Article de presse - مقال صحفي

إدغار آلان بو (1809 - 1849) - أميركا Edgar Allan Poe (1809-1849) - Etats Unis

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي



27-05-2013
جريدة القدس العربي
احمد بن شريف


إدغار آلن بو : كاتب مرعب ومضحك


كتب الشاعر الفرنسي ًألفرد دي فينييً كتابا خاصا لكي يبرهن فيه أن الشاعر لا يستطيع أن يجد له مركزا أو مكانا جيدا في أي مجتمع، سواء كان ديموقراطيا أو أرستقراطيا، جمهوريا أو ملكيا.

تتضمن هذه الفكرة الكثير من عناصر الحقيقة. وإن كانت الذاكرة تعوزنا أحيانا في استحضار الأمثلة من التاريخ، فإن الحاضر الذي نعيشه يقدم لنا المزيد منها ويغنينا عن التذكر.

‘إدغار آلن بو’، أحد الأمثلة.

حينما نود الحديث عن هذا الكاتب الروائي والقاص والشاعر، تنتصب أمامنا عدة علامات استفهام نظرا لما يكتنف شخصيته من عتمة وإشراق في الآن الواحد …شخصيته فريدة آسرة، مطبوعة بطابع الكآبة اللامحدودة …صحيح أنه كان نحيل البنية ودقيق القسمات والمحيا، إلا أنه كان قويا، يتفجر البأس من عينيه.

كان سلوكه العجيب مزيجا من الكبرياء والعذوبة والوداعة، وكل شيء فيه يشير إلى أنه كائن استثنائي بحيث إنه إذا ما وقعت عليه عين الرائي تمتلئ ذاكرته عن آخرها !

امتاز ‘آلن بو’ بقدرته الفائقة وإحساسه المدهش تجاه الأمكنة والبيوت، فكان يحول الكوخ إلى قصر . إنه صاحب مشاريع كثيرة لزخرفة البيوت وتأثيثها، وتصاميم لبيوت ريفية وحدائق، ومخططات لتحسين الريف وتجميله.

تقول ‘فرانسيس أوسغود’، إحدى صديقاته في رسالة لها :’لم تتعرف عليه امرأة إلا أحست بجاذبية عميقة نحوه…كنت أراه دائما مثالا للأناقة والامتياز وشرف النفس′.

تحدثت عن لقائها الأول، فطلب منها رأيها في قصيدته ‘الغراب’فأجابت:’الموسيقى الخفية الساحرة في هذه القصيدة نفذت إلى أعماقي ‘ثم تستطرد قائلة: ‘حتى أنني حينما عرفت أنه كان يرغب في إهدائها إلي، أحسست بشعور غريب يشبه الرعب. وأقبل برأسه الجميل الشامخ، وعينيه المليئتين بنور فريد، قد يكون الفكر والعاطفة…حياني هادئا، باردا تقريبا، لكن في هذه البرودة يتحرك تعاطف واضح أثر في أعمق التأثير. وصرنا صديقين منذ هذه اللحظة حتى موته’…

كان عاطفيا روحي النزعة تضيف ‘فرانسيس أوسغود’، وديعا تارة وشيطانا تارة أخري كطفل مدلل، وأعتقد أن زوجته هي المرأة الوحيدة التي أحبها حبا حقيقيا وصادقا…

إن شعره مشبع ومليء بالحب، تغطيه دائما كآبة لا شفاء منها، وفي قصته ‘جنة أرنهايم’ الموجودة ضمن مجموعته ‘مغامرات وأسرار’ يؤكد أن الشروط الأولية الأربعة للسعادة هي :

 الحب والحياة في الهواء الطلق، والتخلص من كل طموح، وخلق جمال جديد.

لا نعثر في أعماق هذا الكاتب الأمريكي كلها وهي كثيرة ومتنوعة على فقرة واحدة تتصل بالدعارة أو حتى بلذات الجسد، رغم موهبته الكبيرة في ماهو مرعب ومضحك.

كان سريع التأثر بالخمرة، إذ يقول الذين يعرفونه عن قرب، إن كمية قليلة من الخمر كانت تكفي للتأثير فيه …ولعل شاعرا مثله عاش في مثل وحدته وشقائه لا بد له من أن يبحث عن لذة النسيان في الشراب.

كان يهرب من آلام الحياة اليومية، ومن مشاكل البؤس إلى سواد السكر، إلي ما يشبه القبر التمهيدي…لم يكن يشرب كما يفعل الرجل الكحولي، بل يشرب كما لو أن في داخله شيئا يريد قتله.

كان سكر ‘آلن بو’ في كثير من الحالات وسيلة للتذكر، ومنهج عمل يعجز أن يقاوم رغبته وشوقه إلى العوالم العجيبة والرؤى اللطيفة الناعمة.

ولد إدغار آلن بو في بوسطن عام 1809 من أم إنجليزية تمتهن التمثيل، هرب معها أبوه وتزوجها، ثم أصبح ممثلا، حيث ظهر مع زوجته على عدة مسارح ،مات الزوجان في آن واحد تقريبا تاركين للفقر والمجهول ثلاثة أطفال بينهم إدغار آلن بو .
كان آلن بو جميل الوجه، نحيفا، شاحب اللون، تبنته فرانسيس آلان، زوجة تاجر غني، اسمه ‘جون آلان’ كان نحيلا وقاسيا، أخذاه معهما في رحلة إلى انكلترا وإيكوسيا وإيرلندا،ثم تركاه عند الدكتور يرانسبي الذي كان يدير معهدا تربويا في بلدة قرب لندن.

التحق بجامعة في ‘ريتشموند’، واشترك في أشد فترات بؤسه في مسابقتين للشعر والقصة وفاز بجائزتيهما، إلا أنه لم يمنح غير جائزة واحدة !

عمل مديرا لمجلة أدبية تصدر في ريتشموند وهو ابن الثانية والعشرين من عمره. اختلف مع صاحب المجلة بعد أن عرفت انتشارا واسعا بفعل سلسلة من قصصه ومقالاته النقدية الجريئة، وكان ساعتها قد تزوج فترك المجلة ،وكان مصيره التشرد هو وزوجته، وبعد أن ماتت الزوجة اشتدت عليه وطأة العذاب والبؤس إلى أن مات، كان ذلك عام 1849 ولم يتجاوز عمره سبعة وثلاثين عاما، مات هذا الكاتب الأمريكي الكبير فوق أحد المقاعد بالشارع العمومي.

لقد كان وسيظل إدغار آلن بو شمسا تصعق بنورها الأبيض المستقيم الأشياء كلها، وتغمر الأفق الغربي بألوان زاهية .
ألم يكن ‘آلن بو’ يشبه الشلال المندفع بطلاسم حلمه؟ ألم يكن شبيها بروح مليئة مثقلة بالحياة، تهبط وراء الأفق حاملة معها الأحلام والخواطر؟ بلا كان كذلك وأكثر…

لأنه كبير بحبه للجمال …وبشعره العميق الحزين …إنه يدفع بأسلوبه المتألق القارئ بليونة ويسر نحو الهدف المقصود …ويدخله إلى عالمه كما يدخل إلى دوامة، بهدوء ودون عنف، إن زهوه يفاجئنا، ويترك فكرنا في يقظة مما يجعلنا نشعر أن ثمة شيئا جميلا.

لقد تحدث ‘إدغار آلن بو’ بسحر رائع عن الاستثناءات والمفارقات في الحياة الإنسانية وفي الطبيعة، كنهايات الفصول المثقلة بالبهاء المسكر، والساعات الدافئة، حيث الريح الجنوبية ترخي الأعصاب كالحبال، وحيث تمتلئ العيون بدمع لا يأتي من القلب، كالفواجع التي تفتح الطريق أمام الشك، ثم لا تلبث أن تصير مقنعة ،مليئة بالبراهين …

وكالعبث الذي يسكن الذهن ويحكمه وفق منطق رهيب، إنه التناقض القائم بين الأعصاب والفكر…إنه الإنسان المتصدع إلى درجة التعبير عن الألم بالضحك.

إن شأن ‘آلن بو’ شأن ‘دي لاكروا’ الذي ارتفع بفنه إلي مستوي الشعر العظيم، يرغب في تحريك أشكاله على أرض بنفسجية وخضراء، حيث يتجلى وميض العفن ورائحة العاصفة…والطبيعة ترتعش رعشة كهربائية خارقة.

إنه يعطي معنى سحريا للأصباغ والألوان، ويجعل الأصوات تهتز برنين أكثر دلالة، وكثيرا ما تفاجئنا فلتات رائعة من الكلام والضوء واللون في ما يقدمه لنا ،فنرى بغتة أننا في مدن شرقية بل في هندسات تبدو بعيدة وضبابية …حيث الشمس تمطر الذهب، وحيث الغرابة جزء لا يتجزأ من الجمال.

هذا الشخص غاص في الفكر الإنساني، واكتشف عبر حياته الشبيهة بالعاصفة التي لم تهدأ، طرقا جديدة وأشكالا مجهولة أدهشت الخيال وروت العقول الظامئة أبدا إلى الجمال.

عن موقع جريدة القدس العربي

 المقال في جريدة القدس العربي بالـ pdf
 سيرة حياة إدغار آلان بو باللغة العربية
 سيرة حياة إدغار آلان بو باللغة الفرنسية

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)