الإلياذة، هوميروس، تعريب سليمان البستاني طبعة جديدة - وكالة الصحافة العربية - ناشرون - بيروت - 2019

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
الأربعاء 2019/06/19 - السنة 42 - العدد 11382
الصفحة : ثقافة
حازم خالد


إلياذة هوميروس في نظم كلاسيكي وإيقاعات عربية


الأديب اللبناني سليمان البستاني قام بتعريب الملحمة وأصدرتها دار الهلال سنة 1904.


رسم يمثل اجتماع ملوك الإغريق لاتخاذ قرار الحرب على طروادة


تعد إلياذة هوميروس أثرا إنسانيا خالداً، وهي ملحمة شعرية تحكي قصة حرب طروادة، وتشكّل الإلياذة مع الأوديسا أهم ملحمة شعرية في تاريخ الأدب الإغريقي، وتنسب إلى (هوميروس)، وهو شاعر إغريقي أعمى، بالرغم من أن مصادر تاريخية تشكك في أن يكون هوميروس شخصية حقيقية. ويعود أصل كلمة إلياذة إلى المفردة اللاتينية (ألليوس)، وهي المنطقة القديمة من مدينة طروادة التي تدور فيها الأحداث حول ملحمة المسيني أخيل الذي أبحر لطروادة من بلاد الإغريق، لينتقم من باريس الذي قام بغواية هيلين زوجة الملك منيلاوس ملك إسبرطة، ومن ثم هرب معها إلى طروادة، فقام الإغريق بتنظيم حملة ضخمة للثأر بقيادة أجاممنون أخو منيلاوس.

مؤخرا، صدرت في بيروت طبعة جديدة من “الإلياذة” عن ( وكالة الصحافة العربية – ناشرون)، وهي النسخة التي قام بتعريبها شعراً منظوما نظما كلاسيكيا الأديب اللبناني سليمان البستاني وصدرت مطلع القرن العشرين. وسليمان البستاني اشتهر بمساهماته في الكتابة بعدد من المجلات اللبنانية، ومساهمته في تحرير دائرة المعارف التي أسس لها المعلم بطرس البستاني، لكن الإسهام الأكبر الذي يذكر به سليمان البستاني هو قيامه بتعريب إلياذة هوميروس لتخرج في نفس القالب العمودي للشعر العربي المتعارف عليه.

وساعد البستاني على عمله الموسوعي الضخم نشأته في أسرة تجمع بين الأدب والعمل بالكنيسة، وهو ما أكسبه حساً روحانياً خاصاً، بالإضافة إلى ذائقة أدبية فريدة، حيث تعلم اللغتين العربية والسريانية من عمه المطران، وأحب منذ سنوات طفولته الأولى الشعر والأدب، فانغمس في قراءة الشعر والأدب العربي. كما عرف عن البستاني طلاقته في اللغات العربية والتركية والفرنسية، بالإضافة إلى إتقانه نحو 11 لغة حية، وتعمّقه في الرياضيات والكيمياء والقانون والزراعة والتجارة، وعلم المعادن والاجتماع والتاريخ، بالإضافة إلى شغفه الشديد بالشعر القصصي وتعلّقه بالأساطير وقصص الخرافات.

القصة التي كانت سببا وراء هذا الحصار هي اختطاف الملكة الإغريقية هيلين بواسطة الطروادي باريس، ورغبة الإغريق في الانتقام

تسرد ملحمة الإلياذة من خلال الشعر القصصي، الذي قام سليمان البستاني بتعريبه نظماً، قصة الأيام الـ51 الأخيرة من السنة العاشرة لحصار قوات الإغريق الآخيين لطروادة، وتذكر مصادر تاريخية مختلفة أن القصة الأساسية التي كانت سبباً وراء هذا الحصار هي اختطاف الملكة الإغريقية هيلين بواسطة الطروادي باريس، ورغبة الإغريق في الانتقام، لكن مع ذلك توجد قصة أخرى تفسّر هذه الواقعة التاريخية، وهي التنافس بين الإغريق وسكان طروادة على التجارة، والسيّطرة البحرية على بحر إيجة وسواحل الأناضول وشمال اليونان.

الملكة هيلين

لكن (هوميروس) في ملحمته انحاز للقصة التي تعتبر أن سبب الحرب هو اختطاف (باريس) الطروادي للملكة هيلين، مما دفع بملك إسبرطة اليونانية القديمة لجمع المحاربين وتجهيز الجيوش الإغريقية لغزو مدينة طروادة واستعادة الملكة هيلين، لكن المفاجأة التي حدثت هي أن أهالي طروادة الشجعان تصدوا للغزو الإغريقي، وساعدهم على الصمود قوة أسوار المدينة التي صمدت أمام جيوش ملك إسبرطة، مما اضطر الإغريق لأن يكتفوا بحصار المدينة لمدة عشر سنوات بعد أن أصبح اقتحامها مستحيلاً.

وفي السنة العاشرة تبارز أشجع رجلين في جيش كل طرف، وهما: (هكتور) وهو ابن ملك طروادة، و(أخيل) أشجع رجل في الجيش اليوناني، حيث انتهت المعركة بانتصار (أخيل) ومقتل (هكتور)، وقام أخيل بربط جثة (هكتور) من قدمه إلى مركبته، وطاف به حول أسوار طروادة، مما اضطر ملك طروادة بنفسه لأن يخرج من أسوار المدينة المحاصرة ويتوجه إلى (أخيل)، ويتوسل له بأن يعيد له جثة ابنه، بعد أن حمل له الكثير من الهدايا الثمينة ليكسب عطفه، فوافق (أخيل) على طلب ملك طروادة من باب الشفقة عليه كأب وليس التعاطف معه كملك، وبذلك فقدت طروادة أشجع المدافعين عنها.

لكن بعد ذلك بفترة قصيرة، استطاع أهل طروادة الانتقام، حيث استطاع أحد شجعان المدينة أن يقتل (أخيل) نفسه عن طريق قنصه بسهم مسموم أصاب كعب (أخيل)، وهو المكان الوحيد الذي كان مكشوفاً من جسده، حيث كان كل جسد (أخيل) مغطى بالدروع الحديدية الثقيلة.

حصان طروادة

لكن البطل الإغريقي (أوليسيس) الذي تصفه الإلياذة بأنه أكثر اليونانيين مكراً وحيلة، أقنع الأسطول الإغريقي بالتظاهر بالتخلي عن حصار طروادة، وفعلاً تظاهر الأسطول بفك الحصار والرحيل عن المدينة، وترك الإغريق وراءهم حصاناً خشبياً يختبئ فيه (أوليسيس) والعديد من المحاربين الأشداء، وفرح أهالي طروادة برحيل الجيش الإغريقي، وقاموا بإدخال الحصان الخشبي للمدينة، وفي الليل بينما الطرواديون يحتفلون بنهاية الحصار، وبما اعتبروه نصراً على الإغريق، خرج (أوليسيس) ورفاقه من المقاتلين الإغريق ليفتحوا أبواب أسوار المدينة المحصنة بعد قتل الحراس القائمين عليها، وأعطوا الإشارة للأسطول الإغريقي للعودة واقتحام المدينة.

وتقول الأسطورة إن الإغريق قتلوا جميع سكان المدينة ولم ينج إلا الأمير (إينياس) الذي تمكّن من النجاة وهرب إلى مدينة (لاثيوم) الإيطالية التي ولد فيها بعد ذلك مؤسس روما عاصمة إيطاليا. حسب ما جاء في الملحمة الشعرية (الإلياذة)، فإن حرب طروادة كانت حرباً أسطورية ملحمية شارك فيها آلهة الإغريق بأنفسهم، الذين نزلوا من السماء إلى الأرض للوقوف بجوار شعبهم في هذه الواقعة التاريخية التي استمرت لنحو عشر سنوات. وكان شعب الإغريق قبل أن تخترع الكتابة الإغريقية يتداول شفهيا في 16 ألف بيت الكثير من السير والأحداث حول حرب طروادة في شكل أناشيد وأغانٍ وتراتيل تمجد الأمة الإغريقية، وتفخر بمساندة الآلهة له، إلى أن ظهرت الأبجدية الإغريقية، ثم جاء (هوميروس) ليجمع هذه الأناشيد والأغاني ويعيد صياغتها في ملحمة من ملاحم الشعر القصير في نحو 16 ألف بيت من الشعر الملحمي.

وأبطال الإلياذة هم هيلين زوجة منيلاوس، وباريس بن بريام، وأخيل، وهكتور، وأجاممنون، وبريام ملك طروادة، بالإضافة إلى شخصيات ثانوية، منها: بريزيس، وكريزيس، أندروماك، وأوديسيوس، وأثينا، ومنيلاوس، وتيتس، وأفروديت، وزيوس، وهيرا، وإيريس، وهيوكوبا، وأجاكس.

إعادة إصدار هذه الترجمة الفريدة للإلياذة يعتبر عملا مهما فهو بمثابة محاولة لإعادة استدخال النص الملحمي الإغريقي، المكتوب في الأساس شعراً إنشاديا، في الذائقة العربية المعاصرة من خلال النظام الشعري العربي، وبصرف النظر عما يمكن أن تكسب الملحمة أو يتبدل فيها بإزاحتها من سياق لغوي إلى سياق لغوي آخر، ومن جماليات شعرية إيقاعية في اليونانية إلى نظيرتها في العربية، فإن استعادة هذا الأثر الذي أبدعه البستاني يبقى عملا ثقافيا مهما ومؤثراً.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF

عن جريدة العرب اللندنية

العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)