Article de presse - مقال صحفي

أحمد أمين بين الشرق والغرب Ahmad Amin

, بقلم محمد بكري

السبت ١٥ سبتمبر/أيلول ٢٠١٢
جريدة الحياة
شمس الدين الكيلاني


جريدة الحياة


ذكر المؤرخ الكبير أحمد أمين أنه تلمَّس، أثناء زيارته لندن عام 1947، عادات الغرب وتقاليده وطبيعة مؤسساته وصناعته وإنتاجه التي تخالف مثيلاتها في بلاده. فكان لتلك الزيارة، كما يقول: «أثر كبير في مشاعري نحو الغرب»، فطرح على نفسه الكثير من الأسئلة حول مسائل الحضارة والشرق والغرب ومقاييس التقدم الحضاري.

وقف أمين عند التمييز بين مفهومي الشرق والغرب، فاستعرض التفسير الجغرافي (شرق المتوسط وغربه)، ثم التفسير القائم على الزمني: الغرب: المدنية الحديثة، الشرق: المدنية القديمة، والتفسير المستند إلى الطابع والمزاج، فأظهر ميله إلى التفسير الأخير، قائلاً: «فالمدنية الحديثة طابع ومزاج، متدرجة في سلم الرقي، فمن انطبع بالطابع الحديث عُدَّ ممدناً مدنية حديثة حيثما كان مسكنه في الشرق أو في الغرب، ومن لم ينطبع بطابعها عُدَّ شرقياً سواء كان في الشرق أو في الغرب»، بل يرى أن الأمة نفسها تنقسم في مزاجها وطابعها، داخلياً، «بين شرق قديم ..وغربي جديد، وآخرين يُعملون عقولهم ويرسمون لأنفسهم خط التقدم». فالمسألة ليست مسألة شرق وغرب، بل إن العالم كله مدينة واحدة، غاية الأمر أن بعض الأمم يستفيد من هذه المدنية الحديثة أكثر من غيره.. وقد تنهض أمة شرقية نهضة غربية كما فعلت اليابان وتركيا. فالأمر كله خاضع لظروف كل أمة ومقدار استعدادها للرقي. فإذا قيل المدنية الغربية فأول ما يدل إليها التقدم الصناعي، فإن الشرق لو وفِّق بأبحاثه العلمية إلى هذه الصناعات بعينها أو مثلها ما استُعمِلت كلمة الشرق والغرب وما حكم الغرب على الشرق. وأوروبا بنهضتها الصناعية جعلت الفرق بين الغرب والشرق شاسعاً. غير أن التقدم العلمي والصناعي لا يخوّل المدنية الحديثة هذا الفخر كلُّه، فهو تقدم من ناحية واحدة من نواحي المدنية، وهناك نواحِ أخرى للتقدم ، «كالتقدم في السلوك الخلقي وحب السلام والتعاون». وتساءل عما يجعل أهل المدنية الحديثة أرقى من غيرها؟ وما هو مقياس الرقي؟ فيجيب أن كثرة الآلات والمخترعات وحدها لا تصلح قياساً، بل ربما كان استخدام القوانين الطبيعية في الحياة اليومية خير مقياس للرقي، ويجب أن يُضاف إليه أيضاً السمو الروحي، فالمدنية الغربية تشقى الآن بسبب عدم بلوغها هذا السمو.

للمدينة الحديثة مزايا وعيوب: ومن مزاياها: بناء الحياة على العلم وبناء الإصلاح على العقل، وتحطيم الاستبداد لمصلحة سيادة الشعوب. وتقدم في فهم حقوق الإنسان، وربط العالم كله برباط واحد، وكثرة الاكتشافات وسعتها. أما جوانبها السلبية فتتجلى في كثرة الحروب فيها وهولها، وغرور أصحابها واستخفافهم بغيرهم، عبادتهم للقوة، والمغالاة في تسليط المرأة. والاختلال في التوازن بين نموها العقلي وضآلة ضميرها. ومن مظاهر ذلك سلوك الغرب تجاه الشرق.

وشدد أمين على واجب اتصال الشرق بالمدنية الحديثة وأخذه منها، غير أنه يرى هذا النقل شابه عيبان»العيب الأول أن المدنية الحديثة تُنقل كما هي من غير تمييز بين ما ينفع وبين ما لا ينفع..والعيب الثاني أن المدنية الحديثة دخلت الأمم الشرقية بالحديد والنار لا بحسب التفاهم..ولو وفق الغرب إلى أن يُشعِر الأمم الأخرى بحسن نيته وعدم استغلاله وأخذه بيده كما يأخذ الأخ الكبير بيد الأخ الصغير لنجحت المدنية الحديثة أكثر مما تنجح الآن».

وأشار إلى أن الشرق بدأ ينتقل، في القرن 18، إلى المدنية الحديثة مع تطور المواصلات بواسطة الطيران والراديو ونحوهما. ولعل الفارق الكبير بين انتشار المدنية في أوروبا وأميركا وبين انتشارها في الشرق، هو أن المخترعات الحديثة جاءت، في أوروبا وأميركا، نتيجة حوادث ذاتية حتمية، أما انتقالها إلى الشرق فكان نتيجة الاستعمار. لهذا تقبلها الأوروبي والأميركي من غير استغراب، وتقبَّلها الشرق مذهولاً مدهوشاً لأنها نبتت في غير بيئته. ومن أجل هذا عمّ التقليد في الشرقيين وكاد ينعدم الابتكار عندهم، بينما ازدهر الابتكار عند الغربيين. فيكاد الشرق ينقسم إلى قسمين، قسم يقلد الأولين في العلم والأدب، وآخر حديث يقلد الحديث الآتي من أوروبا. غير أن عقول الشرقيين» ليست أقل ذكاء ولمعاناً من عقول الغربيين ..ولم يقلّوا عنهم في فهم ما يلقى عليها. وهذا يدل إلى أن الأمر أمر تربية أكثر منه أمر خلقه وطبيعته. ولا شك في أن الشرقي لم يكن أقل شأناً من الغربي ولا أقل قدرة على الابتكار، وسيكسب العالم من ابتكاره أكثر من تقليده للغرب. ففي العالم الآن -وفق -نمط واحد من التفكير واتجاه واحد إلى غاية، فإذا ابتكر الشرقي واخترع فسيستوحي بيئته. ويصل إلى خلاصة مفادها:1-لا معنى للقول باختلاف الشرق والغرب بالمعنى الجغرافي.2-قد يكون في المدنيات السابقة للمدنية الحديثة بعض امتيازات تعوز المدنية الحديثة، هي جديرة بالاقتباس.3-أن المدنية الحديثة ليست المثل الأعلى للمدنيات، فلا تخلو من العيوب فـ «المثل الأعلى الذي ننشده هو مدنية إنسانية لا مدنية تسود فيها الوطنية والقومية (أي التعصب القومي والوطني)، وتعد العالم كله كأسرة واحدة يعالج فيها المريض حتى يصح ، ويأخذ بيد الصغير حتى يكبر، وتُسهِّل فيها السبل للمتأخر حتى يلحق المتقدم 4- خير للشرق وللعالم أن يبدأ الشرق نهضته بشخصيته الجديدة ليقدم للعالم نوعاً من الحضارة هو في أشد الحاجة إليها. حضارة يحل فيها السلام محل الحرب والتعاون محل الكفاح والتفاهم محل القهر».

ويقول بوضوح: «يمكن بصفة عامة أن نقول إن العالم كله متجه نحو الأخذ بالمدنية الحديثة، فلابد لمن يريد الآن حياة محترمة من أن يرفع من مستوى معيشته أولاً، وهذا لن يتأتى إلَّا باستخدام الآلة، وبالاستزادة من العلم والإنتاج وبمعرفة تامة بالوسائل الحديثة للتجارة وأعمال البنوك. ثم فليتجه الشرق بعد هذا ذلك الاتجاه الذي لم يتجه فيه الغرب، «فيعمل ليكون الإنتاج لمصلحة السلم وليس الحرب وليتجه بالعلم نحو سعادة الإنسان لا نحو شقائه. ولتصبغ وسائل التجارة وأعمال البنوك بالصبغة الإنسانية لا بالصبغة القومية».

عن موقع جريدة الحياة


صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة"الحياة" جريدة عربية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988 .

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)