في هجاء الفوتبول ومديحه

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الإثنين، ١٦ يونيو/ حزيران ٢٠١٤
جريدة الحياة
عبده وازن


أجمل كتاب قرأته أخيراً عن الفوتبول هو «كرة القدم بين الشمس والظل» للروائي الإسباني إدواردو غاليانو في ترجمة عربية متقنة أنجزها صالح علماني، هذا المترجم الدؤوب الذي أتحف المكتبة العربية بعيون الادب الاسباني والاميركي - اللاتيني. هذا الكتاب هو خليط مشاهدات وحكايات وتأملات مستخلصة من قلب الملعب ومن «جحيم» اللعبة أو فردوسها، وعبرها يرصد الروائي بعين المحترف والهاوي الشغوف، تفاصيل المشهد «الاحتفالي» والعناصر التي تصنعه، بشراً وأشياء.

أما أغرب كتاب عن الفوتبول قرأت عنه أخيراً فهو «إحدى عشرة قصة لتقرأيها وحيدة في مساءات مباريات الفوتبول» للكاتبة الفرنسية «النسوية» إيمانويل بوانييه، والكتاب كما يدل عنوانه، موجه الى النسوة اللواتي يهملهن أزواجهن في ليالي الفوتبول، مُفرغين وفق قول الكاتبة، «طاقاتهم» الجنسية و «الليبيدو» أمام مشاهد العنف الذكوري. لعل الكاتبة بالغت في موقفها النسوي هذا، فالمرأة ليست غريبة كمتفرجة عن لعبة الفوتبول، مثلها مثل الملايين من البشر. وفي أحيان تحتل الفتيات والنسوة صفوفاً وصفوفاً في المدرجات.

غالباً ما يجد الناشرون، الاوروبيون بخاصة، في حلول المونديال كل أربع سنوات، فرصة سانحة لإصدار الكتب عن الفوتبول ولعبة كرة القدم، وباتت المكتبة الاوروبية تعجّ بالعناوين «الكروية» التي تجذب القراء بحقولها المتعددة. وفي العلاقة بين الادب والفوتبول باتت الكتب لا تُحصى، وقد انبرى على تأليفها نقاد وروائيون وحتى شعراء، مثلهم مثل الفلاسفة وعلماء الاجتماع والميديا والعلماء النفسيون الذين كانت ظاهرة الفوتبول لديهم، مادة للتأمل والتحليل. ولعل أجمل ما يصدر أدبياً في هذا الصدد هو كتب «المختارات» أو «الانطولوجيات» التي تضم منتقيات مما كتب الأدباء عن لعبة الفوتبول وعن الكرة واللاعبين والجمهور. ومن خلال مثل هذه «المختارات» يمكن استخلاص مواقف غاية في الطرافة أعلنها روائيون وشعراء من العالم أجمع.

يُجمع معظم الكتّاب على مديح الفوتبول ورهبته وعلى السحر الذي يمارسه على المتفرج وعلى قدريته والمجهول الذي يواجهه، لكنّ بضعة كتّاب لم يتوانوا عن هجائه ونقد ثقافته الاستهلاكية والعنف الذي يضمره. وفي مقدّم هؤلاء الناقدين والساخرين الكاتب البريطاني جورج أورويل الذي قال عن هذه اللعبة انها «نوع من القتال» و «طريقة في إعلان القتال»، ووصف المباراة بكونها حفلة «يركل الشبان فيها بعضهم سيقان بعض وسط زمجرة المتفرجين المهتاجين». ويعترف انه كان يكره هذه اللعبة التي لم يلمس فيها متعة ولا فائدة وأنه لم يشجع أحداً عليها. أما الناقد السيميولوجي والروائي الايطالي أمبرتو إيكو فخلص الى أن لعبة الفوتبول مجرد حركات تفتقر الى المعنى. إنها في نظره لعبة من ألعاب العبث، لا هدف لها، على رغم عالميتها. الكاتبة الالمانية الفريدة يلينك الفائزة بجائزة نوبل فاجأت قراءها بهجائها الفوتبول متحدثة عن ذكورية هذه اللعبة وما تحمل من دعوات الى التعصب القومي والعنف والفاشية. وهذه التهم وجهها الروائي أورهان باموق الى لعبة الفوتبول التي يعدّها من وجهة تركية بمثابة آلة للتحريض القومي وزرع الخوف من الآخر والتشجيع على الفاشية، علماً انه كان من هواتها في شبابه. وفي رد مداور له على جملة ألبير كامو الشهيرة قال باموق إنّ الفضيلة لا يمكن ان تعلمنا إياها كرة القدم. وكان كامو، المفتون بالفوتبول، قال في جريرة مديحه الهائل لهذه اللعبة التي مارسها في الجزائر: «أفضل ما أعرف عن الفضائل وواجبات الانسان إنما يعود الى الفوتبول». وفي كتاب كامو «الرجل الاول» الذي صدر بعد وفاته من دون أن يكمله، صفحات بديعة عن الفوتبول والمباريات.

الكتّاب الذين أحبوا الفوتبول وتغنّوا به وبالكرة وأسرارها وبقدرية هذه اللعبة وعبثيتها الجميلة هم لا يُحصون. حتى الشاعر الالماني الصوفي والوجودي ريلكه أحب هذه اللعبة. الشاعر الايطالي أوجين مونتالي وجد فيها «متعة صرفاً». الشاعر والسينمائي بيار باولو بازوليني عشقها ورأى فيها «عرضاً فنياً استطاع أن يزيح المسرح». وبدا قدر هذا الشاعر «كروياً» فهو قتل في ملعب لكرة القدم في جريمة غامضة. جان بول سارتر تحدث عن اللعبة فلسفياً قائلاً: «في لعبة الفوتبول كل الأشياء معقدة جراء وجود فريق خصم». ووصف اللعبة مرة بـ «المجاز» (ميتافور) الذي يختصر الحياة كلها. الكاتب الفرنسي أندريه موروا قال عنها إنها «الذكاء مجسّداً»... أما أطرف ما يمكن أن نقرأ في هذا القبيل فهو وصف شكسبير أحد الاشخاص في مسرحية «الملك لير» قائلاً: «أنت يا لاعب الفوتبول الحقير». أيّ لعبة فوتبول يقصد شكسبير هنا، ومعروف ان هذه اللعبة اختُرعت عام 1880 بينما عاش صاحب «عطيل» بين العامين 1564 و1616؟

في كل مونديال نتذكر كرة القدم ونبحث بين الكتب عمّا قيل عنها وفيها، وهو كثير وكثير جداً. وما يدعو الى الاستغراب أننا لا نلجأ الى المكتبة العربية لنبحث عن مبتغانا هذا، بل الى المكتبات الأجنبية.

متى ستصبح لدينا كتب عن كرة القدم، نحن العرب المفتونين مثل سوانا بهذه اللعبة السحرية التي عولمت العالم قبل صعود الايديولوجيات الراهنة ؟

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)