آثار طرابلس الإسلامية، عمر تدمري (لبنان)، تاريخ

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ٢٠ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٤
جريدة الحياة
قصي الحسين


«آثار طرابلس الإسلامية» للمؤرخ عمر تدمري


يذكر الشيخ نديم الجسر مفتي طرابلس في تقديمه كتاب: «تاريخ وآثار مساجد ومدارس طرابلس في عصر المماليك» للمؤرخ الطرابلسي أيضاً الدكتور عمر تدمري: «منذ أربعين عاماً، قلت لصديقي الشيخ العالم صاحب مجلة «البيان» الطرابلسية تغمده الله برضوانه - وكنا نجتمع في «العليّة» من مأذنة الجامع المنصوري الكبير نقرأ «صحيح البخاري» في رمضان: يا مولانا، كم من السنوات مضى عليك وأنت تصلي الجمعة في هذا المسجد الجامع، قال: سنوات عديدة منذ نشأتي، قلت: هل سمعت، مرة أحداً من خطباء هذا الجامع يذكر، في آخر الخطبة عند الدعاء، اسم باني هذا الجامع، ويترحم عليه؟ قال: قط. لا في هذا الجامع ولا في سواه». يضيف سماحة المفتي: «تلك غفلة موجعة كفّر عنها الأستاذ عمر تدمري، تكفيراً كاملاً كريماً ما سبقه إليه أحد بمثل هذا السفر الضخم الشامل الجليل» (ص 9)

والواقع أن كتاب «آثار طرابلس الإسلامية» لا يقتصر على أسماء الجوامع والمساجد والمدارس في طرابلس - الشام، ولا على تواريخ بنائها وأسماء بناتها الكرام، ذلك أن المؤلف اتخذ من ذكر الجوامع والمساجد والمدارس، منطلقاً بل حافزاً للكتابة في تاريخ طرابلس في تلك الحقبة الطويلة من تاريخها الإسلامي، حتى العصر العثماني. فلم يترك جامعاً ولا مسجداً ولا مدرسة ولا تكية، إلاّ أتى على ذكرها وأرّخ لها بكل دقة، وفصل في وصفها حتى أبان عن عناصرها الإسلامية التي تتألف منها، وكأنه مؤرخ ومهندس معماري معاً وأركيولوجي حديث في آن.

ذلك أن تدمري لم يدع من داخل المساجد والجوامع التاريخية الطرابلسية، منبراً ولا محراباً ولا عموداً ولا قبة ولا قنطرة، ولا إفريزاً طنفاً، ولا فسيفساء، ولا كتابة، ولا مرسوماً سلطانياً منقوشاً، إلاّ ذكره ووصفه في حاله ومآله. كذلك وبالمماثل لم يترك سوقاً، ولا حماماً، ولا طاحوناً، ولا قرية من الموقوفات على هذه الجوامع والمساجد، ولا بوابة من أبواب هذه المدينة التاريخية، ولا برجاً من أبراجها إلاّ أتى على ذكره بمناسبة من المناسبات.

وجعل التدمري للسلاطين والأمراء والقادة والصنّاع الذين اتصلوا بأسباب بناء هذه المباني الدينية والمدنية، وبأسباب عمارتها في أزمنتها الصعبة أو التي لا تخلو من صعوبة، فصولاً مطردة شيقة في إضفاء معلومات مفصلة عن الخدمات الجليلة التي قدموها لطرابلس، من خلال الإصرار على تجميل المدينة وإعلاء شأنها الديني والمدني بين سائر مدن الشام.

إلى ذلك، تحدث مؤرخنا عن خطباء المساجد والجوامع والأئمة الكبار الذين وقفوا على منابرها، وعن المدرسين والمؤذنين والقضاة والمفتين ومن كان له أدنى صلة بها، لعلمه أو عمله. من دون أن ينسى الحديث عن المؤلفين الذين خصوا طرابلس بكتاباتهم والمؤرخين السابقين الذين درسوا أنحاءها وآثارها بكل دقة وأمانة، والرحالة الذين شدّوا الرحال إليها من أقاصي الأرض للنزول في ربوع الفيحاء، والوقوف على آثارها التاريخية الجليلة. وبذلك لم يدع مؤرخنا التدمري، رحالة أو عالماً أو أديباً مرّ بطرابلس، إلاّ واستأنى للحديث عنه والاستئناس بما قاله عن طرابلس المدينة المحروسة والمعجبة.

وفي هذا المجال، يقول سماحة الشيخ الجسر: «إنها لنشوة عجيبة تعتري الذين قرأوا تواريخ الآثار القديمة بطرابلس، ورأوا صورها، إذا أتيح لهم، ووقفوا على نصوصها في المؤلفات الضخام، فما بالك إذا شاهدوها بأعينهم ووطئوا أرضها بأقدامهم... «إنها مزيج من الدهشة والعبرة والرهبة والسرور والكآبة واللذة، ولا سيما إذا كانت تلك الآثار آثار الآباء والأجداد الذين طواهم الدهر...» ويضيف قائلاً: «وبهذه النشوة سيشاهد الطرابلسيون واللبنانيون آثار مدينة طرابلس، إذا أتيح لهم أن يتعقبوها، على الأرض، في ضوء هذا الكتاب الدليل الذي وضعه لهم الأستاذ التدمري» (ص 11).

تتصدر «قصيدة مساجد طرابلس» لسليم الرافعي، كتاب مؤرخنا التدمري، الذي جعله في فصلين كبيرين:

1- الجامع المنصوري الكبير، ونسبته إلى السلطان المملوكي المنصور قلاوون. والحديث عن أساس بنائه معبداً وثنياً وكنيسة صليبية قبل أن يصير إلى وضعه، بعد أن أذن السلطان ببنائه. ويعيّن المؤرخ الباب الرئيس للجامع، والنص الذي يؤرخ لبنائه. كما يذكر حرم الجامع ومحرابه ومنبره ونصوص كتابات الرواقات. بالإضافة إلى الرحالة: العطيفي وابن محاسن والنابلسي والقاياتي الذين زاروه في أوقات مختلفة من التاريخ القديم. وهو يتحدث أيضاً عن خطباء الجامع وأئمته من التاريخ القديم. كما يتحدث أيضاً عن خطباء الجامع وأئمته وعن المقرئين في العصرين المملوكي والعثماني. من دون أن ينسى الترجمة للسلاطين المماليك وأمرائهم الذين كانت لهم أياد بيض على تحسين بنائه وخدمة زواره وعماله. بالإضافة إلى ذلك، فقد أفرد بحثاً خاصاً للموقتين في الجامع المنصوري الكبير وذكر قرائه ومؤذنيه في العصر العثماني مستنداً في ذلك إلى أرشيف الجامع ومستنداته الوقفية.

2- وأفرد الباحث حديثاً مفصلاً لثلاث مدارس تاريخية في طرابلس هي: مدرسة الأمير قرطاي والمدرسة الشمسية ومدرسة الشيخ الهندي. وقد بنى الأولى الأمير شهاب الدين قرطاي المعروفة بالقرطاوية. وقد عرفت بالمدرسة «الأرطاوية» باللهجة الطرابلسية. وقد بنيت أثناء نيابته الأولى من (716 - 726 هـ) وتعتبر هذه المدرسة أجمل آثار طرابلس وأفخمها كلها. أما بواباتها، فتعتبر من أروع البوابات المملوكية. أما المدرسة الشمسية فتقع في «سويقة النوري»، بناء قاضي طرابلس شمس الدين أحمد بن أبي بكر بن منصور. ومدفنه فيها. وكان على المذهب الشافعي. عرف بفضله في أنواع العلوم، وشجاعته في محاربة الصليبيين. وتميزت المدرسة الشمسية بحجرة الأضرحة لثلاثة أضرحة، الوسط فيها هو ضريح القاضي شمس الدين وإلى جانبيه ضريحان لآل المولوي. أما المدرسة الثالثة التي تحدث عنها المؤلف، فهي مدرسة الشيخ الهندي. وهي تقع على يمين الداخل إلى الجامع المنصوري الكبير، بمواجهة المدرسة الشمسية. وقد بنيت في عصر المماليك البرجية. وتعتبر هذه المدرسة أصغر المدارس المملوكية المحيطة بالجامع المنصوري الكبير. وقد زينت الواجهة بشريط من الزخارف البارزة والمتعرجة. وكان يقرئ فيها حتى الزمن القريب الشيخ صلاح الدين كبارة. بالإضافة إلى بعض المدارس الأخرى التي عرفتها طرابلس الإسلامية المحروسة عبر عصورها.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)