Article de presse - مقال صحفي

الأب أنستاس الكرملي، لبنان Anastas Al-Karmali (Père Anastase-Marie de Saint-Élie), Liban

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت ٢٤ نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٢
جريدة الحياة
عبدالحميد ناصف، كاتب مصري


الأب أنستاس الكرملي... لسان العرب


ولد الأب الكرملي في 5 آب (أغسطس) 1866 في بغداد وكان اسمه عند الولادة بطرس بن جبرائيل يوسف عواد، أصله من بكفيا في لبنان، تلقى دروسه الأولية في «مدرسة الآباء الكرمليين» في بغداد وتخرج فيها عام 1882 وعيّن مدرّساً للعربية في المدرسة نفسها وغادر بغداد إلى «كلية الآباء اليسوعيين» في بيروت حيث درس فيها العربية وتعلم اللاتينية واليونانية وآداب اللغة الفرنسية، ترهب في شيفرمون في بلجيكا ودرس اللاهوت في مونبلييه في فرنسا وفي 1894 رسم قسيساً باسم «أنستاس ماري الألياوي» ومن ثم عاد الى العراق حيث أدار مدرسة الآباء الكرمليين لمدة أربع سنوات. وبالإضافة للغات السابقة فقد ألم بلغات عدة كالسريانية والعبرية والحبشية والصابئة والفارسية والتركية والإنكليزية والإيطالية والأسبانية ، وبسبب مناداته بالعربية والإشادة بها فقد نفاه العثمانيون إلى «قيصري» في الأناضول من عام 14 إلى 1916 ثم أعيد الى بغداد ومنها رحل إلى أوروبا مراراً وجعلته حكومة العراق من أعضاء مجلس المعارف. كما كان من أعضاء الجمعيات العلمية التالية: المجمع اللغوي في القاهرة والمجمع العلمي العربي في دمشق ومجمع المشرقيات الألماني وظل محافظاً على ثوبه الرهباني حتى وفاته في بغداد في 7-1-1947،

كان شغوفاً بالمطالعة والتأليف ولم يقل عمله اليومي في التأليف عن عشر ساعات على مدار العام. كتب مقالات كثيرة جداً تزيد عن الألف نشرت في الكثير من الدوريات والجرائد الصادرة في العراق ومصر وبلاد الشام وتركيا وغيرها، كما أن عدداً من مقالاته نقلت إلى بعض اللغات الأجنبية كالفرنسية والإنكليزية والألمانية والروسية والاسبانية والتركية وكان ينشر مقالاته بأسماء مستعارة مثل «ساتسنا، أمكح، متطفل، مستهل، منتهل، مبتدئ، ابن الخضراء، كلده»... وبعضها باسمه الصريح. ومن آثاره أنه كتب مقالات وتعليقات وخواطر في كل العلوم كاللغة والنحو وفقه اللغة والتاريخ والديانات والفلكلور والجغرافيا والأنثروبولوجيا والتربية وأكثر مؤلفاته مقالات متفرقة. وتصدى العلامة العراقي كوركيس عواد لجمع آثاره في مؤلفه المعنون «الأب أنستاس ماري الكرملي، حياته ومؤلفاته، بغداد، 1966» وأحصى «إبراهيم السامرائي» عدد المجلات والدوريات التي كتب فيها الكرملي فوجدها 62 وكان الكرملي قد جمع خزانة من الكتب ضمت أمهات المصادر العربية والأجنبية وتعد من أعظم خزائن كتب العراق ولكن العثمانيين أتلفوها حيث يذكر الكرملي أن الجنود العثمانيين الذين احتلوا بغداد كانوا يأتون بالكتب فيحرقونها للتدفئة بنارها ولكن بعض الكتب احتفظ بها في الدير ومنها أجزاء في مكتبة المتحف العراقي ومنها جزء آخر في مكتبة متحف الموصل.

40 كتاباً

وإضافة إلى مجلة «لغة العرب»، فقد قام بمحاولة طبع قسم من معجم العين للفراهيدي عام 1913 وكان قد بلغ في طبعة الصفحة 144 فحالت الحرب العظمى دون مواصلته العمل في تحقيقه. وقد ألف أكثر من 40 كتاباً خبأها في صندوق حديدي تحت الأرض طوال مدة الحرب طبع منها: «الفوز بالمراد في تاريخ بغداد» و «خلاصة تاريخ بغداد» و «مختصر تاريخ العراق» و «أديان العرب» و «النقود العربية وعلم النميات» و «جمهرة اللغات» و «المجموع» و «الجزء الثاني من كتاب الإكليل» و «أغلاط اللغويين الأقدمين» و «نشوء اللغة ونموها» و «نخب الذخائر في أحوال الجواهر» وله مؤلفات أخرى منها «العرب قبل الإسلام» و «المجموعة الذهبية» و «السحائب» و «الضرائب» و «شعراء بغداد وكتابها»... وله أيضاً كتب دينية وفلسفية قيمة.

تعصب الأب أنستاس للغة العربية واشتهر بحبه الصادق لها وكان يقول: «إن لسان العرب فوق كل لسان ولا تداينها لسان أخرى من ألسنة العالم جمالاً ولا تركيباً ولا أصولاً ولا ... ولا». وقد وجه الأب انتقاداته إلى المعجمات الحديثة وبالأخص «محيط المحيط» و «أقرب الموارد» وفي رأيه أن أول من ارتكب هذه الهفوات الموجودة في تلك المعجمات بصورة عامة هو المستشرق الألماني «فريتاغ» [ت 1861م] الذي ألف معجماً عربياً لاتينياً طبع في سكسونيا عام 1830 – 1837 م وجاء بعده صاحب «محيط المحيط» ثم جاء «الشرتوني» ونقل أخطاء المعلم البستاني وهكذا حتى انتقلت هذه الأخطاء إلى معجمات اليسوعيين بعامة، وضمن أنستاس هذه الآراء اللغوية في كتابة «أغلاط اللغويين الأقدمين»، ووضع ألفاظاً ومصطلحات وأسماء لمسميات حديثة – في وقتها طبعاً – استثقلت في الغالب ولم يقدر لها الرواج في بلاد الشرق العربي ونشرها في دورية المجمع العلمي العربي في دمشق (أعدادها كاملة موجودة في مكتبة آداب الإسكندرية) ومنها: الوراقي، الوراق، التهذيب، التشذيب، سبرالفور، الصعقب، الفلحي، العلصهة، المحجاج، المعيار، الحرسيان، الحرصيان، العشق، الألواح، القراط، الليط، النقاش، التنشير....

وأحصى الألفاظ الفرنسية التي ورد تعريبها وجعلها في فهرس خاص في نهاية مجلة لغة العرب 1911، السنة 1 و1912 و1913 على التوالي، أيضاً له بحث ذكر فيه جميع الكلمات اليونانية في اللغة العربية نشرها في مجلة المشرق البيروتية 1899 الأعداد 8 و11و12و20و22 للمجلد 2.

معجم «المساعد»

كما صنف الأب أنستاس معجمه «المساعد» الذي استغرق في تأليفه ومراجعته أكثر من أربعين عاماً ونشر فصول منه في الدوريات ويعد «المساعد» من أهم المصادر في درس العربية وأسرارها إذ إنه اعتمد «محيط المحيط» لبطرس البستاني وحذف منه وأضاف إليه ما استجد من أصول لغوية حديثة ومفردات ردها إلى أصولها وهذا الكتاب «المخطوط» يقع في خمسة مجلدات ونسخته الفريدة بخطه في دير الآباء الكرمليين في بغداد ولم يطبع منه سوى الجزء الأول في بغداد عام 1972 بتحقيق وتعليق وصنع فهارس لكوركيس عواد وعبدالحميد العلوجي، ويحتوي المخطوط بأجزائه على نحو 3203 صفحات وهو مكتوب بخط ناعم ودقيق ويلاحظ أن خط أنستاس يأخذ حجمه في الكبر كلما تقدم به العمر ولقد حوى المعجم ألفاظاً لا تحصى وناقش فيه آراء بعض اللغويين المتأخرين ورد عليهم وأحصى ما فاتهم من مواد لغوية وبالتالي فالمعجم «المساعد» عبارة عن الكلمات أو المواد اللغوية التي فاتت اللغويين ومؤلفي الدواوين العربية وكان قد سمى معجمه أولاً بـ «ذيل لسان العرب» ثم عدل عنها إلى لفظة «المساعد» عنواناً له. وظل الكرملي يعمل في تأليف هذا المعجم حتى عام 1946 جمع فيه من كلام المولدين وذكر بجانب كل لفظة جميع الألفاظ التي تشابهها من بعض الأوجه وحشر في مساعده كثيراً من الغريب وغريب الغريب وجمهرة من الألفاظ المولدة أو العامية. ويلاحظ أن كثيراً من زياداته كلمات مهجورة أو ميتة وقد جمع أيضاً بعض أوضاع النبات والحيوان والمعادن ووضع بجانبها ما يقابلها باللغة الأجنبية وكذلك انطوى على الكثير من ألفاظ الحضارة وقد انتهج أسلوب البحث المقارن بين المفردات العربية وما يقابلها من الألفاظ الشرقية والإفرنجية. ويذكر الكرملي أنه قد جارى لغويي الغرب، ومع ذلك فالمؤلف يعتبر ما جمعه هو قطرة من بحر ولم يأت بكل ما يرى مبعثراً في كتب القوم بل ببعض ما وجده يقول: «... وإلا فالعمر يغني ولا نكون قد جمعنا إلا قطرة من بحر وهكذا يفعل غيرنا ولا يحق لأحد أن يدعي الإحاطة، فإن هذا الأمر من رابع المستحيلات في لغتنا» وما جمعه الكرملي كان مستدركاً على اللسان ولهذا سمي معجمه «ذيل اللسان» وكان قد تعرض في بعض المواضع لأشياء ذكرها «أبي منظور» ذكراً ناقصاً فأشار الكرملي إلى هذا النقص وعندما يذكر كلمة «أيضاً»، فهي إشارة إلى تتمة ما جاء في اللسان عن اللفظة واستقصى الكرملي في هذا المعجم تطور معاني الألفاظ باختلاف العصور، و «المساعد» معجم بلا تمهيد ولا مقدمة بل هو مسودة معجم تمردت مواده على التنسيق الهجائي وزلت عن أيما ترتيب، أما الأسلوب الذي اتبعه في وضع مستدركه على لسان العرب فيتصف بالتدقيق والتحقيق والمقابلة والمعارضة ليظهر الحق وقد اعتمد في ذلك على مراجع لغوية عدة ولم يجتزئ بنسخ المعجمات بل توخى التحقيق. ويبحث الكرملي في المعجمات اللغوية القديمة كالمخصص والقاموس وتاج العروس وغيرها... لقد اعتمد المؤلف على مصادر أجنبية وعربية عدة في ترجيح ما يراه جديراً بالترجيح أو في تبديد ما يستأهل التبديد من الآراء والمذاهب عند تحديد المضمون اللغوي للمادة. وقد استخرج كثير من الباحثين فوائد كثيرة ومنهم من نقل منه واستشهد به مثل العلماء محمد رضا الشبيسي ومصطفى جواد والأب أوغسطين مرمرجى ويوسف مسكوني وميخائيل عواد وكوركيس عواد... وفي كانون الثاني (يناير) من عام 1970 أحيت العراق حفلاً بذكرى الكرملي وعرضت بعض آثاره كالمعجم «المساعد» في قاعة العرض في مكتبة المتحف العراقي والذي قال عنه بشر فارس: «لعل ما خلف الأب الكرملي من نفائس مطوية أو منتشرة ينشرها ناشر من يعرف فضله ويحسب لغته أو يجمعها جامع من تلامذته وفيهم نفر من أعلام بغداد، فقد كان قد حدثني في ما حدثني عن معجمه الوافي واسمه «المساعد».

قضى الأب أنستاس الكرملي ستين عاماً في التأليف والتنقيب وكان همه أن يبلور اللغة، فقام برسالته خير قيام وقدم للعالم العربي أداة مرنة صافية يجدر بكل أديب أن يتخذها أساساً لأبحاثه ودراساته.

عن موقع جريدة الحياة


صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة"الحياة" جريدة عربية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988 .

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)