل «وفيات الأعيان» أو «طبقات الشافعية» أو «شذرات الذهب» أو حتى «معجم الأدباء» و «الأغاني» من ذلك النوع، علماً أن هذه النصوص القصيرة، تتحدث عن كتابات الأدباء والمعنيين بالأمر، ونادراً ما تهتم بالربط بين حياتهم وكتابتهم، فإن فعلت فإنما تفعل لتجميل تلك الحياة، أو لسرد شذرات منها منسوبة الى عشرات الإسنادات، ما يضيّع القارئ ويغيّب السيرة الحقيقية خلف ركام من المعلومات التي غالباً ما تكون متناقضة.

ومن هنا يمكن بكل بساطة القول إن الذات والفرد غائبان الى حدّ كبير، إذاً، في مدونات تراثنا، ومع هذا لم يخل الأمر من كتب وضعها، أو أملاها بعض من كبار المفكرين والأدباء العرب، عاشت حتى اليوم تحمل سيرهم، أو ما شاؤوا أن يرووه للخَلَف من تلك السير. وحتى هنا، قد يغلب الطابع التبريري (كما في «المنقذ من الضلال» للإمام أبي حامد الغزالي)، أو طابع التسجيل المسهب للترقي العلمي (كما في سيرة ابن سينا التي أملاها على الجوزجاني، مقرّراً فيها من حكايات حياته ما شاء له الهوى). وحتى خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث ازداد عدد كتب السيرة، في شكل ملحوظ، وصار لكل مفكر أو كاتب أو عالم سيرة كتبها بنفسه أو أملاها أو أوصى بها، ظل الطابع التبريري غالباً، حيث ظللنا نفتقر الى ذلك النوع البوحي القريب من أدب الاعترافات، في حديثه الصريح عن الذات، في صعود أحوالها وهبوطها، مع استثناءات قد تبدأ مع «الأيام» لعميد الأدب العربي طه حسين ولا تنتهي مع «الخبز الحافي»، سيرة الأديب الطنجاوي المغربي الشريد محمد شكري، مروراً بنصوص مميزة لميخائيل نعيمة («سبعون») أو أحمد أمين («حياتي») أو «قصة عقل» و «قصة نفس» لزكي نجيب محمود، وصولاً الى القمة في هذا المجال وهو كتاب «من أوراق العمر|» للراحل لويس عوض. وإزاء هذا كله، يقف كتاب «التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً» فريداً من نوعه في هذا المجال. وهذا الكتاب، على رغم ما قد يشير إليه عنوانه من كونه سيرة مكتوبة عن إبن خلدون بقلم آخرين، كتبه ابن خلدون عن نفسه... وباستفاضة وصراحة جعلتا الدكتور علي عبدالواحد وافي، أحد أفضل محققي «المقدمة» في النصف الثاني من القرن العشرين، يتحدث عن الكتاب قائلاً: «صحيح أنه قد سبق ابن خلدون في هذا الفن كثير من مؤرخي العرب وأدبائهم(...) ولكن هؤلاء وغيرهم ممن تصدوا قبل ابن خلدون للترجمة عن أنفسهم، قنعوا بتراجم موجزة. أما ابن خلدون فهو أول باحث عربي يكتب عن نفسه ترجمة رائعة مستفيضة يتحدث فيها عن تفاصيل ما جرى له، وما أحاط به من حوادث، من يوم نشأته الى قبيل مماته»، ويضيف وافي أن ابن خلدون يتحدّث هنا بدقة المؤرخ الأمين الحريص على الاستيعاب والشمول. وبذلك تدخل هذه الترجمة، وفق وافي «من بعض نواحيها في الفن التاريخي الذي اشتهر باسم الاعترافات».

مع هذا، لا يفوت الدكتور وافي أن يلفتنا الى أن ابن خلدون لا يقتصر في كتاب «التعريف» هذا على تاريخ حياته، بل «يذكر كذلك كثيراً مما يتصل بهذا التاريخ من حوادث ووثائق وخطب ورسائل وقصائد، ويصف أحوال كثير من المجتمعات والنظم التي كانت له بها علاقة، ويصوّر أحوال العصور التي اجتازها أحسن تصوير، ويترجم لمعظم من عرض لذكرهم في كتابه».

وكتاب «التعريف» الذي ألحقه ابن خلدون بكتاب «العبر»، واقفاً عليه نحو مائة صفحة في آخر المجلد السابع من سفره التاريخي الكبير، انتهى من كتابته، كما يبدو أول العام الهجري 797، حيث يختم النص قائلاً: «ولزمت البيت، ممتعاً بالعافية، لابساً برد العزلة، عاكفاً على قراءة العلم وتدريسه، لهذا العهد، فاتح سنة سبع وتسعين(...) والله يعرفنا عوارف لطفه، ويمد علينا ظل ستره، ويختم لنا بصالح الأعمال، وهذا آخر ما انتهيت إليه». والحال أن ابن خلدون بعدما وصل الى هنا، عاد خلال السنوات التالية وأضفى على «التعريف» تعديلات وزيادات، أوصلت أحداثه - الخاصة والعامة - التي يرويها الى نهاية العام الهجري 808، أي الى ما قبل وفاته بشهور قليلة.

والحال أن عرض كتاب «التعريف» لن يكون أكثر من استعادة لسيرة ابن خلدون نفسه، منظوراً إليها من وجهة نظره. ولعلّ التوقف عند بعض الفقرات الأساسية في الكتاب، يكون كافياً للاطلاع على أبعاده. ففي فصل مبكر يتحدث فيه ابن خلدون عن نسبه، يقول: «وأصل هذا البيت من أشبيلية، انتقل سلفنا - عند الجلاء وغلب ملك الجلالقة ابن أدفونش عليها - الى تونس في أواسط المئة السابعة. ونسبنا هو: عبدالرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن ابراهيم بن عبدالرحمن بن خلدون. ولا أذكر من نسبي الى خلدون غير هؤلاء العشرة، ويغلب على الظن أنهم أكثر، وأنه سقط مثلهم عدداً، لأن خلدون هذا هو الداخل الى الأندلس، فإن كان أول الفتح فالمدة لهذا العهد سبعمئة سنة، فيكونون زهاء العشرين. ثلاثة لكل مئة. ونسبنا (الأصلي) حضرموت، من عرب اليمن، الى وائل بن حجر، من أقيال العرب معروف وله صحبة. ولما دخل خلدون بن عثمان، جدنا، الى الأندلس، نزل بقرمونة، في رهط من قومه حضرموت ونشأ بين بنيه بها، ثم انتقلوا الى أشبيلية».

وفي فصل تالٍ، يتحدث كاتبنا عن حياته في غرناطة وأشبيلية، فيقول: «ثم خرجت الى غرناطة، وكتبت الى السلطان ابن الأحمر ووزيره ابن الخطيب بشأني. وليلة بت بقرب أشبيلية على بريد منها، لقيني كتاب ابن الخطيب يهنئني بالقدوم. ثم أصبحت من الغد قادماً على البلد، وذلك ثامن ربيع الأول عام أربعة وستين. وقد اهتزّ السلطان لقدومي، وهيأ لي المنزل من قصوره (...) وأركب خاصته للقائي (...) ثم دخلت عليه فقابلني بما يناسب ذلك وخلع علي وانصرفت(...). وسفرت عنه سنة خمس وستين الى الطاغية، ملك قشتالة يومئذ، تبره بن الهنشة بن أذفونش، لإتمام عقد الصلح ما بينه وبين ملوك العدوه(...) فلقيت الطاغية بأشبيلية، وعاينت آثار سلفي بها، وعاملني من الكرامة بما لا مزيد عليه وأظهر الاغتباط بمكاني، وعلم أولية سلفنا بأشبيلية فطلب الطاغية مني حينئذ المقام عنده وأن يرد علي تراث سلفي بأشبيلية، وكان بيد زعماء دولته، فتفاديت من ذلك بما قبله (...)».

وفي فصل ثالث، يتحدث ابن خلدون عن لقائه تيمورلنك، فيقول: «قلت أيدك الله، لي اليوم ثلاثون أو أربعون سنة أتمنى لقاءك! فقال لي الترجمان عبدالجبار: وما سبب ذلك؟ قلت أمران، الأول أنك سلطان العالم، وملك الدنيا، وما أعتقد أنه ظهر في الخليقة منذ آدم لهذا العهد ملك مثلك، ولست ممن يقول في الأمور بالجزاف، فإني من أهل العلم وأبين ذلك فأقول: إنما الملك يكون بالعصبية، وعلى كثرتها يكون قدر الملك. واتفق أهل العلم من قبل ومن بعد، أن أكثر أمم البشر فرقتان: العرب والترك. وأنتم تعلمون ملك العرب كيف لما اجتمعوا في دينهم على نبيهم. وأما الترك ففي مزاحمتهم لملوك الفرس، وانتزاع ملكهم أفراسياب خراسان من أيديهم شاهد بنصابهم على الملك. ولا يساويهم في عصبيتهم أحد من ملوك الأرض(...) وأين الفرس من الترك؟».

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


اابن خلدون على ويكيبيديا

تحميل كتاب التعريف بابن خلدون ورحلته شرقاً وغرباً - عبد الرحمن بن خلدون

الكتاب على موقع المكتبة الوقفية

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)